في غرب محافظة القصيم وبجوار وادي الرمة الشهير في المنطقة، تقع محافظة الرس التي يسكنها 133 ألف نسمة، والتي تعد من أصغر المحافظات والمدن الموجودة في دوري روشن من حيث المساحة والكثافة السكانية، والتي تقدم الديربي العاشر في تاريخ دوري المحترفين.

الديربي الذي يجمع أحد الأندية الأكثر شهرةً في كرة القدم السعودية، نادي الحزم الذي اعتاد متابعو كرة القدم على وجودهم بسبب صعود النادي وهبوطه المتكرر في الدوري الممتاز، بينما يظهر بالديربي الطرف الآخر، نادي الخلود أحد أحدث الأندية التي تظهر في دوري المحترفين، والذي أصبح الآن يعرف بالخلود الأمريكي؛ بسبب ملكية النادي التي دخل بها تاريخ كرة القدم، حيث أصبح النادي أول نادٍ في تاريخ كرة القدم السعودية بملكية أجنبية.

على ملعب نادي الحزم الملعب الذي شهد على نجاحات كرة القدم المتكررة لهذه المحافظة الصغيرة التي أثبتت قدراتها الكبرى بوجود فريقين منها في دوري روشن، ما عجزت عنه كثير من المدن والمحافظات الأخرى في بلادنا، على الرغم من الكثافة السكانية المتضاعفة والقدرات العالية. كان هذا الديربي الأول في تاريخ دوري المحترفين بين طرفي محافظة الرس. استحق أن يُلعب على هذا الملعب الذي احتضن الفريقين لسنوات والذي يذكرنا بالإنجاز الذي حدث.

في شرق المحافظة هناك، يُجهّز ملعب إدارة التعليم؛ ليصبح الملعب الجديد في المحافظة التي تحتاج كثيرًا لبنية تحتية تساعد أبناءها على الاستمرار في تفوقهم على مستوى كرة القدم عبر نادي الحزم ونادي الخلود. لا يخدم هذا الأمر سكان الرس فقط بل المحافظات المجاورة للرس والقرى الصغيرة أيضًا والتي تعد فرصًا للمحافظة لاكتشاف لاعبين أكثر وإظهارهم للمنتخبات الوطنية مع انتشار الأكاديميات في بلادنا.

في ملعب الحزم وسط الرس، انطلق الديربي مبكرًا بوصول المشجعين بعد صلاة العصر مع حضور كبير للعوائل والأطفال، إلا أن فئة الشباب هي الفئة الأكثر حضورًا وهي وقود المدرجات وصانعة الأجواء المختلفة.

وفي منطقة المشجعين، يراقب الآباء والأمهات ومشرفي الأكاديميات الموجودة الأطفال وهم يلعبون في الألعاب التي صممت لهم خصيصًا؛ لتشكل هذه الدقائق أول رابط مع النادي، كنت أقف هناك وأتساءل، كم طفل سيحول هذا الشغف في اللعب إلى المدرجات والملعب وتشجيع نادي الخلود؟ الإجابة صعبة خاصةً مع الحاجة إلى عمل تراكمي ليتحول الأمر إلى حقيقة على المدرج، ولكن الأكيد أن الذكريات التي عاشها الأطفال ستستمر في الذاكرة إلى الأبد. 

انطلق الديربي مباشرةً بهدف مبكر من الخلود ثم جاء رد الحزم سريعًا بهدفين خلال الشوط الأول ليقدم الديربي عرضه الكروي في شوط أول رائع، على عكس الشوط الثاني الذي جاء أقل بكثير من الشوط الأول ومن المتوقع والمأمول، الأكيد أن الحزم استحق هذا الفوز حيث أظهر الفريق ترابطًا أفضل بين الخطوط منذ التقدم بالنتيجة حتى صافرة النهاية؛ ليحقق فوزًا تاريخيًا بالديربي لن ينسى، وحوّل الرس إلى اللون الأصفر ليؤكد تفوقه الدائم على الخلود في المواجهات المباشرة.

بن هاربورق.. نقطة الجذب الجديدة

تشهد كرة القدم السعودية حالةً أولى جديدة بوجود مستثمر أجنبي في أحد أنديتنا عبر امتلاك الأمريكي بن هاربورق لنادي الخلود، والذي انطلق مباشرةً في التواصل والقرب من الجماهير الرياضية حتى شكّل الرجل نقطة جذب للشباب -تحديدًا- عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

كنت متجهًا إلى محافظة عنيزة ظهر يوم الخميس لقضاء يوم مع صديقي محمد الصوينع لنستمتع برحلة برية خططنا لها، إلا أن نادي الخلود غير هذه الخطط من خلال نشر تغريدة عبر منصة «إكس» ذُكِر فيها إن المالك الأمريكي سيتجول في محافظة الرس، مباشرةً غيرنا خطتنا أنا ومحمد وذهبنا إلى الرس لنشهد ذلك؛ لأرى بعيني للمرة الاولى ما أسمع عنه خلال الأيام الماضية.

أحد الأسباب الرئيسة التي لم تبقني مع الخلود ومشاهدة هذه الحالة؛ أن مبارياتهم تُنقل خارج الرس، فهذه القضية حساسة بالنسبة لي، فلا حاجة لتغطية مباريات الخلود والحزم والنجمة التي لا تلعب بالرس لأنها تلعب خارج مناطقهم الجغرافية. لك أن تتخيل أن اليوم هو الظهور الثاني للخلود هذا الموسم من أصل تسع جولات في محافظة الرس، المكان الذي ينتمي له النادي.

في «سدرة فالي» أحد الأماكن التي تجذب شباب محافظة الرس، يحضر مالك النادي الأمريكي بن هاربورق وطاقم عمله الذي يتحرك كما يتحرك المالك في المنطقة لجذب الجماهير، توجّه بن هاربورق إلينا مباشرةً فور وصوله وتحدث معي ومع صديقي محمد حول الديربي والتطلعات والرغبة بليلة كبرى في محافظة الرس. وكنا قد تحدثنا قبل قدوم هاربورق مع الرئيس التنفيذي الذي أخبرنا بأهمية وجود الديربي لصنع زخم واهتمام بالناديين وليس النادي الواحد.

بدأ بن هاربورق جولته داخل سدرة فالي ليبدأ بتوزيع مفتاح اسماه «مفتاح الديربي» ومن يحمل هذا المفتاح يستطيع الدخول للمباراة ويدخل السحب على جوائز خاصة للجماهير، سيحتفظ المشجع بالمفتاح كذكرى للديربي حيث كُتِب عليه «مفتاح الديربي، الجمعة 21 نوفمبر». يستمر هاربورق بالحديث مع كل مشجع يتقدم إليه ويستمع له ويحاوره ويذهب طاقمه يمنةً ويسرةً؛ لتوزيع المفاتيح والشالات الخاصة بنادي الخلود.

يستمع لكبار السن والشباب وينحني للأطفال ويقنعهم بتشجيع النادي، يحاول هو وطاقمه تأسيس قاعدتهم الجماهيرية المستقبلية التي لا يمكن أن نتغافلها. بهذا الشكل مرّ بن هاربورق على ثلاث مناطق في الرس؛ ليحقق أكبر قدر من الاستفادة قبل ليلة الديربي.

تحتاج كرة القدم السعودية ذلك، وقصة بن هاربورق ربما هي البداية لقصص عديدة ومثال قد نشاهده بكثرة قريبًا في محافظات ومدن أخرى، أُغلِقت أنديتنا لسنوات وحان وقت فتحها للجماهير والمجتمع المحيط بها.

الحزم الجديد.. قارب واحد يحمل الجميع

ربما يشير البعض للخلود كثيرًا في الأشهر الماضية، خاصةً بعد انتقال ملكية النادي للأمريكي بن هاربورق، من قلنا عنه إنه نقطة جذب للنادي على مستوى المملكة.

ولكن ينسى البعض أن نادي الحزم أحد أنجح الأندية في فن إدارة الفريق، أجاد الحزم التعامل مع مراحل الفريق. ليس من السهل نهائيًا أن تهبط ثم تعود إلى دوري روشن بسهولة.

يظهر الحزم بشكل آخر على المستوى الإداري ويعود ذلك إلى القيادة الشابة التي تمسك زمام أمور النادي الإدارية، فأصبح نادي كرة قدم يوفر فرصًا وظيفية للعديد من أبناء محافظة الرس، وهذا مهم لكرة القدم السعودية أن يعمل في الأندية أبناء المحافظات والمدن.

قبل الديربي بيوم، ووفقًا لمعلومات حصلت عليها حضر جميع موظفي نادي الحزم في التدريب الأخير للفريق قبل الديربي، حيث حضروا بمنصة الملعب كما هو موضح بالصورة أعلاه.

أراد النادي  توصيل هذه الرسالة للاعبين: إن الحزم يعمل بروح واحدة وبهدف واحد من أصغر موظف حتى لاعب كرة القدم، في المباراة التي ربما تكون من الأهم في تاريخ النادي حفّز الموظفون اللاعبين في تذكير لهم أن كل عملنا خلال الأسبوع في عالم كرة القدم سيرتبط بنتيجة اللقاء، الرسالة التي أراد الحزم أن يفهمها اللاعبين، الجميع في قارب واحد.

تميّز الحزم دائمًا عبر التاريخ بكفاءات إدارية ورياضية تقدمت للساحة بقوة، وتوسيط دائرة الموظفين بالنادي لتعزيز العمل، أمر يصبّ في مصلحة الكرة السعودية بنهاية الأمر.

كسب الحزم الديربي، ولكن الأهم اكتساب الحزم هذا الأسبوع لروح جماعية ربما هي نقطة التحول في موسم الفريق.

باسل السيالي.. نجم صاعد في كرة القدم السعودية

يقترب باسل السيالي من الوصول إلى المباراة رقم 100 بقميص نادي الحزم، بعد أن قرر الرحيل من ناديه السابق النصر للبحث عن دقائق لعب أكثر، لعب باسل حتى الآن 92 مباراةً بقميص الحزم بين دوري يلو ودوري روشن وبعمر 24 عامًا، أصبح باسل الآن أكثر جاهزيةً من الناحية البدنية والأهم الناحية الذهنية داخل أرضية الملعب وفهم اللعب.

كان باسل عنصرًا رئيسًا في صعود الحزم الموسم الماضي من دوري يلو إلى دوري روشن، وفي هذا الموسم يعد أحد أبرز نجوم الفريق بعد صعوده، في الديربي اليوم كان المتحكم في كل شيء واللاعب الأفضل من وجهة نظري في اللقاء، مستعد وحاضر ذهنيًا طيلة اللقاء.

بعد المواجهة، قال مدرب الحزم جلال القادري عن باسل عندما سألته عن مستواه: «لديه إمكانيات عالية جدًا ويتصرف بشكل جيد ويتحكم في نسق الفريق، وهذه الميزة في باسل.»

وحول النصيحة التي يقدمها له قال: «نصيحتي أن يبقى بمثل ما هو عليه، ويستمر في احترافيته وانضباطه وهو وقادر إن شاء الله أن يبرز في المنتخب السعودي، وهذا هو التحدي بيني وبينه في نهاية الموسم.»

هذا التحدي الذي ذكره المدرب أشغلني، فذهبت مباشرةً إلى منطقة المقابلات ليصل باسل السيالي وأطرح عليه السؤال حول التحدي، ليبتسم ويضحك ويقول: «طموح كل لاعب أن يمثل منتخب بلده، وهو تحدٍّ بيني وبين المدرب على هذا الموضوع، وقال: "إن شاء الله ستذهب للمنتخب هذا الموسم"، وأنا أعمل معه الآن وإن شاء الله خير، لدي برنامج تطويري من ناحية التغذية والتمارين وأتمنى التوفيق بالمقبل.»

باسل السيالي من مواليد عام 2001 وهو بعمر 24 سنة الآن، وربما أكثر ما يُعرف عنه أنه لاعب سابق في النصر، ومن أحد أسباب مغادرته هو قرار تقليص القوائم في الأندية إلى 25 لاعبًا.

ذهبت إلى محمد البريكي كاتب نشرة بين الخطوط، وطلبته أن يكتب مسيرةً مختصرة للاعب، لدي إيمان أن الكثير منا لا يعرف خصائص اللاعب ولا مميزاته، وهذا مؤسف بسبب وسائل الإعلام التي لا تركز على النماذج الناجحة.

قال محمد: «هو لاعب ذكي، والميزة الأكبر فيه أنه لاعب ذكي ذكي ذكي بدرجة كبيرة، يكشف الملعب بشكل ممتاز وعند استلامه للكرة تجد رأسه مرفوعًا مكتشفًا بذلك الملعب، ممتاز جدًا  تحت الضغط وهذه ميزة عند اللاعب، يقرأ أي خطر ممكن أن يصل إليه عند استلام الكرة وهو ممتاز بالناحية هذه.»

يكمل: «مركزه الأساسي محور ثانٍ مع أدوار هجومية مع جلال القادري، في الجودة رائع في المراوغات، وهو من أعلى اللاعبين السعوديين في المراوغات الناجحة بنسبة نجاح تتجاوز 90%، والأمر المثير أنه لا يراوغ من أجل المراوغة والاستعراض، هذه المراوغات تنقل الفريق إلى ثلث آخر بالملعب، ويراوغ ويأخذ الكرة ويجري بها وهو ممتاز بذلك.»

يختم محمد: «رائع بالتمريرات الأمامية، أدواره الدفاعية ليست مميزة جدًا وهي ليست ضمن أدواره في الملعب، فهو أقرب إلى لاعب ثمانية كما هو معروف في لاعبي خط الوسط.»

قاتل باسل السيالي كثيرًا وقبل أن يذهب إلى نادٍ أقل جماهيرية ودوري أقل من دوري روشن ربما حكم الكثير من المهتمين بالانتقال أو من محيط اللاعب أنه اتخذ خطوةً للخلف، ولكن الحقيقة أن تلك الخطوة التي اتخذها باسل السيالي أعادته للخلف ليندفع إلى الأمام بقوة، وعليه الاستمرار في ذلك وعدم التوقف عن تعزيز نقاط قوته وتطوير نقاط ضعفه.