كم مرة اشتريت قطعة لا تحتاجها؟

تحولنا مع مرور الوقت إلى ثقافة الاستهلاك بشراهة، لدرجة أنّك قد تشتري قطعة لا تحتاجها؟ سواء كانت ملابس أو مفارش أو غيرها من المنتجات المختلفة.

«في خِضم كل هذه التحديات التي تواجهنا اليوم. وكلّ المشاكل التي نشعر بأنها أكبر منا، وخارج نطاق سيطرتنا. لعلنا نبدأ من هنا… من الملابس» هل تتخيلون أنّ كل قطعة نرتديها وكلّ ما ننام عليه، من مفارش فاخرة، أطرافها مزيّنة بالدانتيل، أو مطرّزة. وكل الأقمشة التي تستلقي بدلال على مقاعد غرف الجلوس والمجالس الكبيرة والصغيرة، لمستها أيدي بشر؟

بغض النظر عن تلك القطع الثمينة التي نعرف صانعها أو نطلبها منه مباشرة. أكتب هنا عن الملابس والمفارش وأغطية الكنب المكدّسة على أرفف محلات البيع بالتجزئة، مثل إتش اند إم ودبنهامز وزارا… إلخ.

صغر الفكرة واجعلها في نطاق مدينتك واسأل نفسك:

  1. كم فرع لإتش اند إم في مدينتك؟ لنفترض أنها ثلاثة.

  2. كم طراز من الملابس يحتوي الفرع الواحد؟ لنفترض 3,000

  3. كم قطعة استوردها الفرع من كل طراز؟ نفترض 50

150,000 قطعة في كل فرع

المجموع 150,000 قطعة في كل فرع من فروع إتش اند إم الثلاثة بشكل أسبوعي أو شهري في مدينتك فقط. كم استغرق العمل على هذه القطع؟ من عمل عليها؟ وكم كلفت القطعة الواحدة؟وكم الكيلومترات التي قطعتها لتصلنا؟

يُجيبك الفيلم الوثائقي The True Cost عن هذه الأسئلة وأكثر. يصدمك بواقع الاستهلاك المخيف الذي نعيشه. واقع التجار الماديين الذين جعلوا منّا أدوات ليزدادوا ثراءً. ستكتشف بعد مشاهدته أن ثوبك الجميل صنعته يدًا دامية، أو أمًا مكلومة، أو عاملاً بسيطًا أجره الشهري لايتجاوز حفنة ريالات، تصرفها أنت في مشوار واحد صباحًا على كأسِ قهوة.

وستكتشف أسوأ من ذلكـ عندما تُفجع بالأمراض والإعاقات الجسدية التي يسببها استهلاكك.

مصطلح «الموضة السريعة» أو «الفاست فاشن» ظهر مؤخرًا. ويعتمد على بيع الملابس بأسعار منخفضة تتوفر في يد كل الطبقات. يمكنك انخفاض الأسعار من شراء قطعة ملابس يوميًا. لتصبح مستهلكًا بدون وعي أو حساب لقيمة ما بين يديك، لأنه لا يكلفك الكثير من المال.

كيف تبيع المحلات الملابس بقيمة منخفضة؟

يلجأ التجار إلى الدول النامية مثل بنجلاذيش والهند. ويتعاقدون مع مصانع لصناعة الملابس بكميات كبيرة وتكلفة بسيطة مثل 20 هللة مقابل كل بنطال جينز. بالمقابل يعمل العمال تحت ظروفٍ صعبة، وأجر متدني. ويتعرضون للموت بسبب سوء المباني والخدمات. ويتعرض أطفالهم وعوائلهم للأمراض والتخلف بسبب مخلفات هذه الصناعات العشوائية.

لا يقتصر الفيلم على استعراض متاجر الموضة السريعة وتعرية حقيقتها فقط. بل يتناول أيضًا محاولات بعض الناشطين في أميركا، والهند، وبنجلاديش على فرض حدٍ أدنى لأجور العمال، ومباني آمنة لهم، وظروف صحية تناسب الإنسان. باءت أغلب المحاولات بالفشل. إلاّ أنّهم مستمرون. كما أنّ الفيلم ينقل معاناة العمال داخل بيوتهم ويقابل أطفالهم ويصور مظاهراتهم في الشوارع ويبيّن قتلى المظاهرات كذلك.

«العلامات التي يستعرضها الفيلم، هي علامات أميركية. ولذلك استشهد أحد الضيوف بخطبة مارتن لوثر الابن عندما قال: أميركا تحتاج إلى ثورة قِيَم. يجب أن تتوقف عن التعامل مع الناس كأشياء. يجب أن تتوقف عن التعامل مع الناس بطريقة لا تهدف إلا للربح. وإنما يجب أن تعامل الناس باحترام وإنسانية».

الأطفال هم الحكاية الأكثر مأساوية في هذا الفيلم. عملهم وكدّهم ومرضهم وموتهم وتشوهاتهم وظروفهم. حياة لم يختاروها ولا يملكون رأيًا أو قرارًا فيها. مسلوبي الإرادة والعافية والحياة الكريمة.

قبل كل مشوارٍ للمجمعات ومراكز التسوق، تذكروا أن ازدياد الاستهلاك اليومي للملابس يزيد من طلب التاجر. وارتفاع الطلب يعرض العمال للقبول بالشروط الوضيعة التي يفرضها رب العمل. لأنّ الأيدي العاملة كثيرة، ويمكنه استبدالهم بسرعة. وتدني الأجر يفاقم مشاكل الفقر ويزيدها.

بعد مشاهدة الفيلم، اسأل نفسك، لو كنت أنت من عمل على القميص أو الشماغ الذي ترتديه صباحًا إلى عملك، بكم كنت ستبيعه؟ وماهو مقدار الجهد الذي ستبذله؟

الاحتباس الحراريالاقتصادالتخففالعمالةالمجتمعالرأسمالية
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية