«No Other Choice»: باراسايت جديد؟
زائد: «الضارية»... ومأزق صناعة الجانرا

في عام 1997، عانت كوريا الجنوبية من أزمة اقتصادية كبيرة، قررت على أثرها أن تجعل السينما «صناعة» وليس مجرد «فن»، فسعت إلى دعم الاستثمارات وبناء الاستديوهات.
كان الهدف أن تصبح السينما صناعة مربحة تساعد في تنويع الاقتصاد وإنعاش السياحة وبناء الهوية العالمية لكوريا بعد الأزمة الاقتصادية. ومن هنا، بدأ العصر الذهبي لصناعة السينما الكورية، حتى وصلت إلى كل أرجاء العالم.
نايف العصيمي

«No Other Choice»: باراسايت جديد؟
سلمان الأحمدي
«لا خيار آخر» هو فلم جريمة وكوميديا سوداء بمواقف مضحكة للغاية، لكنها حزينة بتفاصيلها والرسائل التي يقدمها من خلالها. وفيه يقدّم المخرج بارك تشان ووك مشروع العمر كما يصفه، فقد بدأت فكرة الفلم منذ عشرين عامًا حين قرر تحويل الرواية الأمريكية (The Ax) إلى فلم.
عن البطل «يو مان سو»
يصور الفلم شخصية «يو مان سو»، الرجل الذي يعمل في شركة لصناعة الورق منذ خمسة وعشرين عامًا، ويعيش حياة مثالية وسعيدة مع عائلته، معتقدًا بأنه قد أنجز كل شيء في الحياة. لكنه يُسرح من عمله بعد استحواذ شركة أمريكية على شركته. ورغم سيرته الذاتية الرائعة، يستمر في البحث عن وظيفة جديدة تناسب مسيرته العملية لمدة ثلاثة عشر شهرًا. نتيجة لذلك، يرى أنه لا خيار آخر له سوى قتل منافسيه على الوظيفة التي سيتقدم إليها، لكي يصبح هو الخيار الوحيد للشركة.
يصور الفلم أزمة تسريح الشركات للموظفين بدمٍ بارد، واستبدالهم بالتقنية والذكاء الاصطناعي، وصعوبة حصول الموظفين بعد ذلك على وظائف في مجال عملهم نفسه. الأمر الذي يجعل بطل الفلم يتحول من شخص عادي إلى وحش لا يتقبل خسارة وظيفته وتدني مستوى معيشته.
يقدم الفلم قصته في قالب كوميدي وسط شخصيات بسيطة وطبيعية، ودون تحولات أو مفاجآت حتى النهاية، وبمستوى غير متوقع إطلاقًا في الكوميديا من المخرج بارك تشان ووك. وهو بذلك يصنع هنا أكثر أفلامه القابلة للمشاهدة للجميع؛ إذ اعتدنا في أفلامه على وجود شخصيات معقدة وأفكار جنونية ومشاهد دموية مبالغ فيها، تجعل تلك الأفلام غير مناسبة للجميع.
يقول المخرج بارك تشان ووك بعد خروج الفلم دون أي جائزة من مهرجان البندقية: «أشعر وكأنني فزت بجائزة كبيرة، لأن ردود الأفعال على الفلم كانت أفضل من أي عمل صنعته من قبل.» وهذا يؤكد على وصول الفلم إلى شريحة كبيرة من المشاهدين بعكس تجاربه السابقة.
شخصيات الفلم
يركز الفلم بصورة كبيرة على بطل القصة «يو مان سو»، لكنه لم ينسَ أي شخصية مساعدة، فقد خلق لكل شخصية مجالًا لتترك بصمة كبيرة في الفلم، مثل زوجته «مي ري» التي كانت موجودة طوال الفلم لدعم زوجها ومساندته حتى في أصعب مواقفه دون علمها عن خطته المجنونة التي يقوم بها، وأبنائه «سي وون» و«ري وون» اللذين يملكان طباعًا وصفات مختلفة تشعرك بأنهم أسرة طبيعية وتخلق شعورًا بالألفة.
أما «بيوم مو» و«سي جو» و«سيون تشول» فهم أهداف بطل القصة «يو مان سو». وقد قدّم كل منهم حياة مختلفة وشخصيات مساعدة في قصصهم، ما جعل بطل القصة يشعر بالغصة والتردد في قتلهم بعد معرفة أحوالهم، خاصة هدفه الأول «بيوم مو» الذي وصل إلى مرحلة صعبة من اليأس في الحصول على وظيفة، ويعيش ظروفًا عائلية أسوأ. ويصف «يو مان سو» حاله حين يقول لابنته: «هناك منزل به شجرة كمثرى جميلة، لكن الحشرات تأكلها حية.»
بارك تشان ووك
يُعد المخرج بارك تشان ووك أحد أفضل المخرجين في القرن الحالي. إذ يملك نظرة مختلفة ولمسة إبداعية مذهلة للغاية في صنع المشاهد واختيار زوايا تصوير مميزة منذ بداية مسيرته بفلم «JSA» و«ثلاثية الانتقام»، ولعل أبرز مثال على ذلك مشهد القتال الشهير في الممر في فلم «Oldboy».
وبعد مرور السنوات وما قدمه في التحفة الفنية «قرار الرحيل» عام 2022، الذي قد تفكر بعده ماذا يمكن أن يقدم أكثر في هذه العودة السريعة؟ تكتشف أنه ما زال يملك الكثير من الإبداع في خلق أفكار جديدة لنقل صورة مميزة للغاية في أبسط المشاهد.
ويتفنن هنا في «لا خيار آخر» بإظهار مهاراته في صناعة مشاهد لا تُنسى أبدًا عبر مواقف كوميدية على غير العادة. ولا يكتفي إلا بصنع تجربة متكاملة بتوظيفه المذهل لجميع العوامل، وعلى رأسها الموسيقا التصويرية المبهرة دائمًا في أفلامه.
لي بيونق هون بدور «يو مان سو»
لا يتوقف النجم لي بيونق هون عن إبهارنا بتجسيده المثالي للشخصيات بكل تفاصيلها، فيقدم هنا دور «يو مان سو» بكل روعة، سواء في المواقف المضحكة أو في لحظات الشك واليأس أو في تعابير الحزن، ليرتقي بذلك بالفلم إلى أعلى مستوى.
ويعود هنا للعمل لأول مرة مع المخرج بارك تشان ووك في فلم طويل منذ «JSA 2000»، الذي كان أول فلم ناجح في شباك التذاكر لكليهما. والآن، بعد خمسة وعشرين عامًا ومسيرة عظيمة ملأى بالإنجازات والنجاحات، يعودان مجددًا لتقديم الفلم الأبرز في السينما الكورية في 2025.
المخرج بارك تشان ووك والعقدة مع حفل الأوسكار
قد تظن أن المخرج بارك تشان ووك قد حصل سابقًا على ترشيحات في الأوسكار، بحكم مسيرته الطويلة الممتلئة بالروائع والمشهورة على مستوى العالم وعلى مستوى المهرجانات الدولية، مثل مهرجان كان الفرنسي، لكن الواقع أنه لم يترشح قط للأوسكار.
والأمر لم يكن في يد الأكاديمية في بعض الأحيان؛ إذ لم تختر كوريا الجنوبية أبرز أعماله لتمثيلها في حفل الأوسكار، تحديدًا فلمي «Oldboy» و«The Handmaiden»، اللذين شاركا في عدة مهرجانات دولية وحصلا على العديد من جوائز الحفلات المحلية والخارجية.
أما الآن، وعلى اسم الفلم، فلا خيار آخر أمام حفل الأوسكار سوى ترشيح فلمه بكل استحقاق وتعويضه عما فات، فقد اختير الفلم ممثلًا لكوريا الجنوبية.
خلق مقارنة مع الفلم الأوسكاري «Parasite»
قرأت منشورًا على «أكس» يقول: «هل يعتقد الناس أن الأفلام الكورية مثل إصدارات الآيفون؟» في تعليق ساخر على استمرار الناس في خلق مقارنة بين أحدث إصدارات السينما الكورية وسابقاتها، مثلما حصل مع فلم «باراسايت» ومقارنته بتحف السينما الكورية التي سبقته.
صحيح أن كِلا الفلمين يتحدثان عن قصص عميقة في المجتمع، لكنها لا تفتح مجالًا للمقارنة في تفاصيلهما. إذ يصور فلم «باراسايت» صراعًا طبقيًّا وتطورًا غير متوقع في الأحداث حتى النهاية مع دخول عامل الجريمة فجأة، في حين يتناول فلم «لا خيار آخر» أزمة استبدال التقنية بالموظفين وصعوبة الحصول على وظيفة، ويقدم فكرته وتوجه قصته منذ البداية عبر مواقف كوميدية ممتعة ولا يترك شيئًا للمفاجأة.

السينما وُجدت لتبقى
متى تنسى الناس السينما؟ إذا كانت مجرد تجربة بحدود الساعتين، حالما ينتهي الفلم، تختفي من ذاكرتك. مبادرة «سينماء» من هيئة الأفلام انطلقت لتضيف للتجربة عمقًا وتأثيرًا يتجاوز قاعة العرض. من خلال مسارات متنوعة تهدف إلى إثراء المشهد السينمائي السعودي، ودعم المواهب النقدية، وصناعة محتوى يليق بتاريخ السينما ومستقبلها.



يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما السعودية فِلم «حوبة» من إخراج ماجد الأنصاري، وبطولة سارة طيبة وبدور محمد. تدور القصة حول «أماني» التي تنهار حياتها بعد دخول زوجة ثانية «زهرة» إلى بيتها، فتحاول التماسك من أجل ابنتها «نور»، لكنها تلاحظ أحداثًا غامضة تُقلقها وتزيد شكوكها في أن لـ«زهرة» ماضيًا مظلمًا. ومع تصاعد الهواجس، تنجرف «أماني» في بحث محموم عن الحقيقة، حتى يصبح الخيط الفاصل بين الواقع والخيال مهددًا بالانهيار.
كما يُعرض في اليوم نفسه فِلم «Zootropolis 2». وتتمحور قصته حول عودة «جودي هوبّس» و«نِك وايلد» إلى قضية جديدة تهزّ مدينة الحيوانات بعد ظهور شخصية غامضة تهدد توازن المدينة تُدعى «قاري دي سناك»، فينطلق الثنائي في تحقيق يكشف طبقات جديدة من عالم «زوتروبوليس».
بدأت شبكة «FX» إنتاج مسلسل مقتبس من لعبة «FAR CRY». وسيكون العمل بنظام «أنتولوجيا»، أي أن كل موسم سيقدّم قصة مستقلة بطاقم مختلف وبيئة جديدة.
أعلنت «Universal» عن فِلم جديد من سلسلة «The Exorcist»، من إخراج مايك فلاناقان وبطولة سكارليت جوهانسون، في مشروع يُعيد إحياء السلسلة بقصة مستقلة داخل العالم نفسه، ويُتوقع أن يُطرح العمل في شهر مارس، 2026.
بدأت «Paramount» العمل على «Rush Hour 4» بعد ضغط من دونالد ترمب لإعادة السلسلة إلى الواجهة. وجاء القرار ضمن تحرّك أوسع لإحياء أفلام الأكشن الناجحة تجاريًّا. وستتعاون «Paramount» مع «.Warner Bros» في عملية التوزيع، في خطوة غير معتادة تجمع بين الاستوديوهين لضمان انتشارٍ عالمي للفِلم.


«الضارية»... ومأزق صناعة الجانرا
عبدالله آل هيازع
لطالما كانت بوصلة الفضول لدى المتفرج سواء في الدراما التلفزيونية أو قاعات السينما تتجه مباشرة نحو الأعمال التي تخاطب حواسه؛ تلك التي تداعب مكامن الخوف، وتضخ الأدرينالين عبر الحماسة، أو تفجر الضحك، وربما تستدر الدموع. للصورة السينمائية قدرة سحرية على تحريك هذه المشاعر وجعلك أسيرًا للترقب، وهو أمر لا يحتاج إلى تنظير أو فلسفة لتفكيكه، فهو واضح وجلي يطفو على سطح تجربة المشاهدة.
ولو عدنا بالذاكرة قليلًا لتشريح ذائقة أيِّ محب للسينما، سنجد بلا شك أن اللبنات الأولى التي شكلت شغفه كانت في الغالب أفلام الحركة أو الرعب. حتى في نقاشاتنا اليومية عندما يطلب أيُّ شخص مهتم بالترفيه توصيةً لفلم أو مسلسل، فإن سؤاله غالبًا ما يُبطِن رغبة في أحد هذين التصنيفين؛ إما إثارة تحبس الأنفاس أو رعب يرفع وتيرة النبض. هذا الميل الجماهيري لم يكن مجرد انطباع، بل عكسته بوضوح أرقام في شباك التذاكر السعودي لعام 2024، حيث ذهبت حصة الأسد لتصنيفي الأكشن والرعب. ولكن عندما ننتقل بنظرنا إلى الإنتاج المحلي لهذين النوعين سنجد فجوة كبيرة، إذ تشكل هذه الأعمال النسبة الأضعف والأقل حضورًا في خريطة إنتاجنا الفني.
لذا كان من الطبيعي أن يصبح عمل مثل «الضارية» محط الأنظار وتتركز عليه الأضواء منذ لحظة عرضه. فبجانب الطاقم التمثيلي الذي ضمّ أسماء بارزة، هو عمل ينتمي إلى أفلام «النوع» (Genre) في المقام الأول. تدور قصة المسلسل في منطقة حدودية ممتلئة بالصراعات على النفوذ بين مهربي المخدرات، حيث يتنافس بطلا القصة «عباس» و«يوسف» على السيطرة. لكن المعضلة التي أريد تسليط الضوء عليها هي أن التوجه لصناعة «الجانرا» بقدر ما هو ضرورة ملحة، هو في الوقت ذاته مغامرة محفوفة بالمخاطر تتطلب ضبطًا دقيقًا للإيقاع، ومصداقية عالية للشخصيات. وهذان العاملان تحديدًا -تصديق الشخصيات وضبط الإيقاع- هما ما خذلاني في «الضارية» وأفقداني الانسجام التام معه، ليتحول الحماس المبدئي إلى شعور بالانفصال.
«الضارية».. الثأر يضيع
تحت عنوانٍ فرعي يوحي بالكثير (الثأر ما يضيع) افتتح المسلسل مشاهده ببداية واعدة ومثيرة تعود بنا عشر سنوات إلى الوراء، حيث شهدنا لحظة مقتل «الحنش» والد «يوسف» (فايز بن جريس) على يد «عباس» (تركي اليوسف)، ليدفع الأخير ثمن فعلته سجنًا دام عقدًا من الزمان. هذه التوطئة وضعتنا أمام استحقاقٍ درامي واضح، وهو أن خروج «عباس» من السجن يعني بالضرورة اشتعال فتيل الانتقام لدى «يوسف» للأخذ بدم أبيه. لكن هذا المحرك الدرامي الذي كان يفترض أن يكون الوقود الأقوى للعمل سرعان ما خفت وهجه وتلاشى على نحو محبط.
لم تكن المشكلة في الفكرة بحد ذاتها، بل في إدارة التوتر بين قطبي العمل. فالعلاقة المعقدة بين «عباس» و«يوسف»، وتجارتهما التي تجبرهما على العمل معًا في الوقت ذاته الذي يختطف فيه «عباس» شقيق «يوسف»، إضافة إلى دافع الثأر القديم، كلها تشكل خيطًا دراميًّا خامًا يحمل قدرًا هائلًا من القدرة على التلاعب والأخذ والرد. لكن بدلًا من استثمار هذه العلاقة لتوليد ضغطٍ نفسي يحبس الأنفاس ويصعد الصراع، اكتفى العمل بتقديم مشاهد معدودة اتسمت بالسذاجة، وغلب عليها حوار بارد لا يرقى إلى مستوى التوتر أو جحيم المشاعر الذي يفترض أن تعيشه الشخصيات في مثل هذا الموقف.
هذا الانفصال تعمق أكثر مع غياب الروح المحلية الحقيقية وتضارب الزمان والمكان. فالعمل يعاني من ضبابية في الحقبة الزمنية، تبدو فيه الصدامات وطبيعتها غير متسقة مع السياق الزمني الذي اختاره المسلسل، ومع ذلك يتعامل معها كروتين يومي. وزاد الطين بلة الحوار الذي بدا كأنه خضع لعملية توليف مصطنعة، إذ تشعر أن الفكرة كُتبت بالفصحى أو بلهجة بيضاء محايدة ثم صبغها كل ممثل بلهجته الخاصة. فخرج المزيج غير متجانس، فاقدًا للعفوية وجاعلًا من الشخصيات قوالب دون روح، مما جعل التعاطف معها أو الخوف عليها أمرًا صعبًا.
أزمة المسودة الأولى
هذا الإخفاق في ضبط الإيقاع والمصداقية يقودنا إلى النمط الإنتاجي الذي بات يظهر جليًّا في أعمال منصات البث، وخاصة شاهد، وهو ما يمكن تسميته بأزمة المسودة الأولى. مشكلة «الضارية» الجوهرية ليست في غياب الفكرة، بل في أن العمل قُدم للمشاهد وهو لا يزال في طوره الخام.
ومن سمات المسودة الأولى عادة أن يسكب الكاتب فيها كل أفكاره دون فلترة. وهنا تكمن العلة؛ فبدلًا من أن يُشذِّب النص ويركز عدسته على الصراع المركزي بين «عباس» و«يوسف»، ترك الحبل على الغارب لقصص جانبية وهوامش درامية لا تخدم العمود الفقري للحكاية. لقد تاهت البوصلة التي كان يجب أن تشير إلى عنوان الثأر، وانحدر النص فجأة إلى مسارات فرعية استنزفت وقت الحلقة دون طائل، وكأن الصانع لم يمتلك الجرأة للتخلي عن الزوائد لصالح تكثيف الصراع الأصلي.
خطوط الدراما في «الضارية» غنية بالإمكانات: عالم الحدود، وقسوة الجبال، وصراع البقاء، لكنها تُركت مترهلة ومبعثرة. إن أعمال الإثارة تحديدًا تتطلب حِرفة عالية في التحرير لتقديم وجبة دسمة من الإثارة، وعندما يُتخلى عن هذا الضبط وتطغى الهوامش على المتن، تصبح الفكرة الواعدة مجرد هيكل يفتقر إلى اللحم والدم.
على مستوى الصورة، يُحسب للثنائي الإخراجي (الفوز طنجور ومجدي السميري) نجاحهما في استنطاق جغرافية المكان، واستثمار الهوية الجنوبية بتضاريسها لتكون شريكًا في الحكاية. إذ نجحت الكاميرا في نقل وحشة الجبل وجماليات البيوت العتيقة، مما خلق مناخًا بصريًّا أضفى على العمل صبغة واقعية. بيد أن هذا التفوق البصري في التأسيس المكاني تراجع عند الانتقال إلى الجانب الحركي؛ فجاءت مشاهد المعارك تقليدية، مكتفيةً بالحد الأدنى من الجودة، وعجزت عن مجاراة قسوة البيئة أو عكس شراسة الصراع المفترضة.
هذا التذبذب انسحب أيضًا على التمثيل. فمع أن العمل مزدحم بأسماء بارزة لها ثقلها، جاءت محصلة الأداء متفاوتة، إذ افتقدنا ذلك الأداء اللافت، أو الكاريزما التي تأسر المُشاهد. ومع ذلك، لا يمكن تحميل الممثلين وحدهم مسؤولية هذا البهوت؛ فالممثل مهما بلغت موهبته يظل محكومًا بأدوات النص. إن الفوضى في ضبط اللهجة والروح المحلية، شكّلت حاجزًا جعل الأداء يبدو صراعًا تقنيًّا مع النص والحوار، لا معايشة حقيقية للدور، فغابت الروح وحضرت الصنعة الباردة.
في المحصلة، «الضارية» هو تجسيد حي لعمل يمتلك نقطة انطلاق ممتازة، لكنه وقع ضحيةً لعدم نضوج النص، فأفقد المشاهد الزخم التراكمي الضروري للتعلق بمصير الشخصيات، وانتهى به المطاف فرصةً ضائعةً كان يمكن لها أن تكون علامة مهمة لو مُنحت الوقت والعناية التي تستحقها.
.png)
ادّخر بذكاء من كل عملية شراء 🧠
كل ريال تنفقه يمكن أن يصنع فرقًا في مستقبلك المالي. «ادخار سمارت» من stc Bank حساب ادّخاري يعطيك 4% أرباح سنوية وتقدر تسحب فلوسك بأي وقت! ادّخر اليوم، واستثمر في غدك مع
«ادخار سمارت».

«Irreversible Time»(2:09)

.webp)
يقوم عالم فِلم «A Bittersweet Life» على الهدوء الموشّح بالعنف. وتتبع قصته «سون وو»، الرجل الأكثر انضباطًا في منظمة إجرامية كورية، والمكلّف بمراقبة عشيقة رئيسه. تنقلب هذه المهمة اليسيرة رأسًا على عقب عندما يكتشف خيانتها ثم يختار -بدافع يصعب تفسيره- أن يحميها بدل أن ينفّذ الأمر. فيضعه هذا التردد خارج المنظومة التي عاش تحت قوانينها، ويحوّل حياته إلى مطاردة مفتوحة مع رجال يعرفهم ويعرفونه. ويتعامل الفِلم مع هذا الحدث بوصفه حلقة من الانهيارات لرجل أدرك متأخرًا هشاشة موقعه.
في هذا السياق، تتقدم الموسيقا لتكون البنية التي تُظهر ما لا تقوله الشخصيات. فقد صنع المُخرج كيم جي وون أجواءً تقوم على التوتر الخافت، في حين اختار الثنائي دالبالان وجانق يونق قيو لغةً صوتية تُعامل العنف بوصفه نتيجة؛ عن طريق الوتريات الطويلة، والنبضات الإلكترونية المنخفضة، والإيقاعات المترددة، التي تكشف ما يجري تحت سطح البطل من هشاشة.
أبرز ثلاث مقطوعات
مقطوعة «Irreversible Time»
تقوم على بيانو هادئ ينساب بنغمة قصيرة ومتكررة، ثم تلتحق به أوتار ثقيلة تضيف عمقًا وكآبة تدريجية. هذا البناء يجعلها مناسبة للحظات التأمل التي تسبق انهيار «سون وو»، وتُسمع في المقاطع التي يتوقّف فيها البطل قليلًا ليفهم ما الذي آل إليه وضعه قبل أن تنفلت الأمور من يده تمامًا.
مقطوعة «Red Lounge»
تعتمد على قيتار «جاف»، مع إيقاع يرتفع خطوة بعد خطوة دون أن يصل إلى صخب كامل، كأن الموسيقا نفسها مترددة. وتُستخدم في المواجهات الأولى التي يحاول فيها «سون وو» الحفاظ على اتزانه، وتظهر في المشاهد التي يضبط فيها أعصابه وهو يدرك أن العنف بات قريبًا منه أكثر مما يحتمل.
مقطوعة «Sky Lounge»
تبدأ بنغمات معدنيّة رقيقة في الخلفية، ثم تدخل الطبول لترفع التوتر إلى ذروة خاطفة، قبل أن ينحسر كل شيء إلى نغمة ممتدّة تشبه اللحظة التي يسبقها السقوط. وتُستعمل في المقاطع التي يقف فيها «سون وو» على حافة قرار لا يمكن الرجوع عنه، خصوصًا قبل المواجهات الكبيرة، لتُظهر يقظته الحادّة وتردده قبل أن يواجه العاصفة القادمة.
عبد العزيز خالد


اليوم نقول «أكشن» مع هذا المشهد من فِلم «Joint Security Area» الصادر عام 2000.
تدور أحداث الفِلم حول حادثة إطلاق نار تقع داخل كوخ حدودي في المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين؛ يُقتل فيها جنديان من الشمال، ويُتّهم الجندي الجنوبي «سو هيون» بإطلاق النار، في حين يصرّ الشماليون على أنه هجوم مدبّر. بعد الحادثة، تُكلَّف المحققة السويسرية «صوفي جان» بالتحقيق بوصفها جهة محايدة، ومع تقدّمها في جمع الشهادات تدرك أن الروايات متضاربة وأن الجميع يخفي شيئًا أكبر من مجرد اشتباك حدودي.
وعبر استرجاعات متقطعة، ينكشف أن جنديَّين من الشمال وجنديَّين من الجنوب أقاموا سرًّا علاقة صداقة. إذ كانوا يلتقون ليلًا داخل كوخ ويتبادلون المزاح والأحاديث والسجائر، رغم أن القانون العسكري يجعل مجرد عبور الخط الفاصل بين الكوريتين خطوة واحدة بمثابة جريمة. وهذه الصداقة، التي بدأت بريئة وغير مخططة، تضع الجميع في مأزق حين تصبح تحت ضغط الشكّ والمراقبة والخوف، وتنتهي لاحقًا بانهيار عنيف يفسّر الحادثة التي يحقق فيها الفِلم.
في أحد الاسترجاعات، نرى «سو هيوك» في دورية ليلية داخل المنطقة المنزوعة السلاح، لكنه يبتعد قليلًا عن مسار زملائه ويتوغّل بلا انتباه في جهة الشمال. وبعد أن يتوقف ليقضي حاجته،
يلتفت فيدرك أن قدمه ثابتة فوق جسم معدني مغمور تحت التراب. يسمع صوت اللغم وهو يُفعَّل، فيتجمّد في مكانه. وفي هذا الوضع العالق، يكتشفه الجنديان الشماليان «أوه كيونق بيل» و«جونق وو جين». وبدلًا من إطلاق النار أو التبليغ عنه، ينحني «وو جين» ليفحص اللغم، ويفكّ آليته حتى يحيّده تمامًا. وبعد نجاة «سو هيوك»، يناوله «وو جين» قطعة صغيرة من جسم اللغم، كأنها تذكار لما حدث، وللبداية التي ستربطهم لاحقًا.
حين يدخل «كيونق بيل» المشهد، يتغيّر ميزان القوة بصمت. إذ لا يتحرّك الجندي الشمالي بروح الخصومة، بل بعفوية إنسانية، تمنح المشهد نبرة تعاطف لم يكن يفترض أن توجد بين «عدوين». هنا يزول الخط الفاصل لفترة، ويظهر أن علاقة الشخصيتين لم تُبنَ على مجرّد لعب وسجائر، بل على هذه اللحظة الأولى التي رأى فيها كلٌّ منهما الآخر بلا رتبة ولا شعار.
يمكن قراءة المشهد بوصفه لحظة يضبط فيها المخرج بارك تشان ووك إيقاع الفِلم على مستوى مختلف؛ فهو لا يقدّم المشهد في صورة «موقف خطر»، بل في صورة مساحة يتلاشى فيها العداء المصنوع. واختيار وضع «سو هيوك» في هذا الموقف هو طريقة لفضح هشاشة الجندي حين يبتعد بضعة أمتار عن خط يفصل بين عالمين. أما الفراغ حوله فهو امتداد للشرخ السياسي كله، في إشارة إلى أن الخطر الحقيقي ليس في اللغم، بل في المسافة التي صُممت لابتلاع أي محاولة اقتراب بين الطرفين.
عبد العزيز خالد

في الرياض
بين 7 و9 نوفمبر 2025، تلتقي العيون التي ترى السينما من زواياها المختلفة.
هيئة الأفلام تطلق مؤتمر النقد السينمائي الدولي تحت شعار «السينما.. فنّ المكان».
مساحة تجمع النقاد والباحثين وصنّاع الأفلام من العالم كله، لحوار يعيد التفكير في علاقة السينما بالمكان والزمان، والخيال بالواقع.

فقرة حصريّة
اشترك الآن


منذ التسعينيّات، كانت محاولات تحويل عالم «G.I. Joe» إلى فِلم حيّ تتنقّل بين أروقة استديوهات «هاسبرو» و«باراماونت» دون أن يكتمل أي مشروع. ومع نجاح «Transformers» تجاريًّا في مطلع الألفية، رأت «باراماونت» أن الوقت مناسب لإعادة إطلاق علامة «G.I. Joe» بوصفها سلسلة سينمائية كبرى، فدفعت بالمشروع إلى خط الإنتاج عام 2007.
غير أن هذه الانطلاقة تزامنت مع إضراب نقابة الكتّاب، ما جعل العمل يدخل مرحلة التصوير بنصٍّ يتبدّل يومًا بعد يوم، ويتحوّل تدريجيًّا إلى مزيج بين إرث القصص المصوّرة وما تقتضيه سينما الأكشن الحديثة من تغييرات في البناء والشخصيات. ومع اكتمال التصوير، خرج الفِلم بصورة ضخمة بصريًّا، لكنها ضعيفة فنيًّا وقائمة على سيناريو لم يُحسَم قبل بدء التنفيذ.
وبهذه المعلومة، نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن فِلم «G.I. Joe: The Rise of Cobra»، الصادر عام 2009:
صرّح تشاننق تيتوم في لقاء له أنه «يكره الفِلم»، وشرح أنه أُجبر على التمثيل بسبب عقد مبكّر لثلاثة أعمال وقّعها قبل شهرته. وحين حاول الاعتذار قيل له إنه مهدّد بالمقاضاة، قبل أن يلين موقفه لاحقًا ويعزو رفضه لظروف التعاقد لا لجودة الفِلم السيئة.
لم يُطلَب من لي بيونق هون العودة إلى تاريخ شخصية «ستورم شادو» في القصص المصوّرة، لأن خلفيتها الأصلية متشعّبة وممتدّة عبر روايات متناقضة لا يستطيع الفِلم حملها دراميًّا. لذلك فضّل صُنّاع العمل تحرير أدائه من هذا الإرث، وتوجيهه إلى بناء شخصية يقوم حضورها على الانضباط والكبرياء وحسّ الشرف، بدل الالتزام بتفاصيل سردية لا يتّسع لها الشكل السينمائي المختصر.
قبلت سيينا ميلر تجسيد شخصية «البارونِس» لأنها لم ترغب في دور ينتهي بالانهيار أو المأساة كما في تجاربها السابقة، بل أرادت مساحة أداء أكثر خفة ومتعة. وللوصول إلى حضور جسدي مقنع، خضعت لأربعة أشهر من تدريبات الملاكمة ورفع الأثقال، وتعلّمت إطلاق الذخيرة الحيّة، قبل أن تتعرض لإصابة في المعصم في أثناء تصوير مشهد القتال مع رايتشل نيكولز، التي أُصيبت بحروق خلال المشهد نفسه.
ولأن ميلر كانت ترمش تلقائيًّا كلّما أطلقت النار، وهو تفصيل لا يناسب صرامة شخصية «البارونِس»، قرر فريق العمل تحويل نظّارتها إلى نظّارات شمسية، لإخفاء العينين وإبقاء الشخصية بمظهر ثابت وواثق.
صُوِّرت «مطاردة باريس» في شوارع براق، وشهدت تحطيم 112 سيارة، متجاوزةً الرقم القياسي السابق في عدد السيارات المدمَّرة داخل فِلم واحد (104 سيارات في «Blues Brothers 2000»). بل إن إحدى لقطات الاصطدام بحافلة كانت حادثًا حقيقيًّا غير مخطّط له، وحُفظ في النسخة النهائية لعدم وقوع أي إصابات.
بسبب دخول الفِلم مرحلة التصوير في أثناء إضراب الكتّاب، ظهرت مسودات مبكرة تضمّ شخصية «أكشن مان» وتطرح روابط مختلفة كليًّا بين «سكارلت» و«سنيك آيز». ومع تقدّم العمل، استقر الفريق على النبرة الأقرب إلى روح القصص المصوّرة التي كتبها لاري هاما، مبتعدين عن الطابع الكاريكاتوري لمسلسل الثمانينيّات.
عبد العزيز خالد

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.