«غرباء حميمون» في عالم الائتلاف المستحيل 🫂
زائد: كيف تشفى من الاعتداء المستتر ❤️🩹

أفكّر كثيرًا مؤخرًا فيما قاله الشاعر الأمريكي ذو الأصول الصينية لي يونق لي حين تحدث عن المفارقة الغريبة التي تجمع التنفُّس بالكلام. فالشهيق يملؤنا حياةً؛ يمدّ الدم بالأكسجين، ويشدّ العضلات، ويُقوي العظام، ويجعلنا نشعر أننا هنا بكامل ثقلنا ووضوحنا. لكن في لحظة الامتلاء تلك، نصمت. لا لغة تُولَد مع الشهيق، ولا كلمة تخرج من صدرٍ يكتظّ بالحياة.
وحين نزفر، نُحرِّر الحروف من أفواهنا. فلا يتشكّل الكلام إلا مع الهواء الخارج، المُستخدَم. غير أنّ هذا الزفير هو نقصان أيضًا، تتراخى الأجساد قليلًا، وتلين العظام مجازًا، وتخفّ القبضة التي تشدّنا إلى الوجود، كأن للكلام ثمنًا يُدفع من الحيوية، فكلما أفصحنا أكثر انكشفت حياتنا أكثر، وكلما تكلّمنا خرج منّا شيء لا يعود.
لعلّ في اللغة سرٌّ من أسرار المصير، فالمعنى يتكاثر حين تتراجع الحياة خطوة. وكأننا نتدرّب على وداع كبير في كل جملة، وعلى كشفٍ نهائيّ في كل زفرة. هكذا يصبح الكلام محاكاةً صغيرة للموت، والموت قراءةً أخيرة للحياة. فكِّر في هذا وأنت تمارس التنفس والكلام.
في هذا العدد، يقرأ لنا الزبير عبدالله الأنصاري رواية الكاتب السعودي عزيز محمد الأخيرة «غرباء حميمون»، وأحدثكم في هامش عن الاعتداء المستتر وكيف نستطيع التعافي منه.
إيمان العزوزي


«غرباء حميمون» في عالم الائتلاف المستحيل 🫂
الزبير عبدالله الأنصاري
يختصر عنوان رواية «غرباء حميمون»، للروائي السعودي عزيز محمد موضوعها وهاجسها الرئيس، فهي تتعلَّق بالاغتراب المتأصِّل الذي لا تجدي أي «حميمية» في رفعه أو إلغائه.
وهذه الرواية هي العمل الثاني لعزيز بعد روايته الأولى «الحالة الحرجة للمدعو ك»، وكلاهما تلتقيان في معالجة ثيمة الاغتراب، وهو من الموضوعات المألوفة في الرواية العربية والعالمية، خصوصًا بمفهومه الوجودي المرتبط بالقلق وعدم التكيُّف واستكشاف الذات المعاصرة في مكابداتها المستميتة -والمميتة ربما- لإضفاء المعنى على الأشياء، بالاعتماد، حصرًا، على الذات وليس على أي مرجعيات قائمة في الخارج.

وكما يذكر شاكر عبدالحميد في كتابه «الغرابة: المفهوم وتجلياته في الأدب»، فإنَّ للغرابة اتجاهين رئيسين في الرواية:
الأول: غرابة غير المألوف، أي حين تتجسَّد «الغرابة» من خلال «حالات التحول والازدواج والمسخ والنسخ»، كما في رواية «التحول» لفرانز كافكا.
الثاني: غرابة المألوف، أي حين لا يتعلَّق الأمر بالتحول أو المسخ، وإنما بحالة من التكرار والفوضى والعبث و«الاختلال في الشعور بالواقع والذات»، كما نجده أيضًا في رواية أخرى لكافكا هي «المحاكمة».
ويمكن القول إنَّ رواية «غرباء حميمون» من هذا النوع الأخير، فالاغتراب هنا ليس مسخًا للمألوف، بل مسخٌ لمعناه؛ فهو فقدان مطلقٌ للمعنى في كلِّ ما ينبغي أنْ يكون مألوفًا كالأماكن التي استوطنَّاها، والأشخاص الذين نعيش معهم.
وتُقدِّم الرواية، الصادرة حديثًا عن دار رشم للنشر والتوزيع، شخصياتٍ مكتملة النمو، مع لغة سردية استطاع المؤلف ضبط درجتها بدقة بين التقريرية والشعرية، فلا هي بالتقريرية البحتة، فتعجز عن التعاطي مع الاستبطان الذاتي للشخصيات وما يتطلَّبه من تجريد، ولا هي بالشعرية المحضة فتغرق في ذاتها وجمالياتها وتنصرف عن استقصاء موضوعها السردي وتفاصيله الدقيقة.
.jpeg)
وتتتبَّع الرواية حياة بطلها، المهندس المعماري «محمد» (وهو أيضًا الراوي) على مدى تسعة أعوام (2013-2022)، توزَّعت خلالها حياته بين نورث كارولينا في الولايات المتحدة، ومدينة الخبر شرق السعودية، وتقاطعت تقاطعًا مصيريًّا مع حياة زوجته «عائشة» التي قاسمته «الاغتراب» وعمَّقته حتى انتهت به إلى ذروة من التدمير الذاتي القاتل.
في هذا التتبُّع، لا تعتمد الرواية خطًّا زمنيًّا مستقيمًا تسير فيه الأحداث باتجاه واحد من الماضي إلى المستقبل مثلًا، وإنما تعتمد صيغة معقَّدة يتداخل فيها الماضي والحاضر باستمرار. وهذا التداخل الزمني يخدم غايتين تتعلَّقان بالتشخيص السردي للاغتراب: الأولى إبراز بعض الأحداث المحورية التي قد تفسِّر حالة الاغتراب لدى الشخصيتين الرئيستين في الرواية، «محمد» و«عائشة». وإنَّما قلت «قد تفسر»، لأنَّ هذه الأحداث، وإنْ أُرِيدَ منها بناء السياق الاجتماعي والنفسي لحالة الاغتراب، وأنْ تكون بمثابة العامل أو السبب الذي يفسره، يشعر القارئ وهو يتتبَّع تطور الشخصيتين أنَّ اغترابهما كالأمر الذاتي الكامن الذي لم تفرضه العوامل الخارجية، وإنما عملت فقط على إظهاره وتعزيزه.
وهكذا، ومن خلال التجلّي المستمر للماضي في الحاضر، تُطلعنا الرواية على تجارب أسهمت في تحديد مسار الشخصيتين. ففي حالة «محمد» نجد قسوة والده وتنشئته الصارمة التي لم تخلُ من عنف، وإخفاقه في الانسجام مع محيطه الاجتماعي ذي الصبغة الدينية خلال مرحلة المراهقة، وأخيرًا «هروب» أخته خارج البلاد. أمَّا في حالة «عائشة»، فتطالعنا أحداثٌ مثل مقتل أخيها «يوسف» في حادث أمني نتيجة تورّطه في عالم الإرهاب، ووفاة والدتها بالسرطان، ثمَّ رحيل والدها قبل فترة وجيزة من زفافها إلى «محمد».
هذه الأحداث، ولا سيما «هروب» الأخت و«إرهاب» الأخ، أوجدت نوعًا من التوجُّس والانفصال بين عائلتي «محمد» و«عائشة» من جهة، والمجتمع المحيط بهما من جهة أخرى، وهو الانفصال نفسه الذي أدَّى إلى تقاطع حياتيهما. يقول «محمد»: «ثمَّة وشيجة انتماء تتخلّق سرًّا بين العوائل الموصومة. يتعرَّف بعضنا بعضًا بالحدبة التي نحملها، بالماضي الذي يُثقِل خُطانا، وبالطريقة التي ندبّ بها قرب الجدار كي لا يحدّق الآخرون... لا خلاص لنا إلا مع آخرين موسومين بندوب مشابهة».
أمَّا الغاية الثانية لهذا التداخل الزمني، فهي تعميق حالة الاغتراب، لأنَّ التداخل المستمر يَحُول دون الانشداد لنقطة زمنية محددة، فيصبح الزمن «متاهة: شبكة من خطوط متداخلة، لا تدري متى ستقودك إلى النقطة ذاتها». وفي متاهة كهذه يصبح «الوصول» إلى أي وجهة مستحيلًا، وتبدو مصائرُ الشخصيات تمامًا كسرب الفراشات التي لاحظ «محمد» أنَّ «أجنحتها أشدّ هشاشة من أنْ تقودها إلى حيث يجب أنْ تصل».
وللاغتراب في الرواية مظاهر عدة، منها الخوف من الاكتمال والانفصال وعدم الاندماج، كما نرى عند «محمد». فارتباطه بالأماكن «انتقالي»، وعلاقته بالأشخاص مؤقتة تعتمد على الصداقات السريعة في النادي والعمل، مع تجنُّب «أي تقاطعات إنسانية خارج إطارهما».
وتأخذ هذه المظاهر بُعدًا تدميريًّا عندما يقترن «محمد» بـ«عائشة»، الفتاة الهادئة التي تبدو أشدَّ انكفاءً على نفسها من «محمد». فإذا كان الأخير يبني علاقات عرَضيَّة، فإنَّ الأولى مكتفية بذاتها تمامًا. يقول «محمد»: «أحسست أنَّ فردانيتها تسبق فراق أسرتها بكثير، كأنَّها لم تملك أحدًا في يوم من الأيام».
مع أنَّ الزواج يقتضي عادةً «الألفة»، ويُفترَض بالاغتراب أنْ يقرِّب بين الزوجين– ألم يقل امرؤ القيس قبل أكثر من خمسة عشر قرنًا: «وكلُّ غريب للغريب نسيبُ»؟
إلا أنَّ اغترابهما يزداد حدَّة بعد الزواج، بل نراهما يحرصان على استدامته. ومن هنا تأسَّست علاقتهما منذ الأيام الأولى على مبدأين:
الأول: مبدأ المسافة التي تصدُّ الاستكشاف الكامل، ومن ثَمَّ تمنع خطر التملُّك، يقول «محمد»: «لطالما تغاضيت عن المسافة التي تبقيها إزائي، وهي تؤدي مهامها المنزلية... مسافة تتيح لها التملُّص من دون أن تظهر نافرة... تسمح فقط بأن أرى طيفها يتحرَّك مُغبَّشًا... في درجة تتراوح بين أنْ أعمى عنه وأن أراه بسطوع».
الثاني: مبدأ الصمت الذي يمنع البوح والمصارحة.. إنه الصمت المَحمي، كما يقول «محمد»: «بنظام تواصل مقتصد، والمتخفّي خلف الحد الأدنى من الأحاديث المهذبة التي لا تخدشه، والتبادلات الضرورية التي لا تهتك سرَّه».
أما الزوجة، فالصمت عندها حجابٌ يحول دون انكشافها أمام زوجها، يقول «محمد»: «كانت ذاتها الحقيقية تقبع في عالم آخر مُغيَّب عني، يتباين تباينًا حادًّا مع عالمها المخصَّص لي». وللزوجين معًا، فإنَّ الصمت يعني، في قانونهما التواصلي، الحفاظَ على الجهل الضروري لتحقيق السعادة، «مع الوقت تعوَّد كلانا ألا يعرف شيئًا عن الآخر، وبات هذا الجهل طريقتنا الخاصَّة في البقاء معًا، بل سرّ السعادة الذي فات بقية الأزواج».
وفي انتهاك هذين المبدئين عواقب وخيمة، كما حصل حين أخلَّ «محمد» بمبدأ الصمت واستدرج زوجته في حوار عابر أسفر عن بوحها برغبات «مازوخية»، ما أدَّى إلى ترسيخ حالة «الاغتراب» المعزَّز، هذه المرة، بالريبة. يقول «محمد»: «كانت خطيئتنا الكبرى انتهاك حرمة الصمت، وعوقبنا بأن هبطنا إلى هذا المصير».
وهكذا تتأرجح العلاقة، في جدلية من النأي والقرب والحب والبغض، لا تحسم إلا بمصير محتوم في الفصول الأخيرة للرواية، بالتزامن مع بلوغ إجراءات الحجْر الصحي بسبب وباء كورونا في ذروتها. وينبغي هنا أنْ ننظر إلى «الوباء» وما فرضه من عزلة، لا بوصفه حدثًا تاريخيًّا، وإنما واقعة سردية تجسّد بلوغ الاغتراب لدى «محمد» و«عائشة» غاياته القصوى، حتى كأنَّه امتدَّ ليطالَ محيطهما كلَّه. كذلك فإنَّ انتهاء الرواية مع رفع إجراءات الحجْر ينبغي أنْ يُفهم في هذا السياق، بأنه رمزٌ لمحاولة «محمد» الخروج من شرنقة الاغتراب، والبدء من جديد: «في كل مكان يتردَّد صدى بهجات ظَنَنّا أنها لن تعود. قلنا أخيرًا سنعيش حياة طبيعية».
بقي أنْ أشير إلى أني كنت أتمنى أنْ تُقدِّم الرواية استكشافًا أعمق لشخصية الزوجة ودوافعها، وأنْ تقتحم عوالمها الخفية. فالشخصية كانت ثرية ومعقَّدة للغاية، لكنها لم تُستَكْشَف بالقدر نفسه الذي اُستُكشِفَت به شخصيةُ «محمد». والمشكلة هنا تتعلَّق بقضية المنظور السردي، لأنَّ الرواية كُتبت باستعمال الراوي الشخصي أو الراوي بضمير المتكلم المشارك في الحكاية، وهو في هذه الحالة «محمد». وهذا يعني أنَّ جميع الشخصيات في الرواية، بما في ذلك «عائشة»، أصبحت مقيَّدة بمنظور «محمد»، ولا نعرف عنها إلا ما يقوله هو، دون توفُّر «صوت» آخر للمقارنة أو التحقق. ولهذا لو ابتكرت الرواية تكنيكًا سرديًّا لتجاوز هذا العائق المنظوري، وخلق حالة من التعدد في أصوات الشخصيات، لكان ذلك مفيدًا في استكشاف شخصية «عائشة» على نحوٍ أعمق وأكثر تعقيدًا.
لكن، للإنصاف، فإن أي روائيٍّ دائمًا ما يكون أمام خيارات صعبة فيما يتعلَّق بالمنظور السردي، وتغليب صوت على آخر. وفي كل الأحوال، فإنَّ القارئ سيخرج من الرواية بتجربة سردية مختلفة تستحثُّه على مساءلة قناعاته بشأن الذات وعلاقتها بالمكان والآخر.


كيف تشفى من الاعتداء المستتر ❤️🩹
إيمان العزوزي
إن أشق ما قد يختبره المرء هو قضاء أعوام وهو يحمل جروحًا مبهمة، غير قادرٍ على تسميتها، يحملها على كتفيه عادًّا إيّاها ذنوبًا شخصية عليه أن يكفِّر عنها، فيبدأ في جلد ذاته والإنكفاء عليها. ومتى وجد من يساعده على توصيفها، تتجسَّد أمامه الحقيقة عارية ومؤلمة… وهذا ما فعلته شانون توماس.
يُقدّم كتاب «التعافي من الاعتداء المستتِر، رحلة عبر مراحل التعافي من آثار الاعتداء النفسي» للمعالِجة الاجتماعية الإكلينيكية الأمريكية شانون توماس، نموذجًا عمليًّا ومفاهيميًّا لفهم الإساءة النفسية الخفية ومسارات التعافي منها. تستند توماس إلى خبرتها العلاجية السريرية وروايات الناجين لتُبلوِر إطارًا مرحليًّا يصف كيفية تشكُّل الإساءة المستترة عبر التضليل الإدراكي المنهجي، والتلاعب العاطفي الطويل الأمد، وحملات تشويهٍ وتقويض إحساس الضحية بذاتها.
حين تركز الكاتبة على فكرة «التستُّر» فهي تحاول وصف أمثلةٍ عن الأفعال المقنَّعة والمتكررة التي تُمارَس كما لو كانت لعبة سريّة ضد هدف محدد، مما يجعل آثارها صعبة الرصد ومُعقِّد تشخيصها، ومن ثم يؤخر توفير الدعم الاجتماعي لها مقارنة بالعنف الجسدي الظاهر. ويحظى هذا التعريف بحضور مركزي في تواصل توماس ومادتها التعريفية، مشدِّدة على أن هذه الجروح المستترة مُنهِكة للصحة النفسية ورفاهية الحياة على المدى الطويل.
تبدأ شانون توماس كتابها بتعريف «الإساءة المُستترة»، موضحةً أنها لا تتمثَّل في الصراخ أو الشتائم المباشرة، لكنها ممارسات متكررة ومحكمة من التلاعب واللوم والتشكيك والإهانة المقنَّعة. يمارس المعتدي هذه الأساليب بهدوء وبأسلوب يصعب على الآخرين اكتشافه أو تصديقه. نتيجة لذلك، تبدأ الضحية في هذا النوع من العلاقات بفقدان ثقتها بنفسها تدريجيًّا، فتشكِّك في ذاكرتها، وفي إدراكها للواقع، وفي قدرتها على اتخاذ القرارات. وغالبًا ما تستمر هذه الدائرة، لأن المعتدي يزرع حالة من «الارتباك العاطفي»، إذ يَظهر أحيانًا شخصًا مُحبًّا أو منقذًا، ثم يعود لجرح الطرف الآخر والتقليل من شأنه، مما يُبقي الضحية عالقة بين التعلّق والخوف.
.jpeg)
قدمت توماس، لشرح مسار التعافي من هذا النوع من الأذى، نموذجها الشهير المكوَّن من ست مراحل؛ تبدأ المرحلة الأولى بـ«مرحلة اليأس»، حيث يدرك الفرد وجود خلل ما في حياته لكنه يفتقر إلى تفسير واضح، مما يجعله يشعر بالضياع والإرهاق. تليها «مرحلة التعليم»، حيث يبدأ الشخص بالبحث عن إجابات والقراءة حول التلاعب النفسي واضطرابات الشخصية النرجسية والأنماط السامة (ترى توماس أن هذا الفهم المعرفي هو بداية التحرر)، ثم تأتي «مرحلة اليقظة»، وهي نقطة تحول إذ يبدأ الفرد بملاحظة الإشارات التي كان يتجاهلها وإدراك ماهية المعاملة التي يستحقها. المرحلة الرابعة هي «مرحلة الحدود»، وتتطلب شجاعة كبيرة، حيث يتعلّم الشخص قول «لا» ويبدأ بحماية نفسه، وقد يقرر الانفصال التام عن المعتدي. تليها «مرحلة الإصلاح»، التي يعيد فيها بناء ذاته، ويعيد تعريف قيمه، ويسترجع إحساسه بالأمان والقدرة على الثقة بالآخرين. أما المرحلة الأخيرة فهي «مرحلة الصيانة»، التي يعمل فيها الفرد على الحفاظ على التوازن الذي حققه، ويطوّر وعيًا مستمرًّا لتجنب الوقوع مجددًا في علاقات مؤذية.
من أبرز نقاط قوة الكتاب أنه يبسّط تجربةً معقدة بلغة مفهومة، من دون أن يقلّل من عمقها. فهو لا يتحدث بلغة نظرية جامدة. وما ساعد الكاتبة هو معايشتها لقصصٍ كثيرة ملأى بالألم والشفاء. فهي تعرف ما يحتاج القارئ سماعه في لحظات الانكسار الأولى. كذلك يتميّز بأنه لا يكتفي بتشخيص المشكلة، بل يمنح أدوات عملية للتعامل مع آثارها، مثل التدوين اليومي، ووضع الحدود العاطفية، والممارسات التي تساعد في إعادة بناء الثقة بالنفس. وأعتقد أن أغلب من سيقرؤه سيصفه بأنه «الكتاب الذي منحني لغةً لوصف ما كنت أعيشه دون أن أجد له اسمًا».
علاوة على ذلك، نجحت توماس في إضفاء الشرعية على الألم النفسي. ففي حين يُعدُّ العنف الجسدي وحده دليلًا على الإساءة في العديد من الثقافات، يوضِّح الكتاب أن الجروح العاطفية والنفسية لا تقل تدميرًا، بل قد تكون أكثر خطورة لكونها مستترة، وغالبًا ما يقابلها التقليل من شأنها أو اتهام الضحية بالمبالغة. ولهذا، أصبح الكتاب مرجعًا داعمًا رئيسًا في مجموعات المساندة النفسية والمجتمعية، لأنه يقدم خريطة طريق واضحة قابلة للتطبيق العملي.
إلا أن الكتاب لا يخلو من ثغرات قد ينتبه لها بعض القراء. فالمؤلفة كرَّرت بعض الأفكار والأمثلة، كما أنها تميل إلى التبسيط المفرط في وصف الشخصيات المسيئة، حيث تصنِّفها ببساطة ضمن فئتي «النرجسي» أو «السايكوباثي»، دون التعمق في الفروق الدقيقة أو السياقات الاجتماعية الأوسع. وقد استند الكتاب أساسًا إلى الخبرة الإكلينيكية للمؤلفة وشهادات الناجين، وليس إلى دراسات علمية ميدانية واسعة، مما يجعله أقرب إلى كتب المساعدة الذاتية منه إلى الأبحاث الأكاديمية. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تنطلق الكاتبة من منظور ثقافي غربي محدَّد لا يراعي اختلاف التجارب في مجتمعات أخرى تكون فيها مفاهيم العلاقة والسلطة العائلية مختلفة جذريًّا.
ومع هذه الثغرات، يظل الكتاب مساهمةً مهمة في ترسيخ النقاش حول العنف النفسي. فهو لا يُخيف القارئ، بل يزوِّده بالأدوات اللازمة للفهم والنجاة. في صفحاته، يجد الذي تعرَّض للإساءة تفسيرًا لما مر به، ودليلًا على أن التعافي ممكن حتى بعد سنوات من الصمت والإرهاق. كما يذكِّرنا بأنّ الشفاء لا يمكن حدوثه بسرعة، فهو مسار طويل من التعلّم والوعي والممارسة اليومية لوضع الحدود الذاتية.
في المحصلة، يمكن القول إن كتاب «التعافي من الاعتداء المستتر» هو كتاب توعوي أكثر منه كتاب علاج سريري. كتاب تهمس الكاتبة بين طياته لكل من تأذّى في صمت: «أنت لست وحدك، وما حدث لك حقيقي، وهناك طريق للنجاة يبدأ بالاعتراف، يليه المعرفة، ثم الفعل.»

الأصدقاء القرّاء، نفتح أمامكم هذه المساحة للاحتفاء بالقراءات التي تركت انطباعًا جيّدًا لديكم. لذا، نريد أن نعرف: ما أفضل كتاب قرأتموه في عام 2025؟ ومن الكاتب الذي استطاع ترك بصمة في وجدانكم وعقولكم؟ وأي دار نشر ترون أنها كانت الأكثر حضورًا وإبداعًا؟
ادّخر بذكاء من كل عملية شراء 🧠
كل ريال تنفقه يمكن أن يصنع فرقًا في مستقبلك المالي. «ادخار سمارت» من stc Bank حساب ادّخاري يعطيك 4% أرباح سنوية وتقدر تسحب فلوسك بأي وقت! ادّخر اليوم، واستثمر في غدك مع
«ادخار سمارت».

يصعب العثور على السعادة داخلنا، ولكن من المستحيل إيجادها في أي مكان آخر.
سيباستيان روش نيكولا دو شامفور
«أمثال وأفكار»

سيدة الفساتين

تأليف: ماريا دوينياس/ ترجمة:عبداللطيف البازي، شريفة الدحروش/ الناشر: مسكيلياني/ عدد الصفحات: 569
تُعد رواية «سيدة الفساتين» (El tiempo entre costuras) للكاتبة الإسبانية ماريا دْوينْياس عملًا روائيًّا متميّزًا، يمزج بين التاريخ والدراما والجاسوسية، ويقدم سيرة امرأة تتشكَّل أحداثها بين خيوط الحرب والخيبة والسعي نحو اكتشاف الذات. تدور أحداث الرواية في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، في فترة كانت إسبانيا فيها ممزَّقة بحربها الأهلية، وتتجه أوربا بخطى متسارعة نحو الحرب العالمية الثانية.
بطلة الرواية «سيرا كيروقا»، هي شابة من مدريد تمتهن الخياطة وتعيش حياة بسيطة دون تطلعات. كان مستقبلها يبدو عاديًّا إلى أن وقعت في حب «راميرو»، وهو رجل مغامرات أقنعها بالهرب إلى المغرب بحثًا عن بداية جديدة. لكن هذا الحلم سرعان ما تحوَّل إلى خيبة؛ فقد هجرها «راميرو» تاركًا إياها وحيدة ومفلسة في تطوان الخاضعة للحماية الإسبانية. هناك، تبدأ رحلة انبعاثها، حيث تصبح مهارتها في الخياطة وسيلتها الوحيدة للبقاء. من خلال الإبرة والخيط، تفتح «سيرا» لنفسها أبواب عالم النخبة في طنجة وتطوان، فتبدأ بتفصيل الأزياء لزوجات الدبلوماسيين والضباط الألمان، قبل أن تجد نفسها منجرفة إلى لعبة تفُوق مقاسها؛ عالم التجسس والمقاومة.
في هذا المسار، تتحول الخِياطة -المهنة النسائية التقليديّة- إلى غطاء استخباراتي وأداة للمناورة السياسية، حيث تخفي البطلة الرسائل في أطراف الفساتين وتنقلها بين العواصم. جسَّدت «سيرا» مفارقة الجمال الظاهري الذي ينسج بين طيات أثوابه شبكة معلومات تحسم مصائر شعوب. هذا التوازي بين المظهر الأنيق والمضمون الخطِر هو أحد أسرار قوة الرواية. ماريا دوينياس تحوِّل الحرفة البسيطة إلى استعارة للوجود الإنساني، كيف يمكن للحياة أن تُخاط من جديد بعد كل تمزق؟ فبين غرزة وأخرى، تعيد البطلة ترميم نفسها، وتتحوَّل من فتاة مغترَّة بالحب إلى امرأة تملك مصيرها بيديها.
اعتمدت ماريا دوينياس في سردها على توثيق تاريخي دقيق، يَظهر في إصرارها على وضع قائمة بالمراجع التي اعتمدت عليها، وتوجيهها شكرًا خاصًّا إلى المؤرخين الذين اعتمدت على مشورتهم (وعلى رأسهم المؤرخ المغربي الراحل محمد بنعزوز حكيم). ومع صرامة هذه الدقة، تنبض روايتها بالتشويق والإنسانية. فبفضل دقتِها في البحث وذكائها السردي، تتحوَّل الأمكنة في روايتها من فضاءات جامدة إلى كائنات حية تتنفس وتشارك في الحدث. فمدريد لم تُقدَّم مدينةً مدمرةُ وحسب، بل رمزًا لجسد أمة تنزف تحت وطأة الحرب الأهلية. أما تطوان، بعتمتها الشرقية ومزيجها الثقافي، فهي تكتسب طابعًا غامضًا يوازي ارتباك البطلة في بداياتها، بينما تمتد طنجة مثل فسيفساء من الأصوات واللغات والأقنعة والبشر، مدينة تُخفي بقدر ما تُظهر، في حين تتحول لشبونة، بمقاهيها وفنادقها المزدحمة بالمنفيين والجواسيس، إلى مسرح دولي يعكس عبثية الحرب وازدواجية البشر.
هذا البعد الجغرافي يمنح الرواية طابعًا سينمائيًّا قويًّا، خاصة وأن الكاتبة حرصت أيضًا على إدماج تفاصيل دقيقة متعلقة بالأزياء والعادات في سردها، مما يمنح القارئ فرصة عيش زمن الرواية بكل حواسه، ومتابعة الأحداث دون ملل، على أنّنا قد نلاحظ إسهابًا في الوصف التاريخي وبطئًا في الإيقاع أحيانًا.
تكمن قوة الرواية في طرحها لفكرة أن التاريخ ليس فقط ما نقرؤه في كتب الحروب أو السياسات، بل هو أيضًا ما يحدث في الظل، كما تكمن في تصويرها المرأة بوصفها فاعلًا في التاريخ، مبتعدة من ثم عن دورها التقليدي؛ الضحية. فالبطلة «سيرا» لم تنتظر أن ينقذها أحد، لكنها بحثت عنه بنفسها مجسِّدة بذلك ما قالته دوينياس في مقابلاتها حين عبّرت عن تفضيلها كتابة قصص النساء اللواتي يقفنَ على الحافة، ويخترن المضي قدمًا بدلًا من السقوط.
تجدر الإشارة في النهاية، أن هذه الترجمة التي أتت في جزئين، سبق ونُشرت من دار النشر المغربية كلمات. وأن المترجمَيْن فضّلا تغيير العنوان. وكنت أفضّل الاحتفاظ بالعنوان الأصلي، لأني أراه أشد التصاقًا بمتن الرواية. ويمكن ترجمته بـ«الزمن بين ثنايا الخياطة»، أو «الزمن بين الدرز». أفهم لما فضَّل المترجمان تغييره!
الليل في القلب

تأليف: ناتاشا أباناه/ الناشر: قاليمار/ عدد الصفحات: 283
من بين هؤلاء النساء الثلاث، كان لا بد من البدء بالأولى، تلك التي كانت قد بلغت الخامسة والعشرين لتوها عندما كانت تركض، وهي الوحيدة التي لا تزال على قيد الحياة اليوم.
تلك المرأة، هي أنا.
من النادر أن نعثر على رواية تُمسك القارئ من أعماقه وتجعله يشعر بحاجة ملحة إلى التوقف لالتقاط أنفاسه. وهذا بالضبط ما تنجزه ناتاشا أباناه في روايتها «الليل في القلب». هذا العمل يرسّخ مكانتها صوتًا أدبيًّا مميزًا لم يخيّب ظنّنا يومًا، إذ ظل وفيًّا لصدق التجربة الإنسانية وجرأتها في إعطاء صوت لمن أُسكتوا. بهذه الرواية، التي رُشحت لعدة جوائز أدبية فرنسية مرموقة، تُوّجت أباناه بجائزة فيمينا (Prix Femina)، وهي إحدى أعرق الجوائز الأدبية في فرنسا، حيث تُمنح منذ عام 1904 من لجنة تحكيم مؤلَّفة حصرًا من النساء، وتُكرّم الأعمال المميّزة بحسٍّ إنساني عميق وجودة فنية عالية. فوزها بهذه الجائزة هو تكريم أدبي لتجربتها في الكتابة، واعتراف بقدرة الأدب على ملامسة القضايا الصعبة بصدق وحرفية.
تُفتتح الرواية بمشهد حماسي لثلاث نساء يركضن في عتمة الليل، وقلوبهنَّ تخفق بعنف، وهنّ يدركن أن الخطر يلاحقهنّ بخطواته الثقيلة. يمثل هذا الركض مقاومة ورمزًا للصمود والأمل في النجاة من قدر محتوم. ومن خلال هذا المشهد المكثف، تبدأ الكاتبة في نسج ثلاث قصص متقاطعة: قصة «إيما»، وابنة عمّها المقتولة في جزيرة موريشيوس عام 2000، وقصة «شاهيناز داود»، التي أحرقها زوجها في فرنسا عام 2021، ثم قصتها الشخصية؛ فتاة في السابعة عشرة وجدت نفسها سجينة علاقة مسيئة استمرت ثماني سنوات.
إنها تجربة قراءة قاسية تستثير فينا طيفًا واسعًا من المشاعر؛ الخوف على مصير هؤلاء النساء، والرهبة مما يتعرضن له، والغضب المتصاعد. هذا الغضب موجَّه نحو الرجال، ولكنه يمتد حتى إلى النساء اللواتي بقين ولم يغادرن حين كان الهروب ممكنًا. وهذا يتفق تمامًا مع ما تشير إليه الكاتبة: «لا بدّ من أن تكون داخل بيتٍ عنيف كي تفهم رموزه وآلياته الخاصة؛ فمفهوم الزمن هناك مطاطي، والقواعد تتبدّل وفق المزاج، والكلمات والإيماءات تخضع لتأويل دائم.» ولهذا، يصبح الفهم الكامل صعبًا دون اختبار التجربة ذاتها، وأعترف أنني أتمنى ألا أعيش يومًا تجربة تمنحني ذلك الفهم.
تستحضر أباناه في نهاية روايتها «الليل في القلب»، قصيدة خورخي لويس بورخيس «النمر الآخر» لتكون مرآة فلسفية لرحلتها في الكتابة والبحث عن الحقيقة. تدرك أباناه، مثل بورخيس، أن اللغة قاصرة عن الإحاطة بجوهر التجربة الإنسانية، وأن كل ما نكتبه ليس سوى ظلٍّ لما نحاول قوله. يعبّر بورخيس عن هذا الإدراك بقوله: «سنبحث عن نمرٍ آخر، الثالث. لكنه سيظل دائمًا شكلًا من الحلم، نظامًا من الكلمات البشرية. ليس ذلك النمر الفَقري الذي، أقدم من الأساطير، يطأ الأرض. أعلم ذلك. لكن شيئًا ما يدفعني إلى هذه المغامرة اللامتناهية، القديمة، المجنونة. وما زلت أصرّ على البحث، عبر اتساع زمن المساء، عن النمر الآخر، ذاك الذي لا يسكن في البيت الشعري.» يلخص هذا المقطع موقف أباناه تمامًا تجاه الكتابة في روايتها، فهي، في أثناء سردها للألم والعنف والخوف، لا تدّعي قول الحقيقة كما هي، بل تسعى إليها عبر اللغة، محاولة الاقتراب منها دون امتلاكها.. وأظنها نجحت!
أقوى من الدول، 6 مليارديرات غيروا وجه العالم
.jpeg)
تأليف: كرستين كيرديلان/ الترجمة: أنطوان سركيس/ الناشر: الساقي/ عدد الصفحات: 240
ستة رجال أصبحوا اليوم في موقع أشبه بـ«أسياد العالم» وهم إيلون ماسك وسيرقي برين ولاري بيق ومارك زوكربيرق وبيل قيتس وجيف بيزوس. المُلاحظ أن جميعهم وُلدوا في بيئة ميسورة حيث كان التفوق الدراسي أمرًا طبيعيًّا، لكنهم اختاروا ترك الجامعات قبل إنهاء دراستهم (باستثناء بيزوس). منذ الطفولة والمراهقة، كان لكل واحد منهم حلم محدد، وبدأ العمل لتحقيقه مبكرًا. وهكذا وُلدت شركات عملاقة مثل تسلا وقوقل ومِتا ومايكروسوفت وأمازون، التي تحولت مع الزمن إلى مؤسسات تكنولوجية تُسيطر على أسواق العالم.
جمع هؤلاء ثروات هائلة تفوق مئات المليارات، لكن الأخطر من المال هو النفوذ الذي حصلوا عليه. فهم يسيطرون على قطاعات استراتيجية: محركات البحث، وشبكات التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي، والتجارة الإلكترونية، والبرمجيات، والسيارات الكهربائية، وغزو الفضاء. وقد توسّعوا بسرعة مستفيدين من الثغرات الضريبية، وفرضوا احتكارات خانقة عطّلت المنافسة. وما يميزهم أيضًا أن مشاريعهم تتجاوز حدود الاقتصاد التقليدي، إذ يسعون إلى إطالة عمر الإنسان، وربط الدماغ بالآلة، أو حتى استعمار المريخ، في مشروعات تستوحي الخيال العلمي أكثر مما تستند إلى الواقع.
لكن هناك وجه آخر أكثر قتامة: ظروف عمل صعبة، وأجور متدنّية لجموع الموظفين، واستغلال بلا حدود لبيانات المستخدمين، وتساهل مع خطاب الكراهية، وخنق الصحافة المستقلة، وسحق شبكات التوزيع التقليدية مثل المكتبات. وحتى عندما تُفرض عليهم غرامات ضخمة، فإنها لا تعادل سوى «لسعة بعوضة» أمام أرباحهم الهائلة. بينما في الصين، تعاملت الدولة بحزم مع عمالقتها التكنولوجيين، حيث أجبرت قادتهم على الخضوع وأعادت تقسيم الشركات الكبرى إلى كيانات أصغر تحت إشراف السلطة.
من خلال هذا الكتاب، الذي ترجمته دار الساقي حديثًا إلى العربية، تقدّم كريستين كيردلان دراسة عميقة وأشبه بمحاكمة لهذه النخبة التكنولوجية. بأسلوبها الواضح والممتع، تكشف كيف غيّر هؤلاء الرجال ملامح حياتنا اليومية، لكنها في الوقت نفسه تُنبه إلى المخاطر التي تهدد المجتمعات إذا تُركت هذه القوة بلا ضوابط. إنها دعوة للتفكير وإعادة النظر في علاقتنا بالتكنولوجيا، ونداء من أجل رقابة ديمقراطية تعيد التوازن بين الابتكار من جهة، وحماية الإنسان والمجتمع من جهة أخرى.

سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.