أعترف، أحب المواعيد النهائية

تذكّر أنَّ المواعيد النهائية حليفتك، وليست ذلك الوجه المتجهم الذي يراقبك وسيظل يراقبك إلى أن تنجز عملك. 

تبدو علاقتي بالمواعيد النهائية (Deadline) مثيرة لدهشة كل شخص أعرفه. وعندما بحثت عن وصف دقيق لعلاقتي الغرامية بها، أقنعتني مقولة دوقلاس آدمز: «أحب المواعيد النهائية، أحب الإصغاء إلى هبوب اندفاعها السريع إليّ.» واليوم، بينما أستمتع بحماس العمل في الساعات الأخيرة قبل انتهاء موعد تسليم هذه التدوينة، أتذكر خبرًا طالعته منذ فترة عن مقهى ياباني يضغط موظفوه على مُرتاديه، ويجبرونهم على البقاء حتى الانتهاء من مهامهم! 

بدأت علاقتي مع المواعيد النهائية في أثناء دراستي الماجستير، حين كنت ملتزمة أسبوعيًّا على مدار ثمانية أشهر بخمس وريقات بحثية أصيلة، وخمسة عروض تقديمية بالإنجليزية. بدا الأمر وكأنه خطة لدفعي تجاه الاحتراق النفسي، لكني وجدت نفسي بعد فترة بسيطة أتكيف مع الضغط. بل اكتسبت بعض المهارات، كالقدرة على التركيز والإتقان والالتزام، والالتقاط السريع للأفكار الجديدة، وحتى طلب المساعدة إن احتجتها.

لكن مثلما هي الحال مع كل علاقة حب، فهذه العلاقة ليست مثالية. فالمواعيد النهائية قد يكون لها أثرٌ عكسيّ، إذ يشجع طول المهلة الممنوحة على التسويف. فقد توصل باحثون إلى أن طول المهلة الذي يزيد على الوقت المطلوب لتنفيذ المهمة يجعلها تبدو أصعب مما هي عليه؛ مما يؤدي إلى عوارض جانبية، مثل تشتت الانتباه في تفاصيل ثانوية ليست ذات أهمية بالنسبة للعمل. 

كما قد يحوّل مهام سهلة إلى مهام طويلة التنفيذ، فيما يُعرَف بـ«قانون باركنسون» (Parkinson’s Law)، الذي ينص على أن «العمل يتمدد بحيث يملأ فجوة الوقت المحدد للانتهاء منه.» 

ولا ننسى أن علاقتنا بالمواعيد النهائية تعتمد على السمات الشخصية، ومدى تقدير الشخص للموقف وللوقت ولقدراته. ففي الوقت الذي يتهرب بعضنا من الموعد النهائي، يرتاح بعضنا الآخر إلى وجوده. تلك النسبية هي ما دفع البروفيسور الاقتصادي ستيفن نولز إلى استنتاج أن أفضل طريقة لإنجاز العمل هي عدم تحديد موعد نهائي أصلًا للانتهاء من العمل.

ورغم توصية البروفيسور، إلا أننا سنظل نعيش في عالم من المواعيد النهائية، وليس من الصعب الوصول إلى حالة من السلام معها. فمع بعض الالتزام والترتيب والتحايل، بوسعنا إعادة المواعيد النهائية إلى حجمها المسالم الطبيعي. ولا تنسَ أنه يمكننا دومًا طلب المزيد من الوقت، إن كانت المهمة شاقة بالفعل وتحتاج منا إلى الاستزادة. فصحتك النفسية ليست ترفًا في عالم يواصل ركضه بلا هوادة.

وتذكّر أنَّ المواعيد النهائية حليفتك، وليست ذلك الوجه المتجهم الذي يراقبك وسيظل يراقبك إلى أن تنجز عملك. 

الإنتاجيةالإنسانالعملالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام