في ليلة صعبة مليئة بالكرات الطويلة والصراعات البدنية بين المنتخبين، عبر الأخضر إلى نصف نهائي كأس العرب بعد التغلب بنتيجة (2-1) على استاد لوسيل، الذي يأمل المنتخب السعودي العودة إليه مرة أخرى لحمل اللقب يوم 18 ديسمبر المقبل.

لم تكن ليلةً سهلةً، وهذا أمر طبيعي لأسباب عدة، لكن يجب ألّا ننسى قتالية المنتخب الفلسطيني ومحاولته تقليص الفجوات الموجودة كلها من خلال التضحية والعطاء البدني العالي من اللاعبين. كان الحافز النفسي والمعنوي عاليًا لدى لاعبي منتخب فلسطين ونحن نعرف الأسباب وراء ذلك، وشاهدنا نتائج ذاك التحفيز في دور المجموعات عندما تفوق الفلسطينيون على منتخب قطر ثم منتخب تونس.

ربما يكون ثلاثي خط وسط المنتخب السعودي هو أحد الأمور التي أثارت الانقسام بين المشاهدين، خاصةً مع وجود ثنائي مثل مصعب الجوير ومراد هوساوي على مقاعد البدلاء، وهم يقدمون أنفسهم بصورة رائعة جدًا خصوصًا عند امتلاك الكرة.

وبالنظر إلى مباريات البطولة الأربعة وطبيعة المنافسين، من الطبيعي جدًا أن يكون محمد كنو الرجل الأول في خط الوسط لهيرفي رينارد خلال هذه البطولة؛ بسبب اللعب الطويل الكثير والمتكرر من المنتخبات، الذي أصبح طابعًا للمنتخبات العربية الآسيوية مؤخرًا. أهمية محمد كنو لهذه المباريات كبيرة جدًا مع طول قامته التي تساعد في اللعب الهوائي.

لعب المنتخب السعودي 248 كرة طويلة خلال 4 مباريات في كأس العرب، منها 120 كرة صحيحة بنسبة صحة وصلت إلى 50.5%، وهو رقم منخفض؛ لأن المنتخب السعودي من كل كرتين طولية يخسر واحدة. وهذا الجانب أكثر خطورةً عندما نواجه منتخب العراق أو منتخب الأردن في الدور القادم المتمكنين من هذا الأسلوب.

سيبقى السؤال الأهم حينها، هل نحاول المجاراة؟ أو نحاول أن نفرض ما نريد؟ القرار غير سهل، ولكل قرار سلبيات يجب أن نجتازها لنعبر إلى النهائي. لكن وجود لاعب مثل مصعب الجوير على مقاعد البدلاء هو أشبه بخسارة ذخيرة لا يملكها غيرك في هذه البطولة.

سيأخذ المنتخب السعودي يوم راحة أطول من خصمه في نصف النهائي، وأمام رينارد اختبار قادم ليس سهلًا: أمام منتخب متأهل إلى نهائيات كأس العالم ومرشح للفوز باللقب وهو منتخب الأردن، أو أمام منتخب العراق الذي عانى أمامه المنتخب السعودي أيضًا قبل أسابيع في مدينة جدة.

الأكيد أن ليلة الاثنين المقبل في استاد البيت ليست سهلة، وعلى لاعبينا الاستمرار بالتركيز والقتالية التي أظهروها خلال مباريات هذه البطولة؛ لتحقيق الهدف والعودة إلى استاد لوسيل مرةً أخرى يوم 18 ديسمبر بإذن الله.

ماذا قال هيرفي رينارد في المؤتمر الصحفي؟

يصل هيرفي رينارد إلى قاعة المؤتمرات الصحفية في استاد لوسيل وهو سعيد، حتى أنه أطال في المؤتمر الصحفي بغير العادة.

ابتدأ: «نحن سعداء بالوصول إلى نصف النهائي، وأهنئ اللاعبين ونهنئ منتخب فلسطين أيضًا، فقد كانت مباراتهم الخامسة في مدة قصيرة، وبالنسبة لفلسطين هناك الكثير من الجهود في الملعب أشيد بها.»

يسأل صحفي فرنسي ويقول: «لم يشارك سالم في مواجهة المغرب ولم يسجل الفريق، هل هذا مقلق للأداء الهجومي؟» أجاب رينارد: «أعتقد أن أداء اللاعب رائع، وكان غيابه لأجل إراحته لكي يستعيد قواه. وقد سجل محمد كنو ثلاثة أهداف في البطولة، وبعض اللاعبين لدينا هدافون، وبالطبع بدون هذه الموهبة من الصعب أن نفوز بهذه المباريات.»

وحول العودة للخلف بعد تسجيل الهدف الأول، قال: «لم يكن الأمر كذلك، ولم نتعمده. المباراة تغيرت بالنسبة لفلسطين بعد تسجيلنا والتحكم بالمباراة. حوَت المباراة الكثير من الكرات الطويلة والتنافس على الكرة والتنافس المباشر، وأعتقد أننا استطعنا إنهاء المباراة بالصعود إلى نصف النهائي، وبذلنا قصارى جهدنا ولعبنا بتناغم. نعم لسنا مثاليين، ولكننا تفادينا الخسارة والخروج.»

قال أيضًا: «كان الأمر صعبًا بالنسبة لصالح أبو الشامات لكي يلعب أكثر من 65 دقيقة. جاء الأداء بكفاءة عالية مع أن هناك هدف ملغي لأجل التسلل، وهجمة خطيرة لم تحتسب ركلة جزاء، وسجلنا من اليسار، كما أدى اللاعبون ببراعة اليوم. وبروح الفريق هذه استطعنا الصعود.»

وحول المعاناة التي توقعها أمام منتخب فلسطين قبل المباراة، قال: «توقعنا أنها مباراة صعبة، شاهدنا المباراة ورأينا الحماس والطاقة، ولاننسى أنهم لعبوا أمام قطر وتونس، وسبب خروج تلك المنتخبات هو مستوى منتخب فلسطين. لم يصلوا هنا بلا جهد، ولم نستهن بهم، ونهنئ المنتخب الفلسطيني الذي واجهنا على أرضية الملعب. نلعب اليوم بالطاقة التي نستطيع استثمارها، وقلت للاعبين قبل المباراة: "أمامكم مباراة صعبة وعليكم اللعب بشكل مباشر والهدف الأساسي هو أن نصعد." أهنئ فلسطين على هذا الأداء وهذه الجودة، ولهذا السبب لعبنا مباراةً صعبةً.»

وعن مستوى التحكيم في اللقاء، قال: «الشيء الوحيد الذي سأقوله إن التحكيم موجود لحماية اللاعبين وفي رأيي هذا لم يكن كافيًا اليوم، إلغاء ركلة الجزاء بسبب ارتطام الكرة باللاعب لا أراه قرارًا صحيحًا.»

حول سبب المعاناة اليوم أمام منتخب فلسطين، قال: «كان الشوط الأول صعبًا لأنه مطلوب منا خلق الفرص، كما علينا الاحتفاظ بالكرة، والمنتخب الفلسطيني يلعب الكرات الطويلة، وشيئًا بشيء استطعنا الاستعادة والضغط.»

يكمل: «لسنا بالأداء المثالي من الناحية الهجومية ولكن النتيجة هي الأهم، قلت سابقًا إن اللاعبين لا يلعبون دقائق بالدوري، ونحتاج إلى تحسين الأمر وهذا وقت قول ذلك، وقت الفوز. سالم وفراس يلعبان وهذا كل ما في الأمر. وليس هناك دقائق للاعبين بالمشاركة هجوميًا، وهم يحتاجون مزيدًا من دقائق اللعب لكنهم يجلسون على الدكة. أتمنى أن نغلق هذه الثغرة لأنها تؤثر على الأداء.»

وقال حول تغيير أسلوب اللعب: «أعتقد أننا لعبنا أمام منتخبات قوية حتى الآن، والأمر ليس جديدًا، ونحن نحب الاستحواذ كما قلت، واستحوذنا ضد المغرب على الكرة. علينا أن نسرع وتيرة اللعب والهجوم، وهي نقطة ضعف علينا العمل على حلها.»

يكمل: «نعمل أيضًا على حل التمريرات والتحول السريع لمجرى اللعب وتحسين مستوانا. والاستحواذ فقط لا يعني الفوز بالمباراة، علينا التوازن بين صناعة الفرص والاستحواذ.»

مرةً أخرى يسأل صحفي غير سعودي هيرفي رينارد عن قوة الدوري وغياب مشاركة اللاعبين السعوديين (مللت من السؤال الذي يتكرر للمرة الخامسة على التوالي)، أجاب هيرفي رينارد: «أنا نفسي ليس لدي شيء لأغيره، أنا مدرب المنتخب الوطني كما قلت، أنتم "يشير إلى وسائل الإعلام" المسؤولون عن تمرير هذه الرسالة المهمة؛ لاعتقادي أن الأمر في محله، يجب أن يُوازَن التفكير بالمنتخب ولاعبيه ولاعبي الدوري، ليس فقط لكأس العالم 2034 بل من الآن وحتى كأس العالم 2026 وكأس العالم 2030.» 

وحول من يفضل مواجهته في نصف النهائي، منتخب الأردن أو منتخب العراق، قال:« لعبنا ضد العراق في التصفيات وهي مباراة صعبة، وأعرف الأردن جيدًا لأن المدرب سلامي صديقي وعملنا مع بعض قبل ذلك، وهو يعمل بشكل ممتاز، وتأهل الفريق إلى كأس العالم ووصل إلى مرحلة بعيدة في كأس العرب. المباراة صعبة مهما كان الخصم، وسنأخذ المباراة وسنشاهد تحليل الأداء، وأتمنى أن تذهب مواجهتهم إلى أشواط إضافية.»

أما عن ضغط المباريات وتأثير ذلك، قال: «بدايةً لدينا يوم راحة إضافي للتعافي بالمقارنة مع الخصم لذلك نتمنى أن تذهب مواجهة العراق والأردن إلى الأشواط الإضافية؛ لكي نتفوق على الخصم بدنيًا. وكما قلت هناك يوم إضافي للتعافي، فالمباراة متوازنة وعادلة، ونحن نأخذ المباراة بجد ونريد أن نلعبها بأفضل طريقة ممكنة. وأعتقد أن كلا المنتخبين يستحق الفوز.»

ماذا قال نجم المباراة محمد كنو في المؤتمر الصحفي ؟

يصل محمد كنو الفائز بجائزة رجل المباراة، بروحه الفكاهية التي تختفي بشكل سريع عندما يتحول الأمر إلى حديث جدي.

قال بدايةً: «مبارك للشعب السعودي يستحقون هذه الفرحة، ومنتخب فلسطين قوي وقدموا مباراة كبيرة، والأهم من المباراة التأهل وقد تحقَّق ذلك.» وأكمل قائلًا: «أهدي الهدف للوالدة والشعب السعودي، وأنت تستاهل يا الفريان بعد.»

عن الرسالة التي يريد توصيلها المنتخب السعودي، قال: «قدمنا إلى هنا ليس فقط لكي نلعب بعض المباريات ونغادر، قدمنا إلى هنا للفوز بالبطولة. ولم نكن بالمستوى المعهود اليوم، لكن الأهم في هذه المباريات هو الفوز والتأهل، وتعديل أخطائنا. ونحتاج وقفة الجمهور معنا في القادم.»

وُجِّه إليه سؤالان فقط أجاب عنهما بسرعة ثم غادر القاعة؛ ليستكمل علاجه بعد أن لعب كامل المباراة بالوقت الأصلي والإضافي.

شكرًا رجال المنتخب، أشعلتم ليلة الخميس حبًّا وفرحة، وتركتم في القلوب فخرًا لا ينتهي. كانت مباراة تحبس الأنفاس، وتطبع في الأفئدة انتماءً يتجدد كل حين.

فالكم اللقب صقور الأخضر