السينما السعودية في مرحلة إخراج غير الموهوبين منها
أعتقد أننا نمرّ بمرحلة «تنظيف الصناعة من غير الأكفَاء». ومع الوقت، لن يبقى سوى الموهوبين فعلًا


السينما السعودية في مرحلة إخراج غير الموهوبين منها
في بدايات السينما الأمريكية، كانت الصناعة مفتوحة لكل من يملك كاميرا وقليلًا من التمويل. لا نظام، ولا قواعد واضحة. يستطيع أي شخص أن يصوّر فلمًا ويصف نفسه بأنه «مخرج». حينها دخل كثيرون إلى المجال دون أي تكوين فني حقيقي، وكثير منهم كان مجرد مغامر يحاول اختبار حظه. كانت شركات الإنتاج صغيرة ومتناثرة، وكلٌّ يعمل بطريقته الخاصة. فسادت الفوضى في السوق؛ لا تنظيم، ولا تمييز واضح بين الجيد والسيئ.
لكن مع الوقت، صار الجمهور عاملًا مؤثرًا في المشهد؛ فبدأ يفرّق بين الأفلام الجيدة والسطحية، ومن خلال ذائقته بدأ الفرز الحقيقي. ومع هذا التحول، شرعت السوق فعليًّا في «تنظيف نفسها»، فظهرت المواهب الحقيقية وفرضت حضورها، وانسحب الهواة تدريجيًّا.
وفي الثلاثينيّات، بدأت مرحلة الاحتراف الحقيقي. إذ أصبحت الاستوديوهات هي النظام المسيطر على كل شيء: المخرج والممثل والكاتب، ويتم كل شيء داخل منظومة دقيقة فيها تسلسل إداري وفني صارم. فالمخرج الذي لا يعرف كيف يعمل تحت الضغط، لا يستطيع الاستمرار، وحتى من لا يمتلك رؤية فنية واضحة ومقنعة للاستوديو، لا يمكنه أن يصبح نجمًا في هذا النظام.
لكن في هذه الحقبة، ظهرت أسماء غيرت مفهوم الإخراج بالكامل: مثل ألفريد هيتشكوك، الذي علّم السوق أن الإخراج ليس تصويرًا بالكاميرا فحسب، بل تحكم نفسي بالمشاهد. وأورسن ويلز، الذي كان ضد المنظومة تمامًا، واستطاع خلق ضجة سينمائية وإعلامية بفلمه «Citizen Kane».
وفي السبعينيّات، حدث الانفجار، خصوصًا بعد فشل أفلام ضخمة في الستينيّات، وخفّت سيطرة الاستوديوهات قليلًا. حينها دخل جيل جديد من المخرجين الصغار، قادمين من المعاهد السينمائية ويحملون أفكارًا مختلفة كليًّا، مثل سكورسيزي وكوبولا وسبيلبرق ولوكاس ودي بالما، كل واحد منهم كان مشروع ثورة بحد ذاته.
لقد غيّر هذا الجيل مفهوم السينما الأمريكية بالكامل. فأصبحت السينما صوت المخرج؛ هو من يقود الدفّة. وبدأوا يتناولون مواضيع الحرب والمدينة والعزلة والفساد والجريمة. ولذا، كانت أفلام مثل «Taxi Driver» و«Jaws» أكبر من كونها مجرد أفلام؛ كانت تجارب شكّلت وعي السوق والجمهور.
لكن، مثل أي مرحلة انفجار، جاءت لاحقًا مرحلة «التنظيف». إذ لم يتمكن بعض المخرجين من التحكم بالميزانيات أو إدراك حدودهم. فعلى سبيل المثال، حين خسر فلم «Heaven’s Gate» الملايين، عادت الاستوديوهات إلى الواجهة، وانتهت مرحلة تفرد المخرج بكل شيء، وبقي فقط من يستطيع أن يوازن بين الفن والمال.
لقد كانت السينما في كل مراحلها «تنظف نفسها» من غير الأكفَاء، وذلك في كل عناصر متطلبات النجاح بداخلها. في البداية، يخرج غير الموهوبين، ثم تفقد الشركات الطامعة بالمكسب (فقط) الدفّة، ليقود المبدع المشهد ويضرب بحقيقة انجرافه خلف رؤيته الحالمة دون وضع اعتبارات للمال.
الاعتماد على الموهبة وصناعة أفلام «حقيقية» يحبها الناس وتحقق الربح هي الوصفة التي تمسك بها صنّاع الأفلام الذين يحظون باحترام واسع في الصناعة. وأعتقد أننا في السينما السعودية نمرّ بمرحلة «تنظيف الصناعة من غير الأكفَاء». ومع الوقت، لن يبقى سوى الموهوبين فعلًا، وستُنظَّف السينما من الأفلام الركيكة التي يطمع أصحابها في المكسب المادي فقط.



يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما في السعودية فِلم «Black Phone 2»، من إخراج سكوت ديركسون، وبطولة مايسن تامِس ومادلين ماكقراو. وتعود أحداث الجزء الثاني بعد أربع سنوات من وقائع الفِلم الأول، حيث ترى «قوين» كوابيس غامضة واتصالات روحية تنذر بعودة الشرّ الذي واجهه شقيقها «فيني» سابقًا.
أصدرت «HBO» الإعلان التشويقي الأخير لمسلسل الرعب «It: Welcome to Derry»، المقتبس من عالم رواية ستيفن كينق الشهيرة. وتعود السلسلة بالأحداث إلى السنوات التي سبقت ظهور المهرّج المرعب «بيني وايز»، كاشفةً عن أصل الشرّ الذي سيطارد مدينة «ديري». ويُعرض المسلسل في 26 أكتوبر على منصة «HBO».
أُصدِر الإعلان التشويقي الأول لفِلم «Send Help» من إخراج سام رايمي. وهو فِلم رعب وإثارة يحكي قصة زميلين في العمل تجمعهما علاقة كراهية متبادلة، يجدان نفسيهما عالقين معًا على جزيرة نائية بعد تحطّم طائرتهما. ومع محاولتهما النجاة، يتحوّل الصراع بينهما إلى مواجهة مرعبة ضد قوى غامضة في الجزيرة. ويُعرض الفِلم في صالات السينما في 30 يناير، 2026.
أُصدر الإعلان التشويقي الجديد لفِلم «The Running Man»، من إخراج إدقر رايت. وتدور أحداث الفِلم حول رجل يشارك طوعًا في برنامج تلفزيوني دموي، يصبح فيه هدفًا لمطاردين محترفين يسعون إلى قتله أمام الجماهير. ويُعرض الفِلم في صالات السينما في 7 نوفمبر.
.png)
السينما وُجدت لتبقى
متى تنسى الناس السينما؟ إذا كانت مجرد تجربة بحدود الساعتين، حالما ينتهي الفلم، تختفي من ذاكرتك. مبادرة «سينماء» من هيئة الأفلام انطلقت لتضيف للتجربة عمقًا وتأثيرًا يتجاوز قاعة العرض. من خلال مسارات متنوعة تهدف إلى إثراء المشهد السينمائي السعودي، ودعم المواهب النقدية، وصناعة محتوى يليق بتاريخ السينما ومستقبلها.

«Piano Melody From Hell House LLC» (0:18)


يحكي فِلم «Hell House LLC»، الصادر عام 2015، عن فرقة متخصصة في تنظيم بيوت الرعب، تستأجر فندقًا مهجورًا لتحويله إلى مزار في «الهالوين». لكن الكاميرات، التي سجّلت استعداداتهم، تكشف شيئًا آخر تمامًا. إذ يتحوّل مشروعهم الترفيهي إلى توثيق حقيقي لانهيار نفسي خارق في المكان.
ووسط هذه التجربة، لا يعتمد الفِلم على الموسيقا التصويرية التقليدية، بل على نغمة بيانو قصيرة وحيدة، تتكرّر في أكثر لحظاته توتّرًا. وتعمل هذه النغمة، البسيطة في تركيبها والمزعجة في حضورها، بمثابة صوتٍ خفي يسبق الكارثة ويشير إلى اقترابها.
البنية الصوتية للنغمة
بحسب المقابلات، جرى تأليف النغمة عفويًّا في أثناء التصوير على يد الممثل قور أبرامز، فتحولت إلى صوت أيقوني عاد في أجزاء السلسلة اللاحقة بوصفه توقيعًا صوتيًّا للفندق الملعون.
تتكوّن النغمة «Piano Melody From Hell House LLC» من جملٍ قصيرة تُعزف بإيقاع بطيء وبمسافاتٍ زمنية غير منتظمة. وتسير في مقامٍ صغير (Minor Scale)، يعتمد على تكرار درجات منخفضة في الطبقة الوسطى من المفاتيح، ما يمنحها إحساسًا بالثقل والانغلاق. ويُسمَع في التسجيل خفوت متعمَّد للصدى (reverb) يخلق إحساسًا بالحيّز الضيّق.
عبد العزيز خالد


اليوم نقول «أكشن» مع مشهد النهاية في فِلم «Paranormal Activity» الصادر عام 2007.
يُقدَّم الفِلم على طريقة (Found Footage)، حيث يتتبع تسجيلاتٍ منزلية للزوجين «ميكا» و«كيتي»، بعد أن بدأ الثنائي توثيق ظواهر غامضة تحدث في بيتهما بعد منتصف الليل. ومع تصاعد الأحداث، تتحول التسجيلات من تجربة فضوليّة إلى رعبٍ حقيقي يلتهم كل من في المنزل.
في المشهد، يُسمع في منتصف الليل صوتُ صراخ «كيتي» من الطابق السفلي، فيهرع «ميكا» من الغرفة نحو مصدر الصوت، في حين تبقى الكاميرا وحدها تصوّر الغرفة الفارغة. وبعد لحظات، تُسمع خطواتٌ قادمة بسرعة، ثم تُقذف جثة «ميكا» نحو الكاميرا، وتظهر «كيتي» خلفه مغطاةً بالدماء. تتقدّم «كيتي» ببطء نحو الكاميرا، وترفع وجهها المشوّه -بفعل المسّ- وتحدّق مباشرة إلى الكاميرا، قبل أن تنقضّ على العدسة؛ فتنقطع الصورة، ويعمّ السواد.
لكن هذه النهاية لم تكن ما صوّره المخرج أورن بيلي في الأصل. إذ عُرِضت نهاية مختلفة في المهرجانات قبل دخول شركة «Paramount» لتوزيع الفِلم، وكانت أكثر كآبة. فبعد مقتل «ميكا»، تصعد «كيتي» إلى الغرفة وتجلس عدّة أيام في صمت، إلى أن تصل الشرطة وتدخل المنزل وتناديها، وحين تنهض «كيتي» مذعورة ممسكة بالسكين، يُطلق أحد الضباط النار عليها، فتسقط وتُغلق الكاميرا، وينتهي الفِلم بلا مؤثرات ولا قفزة مرعبة.
اقترح المُخرِج ستيفن سبيلبرق النهاية الجديدة على بيلي لتكون أكثر صدمة. فصُوِّرت النهاية الجديدة خلال يومين، وأُضيفت القفزة المفاجئة، لتتحول النهاية من مأساة واقعية إلى رعبٍ مباغت يوحي بأن الشرّ لم ينتهي.
ويكشف الاختلاف بين النهايتين الفارق بين رؤيتين للرعب: تُراهن الأولى على البطء والواقعية، والثانية على المفاجأة والدهشة وفتح الباب لاستمرار القصة، التي امتدت إلى سبعة أجزاء. وفي كلتا الحالتين، يبقى المشهد الأخير علامة فارقة في أسلوب الرعب المعاصر، إذ جعل كاميرا ثابتة وغرفة نوم كفيلتين ببثّ الرعب في جمهور بأكمله.
عبد العزيز خالد

فقرة حصريّة
اشترك الآن


انتشرت في عام 1994 إشاعة مفادها أن ثلاثة طلاب سينمائيين اختفوا في غابة في أثناء رحلة توثيق وبحث عن أسطورة «الساحرة بلير»، وأنه لم يُعثر على أي أثر لهم. وقد صاحبت هذه الإشاعة مُلصقات صور للمفقودين، وموقع إلكتروني يضم تقارير وتحقيقات حولها.
إلى أن أتى عام 1999، وصدر فِلم بُني على تجميع فيديوهاتهم المُكتشفة في الغابة. وقد جاءت فكرته من المُخرجَين إدواردو سانشيز ودانيال مايريك، اللذين كانا شغوفين بالوثائقيات عن الخوارق، فكتبا «حبكة عامة» للفِلم في نحو خمس وثلاثين صفحة خالية من الحوار، رغبة منهما في أن يكون الفِلم معتمدًا على الارتجال والانفعالات العفوية للممثلين.
ومع هذه الرؤية الفريدة من نوعها لصنع فِلم، نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن فِلم «The Blair Witch Project» الصادر عام 1999:
في تجارب الأداء، ركز المخرجان على أصالة الشعور والارتجال، واختيار ممثلين هواة لأداء أدوار البطولة، ليمنحا الفِلم طابعًا واقعيًّا. كما استخدما تقنية (Found Footage) لتصوير الفلم وإخراجه.
بعد اختيار الممثلين، اتُبعت منهجية إخراجية أشبه بالعذاب النفسي. إذ تُرك الممثلون، هيذر دوناهو ومايكل سي ويليامز وجوشوا ليونارد، في غابة لثمانية أيام. وجرى التواصل معهم من خلال صناديق وُزّعت في مواقع مختلفة من الغابة؛ تحتوي على تعليمات شخصية لكل ممثل، ووجبة طعام يومية. وقد أبقت هذه الطريقة الممثلين في حالة توتر حقيقية.
في مشهد استيقاظ الممثلين على أصوات ضحك الأطفال، لم تكن لديهم أي فكرة عن مصدر الأصوات. فقد استخدم المخرجان مسجلات صوت مخفية حول منطقة التخييم، ثم هزّا الخيمة بعنف، ما دفع الممثلين إلى الهروب داخل الغابة وهم حفاة. وفي أثناء ركضهم خارج الخيمة، بدأت هيذر تصرخ بعدما رأت شخصًا يرتدي ثوبًا أبيض بين الأشجار، لكنها كانت مذعورة لدرجة أنها نسيت تسجيل ما حولها، ولهذا السبب لم تظهر الساحرة في الفِلم.
صرحت هيذر بأنها كانت خائفة في بداية التصوير من احتواء الفِلم على «عنف حقيقي»، بسبب انتشار هذا النوع من الأفلام في تلك الفترة.
في المشهد الأخير من الفِلم، حين كانوا داخل المنزل متجهين إلى الطابق السفلي، لم يكن أي من الممثلين يعرف ما الذي سيحدث. فعندما دخل مايك إلى الطابق السفلي، أمسك به شخصان وأمراه بأن يقف بمواجهة الحائط. وعندما سقطت هيذر، أمسكوا بها ووضعوا الكاميرا على الأرض وأمروها بالتوقف عن الصراخ، لكن توجب عليهم إعادة تصوير هذا المشهد مرتين، لأنها كانت تتنفس بصعوبة وتبكي خوفًا طوال وقت التصوير.
عبد العزيز خالد


مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.