لماذا نسكب الحليب في المتاجر!

نصحني الطبيب منذ عدة سنوات بالتوقف عن استهلاك منتجات الألبان مثل الزبادي والجبن وغيرها. ومنذ بدأت تطبيق هذه النصيحة، تحسنت صحتي وبشرتي بشكل كبير وملفت. ولأكون صادقًا، فإنني أتناولها في بعض الاستثناءات، لكنها ليست كثيرة.

ورغم موقفي الصحيّ المناهض من منتجات الألبان، إلا أنني لا أفهم تصرفات بعض الناشطين المدافعين عن حقوق الحيوان، ووقوفهم وراء انتشار ظاهرة سكب الحليب في المتاجر البريطانية من أجل ما وصفوه بـ«الرغبة في الحصول على مستقبل أفضل.» 

في عالم الإدارة، هناك عدة حيل (أو سمّها طرق) لإقناع الطرف الآخر برأيك، منها حيلة أستخدمها عادةً في عملي. تُسمّى هذه الحيلة بـ«المحادثة المعرفية» (The Cognitive Conversation)، وتُستخدم عندما يعارضك الطرف الآخر لسببٍ موضوعي بحت. ويُبنى نجاح هذه الحيلة على امتلاكك حجج سليمة وطريقة عرض جيدة.

مثلًا، تصوّر محادثتي هذه معك: «أنصحك بشرب القهوة السوداء كل صباح، فهي تنشط الجسم وتحسن من مزاجك العام، كما أنك تستطيع الحصول عليها من أي مكان وبسعر زهيد، وهي عديمة السعرات الحرارية!»

لاحظ أنني ركزت في الجملة السابقة على القهوة، ولم أتطرق أبدًا لمنتجات الألبان التي عادة ما تضاف عليها، فشرحت لك فوائد القهوة بشكل عام ونصحتك بها. فالمعلومات التي ذكرتها طبيًا صحيحة، وعرضتها بطريقة تفيد الطرف الآخر.

قد تقول لي إنّك تفضّل مشروبًا مضافًا له الحليب، هنا قد أدخل معك في التفاصيل، لكن يجب أن نتفق على محددات النقاش. فلدينا في المثال السابق: الفائدة (تنشّط الجسم)، والتكلفة (سعرها زهيد)، والصحة (عديمة السعرات). ومهما كانت أولوياتك من بينها، فالقهوة ستكون بديلًا أفضل لك بدون إضافة منتجات الألبان (ستكون أخف هضمًا وأرخص سعرًا وبدون سعرات الحليب الحرارية.) 

طبعًا لا أفترض أنّك فورًا ستوافقني الرأي، وتعترف أنك على خطأ بشربك اللاتيه! فأنت أيضًا لديك حجج تستند عليها وتعتقد أنها منطقيّة، لذلك سأظل أدخل معك في محادثات معرفية بشكل مستمر حتى أقنعك.

فأنا شخصيًا سكبت الحليب من حياتي؛ لأنَّ طبيبي مارس معي حيلة المحادثة المعرفية، واقتنعت بها لأنَّ أولويتي كانت الصحة. لكن من يسكبون الحليب اليوم لم يفهموا أوليات الأشخاص من حولهم، وبالتالي لم يستفد أحد من فعلهم. بل فشّلونا (نحن مناهضو الحليب) وأظهروا أننا بلا حجة سليمة، لأنهم افتقدوا لطريقة العرض الجيدة وحجة الإقناع السليم!