في إسرائيل: الشعب والجيش يتنافسان على التطرف

يؤكد إسرائيلي عشوائي في الشارع: لا أحد في غزة يمكن عدّه بريئًا!


لا يمكن لأي قارئ في أحداث الشرق الأوسط، خلال العقود الثمانية الأخيرة، ألا يجد ذكرًا أو حضورًا للاحتلال الإسرائيلي في معظم أخبار المنطقة وتطوراتها.

هذا الدور البارز للكيان الإسرائيلي دفع كثيرين، من سياسيين ومفكرين وباحثين وغيرهم، إلى فهم السياسة الإسرائيلية وتحليلها.

إلا أن محاولة فهم الداخل الإسرائيلي لإدراك مكوناته وديناميكياته، غالبًا ما تحظى باهتمام أقل، وتعتمد اعتمادًا كاملًا على الإعلام الإسرائيلي. ولهذا، يركّز هذا العدد على المجتمع الإسرائيلي، ويكشف كثيرًا من جوانبه.

عمر العمران


تصميم: أحمد عيد
تصميم: أحمد عيد

وقعت أحداث السابع من أكتوبر وأنا بمدينة نيويورك طالبًا في مرحلة الماجستير في جامعة كولومبيا الشهيرة، التي منها انتشرت الاحتجاجات الطلابية ضد الدعم الأمريكي لإسرائيل إلى غيرها من الجامعات العريقة مثل هارفرد وييل وغيرهما العشرات.

بعد الحادثة، كان الدعم لإسرائيل على أشده، حتى من أعداد ليست بالقليلة من الطلاب والأكاديميين. ومن يعرف نيويورك يعِ الحضور الصهيوني الكبير في المدينة ومؤسساتها التعليمية والحكومية والمالية، والأخيرة بلا شك لها دور كبير في الاقتصاد العالمي. وفي خضم الحوارات الطلابية والمشادات الجدلية، التي كانت حاضرة ربما يوميًّا في الحرم الجامعي، كنت أتحرى فهم العقلية الصهيونية، كيف يفكرون؟ وبماذا يبررون؟ هذه ليست أسئلة منبعها السذاجة المعرفية، وإنما محاولة بشرية لفهم الآخر وإن طغى وتنكر لبشريته. 

قادني ذلك إلى مشاهدة العديد من الوثائقيات التي يقف خلفها أشخاص وصحفيون مستقلون، وأحيانًا منتسبون سابقون لجيش الاحتلال الإسرائيلي، للتعريف بالداخل الإسرائيلي نفسه: كيف يرى المستقبل؟ هل ما يمارسه المستوطنون في الضفة الغربية، وحصار الجيش لغزة، أمر مستساغ لدى عوام المجتمع ونخبه؟ وأغلب الحقائق التي توصلت إليها لم تزدني إلا خيبة في بشرية هذا المجتمع. 

مع انفراجة وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي، الذي بدأت إسرائيل -مع الأسف- خلق ذرائع لخرقه، حاولت مجددًا قراءة الانطباعات المجتمعية الإسرائيلية، وإن كان للاستنكار والاحتجاجات العالمية ضد إسرائيل، لا سيما من الغرب الحليف لتل أبيب، أثرٌ في تغيير كيف يبرر المجتمع الحرب.

ووقعت على ما أثار هذه المقالة، وهو وثائقي أنتجته منصة القارديان بعنوان «Along the green Line» في ثلاث حلقات لا تتجاوز كل منها سبع عشرة دقيقة. إضافة إلى وثائقي من إنتاج المنصة ذاتها تضمّن حوارات ثمينة مع مسؤولي منظمة «بتسليم» الحقوقية -التي تصف النظام السياسي الإسرائيلي بنظام الفصل العنصري- وهو بعنوان «إبادتنا»، بمعنى أنه لا مفر من الإقرار بأن الإبادة الجماعية المرتكبة في غزة هي باسم كل إسرائيلي، وربما كل يهودي وداعم لإسرائيل من غير اليهود. وكان السؤال الأساس في هذا الوثائقي: بماذا يشعر الإسرائيليون إزاء حرب إسرائيل في غزة؟ 

العقل الجمعي الإسرائيلي... عقل دوغمائي يبرر الإبادة

تبحث هذه المقالة في العقل الجمعي الإسرائيلي بمنطقه الداخلي المتماسك «ظاهريًّا»، لكنه مشوب بالدوغمائية والأيديولوجية الإقصائية التي تشرعن العنف والحرب والإبادة، بل وتبررها حتى إزاء المدنيين العزل سواء كانوا أطفالًا أو شيوخًا أو نساء. وموضوع البحث هو المجتمع الإسرائيلي وليس السياسيين فقط، المجتمع الذي صرح دون أي تحفظ بأن «لا وجود لأي بريء داخل غزة»، وأن الجميع متواطئون بما فيهم الأطفال الذين سيكبرون ليصبحوا «إرهابيين»، على حد تعبير العديد منهم. 

ما هو صارخ ولا يسَع إنسانًا على هذه البسيطة نكرانه، أن هذا الوعي والعقل الجمعي الإسرائيلي لا يعبر عن حالة مخصوصة أو جزء منعزل أو شريحة شاذة في الداخل الإسرائيلي، بل يعبر حتى عن «اليساريين» والليبراليين المناهضين لحكومة نتنياهو. فنحن هنا لا نتحدث فقط عن بن غفير وسموتريتش ومناصريهما، ولا حتى عن مناصري حكومة نتنياهو، الهشة في ائتلافها والوشيكة على الانهيار في أي لحظة، بل نتحدث عن كل أطياف المجتمع الإسرائيلي، لا سيما الليبراليين الذين يشاركون في مظاهرات مستمرة في تل أبيب لوقف الحرب وإعادة الأسرى الإسرائيليين وفق أي إطار دولي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية.

وإن دعموا وقف الحرب وإعادة الأسرى، فهم لا ينفون دعمهم لما يرتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، بل يبررونه بحسب رؤية دوغمائية قبيحة حتى بمعايير أكثر البشر قساوة وعدائية. ولا أدلَّ على ذلك مما قدمه الوثائقي؛ حين أمضى الصحفي ليلة كاملة داخل الجمع المتظاهر بالآلاف في تل أبيب لإعادة الأسرى، يبحث عمّن يقبل فكرة إعطاء الفلسطينيين حقوقهم ولم يجد إلا واحدًا.

ماذا يقول وكيف يفكر الإسرائيليون وفق الوثائقيات؟ 

يؤكد أحد الإسرائيليين للزوار والصحفيين سرديته الإبادية، أن لا أحد في غزة يمكن عدّه بريئًا، بقوله: «لا يوجد أشخاص غير منخرطين»، يقصد في تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر. ويصف إسرائيلي آخر الفلسطينيين المحاصرين في الضفة الغربية وغزة بـ«الحيوانات» و«التماسيح» الذين سيهبّون لقتل الشعب الإسرائيلي «الطيب المسالم». هذه نبذة توضح أن لا وجود لما يسمى «تنوع آراء» داخل المجتمع الإسرائيلي، وهي دلالة على بنية فكرية وعقدية واحدة مفادها: نزعُ الإنسانية عن الفلسطيني أولًا، ثم تسويق قتله بوصفه خيارًا عقلانيًّا و«رحيمًا». 

يقول أحدهم «نحن سجناء» وهو يتمشّى بكل راحة «ومفارقة» مع كلبه في حديقة وارفة منسَّقة، ثم يضيف آخر: «إذا قُتل 1,800 هنا فسيموت 50,000 هناك»، ويُسمي هذا «عدلًا» وتوازنًا. أي توازن هذا؟ أي منطق؟ هذا الخطاب ينم عن عقل جماعي دوغمائي يَعدّ المدنيين، ومنهم الأطفال، «مشروع قتلة وإرهابيين». ويتناسى أن حكومته التي تقوم في جوهرها وأساسها على الإجراءات الإرهابية والاحتلالية ونظام الفصل العنصري، أي «ترهيب» المدنيين يوميًّا في الضفة الغربية والقدس وغيرهما بهدف منع أي مقاومة، وإضعاف الروح الفلسطينية وإنهاكها ثم إرغامها على النزوح والهجرة خارج الأراضي الفلسطينية. 

وهذا مثبت في كتب ووثائقيات قدمها جنود إسرائيليون ينتمون إلى حركة تسمي نفسها «Breaking the Silence»، ويمكن متابعة إصداراتهم ووثائقياتهم على يوتيوب. وفي وثائقي أنتجته عنهم (DW) قبل أكثر من عقد، أي ما قبل السابع من أكتوبر، تحدثوا عن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لتكتيكات اعتباطية، منها مداهمة المنازل واستجوابات ليلية لعائلات بأكملها واحتجاز الشبان الفلسطينيين وإهانتهم، وغيرها من الانتهاكات التعسفية. فقط لإبقاء أكثر من مليوني فلسطيني تحت الحكم العسكري الجائر، ولإرهاقه وتذكيره دومًا بحضور جيش الاحتلال الإسرائيلي وسيادته. إضافة إلى انتهاكات المستوطنين اليهود الذين يعبثون ويمرحون بالبنادق والرشاشات، ويحرقون المنازل وينهبون الموارد الطبيعية والممتلكات، وبدعم من جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يحميهم من الرد الفلسطيني. مع أن الضفة الغربية، بحسب القانون الدولي وباعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، أراضٍ فلسطينية محتلة. 

ومن المشاهد التي لا يمكن لأي امرئ تجاوزها بسهولة في تلك الوثائقيات، ذلك المشهد حيث يجلس إسرائيليون على أعلى تلٍّ على مشارف حدود غزة، يراقبون القصف على مدنييها من خلال تلسكوبات، كما لو أنه «متحف» حيّ ومنطقة سياحية مجهزة للاحتفال والابتهاج للزوار الذين يستمتعون بالدمار ويشفون غليلهم تجاه الأطفال والنساء والشيوخ العزل. وهو ما يتخطى أي حدود إنسانية، ليصل دون ريب إلى دائرة العدوان البهيمي. وأما منعُ الصحفيين من الدخول، ثم مطالبة العالم بتصديق رواية واحدة، هي الرواية الإسرائيلية، فينسف أيَّ ادعاء بالمصداقية. 

ومن جهة أخرى، فقول «منحتكم الحياة وأنتم اخترتم الموت» يُظهر العطب الأخلاقي من جذره لدى كل الإسرائيليين: فمن الذي أعطاكم أيها الإسرائيليون حق منح الحياة أصلًا؟ هنا يتكشف «الجوهر المنطقي والعقلي» لدى الاحتلال والحصار؛ سلطة تقرير حياة وموت شعبٍ كامل من الفلسطينيين مع تمسك دائم بدور «الضحية». 

كيف نفسر ما يدلي به الإسرائيليون أنفسهم؟ 

لا يوجد ما هو أصدق دلالة على المجتمع الإسرائيلي وصحافته وترسانته الإعلامية والثقافية من مقولة «كل اتهام بمثابة اعتراف» (Every Accusation is a Confession). فكل ما يرمون به الفلسطينيين، من مسلمين ومسيحيين، هو ما يرتكبونه هم في الواقع من بشاعة في حق سكان الأرض الحقيقيين. وقد بدا ذلك واضحًا في كل ما سارع الإسرائيليون إلى وصم أهل غزة به بعد السابع من أكتوبر، أو حتى في وصفهم لما جرى خلال تلك الحادثة. فالفظاعة التي يصفونها والمجازر والتنكيل -والتي نُفي العديد منها وأُثبت زيفها من خلال منصات إعلامية ودولية- هي ما يرتكبونه هم أنفسهم تجاه الفلسطيني. ولنا أن نتخيل ما يتجرعه الأسرى والمعتقلون من قسوة وظلم واغتصاب وتعذيب في سجون الاحتلال؛ فإن كان هذا ما يصرحون به أمام الكاميرات دون أي تحفظ أو إدراك ذهني لبشاعته، فما يدور خلف الكاميرات أدهى وأمرّ.

عبارات مثل: «لا أبرياء في غزة»، «الأطفال سيصبحون إرهابيين وقتلة»، «هؤلاء من دول عربية وليسوا من هنا»، مع أن قائلها يتكلم الإنقليزية بطلاقة وبلهجة أمريكية أو فرنسية ولديه منزل في نيويورك ولم يأتِ إلى فلسطين إلا قبل خمسة وعشرين عامًا لملاحقة أساطير تلمودية عنصرية وإجرامية بحق العرقيات الأخرى، كلها عبارات تؤكد العطب الأخلاقي والمعرفي لدى هذا المجتمع. أما مصطلح «غزّة وود» (GAZAWOOD)، على غرار هوليوود، الذي انطلق سخرية مما يظهر من أخبار وبيانات إعلامية لأحداث القتل والإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، لا سيما المشاهد المتداولة على وسائل التواصل التي أججت الرأي العام الدولي كله ضد إسرائيل وانتشرت معها المظاهرات الداعمة لفلسطين في كل مدن العالم الغربي بالتحديد، فهو بمثابة آلية إنكار جماعي تساوي بين الإبادة والمادة الترفيهية. 

كل جملة من هذه الجُمل حجر في البناء نفسه: شيطنة الفلسطيني، غسل ما تبقى من حياة الضمائر، وتحويل جرائم الإبادة إلى «ضرورة أمنية»، ثم الابتسام أمام الكاميرا. لسنا أمام «نتنياهو» فقط ولا «يمين متطرف» فقط؛ نحن أمام مجتمعٍ تتشابه بنيته الفكرية وخطاباته التبريرية عبر الطيف السياسي كله. من «الليبرالي» الذي يزعم السلمية وهو يبرر العقاب الجماعي في حين يتسكع على الشاطئ ويحتسي الشراب في حانات تل أبيب الليلية، إلى المتشدد الذي يدعو علنًا إلى هدم المقدسات الإسلامية والمسيحية بذريعة استحقاقه اليهودي للأرض التي وهبها الله له وحده. والمفارقة كما يعبر عنها إيلان بابِه، المؤرخ وعالم السياسة الإسرائيلي الفذ والمنافح عن الحقوق الفلسطينية ضد الصهيونية: «معظم الصهاينة لا يؤمنون بوجود الله، لكنهم يؤمنون بأنه قد وعدهم بفلسطين.»

المشكلة مشكلة مجتمع، ليست مشكلة حزب أو حكومة متشددة فقط

تؤكّد الأرقام ما تراه الأعين وتسمعه الآذان، ففي استطلاع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية أواخر يوليو، 2025، صرّح 79% من اليهود الإسرائيليين بأنهم «غير منزعجين كثيرًا» أو «غير منزعجين إطلاقًا» من تقارير المجاعة والمعاناة في غزة. وفي الاستطلاع نفسه، تعتقد أغلبية اليهود الإسرائيليين بأن الجيش «يبذل جهدًا كافيًا» لتجنّب معاناة غير ضرورية. هذه ليست هفوة رأي، هذا مزاج عام. وفي استطلاع آخر للمعهد نفسه، بين من قالوا إن «وقت إنهاء الحرب قد حان»، كانت الحجّة الأبرز هي «خطر الحرب على حياة الرهائن»، في حين تَظهر «حماية سكان غزة» في ذيل الأسباب لدى اليهود (قرابة 2% فقط). هذه بنية أخلاقية متماسكة لدى الإسرائيليين: الفلسطيني خارج الحساب الأخلاقي.

هذه هي الخلفية التي تجعل عبارات من نوع «لا أبرياء في غزة» أو «الأطفال سيصبحون إرهابيين» تبدو «عادية» داخل المخيال الإسرائيلي السائد. والمؤلم أن ترى بعض الأسماء العربية المشهورة وقد باعت دينها وقيمها بثمنٍ بخس، تَعكف على الترويج، ليل نهار، لخطاب الاحتلال، وتتباهى بمعرفتها باللغة العبرية و«الاطلاع من الداخل»، في حين تتجاهل الصورة الأكبر: قمع الأقليات غير اليهودية في الداخل، واقتلاع الفلسطيني من القدس والضفة، والإبادة الجماعية في غزة. 

التشابه البنيوي مع النازية والفاشية والشيوعية… ومع حداثةٍ غربيةٍ منكوبة أخلاقيًّا

هذه البنى الخطابية التي تجري على ألسنة أفراد المجتمع الإسرائيلي بعد أن تشربوها وتلقنوها وحُفرت في أذهانهم عبر التعليم والتلقين منذ الصغر، فضلًا عن تعرضهم لكمٍ هائل من الخطاب المماثل على مدى سنين طوال، عبر وسائل الإعلام الجديد والحوارات التلفزيونية، وعبر الخطابات المشحونة أيديولوجيًّا من القيادات السياسية أو النخب الثقافية والاقتصادية، لا يمكن لنا فهمها إلا في سياقات مقارنة مع المقاربات النظرية والخطابية للاستعمار الاستيطاني، ودوقما الخلاص الديني - القومي، التي تنزع الإنسانية عن البشر، وتنزع القدسية عن الموروثات والتاريخ والأخلاق، وتستبيح هتك الآخر، بل وتشرعن الحق في إزالته، كونه حجر عثرة في طريق «أسطورة» الحظوة الإلهية لشعب الله «المختار»، أيًا يكن ذلك الشعب.

يتطابق العقل الجمعي الإسرائيلي مع العقل الجمعي للنازيين والفاشيين والشيوعيين، وكل الماديات التي خرجت من رحم الحداثة الغربية المنكوبة أخلاقيًّا وإنسانيًّا، وإن أخذت بنا إلى أبعاد تكنولوجية متطورة على مستويات الاتصال والمواصلات والرفاهية الجمعية، لكننا مقيّدون برأسماليتها البشعة وبيروقراطيتها المكبلة للبشرية بكثير من التنميط والتشييء والتقنين المفضي إلى التزام ميكانيكي غير أخلاقي. 

وعلاوة على ذلك، ما زلنا تحت وطأة «فردانيتها»، «الفردانية» غربية المنشأ قيميًّا ومفاهيميًّا، التي أرهقتنا بصراعات سطحية لا حد لها، وجلها يدور في فلك التفاهة، على غِرار السجال الفكري والسياسي ما بين اليمين واليسار الأمريكيين حول صراعات حقوق الشواذ وغيرها من الأفكار النسوية وأيديولوجيات الفوقية العرقية البيضاء، في حين تعاني بلدان «الجنوب» العالمي من مصاعب متصلة بالحروب والفقر وانعدام الأمن وسلب الموارد والخيرات، وجل ما يبتغون لا يتعدى أساسيات الحياة الكريمة من غذاء ودواء وحفظ للكرامة من الفقر والعازة، لا كماليات الاستهلاك وخزعبلات الفردانية الغربية وحقوقها. 

وإن قال قائل: إن العالم الغربي يتظاهر في كل المدن بأطيافه اليسارية واليمينية، فإنا نقول إن العقائد الصهيونية الإسرائيلية لم تولد من فراغ، بل أتت نتاج قرون من الأيديولوجيات العنصرية الاستعمارية التي بررت للرجل الأبيض استعباد رجال القارة الإفريقية واحتلال الشرق الأوسط والهند وآسيا، والاستيطان التهجيري المناهض للحضارات الأصيلة في أمريكا الجنوبية والشمالية. والصهاينة الأوائل والمنظّرين الكبار، من أمثال زئيف جابوتينسكي، الذين يقتدي بهم نتنياهو، يستقون أفكارهم وقيمهم من الأيديولوجيات والمفاهيم الغربية ويصرحون ولا ينكرون ذلك، ومنها الأيديولوجية النازية. 

وإن ناهض الغرب اليوم أفعال إسرائيل، فذاك لأنها تمثل التجسد النهائي والأبشع لما تنتجه الحضارة الغربية، بينما هناك تمثلات كثيرة وعلى درجات متفاوتة يتواطأ فيها الغربي إزاء البشرية والحضارات المختلفة، وهي مقدمات للتجسدات النهائية البشعة كالصهيونية. وما ذاك إلا لما يكتنف هذه الحضارة من تناقضات ومعانٍ لا تتصل إلا بالماديات ولم تبرح تضاعف من الخواء النفسي، ويحاول منتسبوها جاهدين بناء الأخلاق الإنسانية على معتقدات عقلية ومنطقية يثبت زيفها في كل فترة تاريخية. 

ولكن هيهات، فلا أساس لمسؤولية أخلاقية وإلزام أخلاقي إلا بوجود إله ونظرة أنطولوجية توحيدية، تتحرى ليوم آخِر تحضر فيه العدالة، وبرؤية إبستمولوجية تحجّم ولا تلغي من العقل المادي «الغربي التنويري في أساساته»، الذي يجنح في جوانب منه لتبرير الإبادة بذرائع استحقاقات أمنية ودينية وأسطورية يفرضها منطق القوة.


كيف تتخيّل بيت العمر؟ 💭

مسكن متكامل ومريح، موقعه قريب من كل شي، وفيه كل شي 🏡✨

موقفك الخاص، مصلى، مقهى،بقالة، صالة رياضية، وترفيهية!

هذي هي تجربة السكن في صفا 🔗

التجربة اللي تسبق الحاضر وتنبض بالحياة 🖼️🥁


فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن

«عندما أراد العرب فهم اليهودية بعد حرب 67، استعادوا الجدل القديم بين الإسلام واليهودية في القرون الوسطى. لكن ما لم يدركه العرب أنّ إسرائيل بعد عام 67 اختلفت جذريًّا عن الكيانات اليهودية القديمة.»

تستعرض حلقة «التاريخ المجهول لليهود وإسرائيل» من بودكاست فنجان، مع ضيفها الدكتور فوزي البدوي، أستاذ الدراسات اليهودية ورئيس قسم مقارنة الأديان بكليّة الآداب والفنون والإنسانيات في تونس، تاريخ اليهود من نشأتهم حتى احتلالهم فلسطين، وسبب اختيارهم لها، ونشوء الصهيونية وتطوّرها إلى حالتها المعاصرة.


*تعبّر المقالات عن آراء كتابها، ولا تمثل بالضرورة رأي ثمانية.

نشرة الصفحة الأخيرة
نشرة الصفحة الأخيرة
أسبوعية، الثلاثاء منثمانيةثمانية

مساحة رأي أسبوعية تواكب قضايا اليوم بمقالات ولقاءات تحليلية في مختلف المجالات، لتمنحك فرصة استكشاف الأحداث وتكوين رأي تجاهها.

+20 متابع في آخر 7 أيام