هل كونسيساو هو المدرب المناسب للاتحاد؟
كيف بإمكان الأرقام توقع مدى قدرة كونسيساو على معالجة مشاكل الاتحاد مع بلان؟



هل كونسيساو هو المدرب المناسب للاتحاد؟
محمد البريكي
ثلاث مباريات لعبها الاتحاد مع كونسيساو حتى الآن؛ تعادل في واحدة وفاز في الثانية وخسر الأخيرة. وكعادة الخسائر، دائمًا ما تثير العديد من الأسئلة حول المدرب. خصوصًا أن كونسيساو قد اتّخذ قرارات فنية عديدة في مباراة الهلال، مثل تغيير الرسم التكتيكي والاستعانة بالحارس حامد الشنقيطي بدلاً من الحارس الأساسي رايكوفيتش، الأمر الذي واجه فيه بعض الانتقادات. وفي الوقت نفسه، تلقى كونسيساو الإشادات والشعور بالثقة من جانب العديد من المشجعين، خصوصًا مع أداء الفريق في الشوط الأول، والتنظيم الذي ظهر به مجملاً في مبارياته الثلاث الأولى.
ربما هذه الثقة أتت من فترة بورتو المجيدة معه بالاستقرار الكبير وتحقيقه 11 لقبًا في 7 مواسم؛ بينما في المقابل خلقت فترته الأخيرة مع ميلان بعض التساؤلات حوله. وسنحاول هنا الإجابة عن أكثر الأسئلة المطروحة في الأوساط الاتحادية: هل كونسيساو حقًا المدرب المناسب للاتحاد؟
البدايات وصقل المفاهيم التدريبية
بعد اعتزاله مباشرةً في 2010، شغل كونسيساو منصب المدير الرياضي لنادي باوك (PAOK) اليوناني (النادي الذي أنهى مسيرته الكروية فيه). وبعد عام واحد فقط طلبه مدربه السابق الإيطالي دومينك دي أنفوريو ليكون مساعدًا له في نادي ستاندارد لييق البلجيكي حيث لعب كونسيساو هناك تحت قيادته لموسمي 2004/05 - 2005/06.
المواسم الأربعة التي قضاها كونسيساو مع دي أنفوريو بين كونه لاعبًا ثم مساعدًا ثم مديرًا رياضيًّا -مع وجود الإيطالي- صقلت أفكاره التدريبية بشكلٍ كبير. فالمدرب الإيطالي الراحل كان جزءًا من الثورة التدريبية في بلجيكا التي قادها ميشيل سابلون، وبدأت بعد الخروج من يورو 2000.
كان دي أنفوريو من أنصار المدرسة التي تستهدف العمل الطويل على تطوير اللاعبين الشباب وفق منهجية فنية مرنة تسمح لهم بالوصول إلى أفضل أداء، بدلًا من إجبارهم على العمل وفق منهجية فنية واحدة ممتدة من الفئات السنية حتى الفريق الأول، إضافة إلى منح العمل الجماعي والانضباط التكتيكي الأولوية القصوى. فتخرّج من تحت يده العديد من نجوم الجيل الذهبي البلجيكي، مثل: أكسل فيتسل ومروان فيلايني وإيليكيم مانقالا وكريستيان بينتيكي وغيرهم.

المحطات التدريبية الأولى والكثير من المشاكل الإدارية (2012-2017)
بدأ كونسيساو مسيرته التدريبية مع أولهانينسي البرتغالي في منتصف موسم 2011/12 ولكنه لم يستمر طويلًا. فقد رحل بعد 13 جولةً من الموسم التالي، وذلك بعد خلافات كبيرة مع إدارة النادي حول سياسة الانتقالات والأمور المالية.
هذه الخلافات أدت لرفع كونسيساو دعوى قضائية ضد النادي بسبب تأخر أجوره وأجور اللاعبين والعاملين.
وفي الموسم ذاته الذي رحل فيه عن أولهانينسي، قاد كويمبرا الذي كان يصارع الهبوط ونجح في إنقاذه. واستمر مع الفريق حتى انتهاء موسم 2013/14 بعد نجاحه في تأمين المركز الثامن.
لفت أداؤه مع كويمبرا أنظار براقا، الذي تعاقد معه بداية موسم 2014/15. ورغم تأمينه المركز الرابع نهاية الموسم ووصوله إلى نهائي كأس البرتغال، فإن الخسارة في النهائي بنتيجة (5-3) أمام لشبونة فجّرت خلافات كبيرة بينه وبين رئيس النادي أنطونيو سلفادور، بعد أن صرّح الأخير بأن النتيجة جاءت بسبب عدم الكفاءة. ليرد عليه كونسيساو أولًا بعدم مصافحته أمام اللاعبين والطاقم الفني، ثم بإرسال رسالة نصية يخبره فيها بأن عليه البحث عن «شخصٍ كفء».
أصدر براقا بيانًا يتهم فيه كونسيساو بعد إعلان رحيله بأنه هدد الرئيس، ووصف أفعاله بأنها ذات طابع عدواني واستبدادي لا حدود لها، رغم تحقيقه لأهداف الإدارة الرياضية.
لاحقًا -وبعد مرور خمس جولات من موسم 2015/16- تعاقد فيتوريا قيماريش مع كونسيساو؛ ليقوده حتى نهاية الموسم. ثم توقف عن التدريب حتى منتصف موسم 2016/17 عندما قرر نادي نانت التعاقد معه حتى نهاية الموسم. قدّم أداءً جيّدًا مع الفريق الفرنسي، ووصل به لربع نهائي كأس الرابطة، منهيًا الموسم في المركز السابع. إلا أن مرض زوجته أجبره على العودة للبرتغال مجددًا، ليأتيه من هناك عرض نادي بورتو.
بورتو والعصر الذهبي (2017-2024)
وجد كونسيساو في بورتو ما لم يجده في الإدارات السابقة، حيث وفرت له الإدارة طوال تلك السنوات كامل الدعم والصلاحيات، بدايةً من العقد الطويل الذي منحته له من (2017 - 2020)، ثم التجديد له بعد حصوله على لقب الدوري في موسمه الأول. الأمر الذي منحه ثقةً كبيرةً وأريحيةً كاملةً داخل النادي للعمل وفقًا لرؤيته.
عمل كونسيساو مع إدارة بورتو على استراتيجية واضحة، حيث منحته مطلق الحرية الفنية دون أي تدخل في قراراته في الملعب، مع عمله على صقل المواهب الشابة في الفريق التي يعتمد عليهم النادي كثيرًا لبيعهم مستقبلًا بأسعار مرتفعة. وهذا ما حدث مع عدد من اللاعبين، مثل: الكولمبي لويس دياز الذي انتقل إلى ليفربول، وفتينيا الذي انتقل إلى باريس، وكذلك ميليتو الذي انتقل إلى ريال مدريد وغيرهم من اللاعبين.
إضافةً إلى ذلك، مُنِح كونسيساو الصلاحيات الكاملة في تعاقدات الفريق وامتلك حق النقض في حال لم تكن أحد الخيارات مناسبة له، وامتلك رؤيةً مشتركةً مع النادي تحدَّد من خلالها أهداف الفريق قبل بداية كل موسم.
هذا الأمر منح كونسيساو القدرة على العمل وفق إطار إداري صلب يدعمه ويثق به، ما أنتج 11 لقبًا خلال سبع سنوات.
وفي موسمه الأخير مع بورتو، وبعد حصول فيلاش بواش على رئاسة النادي خلفًا لجورج دا كوستا، عادت الخلافات الإدارية مجددًا لمسيرة كونسيساو. فقد أراد بواش إلغاء عقده الذي قد اتفق مسبقًا على تمديده حتى 2028، ورفض كونسيساو ذلك وطالب بكامل العقد. ووصف كونسيساو ما فعله بواش بأنه خيانة للثقة.
ميلان، الحلم القصير والنهاية المؤلمة (2024-2025)
في ديسمبر 2024 -وبعد إقالة مواطنه باولو فونسيكا- توجّه ميلان لسيرجيو كونسيساو أملًا في أن يُعيد التوازن للفريق الذي عانى من تذبذب في الأداء خلال الجولات الـ18 الأولى من الموسم.
كانت بداية كونسيساو مثاليةً للغاية، واستطاع الفوز بلقب السوبر الإيطالي بعد تغلبه على يوفنتوس، ثم انتر في النهائي. ولكن سرعان ما ظهرت المشاكل في الفريق، بدايةً من المواجهة الشهيرة بينه وبين قائد الفريق كالابريا بعد مباراة بارما.

لاحقًا، تفاقمت المشاكل بعد اتهام كونسيساو بعض اللاعبين بما وصفه بـ«مقاومة الانصياع لمسؤوليتهم الدفاعية»، واصفًا الفريق بأنه مفكك ويفتقد للهوية. ومع زيادة الضغط الإعلامي مع أداء الفريق، وعدم شعور كونسيساو بأنه يحظى بثقة الإدارة، خصوصًا وأنها أصرت على عقد لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد بدلًا من عقد العامين الذي طالب به وكلاؤه، كانت النتيجة حتمية بالرحيل بعد سلسلة من عدم الاستقرار الفني وغياب الهوية الواضحة للفريق.
هل كونسيساو المدرب المناسب للاتحاد ؟
قبل الفصل في إجابة هذا السؤال، من المهم أولًا أن نلقي نظرة على ثلاثة أمور رئيسة:
فلسفة كونسيساو التدريبية.
مدى ملاءمتها للاعبي الاتحاد بعد مرحلة بلان.
قدرة إدارة الاتحاد على توفير عناصر نجاحه.
الفلسفة التدريبية:
يأتي كونسيساو من مدرسة تؤمن بمنح أدوار اللاعبين الأهمية القصوى وليس الرسم التكتيكي. بمعنى أنّه دائمًا يُفضِّل جعل اللاعبين في مراكزهم وأدوارهم المفضلة بدلًا من تطويعهم على أدوار مختلفة. فالبرتغالي يمتاز بمرونة تكتيكية كبيرة.
مع اعتماده بشكل رئيس على رسم 442، إلا أنه كان قادرًا على اللعب بأكثر من رسم، ما بين 433 و4231 وحتى 343 و352 بحسب طبيعة فريقه والمباراة والخصم والغيابات. كما أنه يُجيد التنوُّع بين الاستحواذ على الكرة أو اللعب على التحوّلات السريعة والكرة المباشرة. فمشواره مع ميلان -رغم قصره- أظهر جانبًا من هذه المرونة، حيث اعتمد في البداية على رسم 433 ثم 4231 ولاحقًا 3421 لمحاولة علاج المشاكل التي ظهرت في الفريق، وللاستفادة من نقاط قوة اللاعبين المتاحين لديه.
ولكن هذه المرونة تظهر بصورة أكثر وضوحًا عند مقارنة مباريات بورتو في دوري أبطال أوربا مع مباريات الفريق في الدوري البرتغالي خلال سنواته السبع مع الفريق.
فالمعدل العام لاستحواذ بورتو على الكرة في الدوري البرتغالي يبلغ 57.6% مقابل 47.3% فقط في دوري أبطال أوربا، في حين أن المعدل العام للتمريرات الطويلة يرتفع في دوري الأبطال إلى 62.6 تمريرة طويلة مقابل 58.1 تمريرة طويلة في الدوري. الأمر الذي يوضح اختلاف المنهجية من محاولة الاستحواذ على الكرة عبر التمريرات القصيرة في الدوري، إلى اللعب المباشر والتحوّلات في مباريات دوري أبطال أوربا.

ويتبقى أحد أهم الأسس في فلسفة كونسيساو التدريبية، وهي الانضباط التكتيكي الذي يطلبه من كافة اللاعبين بالقدر ذاته.
فمع مرونته في اللعب بأكثر من رسم ليتناسب مع قدرات اللاعبين، إلا أنه لا يسمح لهم بالتنازل عن تقديم كل مجهودهم البدني وانضباطهم التكتيكي للّعب كمجموعة واحدة. فالنقطة الأخرى التي تُميّز فلسفة كونسيساو هي محاولته الدائمة الالتزام بمسافة 25-30 متر بين الخطوط للحفاظ على تنظيم الفريق والعمل ككتلة واحدة. وهو الأمر الذي يقتضي من جميع اللاعبين العمل البدني بالمقدار نفسه.
مدى ملاءمة فلسفة كونسيساو للاعبي الاتحاد:
قبل أن نقرّر مدى ملاءمة فلسفة كونسيساو للاعبي الاتحاد، من المهم أن نُعرِّج على أسلوب الفريق مع بلان.
اعتمد الاتحاد مع بلان بصورة كبيرة على الاستحواذ والتدرج البطيء بالكرة من الخلف عبر التمريرات القصيرة. ويتّضح هذا الأمر عند النظر إلى معدل سلاسل التمرير من اللعب المفتوح والتي تُظهر الاتحاد في المركز الأول في سلاسل التمرير، التي تحتوي 10 تمريرات أو أكثر، بـ527 سلسلة تمرير بفارق كبير عن المركز الثاني.
يعكس هذا المعدل قدرة الفريق في السيطرة على الكرة لفترات طويلة وبناء الهجوم عبر التمريرات الدقيقة المتأنية. فقد بلغ معدل استحواذه على الكرة 58.8% وبلغت دقة تمريرات الفريق الإجمالية 88.2%، وهي الأعلى في الدوري الموسم الماضي. ومع إضافة معدل «زمن التسلسل» (Sequence Time) نجد أن الاتحاد هو أعلى الفرق بـ12.3 ثانية لكل تسلسل. كما أنه يتمتع بثاني أفضل معدل للهجوم من خلال البناء 105. وهو ما يوضّح محاولة بلان بأن يكون التدرج بالكرة متأنيًا وواثقًا، لتصل الكرة للثلث الأخير في مناطق مناسبة لخصائص اللاعبين.

وعند مقارنة شكل الاتحاد وأسلوبه بالكرة مع شكل بورتو وأسلوبه بالكرة في وجود كونسيساو سنجد نقاط تلاقٍ لا بأس بها قد تساعد البرتغالي في بدايته مع الاتحاد.
فقد اعتمد بلان مع الفريق خلال المرحلة الأولى من البناء على بقاء محورَيْ الارتكاز أمام قلوب الدفاع مع توسيع الظهيرين للملعب، وخلال ذلك ينزل حسام عوار أو بيرقفاين وبنزيما أحيانًا؛ لتوفير خيارات تمرير بين الخطوط ليتحوّل شكل الفريق إلى شكلٍ أقرب إلى 2422. عندها يقوم الفريق بتدوير الكرة بين المدافعين ثم الأطراف لتفريغ أحد لاعبي الوسط، للحصول على مساحة مناسبة للتقدم بالكرة.

الفكرة ذاتها تقريبًا بالرسم ذاته، اعتمد عليها كونسيساو في آخر مواسمه مع بورتو.
ولكن الاختلاف حدث في أمرين:
معدل التمريرات: حيث لم يبحث كونسيساو عن إبطاء رتم البناء، بل استهدف محاولة التقدم عبر عدد تمريرات أقل.
الأدوار المتقدمة لأحد الظهيرين: إذ غالبًا ما يتحرك أحد الأجنحة للدخول للعمق؛ لتوفير نفسه كخيار تمرير مع صعود الظهير أكثر والإبقاء على عرض الملعب.
كان هدف كونسيساو من توسيع الملعب قدر المستطاع تفكيك ضغط الخصم وخلق مسارات تمرير عمودية أكثر في عمق الملعب، مع الاستعانة بدخول الجناح لخلق أفضلية عددية بين الخطوط.

ومع مرونة كونسيساو التي تحدثنا عنها، فقد يحافظ على الشكل السابق ولكن عبر استغلال قدرة بنزيما على النزول بين الخطوط مع إبقاء الجناحين في عرض الملعب لاستغلال سرعتهم، وهو ما لم يستفد منه بلان كثيرًا -من وجهة نظري- إلا في بعض الفترات القليلة. فرغم الظهور الممتاز لبيرقفاين وديابي من الناحية الرقمية، ففي كثير من الأحيان يبحثان عن تمريرات أكثر سرعة، ولكن تفضيل بلان للتدّرج البطيء يجعل فرصًا مثل هذه التمريرات أقل مما يطلبانه. وهو ما قد يُوفّره لهما كونسيساو بصورة أكبر خصوصًا عبر دانيلو الذي سبق أن لعب تحت قيادته في بورتو، حيث يمتلك قدرةً ممتازةً على التمرير الطويل.

اختصارًا، هيكل الفريق مع الكرة ربما لا يتغيّر كثيرًا في البداية، ذلك أنه قد يلجأ لاحقًا لرسم 433 من أجل تأمين خط الوسط بصورة أفضل. ولكن ما سيختلف هو معدل التمريرات الطويلة الذي قد يرتفع أكثر مع كونسيساو، خصوصًا أن الفريق لا يمتلك محورَيْ ارتكاز على درجة عالية تحت الضغط، ما يعني أن اللعب المباشر سيساعدهما كثيرًا في تفادي مشاكلهما تحت الضغط.
في الثلث الأخير من الملعب، تظهر أكثر الاختلافات بين أسلوب بلان وأسلوب كونسيساو.
فأحد الأمور التي أسهمت في تلقي المدرب الفرنسي اللوم في كثير من المباريات حتى تلك التي يفوز بها هو «النمط». والنمط أو الأنماط في كرة القدم: هو مجموعة من التمريرات أو التحركات التي تتكرر بصفة مستمرة يمكن من خلالها فهم طريقة لعب الفريق. وهذه الأنماط لا تبدو ثابتة في الاتحاد، وهو ما يصعّب تحديد هوية واضحة للفريق.
فلو أخذنا عيّنةً عشوائيةً من مباريات الاتحاد خلال الموسم الحالي والموسم الماضي سنجد أنه لا يمكنك تحديد نمط واضح لخريطة التمريرات أو تمركز اللاعبين، وغالبًا ما تتعلق هذه الأنماط بالمباراة عينها، ويصعب تكرارها في بقية المباريات.

وبقدر ما أن لهذا الأمر إيجابيةً تقلل قدرة الخصم على التوقع وتمنح لاعبي الاتحاد حرية اتخاذ القرارات داخل الملعب بحسب ما يروه؛ إلا أنه في اللحظة التي يفقد فيها الفريق تركيزه لا يمتلك اللاعبون حينها نقطة مرجعية تمكنهم من إعادة ترتيب أفكارهم داخل الملعب.
على الجانب الآخر، يمتلك كونسيساو رؤيةً واضحةً لهيكلة فريقه في الثلث الأخير من الملعب، مستندًا على تأثير شكل الفريق مع الكرة في فكرة الضغط العكسي التي ينتهجها البرتغالي. ولذلك من المنتظر أن يكون الاتحاد أكثر تنظيمًا في الثلث الأخير من الملعب مع احتفاظ كونسيساو بنظامه المعتاد بـ 325 مع الكرة، والذي يمنح الفريق أفضليةً عدديةً مناسبةً وتأمينًا دفاعيًا جيدًا ضد التحولات.

وبشكل عام، لا يبدو من الصعب إقناع اللاعبين بهيكلة واضحة مع الكرة. فبعيدًا عن فترة بلان، جاء معظم هؤلاء اللاعبين من خلفيات تكتيكية واضحة ومحددة ساعدتهم كثيرًا على التألق في فرقهم السابقة.
الأمر الآخر الذي يُظهِر اختلافًا بين أسلوب بلان وأسلوب كونسيساو شكلُ فرقهم بدون الكرة.
فبالرغم من أن اعتماد لوران بلان على تقارب المسافات بين لاعبيه في الثلث الأخير من الملعب يسمح لهم بتحسين عملية الضغط العكسي حال فقدان الكرة؛ فإنَّ عدم اعتياد اللاعبين على هيكلة واضحة مع الكرة تجعلهم غير مهيّئين للتمركز في مناطق مناسبة لو لم يحصلوا على الكرة سريعًا عند فقدانها. كما أن اعتماد بلان أكثر على الضغط المتوسط يُظهِر الفريق بشكل سلبي أحيانًا بدون الكرة، حيث يسمح للخصم بالتدرج بالكرة دون الكثير من الحدّة في الضغط. ويحتل الفريق المرتبة الخامسة في ترتيب الحصول على الكرة في الثلث الأخير من الملعب.

إضافةً لذلك؛ يقبع ثلاثي الوسط خلف بنزيما: عوار وديابي وبيرقفاين في مراكز متأخرة جدًّا في الدوري مقارنةً ببقية لاعبي الوسط المهاجمين من ناحية اعتراض الكرة واستعادتها. ويوضّح هذا الأمر ضعف قدرة الفريق على استعادة الكرة في مناطق متقدمة، وربما يفسّر ميل بلان للضغط المتوسط.

على الجانب الآخر، يعتمد كونسيساو على نظام دفاعي محكم حيث يُشكّل ذلك العمود الفقري لفلسفته التدريبية. إذ يعتمد على إحكام المسافة بين خطوط فريقه بين 25-30 مترًا، ولا يعتمد على الضغط العالي غالبًا، إلا في بعض اللحظات أو المباريات التي يواجه فيها خصومًا أقل أو لديهم مشاكل واضحة في البناء. بل يعتمد بشكل أساسي على مصائد الضغط المحكمة عبر إغلاق العمق برسم 442، وتوجيه الخصم للأطراف، ومن ثم استخدام خط الملعب كعنصر ضغط إضافي.

وبالتالي، سيكون الاختلاف الأكبر بين شكل الاتحاد بدون الكرة مع بلان ومع كونسيساو، هي الحدّة الكبيرة التي يُفضّلها البرتغالي والتي تتطلّب مجهودًا بدنيًا كبيرًا من اللاعبين. الأمر الذي يقودنا للحديث عن آخر عناصر الإجابة عن سؤالنا.
قدرة إدارة الاتحاد على توفير عناصر نجاحه:
كما تحدثنا سابقًا، فإن أحد أهم أسباب نجاح كونسيساو مع بورتو واستمراريته الطويلة، هو التفاهم الكبير بينه وبين إدارة النادي في الرؤية ومنحه صلاحيات كاملة لإدارة الفريق. وذلك على عكس تجاربه السابقة قبل بورتو، وتجربته الأخيرة مع إدارة ميلان التي من الواضح لم يتمتع كثيرًا بثقتها.
هذا الأمر يجعل من المهم أن تكون هنالك رؤية فنية واضحة لإدارة الاتحاد مع البرتغالي التي بدأت بشكل جيّد من خلال عرضها لعقد العامين مع عام إضافي، ما يمنح كونسيساو الثقة التي يرغب بها ولم يجدها مع ميلان عندما منحته عقدًا لمدة ستة أشهر فقط.
والأمر الآخر الذي قد تواجه فيه إدارة الاتحاد بعض الصعوبات، هي شخصية كونسيساو الصارمة مع اللاعبين. فالبرتغالي ينتظر من كل لاعبيه -بدون استثناء- كامل الانضباط والتضحية والالتزام التكتيكي والالتزام خارج الملعب أيضًا، ما يجعله عرضةً للاختلاف مع بعض لاعبي الاتحاد من هذا الجانب.
فلو عدنا لمسيرة كونسيساو التدريبية سنجد بعض الخلافات مع اللاعبين لأسباب متعلقة بأمور خارج الملعب، مثل كالابريا وتشيك وكاماردا، بعدما وصفهم بعدم الالتزام نتيجة ذهابهم لحفل غنائي قبل مباراتهم في الدوري مع بارما. وسنجد خلافات فنية تتعلق بأدائهم داخل الملعب وعدم التزامهم التكتيكي، مثل خلافه مع ثيو ولياو وموراتا كذلك، واستبدالهم بعد الشوط الأول في مباريات متفرقة.
وكما سبق أن تحدثنا، لا يتمتع الثلاثي بيرقفاين وديابي وحسام عوار بالالتزام الدفاعي الكافي سواءً في الضغط أو المساندة، وهو ما سيبحث كونسيساو عن تعديله. وربما يتسبب ذلك بالاصطدام بأحدهم، ما يلزم فيه تدخلًا إداريًا صارمًا يتناغم مع رؤية المدرب البرتغالي.
من المهم أيضًا أن يسعى كونسيساو لجذب دعم القائد كريم بنزيما الذي يتمتع بعقلية احترافية كبيرة لا يُمكن من خلالها تصوّر أن يدخل في صدام مباشر مع أي مدرب. فالنجم الفرنسي يتمتع بخبرة كبيرة وقدرة هائلة على اللعب بأكثر من أسلوب لعب، عدا عن تأثيره الكبير على لاعبي الفريق. ولو استطاع كونسيساو التناغم معه بصورة جيدة سيسهم كثيرًا في التأثير على بقية اللاعبين وتسهيل مهمته مع الفريق.
الخلاصة
فنيًا، يمتلك الاتحاد بعض الأدوات المناسبة لأسلوب لعب كونسيساو. فدانيلو يعرف مواطنه جيدًا بسبب فترتهما في بورتو، في حين أن فابينيو وكانتي لديهما القدرة اللياقية والمجهود البدني للعمل الدفاعي واسترداد الكرة. ويتناسب ديابي مع الأسلوب المباشر بسبب سرعته وقدراته المهارية، كما يمتاز بيرقفاين بالسرعة والقدرة على اللعب في أكثر من مركز إضافةً إلى ذكاء بنزيما التكتيكي الكبير وخبرته الواسعة في التأقلم على أي نظام.
لكن لا يُمكن إغفال حاجة الفريق للتعزيزات، خصوصًا على مستوى خط الدفاع وكذلك خط الوسط على المدى القريب مع ارتفاع أعمار الثلاثي دانيلو وكانتي وفابينيو.
يبقى الأمر المقلق، هو قدرة كونسيساو على تقنين اصطدامه مبكرًا باللاعبين. فمن الصعب تغيير نظام الفريق بشكل سريع خاصةً بدون الكرة: من أسلوب بلان الذي لم يكن على درجة كافية من الالتزام، إلى أسلوب كونسيساو الذي يبحث عن تقارب الخطوط والجهد البدني والالتزام التكتيكي الكامل من اللاعبين.
ولو استطاع البرتغالي إدخال نظامه على الفريق وإقناع اللاعبين ببذل المزيد من الجهد، سيستطيع الاتحاد الخروج بمكاسب كبيرة خلال هذا الموسم خصوصًا في مباريات الكأس ودوري أبطال آسيا. فكونسيساو يجيد التحضير لهذه المباريات بشكل جيّد جدًا.
ولكن بنظرة عادلة أكثر، من المهم أن يكون ما تبقّى من الموسم أساسًا تبني الإدارة عليه مع كونسيساو دون إصدار أحكام مطلقة ومتسرعة. فالوضع الحالي للاعبي الفريق لا يتناسب في مجمله مع أفكار البرتغالي خصوصًا من الناحية البدنية، ما يعني أن الفريق قد يتعرّض لبعض التعثرات وربما بعض الإصابات نتيجة اختلاف الحصص التدريبية بين بلان وكونسيساو، ما يجب على الإدارة فيه أن تكون على وعي كافٍ بأهدافها مع المدرب البرتغالي خلال فترة عقده.

نشرة أسبوعية تجيب عن الأسئلة الكروية بلغة الأرقام والإحصاءات، وتناقش قضايا تتجاوز أحداث الجولة، وتغوص في تفاصيل الفرق والمدربين. سؤال واحد في كل عدد، وإجابات تكشف الصورة الكاملة.