لماذا نحب ميسي ونكره رونالدو؟

رونالدو شخصية صاخبة واحتفاليته صارخة، يقول ما يعتقد بصراحة –وبسذاجة أيضًا– حتى لو كان ما يقوله خلافيًّا وغير مقبول.

«تشتغل كتير، تغلط كتير، تترفد.. متشتغلش خالص متغلطش خالص تترقى وتتجازى!»، هذه القاعدة الأساسية للموظف المثالي التي قدمها الفنان محمد صبحي بإحدى مسرحياته. وإن كانت النكتة تستبطن حقائق عميقة، إلا أنَّ تعميمها ممكن، فأستطيع القول مثلًا: «تتكلم كتير تغلط كتير.. تتكره، متتكلمش خالص متغلطش خالص تتقدر وتتحب!»

فعندما ننظر إلى ثنائية ميسي ورونالدو، نجد أنَّ كارهي رونالدو أضعاف كارهي ميسي، هذا إن كان له كارهون أصلًا. مع العلم أن أيًّا منهما لم يفعل ما يستحق الكراهية، فليس لهما أي آراء سياسية معلنة، ولكليهما أفعال خيرية كثيرة.

ولأننا قادرون على ممارسة صنوف الحيل النفسية على ذواتنا، فإننا نأبى أن نكون كارهين دون أسباب، فتلك ليست من صفات الفرد العاقل. فنسوغ هذا الكره بوصف رونالدو أنه مغرور، لا يحتفل مع زملائه حين يسجلون الأهداف، يمثل لكسب الأخطاء الحرة، جل أهدافه من ركلات الجزاء، يستعرض ثراءه، تصرفاته مع مانشستر يونايتد، مقابلته مع بيرس مورقان.. وغيرها من الأسباب غير المقنعة بتاتًا. 

في ظني، ليس للحُكم الأخلاقي عَلاقة في هذا الكره، إنما هو محاولة تسويغ غير موفقة لمشاعر انطباعية غير مهذبة سلوكيًّا. فالسبب الرئيس وراء كره رونالدو دون ميسي يكمن في الصفات الشخصية لكل منهما. ميسي شخصية باهتة جدًّا، مملة، خجول، عائلي، هادئ، قليل الظهور إعلاميًّا، غير خلافي البتة، «ميتكلمش خالص»، لذلك هو ليس مادة جيدة إعلاميًّا. ومثل هذه الشخصيات لا تُشكّل أي تهديد لأصحاب الثقة المزعزعة.

في المقابل، رونالدو شخصية صاخبة واحتفاليته صارخة، يقول ما يعتقد بصراحة –وبسذاجة أيضًا– حتى لو كان ما يقوله خلافيًّا وغير مقبول. كلا ميسي ورونالدو يعتقد أنه الأفضل في العالم، لكن ميسي لا يقولها، في حين يكررها رونالدو مرارًا. حضوره مدوٍّ، لافت للأنظار في أي مكان يحضره، ومثل هذه الشخصيات تجعل من النظراء والأنداد وغيرهم من الجمهور «آخَرَ» لها. 

وهذا الحضور الطاغي يُحوّل كل شيء إلى منافسة. ليس لرونالدو أعداء، بل من غير المنطقي أن نقول عكس ذلك؛ إذ لا يجمعنا أي أمر شخصي به، لكن لكلٍّ منا «آخَر». صخبه يقول ضمنيًّا: أنت لست أنا، أنا هنا وأنت هناك. 

ثنائية «الأنا والآخَر» دائمًا ما تنتج العدوانية هذه. وما دام «الأنا» يتكلم كتير فهو «يغلط كتير» في نظر الآخر، ويتحول كل ما يقوله أو يفعله مستمسكًا عليه، ومادة جيدة للتداول الإعلامي.

انظر إلى المشهورين من حولك، وخصوصًا المكروهين. قد تجد أن كراهيتك تجاه أكثرهم غير مسوغة، وربما ستسوغ كرهك من جانب أخلاقي، ولكنه لن يكون بالمسوغ المقنع.

الأخلاقالإنسانكرة القدمالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+390 متابع في آخر 7 أيام