ميسي على طريقة ريكيلمي وليس بيركامب

يتبقى مباراتان فقط للأرجنتين في طريقها لكأس هي الأغلى منذ زمن، لن يَكْفُر ميسي بالتكتيك خلال القادم، لكنه سيلعب بروح مجانين كرة القدم.

سجل ميسي هدف الأرجنتين الثاني ثم ركض نحو دكة احتياط المنتخب الهولندي، ليصبح في مواجهة المدير الفني للطواحين السيد لويس فان خال. رفع ميسي يديه ووضعهما خلف أذنيه وكأنه يريد أن يستمع إلى صوت الجماهير. لكن تلك الطريقة في الاحتفال يعرفها فان خال جيدًا، إنها طريقة رومان ريكيلمي، الشبح الذي يطارده منذ عشرين عامًا.

عندما تكون بحوزتك الكرة تكون أفضل لاعب في الملعب، وبمجرد أن تفقدها تختفي تمامًا وكأننا نلعب بعشرة لاعبين.

كان ذلك هو الحديث الحاد الذي أطلقه لويس فان خال في وجه رومان ريكيلمي عندما كان مديرًا فنيًّا لبرشلونة قبل عشرين عامًا، كان ريكيلمي صفقة البلوجرانا الجديدة، التي لم تستمر داخل صفوف الفريق أكثر من عام، والسبب فان خال.

لم يكن فان خال شريرًا، ولم يكن ريكيلمي الضحية كما يبدو، لكن الحقيقة أن كرة القدم كانت تتغير تغيرًا عنيفًا، حيث لا مكان للحالمين أمثال ريكيلمي. كانت الكرة تتجه توجهًا صارخًا نحو السرعة والعنف والتكتيك والأرقام.

لم يكن ريكيلمي خليفة مارادونا كما تمنى الجميع، لكنه كان امتدادًا منطقيًّا لروماريو الذي يرفع الكرة من فوق رأس الحارس دون أن ينثني العشب من تحت قدميه. أو باجيو الذي بث الروح في إيطاليا لمرات ثم مات وحيدًا في النهاية. صورة في ألبوم يضم صور ستويشكوف وهاجي وفالديراما، لكنه أتى في زمن فان خال.

بمجرد تحديد المواجهة بين الأرجنتين وهولندا في ربع نهائي كأس العالم قطر 2022، تذكر الجميع هدف بيركامب الشهير الذي أطاح بالأرجنتين خارج كأس العالم 1998 على ملعب فيلودروم في الدقيقة الأخيرة. وكان السؤال المنطقي، هل يمكن لميسي أن يصعد بالأرجنتين بفضل لمسة سحرية مثلما فعلها بيركامب قديمًا ضد أبناء جلدته؟

انتظر ميسي خمس وثلاثين دقيقة فقط ثم فعلها على طريقته الخاصة تمامًا. فبينما لم تدرك كاميرا العنكبوت ذاتها أن هناك لاعبًا على يسار الملعب اسمه مولينا في وضعية تسمح بتسجيل هدف، رآه ميسي دون أن ينظر إليه. باغت الجميع بتمريرة نحو الفراغ، لكن هذا الفراغ المُعتقد كان المنطقة التي تقدم لها مولينا فأصبح في مواجهة المرمى تمامًا محرزًا الهدف الأول.

أحرز ميسي الهدف الثاني من ركلة جزاء وركض ليحتفل أمام فان خال على طريقة ريكيلمي الشهيرة لتنكشف رسالة ميسي أخيرًا. لقد عشت حياتي رفقة الأوروبيين غارقًا في التكتيك والفنيات والأرقام والبيانات والأسهم المتداخلة فوق سبورة خضراء، لكن كل هذا لا جدوى منه بقميص الأرجنتين.

لم يشفع لي كل هذا من أجل العودة بالكأس إلى بوينس آيرس، سأفعلها اليوم على طريقة اللاتينيين فقط. سأكون الحريف الذي يسجل بوقاحة في وجه كل التنظيمات الدفاعية المعقدة معتمدًا على مهارته الخالصة وليس اللاعب ذا اللمسة الفنية التي تليق بلوحة زيتية في بيت ثري. سأكون ريكيلمي وليس بيركامب.

تعقدت الأمور واستطاعت هولندا العودة في النتيجة بفضل تكتيكات فان خال، ألم نقل من قبل إن فان خال لم يكن الشرير في القصة؟ لكن القصة هذه المرة تبدو منحازة للدراما، لذا وعلى الرغم من العودة انتصر ميسي ورفاقه في النهاية.

قبل المباراة كانت المقارنة بين ميسي وبيركامب منطقية، لكن بعد روح الأرجنتين وميسي خلال تلك المباراة يبدو أن ريكيلمي بالفعل هو النموذج الأقرب وليس بيركامب. لم يؤمن ريكيلمي يومًا بالتكتيك ولم يفهم لماذا عليه العودة للدفاع، فقط مرر لي الكرة و سأحرز هدفًا. كان هذا محض جنون بالطبع.

يتبقى مباراتان فقط للأرجنتين في طريقها لكأس هي الأغلى منذ زمن، لن يَكْفُر ميسي بالتكتيك خلال القادم، لكنه سيلعب بروح مجانين كرة القدم ومريديها، سيلعب بروح ريكيلمي اللاتينية وليس بعقليته، لعل هذا هو السر لكي يعود بالكأس في الفرصة الأخيرة.

كأس العالمكرة القدم
مقالات حرةمقالات حرة