تصميم تجربة المستخدم.. المفهوم والتحديات والمستقبل
يجب أن يتميز المصمم ويبدع في مجاله، وفي الوقت نفسه أن يكون الطابع العام لتصميماته البساطة والسهولة، وتحقيق الغرض المهم من المنتج.
تُعد تجربة المستخدم من المجالات الواعدة في الحياة، ويُلاحَظ انتشارها في جميع الأصعدة مؤخرًا. ولكن بما أن المجال جديد، فيحتاج إلى شرح المختصين وأصحاب التجربة فيه. لذلك أشرح في هذا المقال تفاصيل عن تجربة المستخدم من نظرة المصمم، وأول هذه التفاصيل أن حياة مصمم تجربة المستخدم غير تقليدية، إذ إن المصمم يدقق بالتفاصيل ويهتم بالأمور التي لا يلاحظها أحد، كأنه يملك عدسة مكبرة لكل الأمور في الحياة وعصا سحرية تبحث عن الحلول للمشكلات التصميمية.
وقبل أن أتعمق في التفاصيل، أحتاج أن أوضح بعض المصطلحات، وأبدأ مع أهم مصطلح وهو: مفهوم تجربة المستخدم.
ماهية تجربة المستخدم
تجربة المستخدم مثل أي علم أو مجال له آراء عدة، أما عندي فأفضِّل التعريف الذي يكون شاملًا لكل رحلة تصميم تجربة المستخدم، وهذا يتلخص في هذا التعريف: «جميع الإجراءات والخطوات التي تحدث خلال البدء في المنتج أو الخدمة أو قبله أو حتى بعد إطلاقه.»
وبما أن أغلب المنتجات في وقتنا الحالي منتجاتٌ رقمية، فمن الضروري توفير تجربة مستخدم إيجابية وناجحة؛ فهي الأساس لنجاح هذا المنتج الرقمي، وتجربة المستخدم هنا تكون عاملًا رئيسًا لهذا المنتج، فمثلًا لو كان هناك منتج رقمي فكرته خدمة شراء من متجر إلكتروني، ولكن أحد أهم الإجراءات التي سيتبعها المستخدم لم تتوفر فيها السهولة والبساطة مثل خدمة إنهاء شراء المنتج الذي اختاره المستخدم، فإن المستخدم سيتجه مباشرةً إلى المنتج المنافس، ولا شك أن هذا الأمر حصل لك عزيزي القارئ، فقد حصلي لي أنا شخصيًّا مع أحد التطبيقات ولم أعد أستخدمه.
يوم في حياة مصمم تجربة المستخدم
لكي نتعرف على تجربة المستخدم عن قرب بكل تفاصيلها، أطرح هنا مثالًا عمليًّا لمصمم تجربة المستخدم في حياته، إذ تدخل هذه التفاصيل في روتينه اليومي وحياته بصفة عامة منذ استيقاظه من النوم. وبناء على ذلك، سوف أبدأ حياة المصمم في قالب قصصي، وسأذكر الأمور التي يلاحظها خلال يومه، ولتكن أحداث القصة تدور حول المصمم محمد.
لنفترض أن محمد موظف، وعليه سيبدأ يومه بصفته مصمم تجربة مستخدم من تصميم المنبه، لقد ضَبَطَ محمد المنبه ليستيقظ للعمل، ولديه اجتماع مهم، ولكن بسبب تصميم الوصول إلى زر الغفوة بكل سهولة استيقظ وأطفأ المنبه ولم يحضر الاجتماع.
عادةً هذه الطريقة لا تصلح مع جميع المستخدمين مثل محمد، لذلك جعل أحد مصممي تجربة المستخدم إمكانية إيقاف المنبه في الهاتف الذكي بعد حل مسألة رياضية.
وهذه ليست المشكلة الوحيدة التي تحتاج إلى تفكير مصمم تجربة المستخدم في حل لها، فقد طرأت على بالي -في أثناء كتابة هذه السطور- فكرة أخرى، وهي أننا نحتاج إلى حل لمشكلة استخدام الجوال في لحظات الاستيقاظ الأولى.
نكمل مع محمد، بعد ذلك حرك محمد السيارة للذهاب إلى المكتب، ولكنه لاحظ وجود زحمة وتكدس للسيارات، كما لاحظ أن هذا الطريق سبَّب أكثر من حادث خلال الآونة الماضية بفعل المنحنيات والتصميم السيئ. ثم ذهب لاجتماع مهم مع أحد العملاء، ولكن عندما وصل عانى بسبب مشكلة في دخول البوابة، فقد كان مكتوبًا عند الباب «ادفع» ويوجد أمامه مقبض للباب! وهذه من المشكلات الشهيرة في تصميم الأبواب بما يتعلق بتجربة المستخدم.
وقد نوقش هذا الأمر في كتب أو مقالات عدة تهتم بتجربة المستخدم، منها: كتاب «تصميم الأشياء اليومية» (The Design of Everyday Things) وسُمي بـ«باب نورمان» (Norman Door)، إذ إن التصميم يعطي انطباعًا مختلفًا، فمثلًا يكون مكتوبًا على الباب عبارة «اسحب الباب» ولكن لا يوجد مقابض لسحب الباب، أو يكون العكس، إذ توجد عبارة «ادفع الباب» مع وجود المقابض، حينها يصاب المستخدم بالحيرة من تصميم الباب وطريقة التعامل معه، وما الإجراء المطلوب لتنفيذ المهمة.
وبعد الاجتماع قرر محمد الذهاب إلى دورة المياه، وكانت الشركة في مجال الإبداع والتصميم، إلا أنه توقف دقائقَ يفكر في الفرق بين دورة المياه المخصصة للرجال ودورة المياه للنساء، إذ إن الشعار كان فنيًّا لدرجة لا يمكن فيها التمييز بينهما.
وفعليًّا هذه من أغرب المشكلات التي لاحظتها، وهي إحدى قواعد قابلية الاستخدام؛ أي عدم استخدام الأشياء المألوفة أو المعروفة في الأماكن العامة، إذ إن المتعارف عليه في شعار دورات المياه بالمطاعم من جانب الإبداع فقط حرفي الـ(M) والـ(W)، فلماذا لم تُستخدَم الرموز والأيقونات التي تدل على دورة المياه بدلًا من صورتَي الرجل والمرأة؟
بعد العمل قرر محمد الذهاب إلى متجر لشراء بعض الحاجيات، وكان يبحث عن أحد المنتجات الصحية وهو «كعك الأرز»، ولكن لم يجد طلبه مع المنتجات الصحية، ووجده مع الأرز!
وكما هو الحال في ترتيب المعلومات وهيكلتها والتنقل في الصفحات، نجد هذا منعكسًا على الواقع في شراء اللوازم البيتية من المتاجر، فمثلًا بحثت مرة عن «كينوا»، فوجدت أن بعض المتاجر تضعها مع قسم المنتجات الصحية والبعض الآخر مع القسم المستورد.
وبعد يوم طويل عند العودة إلى المنزل، لاحظ محمد وجود إضاءة قوية خلفه وأمامه، كادت أن تسبب بانحرافه إلى المسار الآخر، ولكنها كانت في النهاية إضاءة لإحدى اللوحات الإعلانية في إحدى الطرق.
ومن المشكلات التي لاحظتها ليس فقط عندي وعند محمد، بل عند أكثر من شخص، خصوصًا في شبكات التواصل الاجتماعي، وقد تحدّث العديد عنها؛ اللوحات ذات الإضاءة المشعة، ففي إحدى المرات ظننتها كاميرا تصوير سريعة، خصوصًا عند التبديل بين إعلان وآخر، فهي مزعجة، وقد تظن أنها كاميرا أو إضاءة إحدى السيارات من خلفك.
من رحم الضغوطات تُولد الحلول
انتهى يوم محمد مصمم تجربة المستخدم بسلام على الرغم من المعاناة التي مر بها والملاحظات التي انتبه إليها، وهي وإن كانت يسيرة، ولكنني متأكدة أنها من الممكن أن تحسِّن جودة الحياة وتساهم في حل مشكلات عدة وتُطوِّر التجربة في جميع جوانب الحياة.
عادةً ما ترهق كثرة المشكلات والتعقيدات تفكير المستخدم، وتجعله يتخذ قرارات بناء على الضغوطات والتعقيدات التي يعانيها، لكون العقل البشري يحتاج إلى التركيز على أمور الحياة والقرارات المهمة، وهذا من أحد القوانين المستخدمة في تجربة المستخدم، وهو أيضًا قانون في علم النفس لفهم طبيعة الإنسان، واسمه «قانون ملر» (Miller ’s Law)، وينص على:
«يستطيع الشخص العادي الاحتفاظ بسبعة عناصر مع زيادة أو نقصان عنصرين في الذاكرة المؤقتة.»
والذاكرة المؤقتة أو الذاكرة العاملة؛ نظامٌ لفهم المعلومات والاحتفاظ بها مؤقتًا يشابه الذاكرة قصيرة المدى.
مهارات مصمم تجربة المستخدم
لا شك أن أمام مصمم تجربة المستخدم تحديًا كبيرًا في مجاله، وعليه أن يتبنى بعض المهارات الناعمة لكي يتميز عن غيره من المصممين، فمن المهارات التي تجعله أقرب لفهم المستخدم وتقديم أفضل الحلول الملائمة له، من وجهي نظري، ما يلي:
أولًا: الملاحظة والتركيز
يجب أن تكون مهارة الملاحظة لدى مصمم تجربة المستخدم فعالة بدرجة أكبر من غيره، ومنها يلاحظ المنتجات حوله لا إراديًّا، مثلما حصل معي عندما كتبت هذا المقال، فقد صُدِمت بكمية المعلومات التي ظهرت عن طريق الملاحظة فقط.
ثانيًا: التعاطف
بمعنى أن تضع نفسك في مكان المستخدم باختلاف خلفيته التقنية والمعلوماتية (Demographics) مثل العمر والجنس وهل هو ذكر أو أنثى، ولا تفكر عزيزي المصمم بوضعك بصفتك شخصًا مهتمًّا بالمجال أو خلفيتك التقنية التي تكون بين متوسطة إلى ممتازة وتقدم حلولًا بناء على احتياجك وقدراتك بدلًا من مراعاة خلفية المستخدم النهائي للمنتج.
ثالثًا: الصبر
من المهارات المهمة، التي تتطور مع الوقت فعلًا، وتأتي بعد عمل اختبارات قابلية الاستخدام ومقابلات المستخدمين للتأكد من المنتج ومعرفة نقاط القوة والضعف والأداء العام له، بل في بعض المرات عند بدء المقابلة قد لا تجد ردة فعل مناسبة من المستخدم، وتحتاج إلى تلطيف الأجواء لذلك.
استنسخ الناجح ولا تبتكر الجديد
رابعًا: التحليل
المصمم بحاجة إلى هذه المهارة لتحليل الأمور وربط المعطيات للوصول إلى مخرجات الاختبارات والتجارب للمنتج، إذ إن الاختبارات وحدها لا تكفي، ولكن يحتاج إلى كتابة التقارير ومنها التوصيات لتحسين المنتج.
خامسًا: الاطلاع ومعرفة الجديد
التجديد شيء ضروري في وقتنا الحالي لمختلف المجالات والقطاعات، ولكنه لمصمم تجربة المستخدم مهم جدًّا لوجود أجهزة جديدة وبرامج كثيرة.
مستقبل تصميم تجربة المستخدم
مجال تجربة المستخدم مثل أي مجال آخر؛ متطور ومتغير بطبيعة التغييرات السريعة التي نعيشها، وخصوصًا التقنيّة منها، وأتوقع أن يكون في المهام الوظيفية لمجالنا تفصيل أكثر، وطبعًا ينبغي ألّا ننسى عامل حجم المنشأة والمنتج والفريق والميزانية، فهو عامل مهم لذلك، وعليه سأذكر فيما يلي توقعاتي لمستقبل تجربة المستخدم في عدة مجالات.
أولًا: في مجال تصميم أجهزة المساعدة الصوتية
أتوقع ألا يكون التصميم فيها محصورًا فقط في الواجهة الرسومية والتطبيقات المتوفرة في الجهاز اللوحي والهاتف، بل سوف تشمل أجهزة المساعدة الصوتية مثل ألكسا وقوقل هوم وأبل هوم وتصميم الصوت والتفاعل مع المستخدم.
ثانيًا: في مجال التصميم المخصص للفئات
أتوقع أن يكون هناك مراعاة وتخصيص أكثر من قبل الشركات وتسهيل قابلية الوصول إلى فئات محددة مثل كبار السن أو المراهقين.
ثالثًا: في مجال الواقع الافتراضي والمعزز
مع تطور المجال والتغيير والثورة القادمة وخصوصًا مع وجود النظارات ثلاثية الأبعاد، أتوقع أن يكون هناك تصميم وتركيز لذلك من قبل المصمم.
رابعًا: في مجال الأجهزة القابلة للارتداء
مثل الساعات أو النظارات أو أي جهاز ذكي يحتاج إلى تجربة مختلفة بحكم الظروف وحجم الشاشة المخصصة لإتمام المهمة.
خامسًا: في مجال الفن والإبداع في التطبيقات
يجب أن يتميز المصمم ويبدع في مجاله، وفي الوقت نفسه أن يكون الطابع العام لتصميماته البساطة والسهولة، وتحقيق الغرض المهم من المنتج، وليس الإبداع والجمال الفني البعيد عن سهولة الاستخدام. Click To Tweet
مثلما حصل لصديقنا محمد في تصميم دورة المياه.
ختامًا، وبعد أن تعرفتَ -عزيزي القارئ- على مجال تصميم تجربة المستخدم، ما رأيك.. هل هو مجال ضروري فعلًا في وقتنا الحالي؟ وما توقعك للمنتجات في المستقبل؟