أيش قصة البراكين في السعودية

تعود هذه السياقة إلى ملايين السنوات في الجزيرة العربية، وتشرح كيف تشكلت البراكين فيها، كيف تنفجر؟ ولماذا عدد البراكين في السعودية كثير؟

في سياق من ثمانية

يروي جون لويس بركهارت في كتابه الشهير «رحلات في شبه جزيرة العرب» عن تفاصيل زيارته للمدينة المنورة في شهر يوليو من عام 1814م. ويذكر أنه خلال صعوده جبل أُحد لاحظ أن المدينة بدت وكأنها احترقت بالنار!

هذا السؤال الذي راود بركهارت قبل 200 سنة، هو السؤال ذاته الذي كان يتبادر إلى ذهني في كل رحلاتي إلى المدينة المنورة برًّا وجوًّا؛ عن ذلك المشهد المذهل للصخور البركانية التي تتميّز بها الأراضي المحيطة بالمدينة.

ومنذ بداية رحلتي في البحث عن البراكين، صادفت عدّة مقالات ودراسات تهدف إلى فهم البراكين التي تكوّنت على حدود المحيط الهادئ، وهي المنطقة المسؤولة عن 75% من النشاط البركاني في العالم. ولذا؛ يُطلق عليها اسم «حلقة النار». لكن بالنظر إلى براكين الجزيرة العربية، نجد أن عددها يصل إلى ضعف تلك الموجودة في «حلقة النار»، فما قصة براكين الجزيرة العربية؟ ولماذا لم نسمع عن أي ثوران لها من قبل، رغم عددها الكبير؟

للإجابة عن هذا السؤال، نحتاج ابتداءً معرفة أن قصة كل بركان تبدأ من الصهارة التي تكوّنت في باطن الأرض منذ مليارات السنين، وتراكمت بانتظار أي فرصة للصعود إلى سطح الأرض عبر البراكين. لكن هذه الأسباب التي تدفعها للانفجار هي التي تجعل كل بركان مختلفًا عن الآخر.

فبراكين «حلقة النار» تكونت على حدود صفيحتين تكتونيتين تُعرف بـ «بمناطق الاندساس» (Subduction Zones)، وهي منطقة تتصادم فيها الصفيحتان ويبدأ بينهما صراع تتفوق فيه صفيحة اليابسة على المحيطية التي ينتهي بها الحال بالغوص أسفل صفيحة اليابسة، مما يُحدث تسرّبًا لمياه المحيط إلى الصهارة في باطن الأرض.

وهذا الاختلاط بالمياه ينتج عنه تغيرٌ في تركيب الصهارة، ويسرّع تكوّنها بكميات كبيرة، ويسمح بانفجارات متعددة بالبركان نفسه في خلال 100 عام فقط، وهي مدة قصيرة مقارنة ببراكين الجزيرة العربية.

فالسعودية، تكوّنت براكينها بفعل عوامل مختلفة عن نظيرتها في «حلقة النار»، وهي حركة صفيحتين تتباعدان عن بعضها باستمرار، فيتولّد عن تباعدهما شقوق وصدوع في الأرض تعبر عن طريقها الصهارة وتنفجر. إلا أن الوصول لمرحلة الانفجار يمر بدورة طويلة من التفاعلات في باطن الأرض، التي قد تصل إلى 1,000 سنة، وبعد انفجارها لا تعود المنطقة صالحة لحدوث انفجار آخر من البركان نفسه؛ فتبدأ دورة جديدة لتكوّن الصهارة في منطقة أخرى. ولهذا، من النادر أن نصادف انفجارًا للبراكين في السعودية على كثرة أعدادها.

هذا النوع من السياقات هو المفضل لدي؛ فهي تقدم منطقة استكشاف مثيرة لظاهرة طبيعية تحدث في أرضنا وبالقرب منّا، ولكننا حتمًا لم نقرأها يومًا بهذا التوسع والتفصيل.

سياق
سياق
منثمانيةثمانية

نتقاطع مع كثير من المفاهيم والظواهر يوميًّا؛ فتولّد أسئلة تحتاج إلى إجابة، وفي «سياق»، نضع هذه الأسئلة في سياقها الصحيح.