تمثيل القطيفي في سطار
عند تناول موضوعاتنا الثقافية، علينا النظر فيها برويّة أكبر وفهمها بشكل أوسع، عوض استخدام ذائقتنا المحضة لقياس ما يليق وما لا يليق.
سيظل «طاش ما طاش» العمل السعودي الأبرز، وذلك بسبب طول السلسلة وشمولية موضوعاتها وتنوع شخصياتها، وللقضايا ذات الخصوصية السعودية التي تناولتها نقدًا ومعالجة. لذلك، لن يكون مستغربًا حين أقول إنَّ غياب الشخصية الشيعية -القطيفية على وجه الخصوص- عن هذه السلسلة كان أمرًا محزنا بالنسبة لي.
فلماذا أرى المواقف الكوميدية والساخرة لشخصية فؤاد وأسعد عمر قلي الحجازيتين، وأبو علي الجنوبي وغيرها من الشخصيات التي تتوزع على جغرافية بلادي، دون أن يكون هناك تمثيل لأحد مكونات الوطن الذي أنتمي إليه. كان السبب في ذلك حساسية تناول المجتمع الشيعي آنذاك، والتخوّف من ردة فعل سلبية على إقحام شخصية قطيفية في عمل كوميدي.
لكن حين ظهرت شخصيات قطيفية في مسلسل «سيلفي 2»، في حلقة «على مذهبك»، جاءت ردة فعل المجتمع القطيفي -ربما- غير متوقعة للبعض. فقد لاقت الحلقة رواجًا واحتفاءً كبيرين جدًا، وكأنَّ القطيفي يقول: وأخيرًا هناك من يشبهني وبثقافتي في التلفاز.
عُرض خلال الأسابيع الماضية الفلم السعودي الكوميدي «سطار» والذي لا يزال يحقق أرقامًا قياسية في شباك التذاكر. لكن ما يعنيني في الفلم هو «التمثيل» بمعنى (representation)، حيث ظهر الممثل القطيفي حسن عوجان في مشهدين/لقطتين قصيرتين جدًا كأحد المشجعين، مع ذكر سطرين باللهجة القطيفية. إلا أن ذلك كان كافيًا لإثارة حفيظة بعض «القطافة».
فاللهجة التي تحدث بها حسن عوجان هي لهجة أهل القطيف دون مبالغة أو تشديد، وهي لهجة جزيرة تاروت تحديدًا. بل تلك هي لهجة حسن التي يتحدث بها في عروض الستاند أب كوميدي ومقاطعه القصيرة وحتى مقابلاته على اليوتيوب.
هي لهجة ليست حكرًا على حسن، بل هي اللهجة التي يسمعها القطيفي وغيرها في الشارع وفي الحياة اليومية. اللهجة التي أسمعها في سوق السمك والخضار وفي النادي الرياضي وفي الملاعب والمقاهي. يخيل لي أنَّ هؤلاء المعترضين لا ينزلون إلى حيث يوجد الناس والعامة، أو أنهم من خارج القطيف.
وأستغرب ممن يعطي مثل هذه التعليقات السلبية وهو لا ينتمي لثقافة المنطقة المعنيّة. ولا أتحدث هنا عن التمثيلات السلبية المحضة، كأن يظهر صانع أفلام كل شخصية نجرانية –مثلًا– بالشخصية كثيرة الكذب، إنما أتحدث عن التفاصيل الثقافية لكل منطقة؛ كيف يتكلمون وماذا يلبسون وماذا يأكلون وكيف يقولون نكاتهم وكيف يتزوجون.
مثل هذه السمات الثقافية تُترَك لأهلها، وهم من لهم الحق في التعليق عليها، لأن ذلك قد يؤدي إلى سقطات محرجة، وربما قد تبرز احتقارًا مبطنًا.
إذ تخيل أن يعلق أحدهم قائلًا: انظر كيف يرتدي هذا الأردني الشماغ مع البدلة، أو انظر إلى هذا اليمني كيف يرتدي الإزار مع السترة. يظن القائل أنه يدافع عن أصحاب هذه الثقافة، في حين أنه ومن حيث لا يشعر يحتقرها ضمنيًّا. فهو يرى هذه الصور مهينة، في حين أنها قد تكون من ثقافة بعض أهالي تلك المناطق.
كذلك الاشمئزاز من اللهجة القطيفية على الشاشة الكبيرة قد يستبطن احتقارًا للهجة والاعتقاد بعدم أهلّيتها للظهور في فضاءات أوسع من المحيط الصغير والفضاءات الضيقة لأزقة القرية. فحين تظهر في فضاءات أوسع بشكلها الطبيعي وبصورة طبيعية وبشكل بسيط جدًا، تكون مخجلة له.
التمثيل موضوع معقد جدًا، وهو ليس ذا خصوصية عربية. ففي هوليوود غابت ثقافة السكان الأصليين عن هولييود لعقود طويلة، إلى جانب إشكالات تمثيل الأقليات فيها. لذلك عند تناول موضوعاتنا الثقافية، علينا النظر فيها برويّة أكبر وفهمها بشكل أوسع، عوض استخدام ذائقتنا المحضة لقياس ما يليق وما لا يليق.
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.