نيمار: الخروج من الظلِّ إلى شمس قطر الساطعة
طوال مسيرة نيمار الكروية كان ما يثقل كاهله أنه يحاول إثبات أنه الأفضل؛ لكن هذه المرة عليه أن يساعد الجميع، دون الالتفات إلى بقعة الضوء.
يقولون إنه إذا أراد شخص ما الطيران، فعليه التخلص أولًا مما يثقل كاهله. أغلب الظن أن البرازيلي نيمار لا يعرف شيئًا عن تلك المقولة. ليس لأنَّه لا يحمل ما يثقل كاهله؛ بل لأنَّه في كل مرة تتهيأ له ظروف الطيران، يفاجئك بأنه لم يحاول حتى القفز.
ظهر نيمار، في بلاد تتنفس كرة القدم، بألوان قميص «سانتوس»، ربما هو البرازيلي الوحيد الذي لم يلزمه وَطْء أرض القارة العجوز بقدميه لكي يعرفه الناس. كانت مهارات نيمار استثنائية تمامًا، ما خلق حوله هالة أكبر من أن يغفلها أحد.
لكن هالة نيمار لم تتعلق بمستواه الفني فقط؛ ومن هنا تحديدًا يشتعل فتيل القصة.
أدرك نيمار أنه قادر على سحر ألباب المشجعين، وأدرك المحيطون به أنهم يمتلكون جوهرة يتضاعف ثمنها مع الوقت. وقّع نيمار عقود رعاية مع«نايكي» و«ريد بول» و«باناسونيك» وهو في العشرين فقط.
أرادت كل أندية أوربا انتداب نيمار، لكن وحده برشلونة هو من استطاع أن يؤمّن الشروط اللازمة لذلك. شروط لا يمكن منحها إلا لرجل سيكون الأهم في الفريق دون شك.
مُنِح والدهُ عمولة 40 مليون دولار نظير عملية الانتقال، أنفق النادي 300 ألف يورو من أجل طائرة خاصة تقل نيمار وعائلته وأصدقاءه خلال يوم تقديمه إلى الجمهور. تلقى نيمار أيضًا 500 ألف يورو سنويًّا ليوافق على أن يكون سفير برشلونة في البرازيل.
ذهب نيمار إلى برشلونة، وهو يشعر بأنه أهم رجل في العالم؛ لكنه وجد نفسه في النهاية في ظل «ليونيل ميسي». فلتذهب كل العقود المبرمة إلى الجحيم، وليدله أحدهم على كيفية انتزاع الضوء من ميسي على أرض الملعب.
لا يمكن لأحد أن ينسى ليلة الريمونتادا التاريخية أمام باريس، بعد انتهاء المباراة التي كان نيمار بطلها دون شك، تجمعت الجماهير حول ميسي، وكأنَّهم في محاكاة لمشهد «سوبرمان» الشهير. أما نيمار البطل الحقيقي لتلك الليلة كان ممثلًا ثانويًّا في ظل هذا المشهد المهيب.
أدرك نيمار أن ميسي أسطورة ضخمة تلقي بظلالها على الجميع، لذا قرر الرحيل بعيدًا لعله يبصر شمسًا لا تغطيها ظلال ميسي إلى الأبد. أصبح نيمار لاعبًا في صفوف باريس سان جيرمان بعقد جعله الأغلى في العالم بفارق شاسع. Click To Tweet
انتظر الجميع ليبرهن نيمار على صحة اختياره، وأنه قادر على أن يقود فريقه الجديد نحو مجد أوربي منتظر، لكنه لم يثبت ذلك قط. آلف نيمار البحر الهادئ في باريس، حيث أموال وفيرة وفوز محلي مضمون. تراخى نيمار مع الوقت وترك «مبابي»، ليكون نجم باريس الأغلى والأهم، بل وحضر ميسي ذاته راجيًا نهاية هادئة في ظل بحر باريس الذي لا يثور.
غفل نيمار أن هناك قميصًا وحيدًا يمنحه الفرصة ليكون الأفضل مثلما فعل لأساطير من قبله، أسماء مثل روماريو وريفالدو ورونالدو لم تُصْبَغ بصبغة النجومية إلا بقميص البرازيل.
واتته الفرصة المثالية خلال كأس العالم 2014، حيث تستضيف البرازيل البطولة، ويعول الجميع على نيمار ليرفع الكأس في نهاية سعيدة، لكنه أصيب في ثمن النهائي بعد تدخل مرعب من «زونيجا» لاعب كولومبيا، ثم ودعت البرازيل البطولة بخسارة مذلة أمام ألمانيا.
تكررت الفرصة خلال كأس العالم 2018، لكن نيمار خذل الجميع، لقد تفنن في الغطس باحثًا عن احتساب مخالفات عديمة القيمة، أو الصياح بعد كل مخالفة حقيقية متذمرًا من عنف الخصوم، وكأنه اعتاد ملاعب باريس الأنيقة، ونسي ملاعب البرازيل الترابية التي أعطته كل هذا المجد.
ودعت البرازيل البطولة مرة أخرى ليخرج الصحفي البرازيلي «جوكا كفوري»، متهمًا نيمار بأنه يعاني من متلازمة بيتر بان. إذ يرفض التصرف بصفته شخصًا مسؤولًا، لأنه اعتاد أن يحيا في فقاعته الخاصة المريحة. لقد أصبح بيتر بان البرازيلي في الثلاثين من عمره؛ فهل يتوقف عن المغامرات ويعود إلى الواقع؟!
بعد أيام قليلة يظهر نيمار في كأس العالم قطر 2022، في فرصة أخيرة ليثبت أنه الأفضل، بعيدًا عن المقارنات. يختلف الأمر هذه المرة؛ فالبرازيل تدخل البطولة بفريق شبه متكامل، يعج بالكثير من النجوم وهنا مربط الفرس.
طوال مسيرة نيمار الكروية كان ما يثقل كاهله أنه يحاول إثبات أنه الأفضل؛ لكن هذه المرة عليه أن يساعد الجميع من حوله، دون الالتفات إلى بقعة الضوء. فليساعد «فيني» و«رودريجو» المنطلقين كالصواريخ، فليكف عن الصراخ ألمًا ويصرخ في وجه الخصوم مثلما يفعل «كاسيميرو»، فليركض للخلف ويرتمي من أجل منع هدف في مرمى «أليسون».
يومها فقط يستطيع نيمار الطيران، يومها فقط سيكون الأفضل.