«حوبة»: فرصة ضائعة أخرى
متى نشاهد فِلم رعب سعودي ممتع؟

في اعتقادي، لا يوجد صانع أفلام يمكنه الجزم بنجاح فلمه مهما بلغت موهبته، فدوامة الشك من الفشل لا بد أن تطاردك حتى مع امتلاكك الموهبة والرؤية.
الفرق فقط أن صانع الأفلام «الناجح» عمل على صناعة الفلم وهو يعيش داخل دوامة الشك وحقق عمله صدى كبيرًا.
نايف العصيمي

«حوبة»: فرصة ضائعة أخرى
عبدالعزيز خالد
تحمل كل فترة زمنية هواجس ومخاوف تنعكس في «أعمال الرعب» التي صدرت فيها. فمثلًا، صاغت الثمانينيَّات كوابيس الفناء النووي في ظل الحرب الباردة، ثم تحوّل الخوف في التسعينيَّات إلى الإنسان العادي فبرز رعب القتلة المتسلسلين وتحليل عقول المجرمين، وفي العقد الأخير انتقلت الهواجس إلى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وفقدان التحكّم أمام الخوارزميات.
وحتى الأساطير الشعبية نشأت من حاجة تربوية. فما زلت أتذكر مشاهدتي لبعض حلقات مسلسل «فريج صويلح»، وتحديدًا الحلقات الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة التي ظهرت فيها أسطورة «حمارة القايلة». لم يمتلك المسلسل أي إمكانيات كبيرة، بل نجح بأدواته البسيطة في ترسيخ شعور بالارتباط بالأحداث بسبب قرب فكرته من الوعي الشعبي؛ فكل طفل في الخليج وقتها يعرف ما يعنيه الخروج في الشارع دون رقابة، واستخدمت كل أم الأسطورة أداة تحذير. ولذا حين أخذ المسلسل هذا الخوف وملأه بلمسة فكاهية، بقيت شخصيته في الذاكرة رغم بساطة إنتاجه.
وأرى أن هذا العمل -وإن كان كوميديًّا- من أفضل ما رأيت من أعمال رعب عربية، متساويًا في ذلك مع بعض حلقات «طاش ما طاش». لذلك أعتقد أن صنّاع الأفلام يحتاجون إلى البدء من الهاجس المحلي لصنع أفلام ناجحة عمومًا، أو أفلام رعب نرتبط بافكارها. لأن فِلم الرعب لا يحقق هدفه الفنّي إلا حين يفهم طبيعة الخوف الذي تعيشه الفئة المستهدفة. ولأن الجمهور لا يرتبط بنسخة مستوردة من رعب الآخرين، بل يريد عملًا يعبّر عن بيئته ومشاعره ومشكلاته.
لماذا أكتب عن الأساطير الشعبية في مقدمة مراجعة فلم «حوبة»؟
بدأ فِلم «حوبة» من نقطة قوية جدًّا، إذ ترتكز الفكرة الجوهرية فيه على الخوف من انهيار العلاقة الزوجية، وعلى الشك والخيانة، وعلى التهديد الذي يتقدم من داخل البيت. هذا النوع من القلق موجود في الحاضر ويمكن بناؤه بسهولة داخل قالب رعب يتعامل مع فكرة فقدان الثقة، أو ظهور خطر ناتج من قرار خاطئ.
تتبع قصة الفِلم «أماني» التي ينهار عالمها في اللحظة التي يعترف لها زوجها «خالد» بأنه خانها مع «زهرة»، بل مضى أبعد من ذلك وتزوجها سرًّا، وأنها الآن حامل بصبي. يفتح هذا الاعتراف شرخًا عميقًا في حياتها، وتبدأ بعده سلسلة اضطرابات لا يمكن تفسيرها داخل البيت. إذ تظهر دلائل غامضة حول العلاقة الجديدة، وتبدأ «أماني» في مواجهة ظواهر مقلقة ترتبط بالخيانة وبالخوف من فقدان ابنتها «نور» ومكانها داخل الأسرة.
يوحي الخط القصصي في بدايته بأن الفِلم يتجه نحو رعب اجتماعي واضح، يعتمد على مشاعر حاضرة ومفهومة لدى كثير من الناس، خصوصًا حين يتحوّل الخوف النفسي إلى أحداث ملموسة تهدد تماسك البيت. لكن الفِلم لم يستثمر هذه الفرصة.
مواضع العثرات في الفِلم
ظهرت أكبر مشكلات «حوبة» في النص وطريقة صياغة الحوار التي قطعت كل شكل من أشكال الارتباط بالقصة. إذ كُتِبت الجمل بطابع أجنبي كأنها منقولة ترجمةً من الإنقليزية. فتتكلم الشخصيات وتعبّر كما يفعل أبطال الأعمال الغربية، لا كما يتكلم أشخاص يعيشون في البيئة التي يصورها الفِلم.
أسقطت هذه الفجوة اللغوية الإحساس بالواقعية، وأبعدتني عن الشعور بالتجربة، وأفقدت الأحداث وزنها. يحتاج الرعب إلى حضور طبيعي للشخصيات حتى يشعر المشاهد بأن الخطر موجّه إليه هو، لا إلى أشخاص يعيشون في «فراغ ثقافي». وحين تكون اللغة ركيكة، يتلاشى الرابط العاطفي مهما كانت الفكرة الأساسية قوية.
ثم جاءت العثرة الثانية حين أخذ الفِلم يشرح نفسه على الشاشة. فشخصية «زهرة» كان شرّها حاضرًا في كل ظهور، مثل نظرات أو مواقف بلا معنى، وكأن العمل يخشى أن يترك لي مجالًا للتأويل.
يفقد الرعب والفِلم قيمته حين يقرر النص مسبقًا من هو الطيب ومن هو الشرير، فيسير بالأحداث دون أي التواء أو مساحة نفسية يمكن أن يعيشها المشاهد مع الطرف المضاد. وكان من الأجدى أن يخلق الفِلم وهمًا أو طبقة من التعاطف أو لحظة شك تجعل الشخصية أكثر تعقيدًا، لكنّه اختار الطريق الأبسط وجعل الشر معلنًا منذ البداية -تقريبًا بعد عشر دقائق- ففقدت القصة قدرتها على إثارة التوتر أو بناء غموض حقيقي.
ما استطعت «هضمه» من الفِلم
حملت بعض الأداءات في «حوبة» حضورًا صادقًا، خاصة أداء (بدور محمد)، فقد اتضحت جدّيتها لالتقاط التوتر الداخلي لشخصية «أماني». أما الكاميرا بحركتها الرائعة فكانت أجمل ما في التجربة، وكوّن المخرج ماجد الأنصاري لقطات «نظيفة» تعكس ذائقة بصرية لديه. كما أن الإخراج عمومًا كان جيّدًا جدًا، وقدّم مشاهد مرتّبة تُظهر رغبة في بناء جوّ رعب متماسك، حتى لو لم يكتمل.
وبما أنني أفضّل تصنيف الرعب على أي تصنيف آخر، سأخوض كل تجربة تأتي من العالم العربي، لأنني ما زلت أنتظر اليوم الذي أرتبط فيه شعوريًّا بفِلم رعب «يشبهني».

السينما وُجدت لتبقى
متى تنسى الناس السينما؟ إذا كانت مجرد تجربة بحدود الساعتين، حالما ينتهي الفلم، تختفي من ذاكرتك. مبادرة «سينماء» من هيئة الأفلام انطلقت لتضيف للتجربة عمقًا وتأثيرًا يتجاوز قاعة العرض. من خلال مسارات متنوعة تهدف إلى إثراء المشهد السينمائي السعودي، ودعم المواهب النقدية، وصناعة محتوى يليق بتاريخ السينما ومستقبلها.

.jpeg)

يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما السعودية فِلم «Five Nights at Freddy’s 2». في هذا الجزء، يعود التوتر إلى مطعم «فريدي فازبير» بعد أن هربت «آبي» وعادت إلى المطعم، لتتسبّب دون قصد في إعادة تفعيل الشخصيّات الآليّة التي كانت خامدة منذ أحداث الجزء الأول، ما يدفع «مايك» و«فانيسا» إلى مواجهة خطر جديد.
ينطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الخامسة بمدينة جدّة التاريخية، ويستمر حتى 13 ديسمبر، مقدّمًا عروضًا عالمية وعربية ومسابقات للأفلام الطويلة والقصيرة.
صدر الإعلان التشويقي الجديد لفِلم «28 Years Later: The Bone Temple»، المقرّر عرضه في صالات السينما يوم 16 يناير. يستكمل الفِلم خطّ الأحداث بعد كارثة «28 Years Later»، حين يخرج «سبايك» من عزلته وينتقل إلى البرّ الرئيس لإنقلترا، لينجرف داخل طائفة ذات طقوس خطرة يقودها «جيمي كريستال»، وفي الوقت نفسه يواجه «الدكتور كيلسون» خيارات قد تُغيّر مصير من تبقّى من الناجين.
صدر الإعلان التشويقي الأول لفِلم الرعب والكوميديا «Forbidden Fruits» من بطولة ليلي راينهارت ولولا تونق وفيكتوريا بيدريتي. وتدور أحداثه حول جماعة نسائية ذات طقوس سحرية تدير نشاطها سرًّا في قبو متجر داخل مركز تجاري، قبل أن تصل فتاة جديدة تهدّد بقاءهن. وسيُعرض الفِلم في السينما العام المقبل.
صدر الإعلان الرسمي الأول لفِلم الأكشن والإثارة «Shelter» من بطولة جيسون ستاثام. يتتبع الفِلم رجلًا يعيش منعزلًا في جزيرة نائية ينقذ فتاة صغيرة من عاصفة، لكن إنقاذها يجرّهما إلى دائرة خطر أكبر ممّا توقّعه. ويُعرض الفِلم في صالات السينما يوم 30 يناير.
.png)
ادّخر بذكاء من كل عملية شراء 🧠
كل ريال تنفقه يمكن أن يصنع فرقًا في مستقبلك المالي. «ادخار سمارت» من stc Bank حساب ادّخاري يعطيك 4% أرباح سنوية وتقدر تسحب فلوسك بأي وقت! ادّخر اليوم، واستثمر في غدك مع
«ادخار سمارت».

«Suite Punta del Este»(2:26)


يقدّم فِلم «12 Monkeys» حكاية رجل يُدعى «جيمس كول»، سجين يعيش في عالم مدمّر بعد انتشار وباء أباد أغلب البشرية، فتُرسله السلطات إلى الماضي أملًا في جمع معلومات عن أصل الفيروس. لكن انتقاله عبر الزمن لا يكون مستقرًا؛ إذ يتنقّل بين سنوات مختلفة دون سيطرة، ويتعامل مع ذكريات مبهمة تلاحقه منذ طفولته، ولا يعرف إن كان شاهدها فعلًا أم تخيّلها.
ومع كل قفزة زمنية تتشابك الحقيقة بالهلاوس، وتتداخل ذاكرة «كول» مع واقعه، فتتشكل أمامه صورة عالم غير موثوق. هذا الارتباك البنيوي هو المدخل إلى الموسيقا، فهي تأتي لتجسِّد التوتر، وتعبّر عن خلل الزمن والذاكرة بجمل موسيقية تدور وتدور ثم تنقطع.
«تانقو» بياتسولا و«فوضى» باكماستر
اعتمدت الهوية الموسيقية للفِلم على خيار جريء باستخدام مقطوعة «Suite Punta del Este» لأستور بياتسولا قلبًا نبضيًّا للعمل. واختارها تيري قيليام لأنها تحمل حركة دائرية، وفيها وتريّات ترتفع ثم تهبط، ما يعكس شعورًا مستمرًّا بالتكرار.
وبعد تثبيت هذا الأساس، بنى بول باكماستر موسيقا إضافية حول موسيقا بياتسولا، تتميّز بطبقات نحاسية منخفضة، ونغمات وتريّة قصيرة، وخلفيات صوتية تُشبه الأجهزة المعطّلة. وهدفها أن تضيّق الخناق على المشاهد، حتى يشعر بأن الإدراك متشقق مثل عالم الفِلم.
ثلاث مقطوعات تكشف عقل البطل وتفكّك الزمن
مقطوعة «Suite Punta del Este» لأستور بياتسولا
المقطوعة الأيقونية التي تُستخدم بوصفها الثيمة الأساسية. تعتمد على إيقاع متكرر يخلق حركة حلزونية، مع دخول الوتريات في طبقات متصاعدة ترفع التوتر ثم تكسره. وتُستخدم في مشاهد انتقال «كول» بين الأزمنة، وفي اللحظات التي يتشوّه فيها إدراكه. ووظيفتها الأساسية ترسيخ فكرة «الزمن الدائري» الذي لا يتيح الهروب.
مقطوعة «Time Confusion / To the Mental Ward / Planet Ogo» لبول باكماستر
تُمثّل هذه المقطوعة الصورة السمعية لفوضى المصحة النفسية وما تثيره من ارتباك. ويقوم بناؤها على وتريّات حادة تُجزَّأ فيها الجُمل إلى مقاطع قصيرة، وتعلوها طبقة نحاسية منخفضة بنبرة مضطربة. وتظهر في الخلفية نغمات متنافرة تُذكّر بصوت أجهزة مراقبة أو آلات تحليلية تعمل وتتعثر. ويتقدم الإيقاع بسرعة ثم يتوقف فجأة، ليحاكي الاضطراب الذي يعيشه «كول» بين إصراره على حقيقة رحلاته الزمنية، وخوفه من أن يكون كل ما يراه نتاج اختلال عقلي.
مقطوعة «Sleepwalk» لبول باكماستر
أعاد باكماستر بناء الأغنية الشهيرة «Sleepwalk» من الخمسينيَّات لتناسب مزاج الفِلم، فاحتفظ باللحن الأساسي على القيتار «المنزلق»، لكنه خفّض سرعته وأضاف خلفه وتريات خافتة تمنحه طابعًا أكثر كآبة. وتبدو المقطوعة هادئة، لكنها تحمل توترًا واضحًا في انزلاقات القيتار ونبرته الممطوطة. ويُستخدم هذا التعديل في مشاهد استرجاع «كول» لطفولته، ليُظهر أن ذكرياته لطيفة في ظاهرها لكنها متوترة ومشوشة في جوهرها، بما ينسجم مع ارتباكه طوال الفِلم.
عبد العزيز خالد


اليوم نقول «أكشن» مع هذا المشهد العبثي من فِلم «Monty Python and the Holy Grail»، الصادر عام 1975.
يتتبّع الفِلم رحلة ساخرة يقودها «الملك آرثر» بحثًا عن الكأس المقدسة، لكن القصة لا تميّزه بقدر ما يميّزه تفكيك شكل الحكاية نفسها. إذ ينتقل الفِلم بين أساليب تصوير وسرد مختلفة، فتراه روائيًّا ثم وثائقيًّا ثم رسومًا متحرّكة، ويُقطع فجأة ليلغي منطق السرد التقليدي عن قصد.
في منتصف الفِلم، يقطع هذا المشهد رحلة «الملك آرثر» فجأة، ليظهر مؤرّخ يرتدي ملابس معاصرة ويشرح خلفية أسطورة «آرثر». طريقة المؤرّخ في الإلقاء جادة، والانضباط الأكاديمي في صوته يفرض على المشهد نبرة وثائقية صافية، كأن اللقطة مقتطعة من برنامج تاريخي مستقلّ عن الفِلم، ولا علامات تدلّ على العبث المعتاد في الفِلم إلا ظهور جملة «مؤرخ مشهور» تحته.
لكن في ثانيتين، يقتحم فارس من العصور الوسطى المكان ويطعن المؤرخ ثم يهرب، بينما تستمر الكاميرا في التسجيل. بعدها، يُقطع المشهد ليكمل رحلة «الملك آرثر»، بلا تفسير وبلا أي محاولة لربط هذا الحدث بما قبله أو بعده. هنا يعتمد الفِلم على مفارقة قوية، ينسف فيها لقطةً جادة بنبرة عبثية لا تنتمي إليها، وبهذا يصبح التحرير هو مصدر الكوميديا، لا الفعل وحده.
وتأتي القيمة البصرية للمشهد من التصادم بين زمنين: الفارس الذي ينتمي إلى أسطورة قديمة، والمؤرخ الذي يتحدث بلسان القرن العشرين. هذا التصادم يكسر الإيهام، ويحوّل الكاميرا إلى شاهد مرتبك على عالم لا يلتزم بقواعد الحكاية. وتجاهل الفِلم لأي تفسير بعد وقوع الحدث ثم الانتقال إلى مشهد جديد، يعكس أسلوبًا سرديًّا هدفه تقويض استمرارية السرد، وإبقاء المشاهد في حالة مفاجأة دائمة.
وهذه مجرّد لقطة من بين عشرات اللقطات السابقة لعصرها في الفِلم، حيث تقدّم نوعًا من الكوميديا المبنية على التحرير أكثر مما هي مبنية على النص والموقف. فتتولّد الضحكة من القطع السريع، أو من قلب النبرة في اللحظة الأخيرة، أو من رفض تقديم نتيجة واضحة. وهذا الأسلوب اليوم هو جزء أساسي من «لغة الإنترنت». ففكرة أن تمهّد لمشهد مستقر ثم تقلبه بحدث خاطف، ثم تُنهيه مباشرة بلا تفسير، هي بالضبط الإيقاع الذي يعتمده صنّاع المحتوى الكوميدي اليوم.
عبد العزيز خالد

فقرة حصريّة
اشترك الآن


لا يُقرأ كتاب «Fear and Loathing in Las Vegas» بوصفه «رحلة صحفية»، بل هو وثيقة صادمة عن لحظة فقدت فيها أمريكا بوصلتها. نشره هانتر إس. تومسون عام 1971 بعد أن تحوّلت مهمته الصحفية القصيرة لتغطية سباق «Mint 400» والمؤتمر الوطني لضباط مكافحة المخدرات إلى هجوم على انهيار «الحلم الأمريكي». وأصبح الكتاب أحد أكثر نصوص «صحافة القونزو» تأثيرًا، بشخصيات حقيقية تتخفّى وراء أسماء مستعارة، وهذيانات تُستخدم لفضح واقع أكثر عبثية من الخيالات.
وفوضوية الكتاب هي ما جعلت تحويله إلى فِلم شبه مستحيل. إذ حاول مارتن سكورسيزي، ثم أوليفر ستون، دفع المشروع. لكن كل محاولة اصطدمت بفكرة «كيف تُحوّل نصًّا يخلط بين الهلوسة والحدث إلى صورة مفهومة؟» فبقي المشروع لسنوات في «جحيم التطوير»، وتغيّرت أسماء المخرجين والممثلين، وانهارت خطط عديدة بسبب ميزانيات غير واقعية أو خوف المنتجين من مضمون الكتاب.
ولم يتحرك المشروع فعليًّا إلا حين وصل إلى المخرج تيري قيليام، الذي كان وحده مستعدًّا لتحمّل فوضى النص وتحويلها إلى فوضى بصرية. فأعاد كتابة السيناريو خلال أيام، وتجاهل «مقاربات» المخرجين السابقين، مفضّلًا أن يعيد خلق التجربة كما يريدها هو، لا كما فُسّرت سابقًا.
وبهذا السياق نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن فلم «Fear and Loathing in Las Vegas» الصادر عام 1998:
مع أنّ تيري قيليام أعاد كتابة السيناريو بالكامل وبنى نسخة جديدة لا تعتمد على أي مسوّدة سابقة، واجه مشكلة مع نقابة الكتّاب الأمريكية التي قررت منح الاعتماد أيضًا للكاتبين أليكس كوكس وتود ديفيز، اللذين عملا على مسوّدة قديمة قبل وصول المشروع إلى قيليام. ورأت النقابة أنّ تشابه بعض العناصر العامة بين النسختين يكفي لعدّ كوكس وديفيز «مساهمين» حتى لو لم يستخدم قيليام جملة واحدة من نصّهما. وقد عدّ قيليام هذا القرار ظلمًا واضحًا، فأحرق بطاقة عضويته في النقابة علنًا احتجاجًا عليه.
اعتمد الفِلم على قدر كبير من الارتجال في أثناء التصوير. فقد سمح قيليام للممثلين بتجربة حركات وجُمَل غير مكتوبة، وكان يتعامل مع العثرات التقنية بوصفها جزءًا من المزاج الذي يريد نقله من الكتاب. كما صُوّرت لقطات ثم عُكِست في التحرير بسبب خلل في النسخ الطبيعيّة، وأيضًا لأنها تضيف إلى حالة الهلوسة البصرية.
وفي مواقع التصوير الداخلية، لم تكن الإضاءة دائمًا مضبوطة بسبب الانتقال السريع بين الديكورات داخل الكازينوهات، فظهرت تباينات واضحة في بعض المشاهد. ولم يحاول قيليام تعديل هذه التفاصيل، بل عدّها امتدادًا لروح النص، واحتفظ بها في النسخة النهائية من الفِلم لأنها تخدم الفوضى المتعمدة التي يقوم عليها.
بعد سنوات من المحاولات الفاشلة مع جاك نيكلسون ومارلون براندو، ثم دان آيكرويد وجون بيلوشي، تحوّل الدور إلى جيل أصغر، وفكّر المنتجون في جون مالكوفيتش ثم جون كوزاك. لكن لقاءً واحدًا جمع الكاتب هنتر تومسون بجوني ديب أنهى كل الاحتمالات الأخرى، لأن تومسون رأى في أداء ديب تمثيلًا صادقًا.
وجمعت الثنائي -ديب وتومسون- علاقة عميقة؛ فقد عاش ديب أربعة أشهر في منزل تومسون، يراقب صوته وحركاته ونبرته وإيقاع حديثه، وفتح له تومسون خزانة ملابسه وأعاره قمصانه وقبعاته من السبعينيَّات، وأيضًا سيارته، وقد حلق بنفسه رأس ديب في مطبخه.
عبد العزيز خالد

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.