لا تكتب بلغة «بطتنا بطّت بطتكم»
كلما زاد مستوى تعليم الشخص، زاد الحشو الذي يستخدمه في الكتابة، ولعل ذلك يفسّر كثرة الزوائد بالأبحاث العلمية.


من أوائل التحديات التي واجهتها، في بداية دراستي العليا، فهم الأبحاث العلمية وكتابتها. إذ وجدت أن قراءة لغة الأبحاث المعقدة مرهقة؛ فلم أفهم سبب اللجوء إلى مصطلحات غير مألوفة، ولا عدم اكتفاء الجمل على ما يؤدّي المعنى دون حشو.
مثلًا، جملة كهذه: «تقدّم هذه الورقة البحثية تحليلًا لأهم العناصر التي تكوّن دراسات السرطان، مستدلةً بدراسات تمثّل تحديات يضمّنها البحث في الأحياء» لم تعنِ لي شيئًا.
أُدرك أن الدراسات العلمية والكتب الأكاديمية موجّهة إلى متخصصين في مجال ما، لكن ذلك لم يجعلني أتقبّل هذا الأسلوب أو أفهمه. لذا بدأت أبحث عن مصادر تعينني في فهم الأبحاث، ووجدت أحد الأكاديميين ينصح بدورة «الكتابة العلمية». تتمحور الدورة حول أخطاء شائعة في صياغة الأبحاث العلمية.
فتحت الدورة عينيّ على الحشو الذي نقرأه، ليس في الأبحاث فحسب، بل في الوثائق جميعها، كالتقارير والعقود التي تُكتب بجمل طويلة ومصطلحات معقّدة تُبعد القارئ عن النص. وبدأت أتساءل عن سبب شيوع هذا الأسلوب أساسًا، وإمكانية التخلّص منه.
ووجدت أن ويليم زينسير قد شرح الزوائد التي تُفسد النص، قائلًا إنَّها «عادةً ما تحدث بما يتناسب مع التعليم والمرتبة». أي كلما زاد مستوى تعليم الشخص، زاد الحشو الذي يستخدمه في الكتابة، ولعل ذلك يفسّر كثرة الزوائد بالأبحاث العلمية. كما أثبتت دراسة أمريكية أنَّ الأشخاص يستخدمون مصطلحات معقّدة لإبهار زملائهم في العمل.
ليس إبهار الزملاء النتيجة الوحيدة لاستخدام لغة تبدو معقّدة، فوجود مصطلحات غير مألوفة في العقود أمر معتاد، رغم أنها تجعل العقد صعب الفهم والمفاوضة. لذا ظهرت حركات لكتابة العقود والوثائق القانونية بلغة مبسّطة، يسهل فهمها حتى لطالب بالمدرسة الثانوية. فشركة جنرال إلكتريك من الجهات التي طبّقت هذا المبدأ، الذي أدّى إلى تقليل الوقت المطلوب لمفاوضة العقود بمعدّل 60%.
ما تعلّمته عن الزوائد بالنصوص لم يؤثّر مباشرةً في مرحلة الكتابة، بالنسبة إليّ، بقدر ما أثّر في التحرير الذي يأتي بعده. إذ أيقنت أن كثرة الكلمات لا تعني بالضرورة إضافة قيمة إلى القارئ، وبدأت أطرح أسئلةً حينما أقرأ ما كتبته: هل يمكنني الاستغناء عن كلمة أو تركيب ما؟ هل استخدامي المصطلحات هادف وواضح؟ أم أترك القارئ مع طلاسم زائدة لا تعني له سوى «بطّتنا بطّت بطن بطّتكم»؟


نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.