رباعي المستقبل في كرة القدم السعودية

ما العامل المشترك بين أندية الرباعي؟


رباعي المستقبل في كرة القدم السعودية

نواف العقيّل

في يومين متتاليين، تواجهت أندية الشركات المخصصة بالكامل وجهًا لوجه في مشهد مستقبلي لكرة القدم السعودية. ففي شمال غرب السعودية في تبوك التقى نادي نيوم بنادي القادسية، وفي اليوم الذي يليه واجه نادي العلا في المدينة المنورة نادي الدرعية، في صراع متتالٍ أوّلي بين أول أربعة أندية في تاريخ كرة القدم السعودية تخصصت بالكامل في الدفعة الأولى لمشروع التخصيص الرياضي.

قد يشير البعض إلى رباعي الصندوق، ولكن ذاك الرباعي يعود إلى صندوق الاستثمارات العامة بملكية 75% فقط وليس بالكامل. ثم لحقت هذه الأندية الدفعة الأولى من التخصيص العام، وذلك بتخصيص الثلاثي نادي الخلود ونادي الزلفي ونادي الأنصار.

وبدخولنا السنة الثالثة في ملكية الأندية الأربعة، التي أطلق عليها اسم «رباعي المستقبل» محاكاةً للطريقة المستخدمة إعلاميًا لـ«رباعي الصندوق»، فهذا الرباعي: القادسية والدرعية والعلا ونيوم، هو فعلًا رباعي مستقبل كرة القدم السعودية.

فقد تخصصت هذه الأندية الأربعة لتبقى في دوري روشن للأبد، وتتحول إلى أندية ذات حضور تنافسي وشعبي في مناطقها مع مرور الوقت. وقد يكون البعض مستاءً من ذلك، ولكن اختيار هذه الأندية الأربعة لم يكن عشوائيًا أو بدون أهداف واضحة في مشروع التحول الرياضي.

نعم هناك أندية تحتاج إلى التخصيص مثل: الشباب والاتفاق والفتح والتعاون. ولكن أندية «رباعي المستقبل» بحاجة للتخصيص بسبب أهدافها الموضوعة والتي تحتاج وقتًا للتنفيذ، فهي أولوية وطنية تتجاوز موضوع كرة القدم أيضًا؛ وسنشرح ذلك لكم.

العلا والدرعية وجهتان سياحيّتان

يرتبط نادي العلا ونادي الدرعية بهدف مشترك في كرة القدم السعودية، وهو الترويج لوجهتين سياحيّتين وطنيتين يُعمَل على تجهيزهما في الوقت الحالي ضمن رؤية المملكة العربية السعودية 2030.

ولا شك أن كرة القدم رياضة سريعة الانتشار، وهدفنا أن يصبح الدوري السعودي بحلول 2030 ضمن الدوريات الأعلى متابعةً حول العالم، والمنصة التي سنخلقها ستكون عاملًا مهمًا للترويج للوجهات السياحية. ومن هنا يأتي الهدف الرئيس من هذا الثنائي.

لك أن تتخيل إقامة مباراة في ملعب نادي العلا الجديد في بثٍّ على مستوى العالم يتابعه الملايين من عشاق كرة القدم، مع إبراز جمال العلا واسم العلا الذي سيتكرر كثيرًا خلال المباراة، في دوري يريد أن يكون ضمن النخبة حول العالم.

ووفقًا لتقرير من «شركة سرج» للاستثمار الرياضي فإن حجم المساهمة السنوية المتوقعة لقطاع الرياضة في الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بحلول عام 2030 سيكون 16.5 مليار دولار، أي ما يمثل 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي. ولا شك أن لكرة القدم النصيب الأكبر من الناتج المحلي المستهدف من القطاع بشكل كامل، والتسويق للسعودية عبر الدوري السعودي سيكون مستهدفًا رئيسًا للقطاع.

لذلك نُقِلت ملكية نادي الدرعية إلى «شركة الدرعية» التي تعمل على مشروع سياحي ضخم يستهدف جعل الدرعية من أهم الوجهات الثقافية الرائدة حول العالم، متمحورةً حول حي طريف التاريخي كونه أحد مواقع التراث العالمي المسجل في منظمة اليونسكو كمنطقة تعبِّر عن جذور السعودية. ولذلك سيكون نادي الدرعية أحد الأدوات الترويجية لهذا المشروع على المستويين المحلي والعالمي.

وتقرّر نقل ملكية نادي العلا إلى الهيئة الملكية لمحافظة العلا، والتي تعمل على وضع محافظة العلا كواحدة من أهم الوجهات الأثرية والثقافية في المنطقة، وإعدادها لاستقبال الزوّار من جميع أنحاء العالم عبر مجالات الآثار والسياحة والثقافة والتعليم والآداب، ما يعكس الالتزام الطموح بترسيخ السياحة والترفيه في السعودية تماشيًا مع رؤية 2030، ولذلك فإن نادي العلا أداة تسويقية لهذا المشروع على المستوى المحلي والعالمي.

وبالنظر إلى الناديين نجد أن الهوية واضحة جدًّا من قلب المشاريع التي تأتي منها، كرموز النادي وشعاره وقمصان الفريق ولهجة النصوص المستخدمة في كتابات مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا.

ولأن الوجهتين السياحيتين تحت الإنشاء وتحتاج إلى وقت لجاهزيتهما الكاملة، سيكون الناديان من أواخر الأندية التي ستنتقل إلى ملاعبها الجديدة. وربما هذا أكبر تحدٍّ للناديين خلال السنوات الخمس أو السبع المقبلة. ففي الدرعية يسهل تجاوز الأمر بسبب مدينة الرياض، ولكن اللعب بالمدينة المنورة التي تبعد حوالي 352 كيلومتر عن محافظة العلا يشكل تحدٍّ كبير للنادي.

أرامكو في قلب كرة القدم 

خذ هذه المعلومة، شركة أرامكو هي من اختارت نادي القادسية ضمن عدّة خيارات طُرِحت عليها. ارتبطت الشركة بالخبر ونادي القادسية ارتباطًا كبيرًا، فجاء القرار من الخبر إلى العالم. لذلك اختارت الشركة نادي القادسية ليصبح أداةً رئيسة للشركة في المجال الرياضي، وخاصةً كرة القدم.

دخلت أرامكو كشركة سعودية عملاقة عالم كرة القدم، وذلك من خلال رعاية الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، ورعاية بطولات الكونكاكاف والعديد من الفعاليات الرياضية الأخرى. فأتى ملف كأس العالم 2034 عاملًا رئيسًا في اختيار الخبر من المدن المستضيفة.

سيجهز ملعب جديد قريبًا، وهو من أوائل الملاعب المخطط لها، مع نادٍ لديه عمق تاريخي وجذور في كرة القدم ومنطقة متعطشة لفريق تنافسي. لا يمكن أن نقارن القادسية بالشركات الثلاث الأخرى لأسباب رياضية عبر التاريخ، وأسباب تخص المستهدفات التسويقية عبر كرة القدم. فنادي القادسية وُجِد ليسوّق لمدينة الخبر، إحدى المدن المستضيفة لكأس العالم، والتي تشهد مشاريع سياحية وموسمًا ترفيهيًا النادي هو المسوِّق الأول لها.

لذلك كانت شركة أرامكو للقادسية والقادسية لشركة أرامكو فقط.

مدينة المستقبل لا يمكن أن تكون بلا نادي كرة قدم

نبني حاليًّا مدينة جديدة في شمال غرب السعودية في أضخم مشروع ضمن رؤية السعودية 2030. وتعد هذه المدينة التطوّر الأكثر ابتكارًا على مستوى العالم، وتتكون من مجموعة مشاريع أساسية تربط بينها مدينة «ذ لاين» الخطية المبتكرة. فهل نبني مدينةً مخطط أن يسكنها 300 ألف نسمة دون نادٍ رياضي؟ لا يعقل ذلك. ولنكن أكثر دقةً هنا: مدينتنا المستقبلية بدون اللعبة الشعبية الأولى في البلاد؟ لا يعقل نهائيًا.

من هذا المنطلق، انطلق مشروع نادي نيوم الرياضي. وقد بدأ المشروع مبكرًا بسبب التخطيط لبناء كل شيء من الصفر، وهذا النادي بدأ من الصفر وسيصل إلى الكمال عند حلول عام 2032 عندما يفتتح ملعبه في المدينة الجديدة.

يا له من يوم، حيث نبث تلك المباراة عبر قنوات ثمانية -بمشيئة الله-، مشهد مهيب داخل مدينة «ذا لاين» الخطية التي ستغير التاريخ البشري إلى الأبد. ولهذا السبب وجد نادي نيوم ليكون أداة تسويق مهمة للمشروع الضخم، واستعراض للقوة السعودية عبر الرياضة أيضًا.

أربعة ملاعب تدريب متقدمة، ملعب بسعة 46 ألف مشجع، نادٍ في دوري سيكون حينها من الأكثر متابعة على مستوى العالم، مدينة مستضيفة لكأس العالم 2034. لذلك هو نادي المستقبل لأن المستقبل هناك، ولهذا السبب اختير نيوم مبكرًا للحاجة إلى التخطيط من الآن حتى عام 2032 عند الاكتمال. ولذلك استحق الشمال الحصول على نادٍ تنافسي سيكون إلى الأبد ركيزةً في دورينا.

ما العامل المشترك بين الرباعي الآن ؟

ربما أكون من النادرين في بلادنا الذين سبق لهم حضور مباريات عدة للرباعي على ملاعبهم وخارج ملاعبهم، كنت قريبًا وحريصًا على ذلك بسبب القصة التحوليّة التي يعيشها الرباعي في الوقت الحالي. وأعتقد من خلال ملاحظاتي أن هناك أربعة عوامل مشتركة بين الرباعي سيلاحظها من يتابع بدقة.

العامل الأول الذي تلاحظه بشكل مباشر: الرغبة القوية بالنجاح. وهذه عقلية انتصارية تُصنَع في الأندية، وفي الأندية الأربعة ارتكز الأمر بنسبة كبيرة على أبناء المناطق التي ينتمون لها. يريد العاملون بالنادي -من اللاعبين حتى أصغر العاملين- النجاح وتقديم الأفضل دائمًا. وسترى هذا بشكل متفاوت في الأندية الأخرى، خاصةً أندية الوزارة التي يسود على بعضها الهدوء.

ويعود السبب في العامل الأول إلى العامل الثاني: وهو جلب أفضل الخبرات الإدارية والرياضية أو ربما الأفضل على مستوى العالم وعلى مستوى السعودية لترسيخ المبادئ النخبوية في الرباعي خلال مرحلة التأسيس الحالية. ولا يمكن أن نغفل عن عامل أساسي مهم وراء كل ذلك، ألا وهو توفر السيولة المالية العالية جدًّا للرباعي مما يساعدهم في كل ما يريدون تنفيذه، في زمن أصبح المال فيه المحرك الأول بعالم كرة القدم.

أما عن العامل الثالث: فهو الاهتمام بالمشجعين. تهتم الأندية الأربعة بالمشجعين حتى لو أن عدد المشجعين 100 مشجع فقط. فالأندية الأربعة تقدِّم أفضل مناطق المشجعين وفعاليات يوم المباراة، حتى رباعي الصندوق لم يصل لما وصل إليه رباعي المستقبل في إتقان عمل منطقة المشجعين. وصناعة الشعبية في كرة القدم ليست صعبة، ولكنها بحاجة لوقت فقط؛ وارتباط جيل واحد فحسب كفيل بتحقيق النتائج على أرض الواقع.

والعامل الرابع: انعدام الضغط. ونتحدث هنا عن الضغط الإعلامي والجماهيري الذي ربما يجعل الأندية الأخرى تتخذ قرارات تحت الإجهاد. أما ما يشكل الضغط على هذه الأندية الأربعة فهي الشركات المالكة التي تحاول الحفاظ على النجاح وتسعى لإتقان العمل والاستدامة على المدى الطويل، الأمر الذي ينهك تلك الأندية لتحقيقه؛ لأن التمويل المالي سيقف بلا شك في يوم من الأيام. لهذا يجب على هذه الأندية أن توفر نماذج استدامة لتستمر في وضعها التصاعدي، ولا شك أن إنتاج اللاعبين وبيعهم عبر السوق هو العامل الأهم الذي تركز عليه الأندية الأربعة حاليًّا.

ربما لا يفضل البعض هذا الرباعي لأسباب متعددة، ولكن كرة القدم السعودية منذ مدة بحاجة كبيرة إليه. وذلك بسبب وضوح الرؤية والأهداف التي تستهدف المدى الطويل وليس المتوسط والقصير كغالبية أنديتنا الأخرى التي أهدرت سنوات دون بناء نفسها بشكل صحيح، بل تحول بعضها إلى عبء مزعج لكرة القدم السعودية.

تحتاج كرة القدم السعودية إلى تخصيص أكثر ونستعد لذلك قريبًا، وربما سنشهد رباعيًّا جديدًا يدخل الساحة بالأفكار نفسها أو قريبة منها.


البيت الذي تظنّه بعيد المنال صار بين يديك، وبخيارات متنوعة.
لأن «سكني» حوّلت مخطط البيت الذي يشغل ذهنك كل يوم إلى واقع،
وجمعت جميع المشاريع في منصة واحدة، وسهّلت عليك البحث، والمقارنة، والاختيار.
تصفّح الوحدات السكنية الآن ولا تضيّع فرصة العمر


  • 🎙️حلقة «من يوقف طوفان النصر وينقذ الاتحاد» من «بودكاست مرتدة»: بعد الإنجاز العربي الكبير بتتويج المغرب بكأس العالم للشباب، نتحدث عن أثر التخطيط وبناء المشاريع الرياضية لكرة القدم. وفي دوري روشن نتحدث عن سطوع النصر، ومعاناة الاتحاد أمام معضلة ركلات الجزاء، وكيف تطوَّر أسلوب الهلال بفوزه على الاتفاق.

  • 🎥 كواليس مباراة الاتحاد والفيحاء في «خارج التغطية مع شرقي»: تابع شرقي وهو يوثق تفاصيل المواجهة منذ صافرة البداية حتى النهاية، ولقاءاته الخاصة مع لاعبي الفريقين ومدرب الاتحاد الجديد «سيرجيو كونسيساو» بعد التعادل المثير.


مصدر مطّلع
مصدر مطّلع
يومية منثمانيةثمانية

نشرة صباحية تقدِّم أهم خبر في الكرة السعودية وتحلّله من جميع الزوايا. مع قصص حصرية من شخصيات مُطّلعة تبقيك على اطلاع دائم بعالم الكرة أولًا بأول.

+50 متابع في آخر 7 أيام