«Pluribus»: هل يستحق هذا الثناء؟ 🙂
لدى سؤال قليقان عن معنى مسلسل «بلورِبس»، سيشارك النصيحة التي تلقاها من مايكل مان: «كل ما عليك فعله أن تسرد قصة جيدة، أما المعنى فدع الجمهور يدركه، تلك هي وظيفته.»

في أحد اللقاءات، تحدّث جوش برولين عن مدى إحباط خافيير بارديم من شكل شخصيته في فلم «لا بلد للعجائز»، خصوصًا مظهر شعره، وعن توقعه أن يفشل الدور.
ورغم ذلك الإحباط والتوقّع السلبي، استطاع بارديم أن ينال جائزة الأوسكار عن أدائه، وأظهر لنا شخصية سيكوباثيّة متقنة ببراعة.
في صناعة الأفلام، لا يمكنك أبدًا التيقّن من النجاح أو الفشل؛ فدائمًا ما ستجد نفسك في سباق رهانات.
نايف العصيمي

«Pluribus»: هل يستحق هذا الثناء؟ 🙂
إيمان أسعد
على غير العادة في الكتابة عن الأفلام هنا في النشرة، قضيت أيامًا أحاول كتابة أي شيء عن مسلسل «بلورِبس» (Pluribus). لكن حماسي تجاه المسلسل أشبه بجمرة مبللة؛ عبثًا أحاول إضرام النار فيها، ولم تنفع محاولاتي استعارة جمرة من مشاعل الإطراء الجماعية التي يحملها محنكو التايم لاين ونقّاد الصحف والمنصات!
هل الجمرة المبللة عرضٌ من أعراض أزمة منتصف العمر؟ من ضبابية الدماغ المرافقة لتخطي عتبة سن اليأس؟ ربما. بعد عقود من مشاهدة المسلسلات، يصعب حقًّا على أي عمل إشعال الحماسة فيك، حثك على التفكُّر في تفاصيله الإبداعية ومشاركتها مع كل من لديه أذنان يسمع بهما وعينان تبصران منشوراتك. ودلالة الحماسة الأبرز: اختيارك طوعًا التعامي عن أي عيب في المسلسل لأنَّه بات عالمك الآخر حيث تعيش وتتنفس مع شخصياته.
أجل، إلى هذا الحد كان يبلغ ولعي بالمسلسلات، آخرها «سكسشن» (Succession). والمفارقة الكبرى أنَّ هذا الولع بلغ أوجه في سني مراهقتي لدى مشاهدة «ذ أكس فايلز» (The X Files)، مسلسلٌ شارك فينس قليقان في كتابته وإنتاجه. كنت بمعنى الكلمة أعد الساعات من أسبوع لأسبوع، وأدوِّن على دفتر مذكراتي مغامراتي الخيالية مع «مولدر» و«سكلي».
لكن، ماذا لو لم يكن الأمر متعلقًا بأزمة منتصف العمر؟ ماذا لو افترضنا، مجرد افتراض، أنَّ المسلسل لا يتمتع حقًّا بمقومات المسلسل المبهر؟ أو على الأقل، هذا ما تظهره لنا أول حلقتين.
هل الفكرة فريدة؟
ثمة حيلة يلجأ إليها تجّار اللوحات الفنية، خصوصًا لدى محاولاتهم بيع أعمال رديئة أو متوسطة الجودة لفنانين كبار. متى عبَّر أحدهم عن إحساسه السلبي تجاهها، بقوله «لم تعجبني»، يعلّق التاجر: «أتفهَّم ذلك، هذا النوع من الفن يتطلب ذائقة قادرة على النظر إلى ما خلف الظاهر، وبصيرة عميقة تستنبط المعنى».
طبعًا ذاك الأحد سيشعر بالإحراج، وفي المحصلة سيتجاهل حدسه وذائقته الشخصية، وينجرف إلى تكذيب عينيه والاعتراف بجمال العمل أمامه وفرادته وعلوّ شأنه!
والآن السؤال: هل «بلورِبس» عملٌ فنيّ فريد وعميق؟
من البديهي أنَّ لا عمل فريد بمطلقه؛ فكل الأعمال الفنية بمختلف أشكالها لها جذورها التي استمدتها من أعمال أخرى. في «سكسشن» مثلًا يتسنى لك بسهولة التعرّف إلى جذور المسلسل من مسرحيات شكسبير «هاملت» و«ماكبث» و«الملك لير»، هذا بالطبع دون التطرق إلى الجذور الأخرى. لكن مع «بلورِبس» لم أر جذورًا بقدر ما رأيت أنماطًا مستنسخة عن أعمال أخرى في أثناء مشاهدتي الحلقتين.
منها مثلًا «ذ لاست مان أون إيرث» (The Last Man on Earth)، مسلسل سخيف شاهدت حلقاته الأولى ولم أكمله. يتناول أيضًا من منظور كوميدي فكرة نجاة شخص وحيد من كارثة أنهت البشرية. وبالطبع، مع مرور الحلقات، سينضم ناجون آخرون لأن لا أحد يحتمل متابعة شخص واحد في مسلسل متعدد الحلقات.
وهذه تحديدًا نقطة تزعجني في «بلورِبس»؛ إذ سرعان ما سئمت من التركيز على «كارول» -ووجه «كارول»- والمنحنى الثابت حتى الآن لشخصيتها الغاضبة الحانقة التي لم تختلف بعد الكارثة عما قبلها. هذا الانزعاج لم يخففه اجتماعها بالناجين الخمسة، إذ لا يختلفون في الأداء السطحي (المبرَّر ربما لإبراز حالة إنكار الواقع أو الطمع) عن أداء البشر الممسوحة إرادتهم.
لا ننسى أنَّ ثمة ستة ناجين آخرين لا يتحدثون الإنقليزية لم نلتق بهم، محفوظون إما لهذا الموسم أو القادم. فقد وقَّعت أبل عقدًا لموسمين على الأقل، قليقان يتوقع استمرار المسلسل لأكثر من ذلك!
ومن أعماق اللاوعي وبئر النسيان، طرأ على بالي فجأة فلم «مارس أتّاكس!» (Mars Attacks) حيث كل الشخصيات تتلبّسها البلاهة المطلقة ذاتها، مع غياب أي عمق لديها. وربما المشهد الذي انتشل هذا الفلم من غياهب الذاكرة هو مشهد «البيان الرئاسي» على التلفاز نهاية الحلقة الأولى.
لكن المسلسل الذي التصق بمخيلتي وأنا أشاهد «بلورِبس» هو مسلسل «ذ قود بلايس» (The Good Place). شاهدت موسمه الأول بحماسة متوسطة، وتابعت عدة حلقات من الموسم الثاني، ثم مللت منه. يحكي المسلسل قصة «ألينور»، امرأة تكره نفسها والجميع، لا تتمتع بمعايير أخلاقية عالية، تموت وتجد نفسها في الجنة بدل الجحيم، لأنَّ لبْسًا وقع في الأسماء بينها وبين المرأة الصالحة التي أخذت مكانها.
وأيضًا في الجنة، موطن السعادة المطلقة، الكل ينتمي إلى عقلية البلاهة الجمعية، إلا «ألينور» من لا تزال بفضل انحرافها الأخلاقي ومنسوب الكراهية والغضب العالي لديها، تتمتع بفردانية تمكنها من التشكيك فيما تراه حولها، والثورة عليه.
أما التشابه الأبرز بين العملين حدَّ الاستنساخ، من بين عدة تشابهات، فيتمثل في شخصية «زوشا» التي عيَّنها العقل الجمعيّ في «بلورِبس» مرافقةً لكارول. فقد ذكَّرتني بشخصية «جانيت» في «ذ قود بلايس»: بنكٌ معرفيّ وكيانٌ مبرمج على الإرضاء وتلبية الاحتياجات تؤدي وظيفة المرشد والمرافق للقاطنين في هذا المكان من الجنة. التشابه يتجاوز بناء الشخصية ليصل حتى إلى المظهر، لا سيما في اللباس الرسمي الذي ارتدته «زوشا» في رحلة الجمع بين الناجين.
وماذا عن الرموز؟
حاولت تفادي قراءة التغريدات والتعليقات على المسلسل، مع ذلك، لفتت إحدى التغريدات انتباهي، حيث يشيد صاحبها بالإبداع الرهيب لقليقان في عنايته بالتفاصيل حين جعل «كارول» تختار الجلوس على المقعد الأخير في الطائرة. ففي ذلك إشارة رمزية إلى حوادث الطائرات التي وقعت مؤخرًا ونجا فيها الجالسون في مؤخر الطائرة بينما مات من كانوا في الدرجة الأولى. (وفجأة تذكرت هذا الحوار من مسلسل «ذ لوست»!)
لا يخلو المسلسل بالطبع من «الرمزيات»، أولها عنوانه المقتبس من الشعار اللاتيني (Pluribus Unum) على الختم الأمريكي الرسمي، والذي أضيف في عام 1782. يكفيك أن تنسخ العبارة من هنا وتبحث عنها في قوقل وستجد مقالات وتدوينات مخصصة للبحث في الغاية من اختيار قليقان العنوان تعليقًا على الوضع الأمريكي الحالي.
وإذا أردنا اقتناص رمزيات صغيرة من الأحداث، كما فعل صاحب التغريدة، لديك مثلًا هذه الرمزية حين وقفت كارول في مشهد اجتماعها بالناجين في الطائرة الرئاسية، تقترح عليهم خطة لإنقاذ العالم وخلفها على الشاشة يظهر العلم الأمريكي. ففي ذلك إشارة ساخرة إلى «عبء قائد العالم» الذي لطالما حملته الولايات المتحدة دون اكتراث لآراء البقية من حلفائها.
لكن الرمزية الأبرز المتداولة حول المسلسل ومعناه مرتبطة بموقف فينس قليقان المناهض بشدة للذكاء الاصطناعي. فإذا اعتمدنا على «العقل الجمعي» في الذكاء الاصطناعي في كل شيء، في أفكارنا وعواطفنا وأعمالنا الإبداعية، ألن نتحوَّل في النهاية إلى نمط أبله موحَّد؟ أوليس خطاب العقل الجمعي في المسلسل، الساعي إلى إسعاد «كارول» بأي طريقةٍ كانت وتفادي التعرض لمشاعرها السلبية، خطابٌ شبيه للغاية بأسلوب «جي بي تي» المنافق في حديثه معنا ومحاولته اليائسة إسعادنا لكي نقتنع به، ونظل «مندمجين» معه أطول وقتٍ ممكن؟
رغم وضوح هذه الرمزيات إلا أنَّ قليقان لا يؤيدها بالضرورة، والدليل أن فكرة المسلسل وشروعه في كتابته سابقٌ لإطلاق «جي بي تي»، وسابقٌ أيضًا لوباء كورونا. فقد بدأ كتابة «بلوربس» في عام 2016 تنفيسًا عن استغراقه في عوالم «بريكنق باد» (Breaking Bad) و«بتر كول سول» (Better Call Saul). وفي مقابلة معه، لدى سؤاله عن معنى مسلسل «بلورِبس»، سيشارك قليقان النصيحة التي تلقاها من مايكل مان:
«كل ما عليك فعله أن تسرد قصة جيدة، أما المعنى فدع الجمهور يدركه، تلك هي وظيفته.»
وهنا السؤال: هل القصة جيدة؟ بصرف النظر عن رموزها؟ وبصرف النظر عن إجادة قليقان تنفيذها إخراجيًّا؟ وبصرف النظر عن الرأي الجمعي الاحتفائي بها؟
مما شاهدته في أول حلقتين: لا.

السينما وُجدت لتبقى
متى تنسى الناس السينما؟ إذا كانت مجرد تجربة بحدود الساعتين، حالما ينتهي الفلم، تختفي من ذاكرتك. مبادرة «سينماء» من هيئة الأفلام انطلقت لتضيف للتجربة عمقًا وتأثيرًا يتجاوز قاعة العرض. من خلال مسارات متنوعة تهدف إلى إثراء المشهد السينمائي السعودي، ودعم المواهب النقدية، وصناعة محتوى يليق بتاريخ السينما ومستقبلها.



يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما السعودية فِلم «The Running Man»، من إخراج إدقار رايت. تدور أحداث الفِلم في مستقبل قريب، حيث يتحوّل البقاء إلى عرض تلفزيوني يشارك فيه متسابقون يجب عليهم النجاة من مطاردة قتلة محترفين طوال ثلاثين يومًا، فيما تُبث كل لحظة من رحلتهم إلى الجمهور، وتزداد الجائزة المالية عن كل يوم ينجون فيه.
أُطلق الإعلان التشويقي الأول لفِلم «Toy Story 5»، على أن يُعرض في صالات السينما بتاريخ 19 يونيو، 2026. تدور أحداث الجزء الجديد حول لقاء «وودي» و«باز» في عالم تتصادم فيه الألعاب التقليدية مع التكنولوجيا الحديثة، إذ تواجه المجموعة خصمًا جديدًا هو جهاز ذكي يُدعى «Lilypad»، وتبدأ مغامرة تكشف كيف تتكيّف الألعاب القديمة مع جيلٍ جديد من الطفولة.
انتهى تصوير فِلم «Dune: Part 3»، الجزء الثالث من السلسلة الملحمية للمخرج دنيس فيلنوف. ومن المقرر أن يُعرض في صالات السينما بتاريخ 18 ديسمبر، 2026.
أُصدر العرض الدعائي الرسمي لفِلم «Marty Supreme» من إخراج جوش سافدي وبطولة تيموثي شالامي. تدور قصة الفِلم حول شاب يحلم بالاحتراف في كرة الطاولة، فيخوض رحلة قاسية بين الفشل والطموح في سبيل بلوغ العظمة. ومن المقرر عرضه في صالات السينما في 25 ديسمبر.
بدأ تصوير الموسم الثاني من مسلسل «Dune: Prophecy»، وسيتكوّن الموسم من ثماني حلقات.
.png)
ادّخر بذكاء من كل عملية شراء 🧠
كل ريال تنفقه يمكن أن يصنع فرقًا في مستقبلك المالي. «ادخار سمارت» من stc Bank حساب ادّخاري يعطيك 4% أرباح سنوية وتقدر تسحب فلوسك بأي وقت! ادّخر اليوم، واستثمر في غدك مع
«ادخار سمارت».


يعود مسلسل «Better Call Saul» إلى عالم الجريمة ذاته الذي انطلق منه «Breaking Bad». لكنه لا يسير على خطاه، فبدل الانفجار، يختار التآكل البطيء.
يحكي المسلسل قصة المحامي «جيمي مكقيل»، رجلٌ يحاول إصلاح صورته في عالم لا يمنح أحدًا فرصة ثانية. يملك «جيمي» الذكاء، لكنه لا يملك التوازن الأخلاقي، وكلّ خطوةٍ يتخذها في سبيل إثبات ذاته تقوده إلى هاويةٍ أعمق. ومع مرور المواسم، نراه يتحوّل تدريجيًّا إلى «سول قودمان»؛ الوجه القانوني المزيّف الذي يخفي هشاشة رجلٍ لم يعرف كيف ينجو إلا بالكذب.
يرتكز المسلسل على التناقضات: العدالة والاحتيال، والصدق والتلاعب، والإيمان بالذات مقابل الرغبة في الاعتراف. ويوظّف الإخراج البصري الزوايا الثابتة واللقطات الواسعة كما لو أنها توثّق صراعًا داخليًّا في عالمٍ جامد. أما الموسيقا، فهي مرآة هذا الجمود.
موسيقا لا تقول الحقيقة
ألّف الموسيقا التصويرية ديف بورتر، الذي تعاون مع فينس قيليقان في «Breaking Bad»، لكنه أراد هذه المرّة صوتًا مختلفًا، أكثر خفوتًا، وأقل يقينًا.
بدأ بورتر من قاعدة بسيطة: لا يعيش «سول» في عالم الأبطال ولا في عالم الأشرار، بل في الفراغ بينهما، حيث لا مجال للنغمات الكبرى أو العواطف الجارفة. ولذلك اعتمد على أصوات إلكترونية متقطّعة، وقيتار كهربائي مشوّش، ووتريات خافتة.
ولم تكن الموسيقا وحدها من تبني المزاج العام. فالمشرف الموسيقي توماس قولوبتش اختار أغاني جاهزة (Needle Drops) من الستينيّات والسبعينيّات، تُعيد بناء الزمن والمزاج في كل حلقة.
وفي المقابلات، أوضح بورتر أن هدفه لم يكن التأثير العاطفي، بل خلق «درجة حرارة شعورية» تُجسّد الارتباك. لذلك استخدم التسجيلات الحيّة بمستويات ضوضاء طبيعية، وترك بعض الأصوات «الناقصة» مقصودة.
وقد جرت التسجيلات في استوديوهات صغيرة باستخدام مزيجٍ من السنثّات القديمة مع مؤثرات معدنية وأوتار مُعالَجة. وركز بورتر على كيفية «تفكّك» الصوت أكثر مما ركّز على اكتماله، تمامًا كما تتفكّك هوية «جيمي» داخل السرد.
أبرز المقطوعات من المسلسل
مقطوعة «Better Call Saul Main Title Theme»
افتتاحية لا تتجاوز خمس عشرة ثانية، لكنها تضعك في فوضى عالم المسلسل. يُعزف فيها قيتار بتشويش مقصود، كأنه يُعزف من مكبّر مكسور، تتعثّر نغماته قبل أن تكتمل، وكأن اللحن نفسه يتهرّب من الانضباط، يبدو مُرتجلًا، لكنه محسوب، كما هو حال البطل «سول». وكما تُعلن موسيقا «Twin Peaks» الحالمة والغامضة أنك داخل عالمٍ مقلق رغم هدوئه، تُعلن موسيقا «Better Call Saul» عن عالمٍ محكوم بالزيف والتشويش.
أغنية «A Mi Manera» لـ«Gipsy Kings» (من الموسم الثاني)
اختيار ذكي لنسخة تُعيد تعريف أغنية «My Way» لفرانك سيناترا بروح جديدة أكثر حماسًا وأقل استعراضًا. وتُستخدم كتعليق على غرور «جيمي مكقيل» وإحساسه بتفوقه الأخلاقي والقانوني. تحتفي الأغنية بحرية الفرد، وتُسمع حين نرى على الشاشة رجلًا مهووسًا بالسيطرة، وعاجزًا عن قبول طريق غير الطريق الذي يراه «صحيحًا».
أغنية «Rock and Hard Place» (من الموسم السادس)
تُرافق المقطوعة لحظة المواجهة الأخيرة لـ«ناتشو». ولا تعتمد على تصعيد درامي، بل على خنق تدريجي للصوت وطبقة نحاسية مكتومة وترددات تشبه أنفاسًا تتقطع. وتتلاشى المقطوعة قبل أن تنفجر، لتمنح المشهد ثقله الإنساني لا البطولي.
عبد العزيز خالد


اليوم نقول أكشن مع هذا المشهد من الحلقة السابعة في الموسم الثالث من مسلسل «Breaking Bad».
يحكي المسلسل قصة «والتر وايت»، معلّم الكيمياء الذي يكتشف إصابته بالسرطان، فيقرر أن يؤمّن مستقبل عائلته عبر تصنيع المخدرات بمساعدة تلميذه السابق «جيسي بينكمان». لكن هذا القرار يفتح بابًا نحو جحيم من الأكاذيب والتحوّل التدريجي في شخصية الرجل العادي، الذي يصبح أحد أخطر المجرمين في الجنوب الأمريكي.
في المشهد، يرقد «جيسي» في المستشفى بعد أن اعتدى عليه عميل مكافحة المخدرات «هانك شرادر» وتركه مشوّه الوجه. يحضر «والت» مع المحامي «سول قودمان» في الغرفة، وبينما يبدأ «سول» بالحديث عن رفع دعوى على «هانك» ويوضّح لـ«جيسي» أنه في موقف قانوني قوي، يحاول «والت» تهدئة الموقف. لكن «جيسي» يقطع كلامهما بقوله إن ما فعله «هانك» لن يمر، وإنه سيدفع الثمن.
تلعب الكاميرا دورًا مهمًّا في بناء إيقاع المشهد وشعوره. إذ تبدأ بحركة حُرّة أكثر في أثناء حديث «سول» و«والت»، وتُشرِكهم في اللقطات نفسها مع «جيسي». لكن تأتي ذروة المشهد حين تبقى الكاميرا شبه ثابتة بزاوية ضيقة على وجه «جيسي» وهو يتكلم ببطء وحقد عن أن كل قرش سيكسبه «هانك» وكل قرش ستكسبه زوجته هو له، وأنه سيلاحقه إلى اليوم الذي يضع فيه «هانك» المسدس في فمه ويطلق النار، وأن موقفه القانوني «القوي» لا يقف على اعتداء «هانك»، بل أيضًا على الوشاية بـ«والت» -أو «هايزنبيرق»- وتسليمه إلى مكافحة المخدرات. عندها يكتفي «والت» بالنظر إليه دون ردّ، لتكون هذه أول مرة يفقد فيها السيطرة على «جيسي» تمامًا.
يُظهر المشهد المرة الأولى التي يتحول فيها «جيسي» من ضحية وتابِع إلى مُهاجم. إذ لم يعد الشخص الذي يحتاج إلى حماية أو مساعدة أو شفقة، بل أصبح واعيًا للقوة التي يملكها عبر القانون والتهديد. وقد أصف غضبه بالـ«منطقي»؛ إذ استخدم «جيسي» لغة السلطة بمثل أسلوب «والت»، والتهديد بمثل أسلوب «سول»، لكنه يوجه هذه الأساليب ضدهما. حينها، يظهر أن «جيسي» بدأ يخرج من ظلّ «والت»، وأن المسلسل قد دخل مرحلة جديدة يُصبح فيها «جيسي» لاعبًا حقيقيًّا، لا تابعًا.
عبد العزيز خالد

في الرياض
بين 7 و9 نوفمبر 2025، تلتقي العيون التي ترى السينما من زواياها المختلفة.
هيئة الأفلام تطلق مؤتمر النقد السينمائي الدولي تحت شعار «السينما.. فنّ المكان».
مساحة تجمع النقاد والباحثين وصنّاع الأفلام من العالم كله، لحوار يعيد التفكير في علاقة السينما بالمكان والزمان، والخيال بالواقع.

فقرة حصريّة
اشترك الآن


بدأ فينس قيليقان رحلته في الكتابة في مسلسل «The X-Files»، حيث كتب ثلاثين حلقة ما بين عامَي 1995 و2002، أي خلال نحو سبع سنوات من عمله في فريق الكتابة. وهناك تعلّم شيئًا مهمًّا: القصة لا تحتاج إلى «وحوش» بقدر ما تحتاج إلى صراع داخلي في الإنسان.
بعد انتهاء قيليقان من تلك التجربة، عانى من ضائقة مالية. وفي حديث له مع صديقه الكاتب توماس شنوز، قال ساخرًا: «ربما نصنع الميث في سيارة (RV) لنعيش.» فتحوّلت هذه النكتة إلى نواة مسلسل «Breaking Bad»، وعالم كامل تحت تحكّمه.
خرج قيليقان بفكرة قلبت القاعدة التلفزيونية، حيث لا يبقى البطل كما هو، بل يتحوّل تدريجيًّا إلى نقيض نفسه. وقد صرّح في إحدى مقابلاته: «أردت أن أصنع شخصًا طيبًا يتحوّل إلى شرير، لأنّ التلفزيون يخاف التغيير.»
وبهذه القصة نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن العوالم التي صنعها فينس قيليقان:
صُمِّم تسلسل «Breaking Bad» داخل «غرفة كتابة» جدرانها مغطاة ببطاقات تُرتّب شكّل المشاهد وتفاصيلها، حيث لا مشاهد عشوائية ولا حوارات عابرة. وكان قيليقان يقول دائمًا: «الحوار ممتع، لكن القصة هي "الملك"». لذلك كل تفصيل في المسلسل وُضع هناك عن قصد.
وفي كل موسم، يجتمع قيليقان مع مصمّمي الأزياء والإنتاج لتحديد «لوحة ألوان» لكل شخصية: الأخضر لطموح «والت»، والبنفسجي لهوس «ماري»، والأزرق لبرود «سكَيلر». فالفكرة أن الألوان ضمير مرئي يتغيّر مع كل قرار وشعور.
وفي «Better Call Saul»، قلب قيليقان زاوية الرؤية، فكان البطل هذه المرة المحامي المهرّج من «Breaking Bad»، الذي يتحوّل إلى مأساة إنسانية. أراد قيليقان أن يُظهر كيف يمكن لخفة الظل أن تتحوّل إلى دراما قاتمة، وكيف يُكتب القدر بحبرٍ قانوني.
تتكرّر بين العملين فلسفة أن كل شيء مترابط أخلاقيًّا. فلا عقاب دون خطيئة، ولا خلاص بلا ثمن. لذلك رفض قيليقان فكرة «النهايات المفتوحة» لأنها تفرّغ القصة من مسؤوليتها. إذ أراد أن يترك الشخصيات حيث أوصلتها أفعالها، لا حيث يرغب الجمهور أن يراها.
استعان قيليقان بعالِمة الكيمياء دونّا نِلسن لضمان صحة التفاعلات الكيميائية، ورفض تصوير خطوات تصنيع المخدّر كاملة لأسباب أمنية.
لم يكتب فينس قيليقان شخصياته وِفق مخطط مسبق. إذ إن بعض الشخصيات، مثل «سولقودمان» و«مايك»، كان من المفترض أن تظهر في أدوار بسيطة فقط، لكن قيليقان لاحظ أن حضور الشخصيات في بعض المشاهد يجعلهم جزءًا محوريًّا من العالم، لذا من غير المنطقي أن تستمر في كونها شخصيات جانبيّة. كما صرّح في إحدى المقابلات: «الكتابة عندي تشبه الكيمياء. إذا وضعت عنصرًا في المشهد، فلا بد أن يتفاعل.»
عبد العزيز خالد

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.
