هل الدوري السعودي قوي؟

دراسة في مدى قوة الدوري السعودي مقارنة بدوريات العالم وهل بإمكانه الوصول لمصاف الدوريات الكبرى


رسم: محمد وجدي
رسم: محمد وجدي

هل الدوري السعودي قوي؟

محمد البريكي

ظهر كريستيانو رونالدو مؤخرًا بتصريحات مثيرة حول قوة الدوري السعودي، متحدثًا بأنه أفضل من الدوري البرتغالي والدوري الفرنسي، وبأن التسجيل فيه بالنسبة إليه أصعب من التسجيل في الدوري الإسباني.

جاءت تصريحات النجم البرتغالي ضمن إشادته المتواصلة بقوة الدوري السعودي، إضافةً للعديد من النجوم الذين تحدثوا عن قوة الدوري مثل: كريم بنزيما، وإيفان توني، ونيمار، وساديو ماني، وغيرهم.

في هذا العدد سنناقش مدى قوة الدوري السعودي، وهل بإمكانه حقًا الوصول إلى أفضل الدوريات على مستوى العالم؟

المعايير العالمية لقياس قوة بطولات الدوري

تعتمد المؤسسات الدولية المتخصصة على منظومة معقدة من المعايير لتقييم قوة الدوريات الكروية. فمثلًا، يستخدم الاتحاد الأوربي (UEFA) نظام المعاملات الذي يعتمد بشكل أساسي على أداء الأندية في البطولات القارية، فتُمنَح نقاط للفوز والتعادل والتقدم بين الأدوار، مع ترجيح النتائج الحديثة بوزن أكبر.

في حين يستخدم نظام (Opta Power Rankings) منهجية (ELO) المعدلة، التي تحلل أكثر من 2.5 مليون مباراة منذ عام 1990. ويعتمد هذا النظام على جودة الخصم، وأهمية المباراة، وموقع اللقاء «أرض أو خارج».

تشمل منهجية (ELO) العديد من الأمور، مثل: تحليل هامش الفوز، وفارق جودة الخصم، وهيكل هرمي رباعي المستويات «فريق/دوري/دولة/قارة»، مما يتيح مقارنةً عادلةً بين أندية من دوريات مختلفة وقارات مختلفة أيضًا.

يتكوَّن هيكل (ELO) الهرمي رباعي المستويات على النحو الآتي:

  • المستوى الأول  - تقييم الفريق (Team Level Elo)

- يُحدَّث بعد كل مباراة للفريق.

- يقيس قوة الفريق على المستوى الفردي.

  • المستوى الثاني - تقييم الدوري (League Level Elo)

- يُحدَّث بعد مباريات تجري بين أندية من دول مختلفة.

- يقيس القوة النسبية للدوري مقابل الدوريات الأجنبية.

  • المستوى الثالث - تقييم الدولة (Country Level Elo)

- يُحدَّث بعد مباريات بين أندية من اتحادات كروية مختلفة.

- يقيس قوة الدول، مثل: (إنقلترا ضد السعودية) بصرف النظر عن درجة الدوري.

  • المستوى الرابع - تقييم القارة (Continent Level Elo)

- يُحدَّث بعد مباريات بين أندية من قارات مختلفة.

- يقيس القوة النسبية للقارات، أوربا ضد آسيا ضد أمريكا الجنوبية وهكذا.

آلية التوزيع:

آلية توزيع النقاط في نظام (Elo) معقدة بعض الشيء. إذ تدخل فيها الكثير من المعاملات الرياضية، كمعادلات خاصة لحساب النتيجة الفعلية والمتوقعة بناءً على عدد السنوات وحساب معامل تأثير الفارق ومعامل المستوى وغيرها الكثير، لكن سنحاول تبسيطها قدر المستطاع.

لنأخذ مباراة الهلال ومانشستر ستي في كأس العالم للأندية كمثال، والتي انتهت بفوز الهلال (4-3):

لو أردنا حساب نقاط الهلال ستكون المعادلة كالآتي:

نقاط (Elo) للهلال = K (معامل المستوى) × (النتيجة الفعلية - النتيجة المتوقعة) × MOV (معامل تأثير الفارق)

وبعد عدد من الحسابات المعقدة يحصل الهلال على (+48.3 نقطة)، فيما يحصل مانشستر ستي على (-48.3 نقطة). ولاحظ هنا أن النقاط المكتسبة والمفقودة متساوية تمامًا، وهذا أحد أسس نظام (Elo).

بعد ذلك، توزَّع نقاط الهلال على الفريق والدوري والدولة والقارة كما يلي:

- 60% للفريق: 48.3 × 0.60 = 29 نقطة مباشرة للهلال.

- 30% للدوري: 48.3 × 0.30 = 14.5 نقطة للدوري السعودي.

- 7% للدولة: 48.3 × 0.07 = 3.4 نقطة للسعودية.

- 3% للقارة: 48.3 × 0.03 = 1.4 نقطة لآسيا.

يحل هذا النظام مشكلة مقارنة الفرق من دوريات منعزلة. إذ بدون هيكل هرمي، يمكن أن ينخفض تقييم فريق قوي في دوري ضعيف بسرعة؛ لأنه لا يلعب ضد فرق قوية. ولكن مع الهيكل الهرمي، يساعد تقييم الدوري والقارة على نقل المعلومات من دوريات قوية إلى دوريات ضعيفة.

وعلى الجانب الآخر، تشير المجلة الدولية للإحصاء والرياضيات التطبيقية إلى أن المعايير الشاملة لقياس قوة الدوري تتضمن ثمانية أبعاد رئيسة:

- الأداء القاري (وزن نسبي 30%)

- جودة اللاعبين (25%)

- المستوى التكتيكي (15%)

- البنية التحتية (10%)

- الحضور الجماهيري (8%)

- الإيرادات التجارية (7%)

- تطوير الشباب (3%)

- جودة المدربين (2%)

تُظهِر كل تلك البيانات أن الدوريات الأوربية الخمسة الكبرى تهيمن على القمة بفضل تفوقها المتوازن عبر المعايير جميعها، حيث يتصدر الدوري الإنقليزي في (Opta Power Rankings)، يليه الدوري الإيطالي، ثم الدوري الإسباني، ثم الدوري الألماني، من ثم الدوري الفرنسي.

هذا التفوق ليس عشوائيًا، بل نتيجة عقود من الاستثمار المستدام في البنية التحتية، وأنظمة تطوير الشباب، والاحترافية الإدارية.

ما ترتيب الدوري السعودي؟

بحسب (Opta Power Ranking) يحتل الدوري السعودي -حاليًا- المركز 29 عالميًا بتقييم قدره 75.1 نقطةً اعتبارًا من أغسطس 2025، وهو إنجاز ملحوظ يعكس نموًا استثنائيًا. ولا تزال هناك فجوة كبيرة تفصله عن الدوريات الأوربية الخمسة الكبرى.

شهد الدوري السعودي تطورًا دراماتيكيًا خلال السنوات الخمس الماضية، حيث ارتقى من المركز 45 عالميًا في موسم 2020/21 إلى المركز 29 حاليًا، وهو أعلى دوري حقق هذه القفزة بنحو 16 مركزًا منذ بداية التصنيف.

جاءت أكبر قفزة نوعية بعد دخول الصندوق الاستثماري العام (PIF) في 2023. إذ استحوذ على حصة في أربعة أندية كبرى «الهلال والنصر والأهلي والاتحاد»؛ وجلب نجومًا عالميين مثل كريستيانو رونالدو، ونيمار، وكريم بنزيما وغيرهم.

وفي موسم 2022/23 «قبل القفزة الكبرى»، كان الدوري السعودي في المركز 38، بينما تحسن في 2023/24 إلى المركز 32، ثم المركز 29 في موسم 2024/25.

بتطبيق أول ثلاثة معايير رئيسة من المعايير العالمية الثمانية التي سبق وأن تحدثنا عنها، يحقق الدوري السعودي درجةً موزونةً 6.55 /10، مقابل 8.84 /10 لمتوسط الدوريات الأوربية الخمسة الكبرى، بفجوة قدرها 2.29 نقطة.

- في الأداء القاري أعلى وزن نسبي 30%: يسجل الدوري السعودي 8 /10 بفضل تصدره الآسيوي. لكن الدوريات الأوربية تتفوق بـ 9 /10 نظرًا لهيمنتها على دوري أبطال أوربا الذي يفوق نظيره الآسيوي من ناحية المستوى.​

- في جودة اللاعبين وزن 25%: يسجل الدوري السعودي 7 /10 بعد ضمه لنجوم عالميين؛ لكن متوسط أعمار اللاعبين المرتفع «متوسط 27-28 سنة للاعبين الأجانب»، والاعتماد على نجوم في نهاية مسيرتهم، يقلل من القيمة الفعلية. في حين تحقق الدوريات الأوربية 9 /10 بفضل توازن أفضل بين الخبرة والشباب، حيث تصل نسبة اللاعبين تحت 23 سنة 27% في الدوري الفرنسي مثلًا، مقابل 10% فقط في الدوري السعودي.​

- المستوى التكتيكي وزن 15%: يمثل أكبر نقاط ضعف الدوري السعودي بتقييم 5 /10 فقط، إذ تُظهِر الدراسات المقارنة تفوّق الدوريات الأوربية في معدلات تحويل الفرص، وجودة البناء الهجومي، والضغط الدفاعي.

ما المشاكل التكتيكية التي يعاني منها الدوري السعودي؟

معدلات تحويل الفرص إلى أهداف هي إحدى التقييمات المهمة، والتي تعكس جودة الأداء الهجومي والانتقاء الصحيح للتسديدات. وفي هذا الجانب هنالك فارق واضح بين الدوري السعودي والدوريات الأوربية الكبرى، فيحتل الدوري الإنقليزي المرتبة الأولى بنسبة 14.2%، يليه الدوري الألماني 13.8%، ثم الدوري الإيطالي 13.1%، ثم الدوري الإسباني 12.9%، ومن ثم الدوري الفرنسي 12.4%، في حين يبلغ معدل تحويل الفرص إلى أهداف في الدوري السعودي 9.5%.

ولو فصَّلنا أكثر هذه الفرص سنجد الآتي:

- يبلغ معدل التحويل داخل منطقة الـ6 ياردة في الدوري الإنقليزي 24.5% مقابل 18.2% للدوري السعودي.

- يبلغ معدل التحويل من داخل منطقة الـ18 ياردة في الدوري الإنقليزي 14.2% مقابل 9.4% للدوري السعودي.

- يبلغ معدل التحويل من خارج منطقة الجزاء في الدوري الإنقليزي 3.8% مقابل 2.1% للدوري السعودي.

يظهر من الرسم البياني الفرق في تحويل الفرص من البناء التدريجي المنظم:

- الدوري الإنقليزي 12.8%

- الدوري الألماني 12.4%

- الدوري الإسباني 11.6%

- الدوري السعودي 7.4%

هذا يعني أن أنظمة البناء الهجومي في الدوري السعودي غير مستقرة، وجزء من الأهداف يأتي من التحوّلات السريعة (11.2% مقابل 15.1% في البريميرليق)، أو الفرص العشوائية.

وفي مقاييس الضغط، تُظهِر مقاييس نسبة تعطيل الهجوم (BDP - Build-Up Disruption Percentage) فارقًا واضحًا في الجودة.

فعلى سبيل المثال، يبلغ معدل الفرق مثل أرسنال والستي متوسط (2.5) في مقاييس الضغط، في حين أن الهلال والنصر والاتحاد على التوالي لم تجتز نسبهم (1.2)

لماذا تتفوق دوريات تبدو أقل على الدوري السعودي؟

ربما يكون هذا السؤال واحدًا من أهم الأسئلة التي قد تطرأ على أي شخص يشاهد ترتيب الدوريات، إذ يحتل الدوري الأمريكي المركز 12 على مستوى العالم، ويحتل الدوري الياباني المركز 14، والدوري التركي المركز 20.

فاليابان على سبيل المثال لم تفز بلقب دوري أبطال آسيا منذ موسم 2021/22، بعكس الدوري السعودي الذي فاز بالبطولة ثلاث مرات في آخر ستة مواسم. في حين لم تحظَ فرق الدوري التركي بالمنافسة القارية منذ سنوات، وفي المقابل لا يبدو الدوري الأمريكي زاخرًا بالنجوم كما يحدث في الدوري السعودي.

من هنا يأتي الحديث عن واحدة من أهم النقاط السلبية التي تضر ترتيب الدوري السعودي مقارنةً ببقية الدوريات، وهو الفارق الكبير في توزيع القوى داخل الدوري.

ففي حين أن أندية الهلال والنصر والأهلي والاتحاد جاءت في مراكز متقدمة على مستوى العالم، توجد فجوة كبيرة بينها وبين بقية الأندية. فنجد القادسية مثلًا في الترتيب 302 على مستوى العالم بعد الاتحاد الذي يوجد في المركز 154، عدا بقية الفرق التي تحتل مراكز متأخرة للغاية.

هذا التوزيع غير المتوازن للقوة هو أحد أهم أسباب انخفاض متوسط تقييم الدوري السعودي، فعندما نقارن هذا التفاوت مع بقية الدوريات على مستوى العالم سنجد فارقًا واضحًا.

ففي الدوري الأمريكي، الفارق بين إنتر ميامي أول ترتيب تصنيف (Opta) وبين دي سي يونايتد آخر التصنيف هو 651 مركزًا، والفارق بين غلطة سراي وفاتح كاراجومروك في الدوري التركي 788 مركزًا، والفارق بين كاشيما أنتليرز وألبركس نيقاتا 867 مركزًا، في حين أن الفارق بين الهلال والنجمة 1257 مركزًا!


يتّضح هذا الفارق في قياس معامل «النتيجة الفعلية - النتيجة المتوقعة»، إذ لا يبدو الدوري السعودي زاخرًا بالنتائج المفاجئة. وغالبًا ما تحتل الفرق الكبيرة مركزًا ضمن أول خمسة مراكز، ومن ثم يضعف عامل المفاجأة وينعكس ذلك على تقييم معامل النتيجة «الفعلية - المتوقعة».

إضافةً لذلك، فإن الاستقرار الفني واتساقه يبدو مفقودًا في الدوري السعودي. إذ تتجاوز نسبة التغيير السنوي للمدربين في الدوري السعودي 78% مع معدل 412 يوم فقط للمدرب الواحد، في حين أن الدوري الياباني لا تتجاوز نسبة التغيير فيه 21% مع متوسط 792 يوم للمدرب الواحد، والدوري الأمريكي 35.2% مع 750 يوم للمدرب، والدوري التركي 50% مع 539 يوم للمدرب.

التغيير المستمر للمدربين يضر الفرق من الناحية الفنية وينعكس تأثيره -بالضرورة- على الدوري ككل. وسيؤثر في عدة أمور أخرى مثل قلّة الاهتمام بتطوير الشباب، حيث سيبحث المدرب عن الإسراع في تحقيق النتائج مستعينًا باللاعبين الأكثر خبرة ويبتعد عن المجازفة باللاعبين الشباب -وهي إحدى الأمور المؤثرة على تصنيف الدوري. بل حتى في تقييم (Elo) -الذي سبق أن تحدثنا عنه- فإن التغيير المستمر يجعل من الصعب على بيانات (Opta) التنبؤ بأداء الفرق السعودية، نتيجةً لعدم الاتساق الفني والتغيير المستمر بمعدل مرتفع -كل 412 يوم- بعكس الدوري الياباني مثلًا الذي يبدو التوقع فيه أكثر سهولةً مع معدل أيام عالٍ لكل مدرب يتجاوز 792 يوم.

حتى عند مقارنة معدلات تحويل التسديدات إلى أهداف، سنجد أن الدوري السعودي يتأخر بشكل واضح عن هذه الدوريات.

كما أن معدلات الضغط تظهر أقل في الدوري السعودي مقارنةً ببقية الدوريات عند قياس معدلات التمريرات المسموح بها لكل إجراء دفاعي (PPDA).

الأمر ذاته عندما نشاهد مقياس نسبة تعطيل البناء الهجومي (BDP)، حيث يظهر الفارق كبيرًا كذلك.


هل نفقد الأمل في الوصول لأفضل الدوريات على مستوى العالم؟

بكل تأكيد لا. فمسار تطوُّر الدوري واضحٌ بتقدمه المستمر في ترتيب الدوريات قياسًا على المواسم الماضية.

إضافةً لذلك، فإن الاستثمار المستمر وتحوُّل الاستراتيجية من التركيز على شراء اللاعبين إلى الاستثمار المتوازن في دعم البنية التحتية والأندية مؤشر إيجابي للاستدامة. ويتّضح ذلك من انخفاض الإنفاق على الانتقالات إلى 486 مليون دولار في 2024، و400 مليون دولار متوقعة في 2025، مع تحول التركيز نحو الاستثمار المستدام. في حين خصصت الحكومة السعودية 453 مليون دولار لدعم الأندية مباشرةً في موسم 2024/25، بالإضافة إلى استثمارات بنية تحتية تقدر بـ 350 مليون دولار، تشمل بناء 11 ملعبًا بحلول 2028 استعدادًا لكأس العالم 2034.

متى يمكن أن يصل الدوري السعودي لمعايير الدوريات الأوربية الكبرى؟

بناءً على معدل التحسن الحالي ومقارنته بتجارب دوريات صاعدة أخرى، يمكن تقدير ثلاثة سيناريوهات زمنية:

  • السيناريو المتفائل (7-10 سنوات منذ بداية المشروع): يفترض استمرار الاستثمار الضخم بمعدل 1.2 مليار دولار سنويًا، مع تطبيق إصلاحات جذرية في تطوير الشباب والخصخصة. ويتطلب هذا السيناريو رفع نسبة لاعبي الأكاديميات إلى 30% من تشكيلات الأندية بحلول 2030، وزيادة متوسط الحضور إلى 25,000 متفرج، ومضاعفة الإيرادات التجارية إلى 900 مليون دولار سنويًا.

    • السيناريو الواقعي (12-15 سنة): يعتمد على نموذج الدوري البرتغالي كمرجع، حيث يحتاج الدوري السعودي إلى بناء 3-4 أكاديميات على الأقل بمستوى أكاديمية بنفيكا -على سبيل المثال- والذي استثمر أكثر من 60 مليون يورو في (Benfica Campus) وأنتج لاعبين بقيمة تفوق 500 مليون يورو. لدى البرتغال حاليًّا 170 لاعب محترف لكل مليون نسمة، بينما تحتاج السعودية إلى مضاعفة هذا المعدل لتحقيق عمق تنافسي مماثل.

    • السيناريو المحافظ (15-20 سنة): يأخذ في الحسبان التحديات الثقافية والهيكلية. إذ يشير معدل تطور دوريات كالدوري الصيني والأمريكي إلى أن بناء ثقافة كروية عميقة يتطلب جيلين كاملين (20-25 سنة). وقد أنفق الدوري الصيني مليارات، لكنه تراجع بعد 2020 لعدم استدامة النموذج المالي، معطيًا درسًا في أهمية التوازن بين الاستثمار والعوائد.

    بشكلٍ عام، تحتاج السعودية إلى تطوير 20,000 ملعب صغير على مستوى الأحياء، ورفع معدل ممارسة الشباب لكرة القدم من الحالي إلى ثلاثة أضعاف بحلول 2040. ولكن الأمر الإيجابي أنه على عكس الصين وأمريكا، تمتلك كرة القدم قاعدة شعبية واسعة تجعل الأمور أكثر سهولة.

    سيكون نجاح استضافة كأس العالم 2034 -بمشيئة الله- نقطة تحول محورية، إذ تُظهِر تجارب كوريا-اليابان (2002) وروسيا (2018) أن البطولة تُسرّع التطوير بـ 5-7 سنوات عبر الاستثمار في البنية التحتية ونقل المعرفة.

    رصد السعودية لـ1 ملعبًا جديدًا وبنية تحتية متطورة تشمل خطوط مترو وشبكات 5G سيرفع جودة التجربة الكروية. وتبقى الاستدامة المالية التحدي الأكبر، حيث يسجل متوسط الأندية السعودية عجزًا في الميزان المالي مع نفقات تفوق الإيرادات.​

    كذلك، من المهم أيضًا تسريع عملية خصخصة الأندية لإدخال كفاءة القطاع الخاص في الإدارات. ومع التقدم المشجع في تطوير الشباب إلا أن العملية يجب أن تكون أسرع مما يحدث الآن، ومحاولة إيجاد آلية لتطوير الأكاديميات وإدخال خريجيها للأندية بطريقةٍ مناسبة تساعد على الاستمرارية.

    فإطلاق أكاديميات مثل أكاديمية «مهد» وبرنامج «صقور المستقبل» يُظهِر توجهًا جديًّا. وتخرُّج لاعبين في الأكاديميات ودخولهم قائمة فرقهم في موسم 2024/25 يمثل بدايةً واعدةً، لكن تحقيق خط إنتاج مستدام يحتاج 3-5 سنوات كحد أدنى.

    إضافةً إلى ذلك، من المهم أن يستثمر الدوري أكثر في مدربين من النخبة على مستوى العالم، ومن المهم أيضًا تحسين تجربة المشجع وتحسين جودة الملاعب، فهي من ضمن المقاييس التي ترفع قيمة الدوري وترتيبه. 

    والأهم من ذلك، العمل على تقليل الفوارق الكبيرة بين الفرق، وربما نقتبس هنا حديث سلافان بليتش مدرب الاتحاد والفتح السابق حين قال:

    «من الخطأ صنع بطولتيْ دوري في دوري واحد.»

    فاتساع الفوارق بين الأندية لن يكون من مصلحة الدوري، سواء أكان من ناحية التصنيف أو حتى من الناحية التنافسية.


بين الخطوط
بين الخطوط
أسبوعية، كل اثنين منثمانيةثمانية

نشرة أسبوعية تجيب عن الأسئلة الكروية بلغة الأرقام والإحصاءات، وتناقش قضايا تتجاوز أحداث الجولة، وتغوص في تفاصيل الفرق والمدربين. سؤال واحد في كل عدد، وإجابات تكشف الصورة الكاملة.

+10 متابع في آخر 7 أيام