هل الاقتصاد علم أم تكهنات؟
لماذا تنقلب كثير من التوقعات الاقتصادية فجأة؟ وهل الاقتصاد علم مثل الفيزياء؟ أم مجرد نماذج تحاول فهم تصرفات البشر المتقلبة؟

لأكون صادقًا معكم، كثيرًا ما أسأل نفسي: ما هو الاقتصاد؟ لأن الاقتصاد يُدرّس في الجامعات بوصفه علمًا، لكنك حين تتابع النقاشات الاقتصادية تشعر كأنك تسمع توقعات طقس؛ تتغير كل يوم!
هل الاقتصاد «علم» فعلًا كما يُقال؟ أم هو مجرد محاولات بشرية لفهم عالم ممتلئ بالتناقضات؟ وإذا كان علمًا، لماذا لا يستطيع أحيانًا شرح الأزمات التي نعيشها؟ ولماذا يختلف الاقتصاديون أنفسهم على تفسير الحدث الواحد؟
في حلقة اليوم من «آل جادي»، مع محمد آل جابر وهادي فقيهي، نطرح هذه الأسئلة الجوهرية، ونحاول الإجابة عن: ما هو الاقتصاد؟ ولماذا يهمك أن تفهمه؟ هل الاقتصاد علم يُبنى على قواعد؟ أم هو فنّ من نوع خاص يحاول قراءة المستقبل بنماذج فيها من التقدير بقدر ما فيها من التحليل؟


قُل لي أين تسكن، سأقول لك من أنت
في 2015، عاد ثلاثة باحثين من جامعة هارفارد إلى تأثير تجربةٍ أُجريت قبل أكثر من عشرين سنة، تُعرف باسم «Moving to Opportunity». كانت التجربة تقوم على عرض قسائم سكن لعوائل فقيرة تعيش في أحياء صعبة، ليتمكنوا من الانتقال إلى أحياء أقل فقرًا، ثم تتبع ما يحدث لهذه العائلات بعد فترة طويلة.
ركز الباحثون على الأطفال في هذه العائلات، وتابعوهم لاحقًا من خلال بيانات ضريبية وتعليمية، للإجابة عن سؤال: هل تغيير الحي يغير مستقبل الطفل فعلًا؟ أم أن العنوان فقط هو ما اختلف، وبقي كل شيء كما هو؟
كانت النتائج لافتة: الأطفال الذين انتقلوا إلى أحياء أقل فقرًا قبل أن يصلوا إلى عمر الثالثة عشرة، صار متوسط دخلهم في عمر العشرينات أعلى بنحو 30% من دخل أقرانهم الذين لم ينتقلوا، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة دخولهم الجامعة، وانخفاض احتمال أن يصبحوا آباء أو أمهات عازبين. أما الأطفال الذين انتقلوا بعد سن الثالثة عشرة، فلم يظهر لديهم تحسن اقتصادي وتعليمي واضح، وبعض المؤشرات عندهم كانت أضعف أو سلبية بشكل بسيط.
السرّ كان في التوقيت. فالانتقال مبكرًا يعني أن يستطيع الطفل التأقلم، وفهم مدرسته الجديدة، وتكوين صداقات، والتعود على بيئة أقل توترًا وأكثر استقرارًا لفترة أطول من طفولته. أما إن جاء التغيير متأخرًا، خصوصًا في مرحلة المراهقة، فسيكون أصعب، وسيقلّ الوقت المتاح للاستفادة من البيئة الجديدة، بل وقد يسبب ارتباكًا وضغطًا أكثر مما يضيف من فرص حقيقية.

«برق» محفظة تقنيّة ماليّة💸
الخدمات، البطاقات، والمنتجات ما عليها أي رسوم.
والكاش باك، على الحوالات الدولية وتحويل رواتب العمالة، وبطاقة فيزا ومدى!
محفظة .. تعطيك ما تأخذ منك!

متى يصير الاقتصاد علمًا؟
من أحمد الهلالي ✍🏼
في كثير من المجالس، تظهر أفكار اقتصادية تبدو منطقية إلى درجة أنك تقول في نفسك: «لماذا لا يطبقونها؟». فقد يقول لك أحدهم: إذا ألغوا الضريبة على اشتراكات الأندية الرياضية، سيتمرن الناس أكثر، وتنخفض الفاتورة الصحية للدولة. فكرة تبدو بسيطة ومنطقية، بل وحتى ذات بعد اقتصادي واجتماعي. لكن المشكلة ليست في منطق الفكرة؛ بل في اختبارها. لأن ما يجعل السياسات الاقتصادية فعالة، ليس فقط كونها «تعجبنا» أو أنه «يمكن تبريرها نظريًّا»، بل قدرتها على تحقيق نتائج قابلة للقياس ويمكن إثبات أثرها.
وهنا نعود إلى سؤال أكبر: هل الاقتصاد علم؟ أم مجرد آراء؟
يواجه الاقتصاد، بوصفه علمًا اجتماعيًّا، تحدياتٍ لا تواجهها العلوم الطبيعية. فلا يمكنك مثلًا أن تضع دولتين في أنبوب اختبار وتقول: «لنرى ماذا سيحدث إذا طبقنا ضريبة هنا ولم نطبقها هناك». البشر معقدون، ويتأثر سلوكهم بآلاف العوامل. لكن مع تطور أدوات الاقتصاد التجريبي، بدأت تظهر طرق جديدة تحاول أن تجيب إجابات دقيقة عن أسئلة معقدة: تجارب عشوائية مضبوطة، ودراسات ميدانية، وتجارب طبيعية، وتحليل متغيرات مساعدة؛ كلها أدوات تهدف إلى عزل المتغيرات.
فمثلًا، في دراسة شهيرة في أمريكا قبل أكثر من ستين سنة، قُسِّم أطفال من أسر فقيرة إلى مجموعتين: مجموعة منهم التحقت ببرنامج تعليم مبكر، والأخرى لم تفعل. بعد سنوات طويلة، تبين أن المجموعة التي التحقت بالبرنامج كان دخلها أعلى، وحياتها أكثر استقرارًا، ونسب الجرائم بينها أقل. ماذا يعني هذا؟ يعني أنك تستطيع الاستناد إلى هذه التجربة لتقول: «التعليم المبكر له أثر حقيقي ومثبت»؛ لأننا قسنا أثره، وعزلنا العوامل الأخرى.
يحاول الاقتصاديون الإجابة عن سؤال مركزي: كيف نعرف أن سياسة معينة ستحقق نتيجة معينة؟ سواء كانت سياسة ضرائب أو دعم أو تعليم، أو حتى قرارات تنظيمية؟ وبسبب هذا الهوس بالاستدلال السببي، صارت الدراسات التي تبني سياساتٍ ناجحة على أدلةٍ تجريبية حقيقية. ومع كل تجربة جديدة، نعيد التفكير في أشياء كنا نحسبها مسلمات.
مثلًا: حين أُجريت تجربة على الدخل الأساسي الشامل، ومُنحت مجموعة عشوائية ألف دولار شهريًّا، كان التوقع أنهم سيتركون أعمالهم ويتكاسلون. لكن ما حدث فعلًا هو أن بعضهم عمل أقل؛ لكن ليس لأنهم تكاسلوا، بل لأنهم في الحقيقة أخذوا وقتًا أطول لاتخاذ قرارات أفضل لحياتهم. ومع الوقت، بدأ بعضهم بناء مشاريع أو تغيير مجال عمله. هذه نتائج لم يكن بالإمكان تخيلها إذا لم تُختبر الفكرة على أرض الواقع.
وحتى الأفكار التي تبدو بدهية، مثل «رفع الحد الأدنى للأجور يقلل التوظيف»، لم تعد مسلمات. ففي دراسة مشهورة على حدود ولايتين في أمريكا، رفعت إحدى الولايتين الحد الأدنى للأجور في حين لم ترفعه الولاية الأخرى، وبعد مراقبة مطاعم الوجبات السريعة على الجهتين، لم يجدوا فرقًا واضحًا في التوظيف. كانت النتيجة صادمة لأنها خالفت التوقعات، لكنها مدعومة بتجربة واقعية، وهذا هو الفارق.
فإذا أردنا تقييم الاقتصاد بوصفه علمًا، لا بد أن نعرف أنه لا يعمل على فرضيات فقط، بل يحتاج إلى اختبارات لإثباتها. وإذا كانت بعض العلوم تبدأ من المختبر، فإن الاقتصاد أحيانًا يبدأ من العالم الحقيقي نفسه. من مدن مقسومة بين ولايتين، ومن قرارات مفاجئة، ومن تجارب اجتماعية، ومن سياسات حكومية مطبقة على بعض وليس على الكل.
وكلما زادت دقة التجربة، زادت ثقتنا بالنتيجة. الاقتصاد لا يعطيك دائمًا أجوبة قاطعة، لكنه يجهز لك أفضل الأدوات لتسأل بصورة أفضل. وإذا كان العلم يعني القدرة على اختبار الفرضيات، فكل تجربة اقتصادية محكمة، تقرب الاقتصاد أكثر إلى خانة «العِلم»، وتبعده عن «الافتراضات». لكن مثل أي علم، لا بد أن تُستخدم الأدوات بصرامة، ولا بد أن يعيد المجتمع العلمي الاختبار ويقارن وينتقد، قبل أن يتحول الرأي إلى سياسة، وقبل أن يصبح الاقتراح «المنطقي» قرارًا يغير حياة الناس.

كيف تتخيّل بيت العمر؟ 💭
مسكن متكامل ومريح، موقعه قريب من كل شي، وفيه كل شي 🏡✨
موقفك الخاص، مصلى، مقهى،بقالة، صالة رياضية، وترفيهية!
هذي هي تجربة السكن في صفا 🔗
التجربة اللي تسبق الحاضر وتنبض بالحياة 🖼️🥁

كلّ أربعاء يقدم محمد آل جابر وهادي فقيهي تحليلات وإجابات مبسطة للأسئلة الاقتصادية المحيرة، ومع كل حلقة تصلك رسالة بريدية بمصادر ومعلومات ووجهات نظر مختلفة لم يتسع لها وقت الحلقة.