هل بإمكان نونيز تعويض ميتروفيتش؟

كيف تدعم الأرقام قرار إنزاقي الاستعانة بنونينز رغم انخفاض معدل تسديداته مقارنةً بميتروفيتش


هل بإمكان نونيز تعويض ميتروفيتش؟

محمد البريكي

وصل دارون نونيز إلى ليفربول صيف 2022 كصفقة يعوَّل عليها، وازدادت أهميتها بشكل أكبر بتزامنها مع صفقة إيرلِنق هالاند إلى مانشستر سيتي المنافس الرئيس على لقب الدوري الإنقليزي الممتاز. فقد أنهى نونيز موسمه الأخير مع بنفيكا بتسجيله (26 هدفًا) لفت بها أنظار عدد من الفرق قبل أن يكسب ليفربول خدماته، بقيمة تجاوزت 85 مليون يورو.

قدَّم نونيز مع ليفربول لحظات عبقرية ومثيرة للإعجاب، ولكنه عانى في الوقت ذاته من مشاكل واضحة في الاستمرارية والكفاءة أمام المرمى، مما قلَّل إلى حدٍّ كبير تأثيره الإيجابي في الفريق.

مسيرته مع ليفربول

ربما لو سألت عددًا من متابعي الدوري الإنقليزي عن نونيز، لن يتذكروا له سوى اللحظات السيئة؛ وقد تكون فرصته المهدرة أمام أستون فيلا داخل منطقة الجزاء -وعلى بعد أمتار قليلة من المرمى- أول ما يخطر سريعًا في أذهانهم. خصوصًا أنه تبعها لومٌ كبير من أرني سلوت عليه وعلى سلوكياته بعد إهداره الفرص، قبل أن يردَّ عليه نونيز في منشور على وسائل التواصل حذفه لاحقًا.

سجل نونيز مع ليفربول (40 هدفًا) وصنع (26 هدفًا) في 143 مباراة لعبها مع الفريق في مختلف المسابقات، بإجمالي مساهمات (66 هدفًا)، وبمعدل (0.46 مساهمة/90 دقيقة) و(0.27 هدف/90 دقيقة). ورغم أن: «رأس مال المهاجم أهدافه»، لا يبدو أن نونيز بهذا المعدّل قد وصل لدرجة كبيرة من الغنى؛ إلا أن هنالك أرقامًا أخرى لا يمكن تجاوزها قد تعطي تصوّرًا مختلفًا عن المهاجم الأورغوياني.

مزيج من العبقرية والفوضى

عندما تنظر لأرقام نونيز في التسديد، ستجد أنه يقع ضمن قائمة الـ 86% الأفضل في مركزه في الدوريات الكبرى بحسب موقع (FBREF) الإحصائي. فقد وصل معدل تسديداته (2.67 تسديدة/90 دقيقة) بنسبة 47% كانت بين الخشبات الثلاث وبمعدل ( 1.3 تسديدة على المرمى/90 دقيقة)، وهو الأمر الذي يوضِّح غزارته الممتازة في المحاولات على المرمى. 

وقد يوضِّح الرسم البياني في الموسم ما قبل الماضي مكانته ضمن قائمة لاعبي الدوري الإنقليزي من هذه الناحية؛ حيث يُعَد اللاعب الأعلى في معدل التسديد خلال 90 دقيقة. 

قدرته على خلق هذا الكم من الفرص للتسديد تبيِّن مهارته الفائقة في اختيار مناطق تحركه. إذ بعيدًا عن الأرقام، يمكنك إعادة مشاهدة هدفه في فولام مثلًا وكيف تحرك بطريقة ذكية قبل أن يسجل الهدف بكعب قدمه؛ أو هدفه في ساوثمبتون في الأنفيلد بعد أن تحرك خلف خط الدفاع ووضع الكرة بلمسة واحدة بقدمه اليسرى. وغيرها من اللقطات التي يتحرك بها بطريقة ذكية للغاية تبرز فهمه الواضح للعبة.

ويمكن القول إن النظر إلى دارون نونيز رقميًّا كمهاجم، يختلف عن رؤيته على أرض الملعب،؛ ورؤية تحركاته داخل أرض الملعب تختلف أيضًا عن رؤية تصرفه بالكرة أمام المرمى. لدينا العديد من اللحظات العبقرية التي أدَّاها مثل هدفه بالقدم اليسرى أمام بورنموث من زاوية صعبة، إلى جانب فرص سهلة تصل حد الاستهتار أحيانًا، مما تجعل منه مزيجًا غريبًا بين العبقرية والفوضى.

إذن، أين المشكلة؟

تظهر مشكلة نونيز الحقيقية عندما ننظر إلى معدلات الأهداف مقابل كل تسديدة


فالرسم البياني يوضِّح أن المهاجم الأورغوياني يقع ضمن أسوأ اللاعبين في معدل الأهداف مقابل كل تسديدة حيث يحظى بمعدل (0.12)، وهو أقل من المتوسط العام في الدوريات الكبرى البالغ (0.15).

يتزامن هذا الأمر أيضًا مع عدّة مشاكل أخرى تعرَّض لها نونيز، مثل: تغيير مركزه المستمر بين الجناح الأيسر أو المهاجم خلال فترة يورقن كلوب، من ثم متطلبات المهاجم المختلفة مع أرني سلوت، إضافة للضوضاء الكثيرة حوله خارج الملعب، مثل رسائله المستمرة في وسائل التواصل. كذلك، يُظهِر نونيز أحيانًا سلوكًا سيئًا داخل أرض الملعب يعرّضه للطرد، مما يخلق ضغوطًا إضافية عليه.

لماذا اختار إنزاقي دارون نونيز ؟

يفضِّل إنزاقي عادةً المهاجمين الذين يتمتعون بقدرة كبيرة على التحرك المستمر بين الخطوط وفي أنصاف المساحات، مع تمكنهم من استغلال المساحات خلف مدافعي الخصم. وفي المقابل، يوفِّر إنزاقي لمهاجميه كمًّا كبيرًا من الفرص عبر «الكرات العرضية» أو «الكرات العكسية» (Cut-Backs)، ما يعني أن منظومة إنزاقي تكافئ المهاجم الذكي والقارئ الجيد لمناطق تحركاته وتوقيتها.

وعندما ننظر إلى ذلك كله سنجد أن نونيز يتطابق بشكل كبير مع متطلبات إنزاقي التي يريدها في المهاجم؛ مع كفاءة عالية على التنوّع في أن يكون المهاجم الرئيس داخل منطقة الجزاء أو الذي يتحرك للأطراف لخلق تفاعلات مع الأجنحة الخلفية، أو حتى من بإمكانه الإلمام بين الخطوط لربط اللعب.



هل بإمكان نونيز تعويض ميتروفتش؟

ربما أفضل وصف لرحيل ميتروفتش والتعاقد مع نونيز، هو استبدال معدلات تسديد قليلة مع معدلات تحويل مرتفعة جدًّا، بمعدلات تسديد مرتفعة جدًّا مع معدلات تحويل منخفضة جدًّا.

إذ بعيدًا عن عدد أهداف ميتروفتش الذي يزيد بنسبة 88% تقريبًا عن أهداف نونيز في الموسمين الماضيين -وهذا أمر طبيعي قياسًا على دقائق لعب الثنائي- إلا أن معدلات تحويل الفرص إلى أهداف تُظهِر تفوقًا كاسحًا لميتروفتش. حيث يتمتع الصربي بمتوسط معدل تحويل التسديدات إلى أهداف يصل إلى 21.65%، في حين لا يتجاوز متوسط معدل نونيز 14%.

إضافة لذلك، يتمتع ميتروفيتش بانتقائية كبيرة في خيارات التسديد بدقة تتراوح بين (39.2% - 47.4%) مقابل (40% - 44%) لنونيز.

لذلك، من الصعب تخيّل استطاعة نونيز تعويض أهداف ميتروفيتش -على الأقل في الوقت الحالي-، وبطبيعة الحال يعلم إنزاقي ذلك تمامًا.

لماذا لم يحتفظ إنزاقي بميتروفتش بجانب نونيز ؟

سبق أن تحدثنا عن سبب اختيار إنزاقي لنونيز، وأن ميتروفتش لم يكن مناسبًا لرؤية المدرب الإيطالي. وذلك لأنَّ إنزاقي يبحث عن مهاجمين يتمتعون بسرعة جيدة وقدرة على التحرك وتبادل المراكز. فثنائي الهجوم بالنسبة إليه ليسا مجرد مسجلي أهداف، بل تكمن أهميتهما في بناء اللعب والربط بين الخطوط. ورغم كفاءة ميتروفتش التهديفية الاستثنائية، فإنه مهاجم تقليدي يفضِّل البقاء في منطقة الجزاء وانتظار الكرات. وهذا النمط يتعارض مع فكرة إنزاقي عن المهاجمين القادرين على اللعب في مناطق متعددة.

وعندما ننظر إلى معدلات الخريطة الحرارية للمهاجمين الذين أشرف عليهم إنزاقي ستتضح فكرة المهاجم المتحرك في نظام لعبه، واختلاف ميتروفتش الواضح عنهم.

هذا يعني أنَّ استمرار ميتروفتش كان سيشوبه كثير من المشاكل؛ بدايةً من كونه لم يعتد على اللعب بجوار مهاجم آخر. فاللاعب الصربي -منذ عام 2012 وحتى 2025- لعب 89.7% من مبارياته مهاجمًا وحيدًا، فيما لم تتجاوز نسبة لعبه بجوار مهاجم آخر أكثر من 10.3% فقط. وبالتالي، كانت ستقع الكثير من التداخلات بينه وبين نونيز خصوصًا.

قدرة نونيز على النجاح

إذا وضعنا كل ما سبق معًا، سنجد أن نونيز سيحظى بكمٍّ من الفرص لا بأس بها، خصوصًا مع امتلاك الهلال ظهيرين على مستوى عالٍ جدًّا مثل ثيو هيرنانديز وجواو كانسيلو، عدا بقية اللاعبين القادرين على التعاون بشكل مناسب مع نونيز مثل سالم الدوسري ومالكوم وليوناردو. إضافة إلى أن نونيز يمتلك ما لا يمكن تعلّمه بسهولة، وهي السرعة الانفجارية وغريزة البحث الدائم عن المرمى، وقدرته على خلق الفوضى في دفاعات الخصم.

كما أنه لا يمكن التغاضي عن الضغوطات العاطفية والإعلامية التي صاحبت تعاقد ليفربول معه بالقيمة المالية العالية، وبقدومه في الوقت ذاته مع مهاجم بمستوى هالاند. لذا ربما سيجد في الدوري السعودي مكانًا أكثر هدوءًا، بعد رحلة طويلة من الضغوطات منذ وصوله إلى إنقلترا.

يبقى التحدي أن يرفع إنزاقي معدل تحويل نونيز للفرص إلى أهداف، وهو ما فعله الإيطالي مع ماركوس تورام الذي تمتع بمعدل (0.38 هدف/تسديدة) على المرمى مع قلادباخ، قبل أن يرتفع إلى(0.52) معه في إنتر ميلان. كما أن إنزاقي سيعمل على رفع جودة اللمسة الأولى له، وتنسيق تحركاته أكثر من المجموعة.

الخلاصة

ربما لم ترتفع التوقعات عندما تعاقد الهلال مع نونيز. قياسًا على أدائه المتذبذب مع ليفربول وكمّ الفرص الكبيرة التي أهدرها مع الفريق، والتي أثرت على كثير من إيجابياته، فمن الطبيعي حينها ألّا ترى بعض جماهير الهلال دارون نونيز في الصف ذاته بجانب ميتروفتش أو قوميز، خصوصًا وأن الأخيرين قد تمتعا بسجل تهديفي رائع مع الفريق. ولكن لو كان مدرب الهلال شخصًا آخر غير إنزاقي لقلت إن مهمته ستكون صعبة في إيصال نونيز لأفضل أداء لديه.

فالمدرب الإيطالي يتمتع بخبرة كبيرة في رفع مستوى أداء لاعبيه، إلى درجة تبدو واضحة لمن يرى الأسماء التي قاد بها نادي إنتر للقب الدوري ونهائي دوري أبطال أوربا.


بين الخطوط
بين الخطوط
أسبوعية، كل اثنين منثمانيةثمانية

نشرة أسبوعية تجيب عن الأسئلة الكروية بلغة الأرقام والإحصاءات، وتناقش قضايا تتجاوز أحداث الجولة، وتغوص في تفاصيل الفرق والمدربين. سؤال واحد في كل عدد، وإجابات تكشف الصورة الكاملة.

+70 متابع في آخر 7 أيام