كيف أنقذتني الكتب من اليأس 📚

زائد: كلُّ طارئٍ لا يُنجَز إلا بالتأني

ما زال يُنظر لدراسة الفن وممارسته بدونية ينفر الشغوفين فيها من دراستها أو السعي لها؛ فكل ما يعرفونه هو أنه «لا مستقبل لها» أو أنها «ما توكل عيش».

لكن منذ تأسيسها في 2018، عملت وزارة الثقافة السعودية بجد لتغيير هذه الصورة ودعم المبدعين محليًا وعالميًا ببنية تحتية تحتضن وتسقي مهاراتهم. حيث أعلن وزيرها الأمير بدر بن فرحان عن آخر مبادراتها في مؤتمر الاستثمار الثقافي هذا الأسبوع: إنشاء «جامعة الرياض للفنون»، والتي ستفتح أبوابها السنة القادمة لطلابها المهتمين في 13 مجالًا، من ضمنها المسرح والفنون الرقمية.

لن تمكن هذه المبادرة الجيل القادم من الفنانين فحسب، بل سترينا، حتى وإن قاومنا في البداية، أن دراسة الفنون ليست غريبةً عنا، وأن لها مستقبل بيننا يشكله مبدعونا بأيديهم ومواهبهم. 👨🏽‍🎨

في عددنا اليوم، تستعيد آلاء حسانين رحلتها مع اليأس والعزلة خلال مراهقتها، وكيف واستها الكتب وساعدتها على خوضها. وفي «خيمة السكينة»، تتأمل إيمان أسعد التناقض بين الطارئ والتأني، كما ورد على لسان قصيدة صينية وعلى صفحة من رواية كلاسيكية. وفي «لمحات من الويب»، نودعك مع اقتباس عن الأشياء الصغيرة التي تحمي عالمنا من الانهيار، ومعنى الحرية عند السمكة. 🐟

خالد القحطاني


رسم: الفنان عمران
رسم: الفنان عمران

كيف أنقذتني الكتب من اليأس 📚

آلاء حسانين

قرأت مرة اقتباسًا للكاتبة والفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار تقول فيه: «في طفولتي ومراهقتي، أنقذتني الكتب من اليأس، وأدركت حينها أن الثقافة هي أعلى القيم.» ثم بدأت أستعيد مرحلة اليأس الشديد الذي مررت به خلال مراهقتي، تحديدًا بعد السابعة عشرة وحتى بدايات العشرين.

فبعد انتهائي من الثانوية، مررت بتغيرات كثيرة فكرية ووجودية ونفسية. ومن المعروف أن مرحلة المراهقة وبداية الشباب من أصعب المراحل التي قد يمر بها الإنسان، إذ يكون حينها في طور التشكل، ويبدأ بالبحث عن ذاته وتشكيل هويته واختيار مساره في الحياة. 

تضاعف قلقي، وأهمتني الأسئلة، ورحت أناقش كل ما تربيت عليه من أفكار ومعتقدات، وشعرت بالاغتراب والوحدة الشديدين. قطعت كل علاقاتي مع أصدقائي، وانعزلت عن أهلي، حتى أني أقمت في عليّة المنزل حيث لا يصعد أحد. أردت أن أكون وحيدة مع نفسي، وأفكاري، وأردت أن أتعرف على نفسي. ثم أردت أيضًا أن أعثر على المعنى، أردت أن أجد معنى لأي شيء في الحياة. وبالطبع غصت عميقًا جدًا في بحثي عن «الحقيقة»، حتى تمرغت في الكآبة، ووصلت إلى حافة اليأس، وفقدت كل إيمان في داخلي، وكل أمل.

وأكثر ما شعرت به الوحدة التي دفعتني للتقوقع على ذاتي أكثر فأكثر؛ فقد شعرت بأني لا أفهم العالم، ولم أشعر بأن العالم يمكن أن يفهمني.

كانت تصعد أمي من حين لآخر لتقدم لي بعض الطعام، ثم تعود بعد أيام وتأخذ الصحون بالطعام المتعفن فيها، فأنا لا أريد أن أفعل أي شيء في الحياة. لا أريد أن أذهب إلى الجامعة، لا أريد أن أدرس، ولا أريد أن أتواصل مع أحد. أردت من العالم أن يدعني وشأني وحسب.

غير أن شيئًا واحدًا تمسكت به وعرفت أنه ربما سينقذني، شيء دلتني عليه روحي كمنقذ من كل الكآبة واليأس الذين غمراني: الكتب.

بدأت أقرأ كل ما تقع عليه يدي. أردت شيئًا فقط يساعدني على تمرير الوقت، وكان يمكن أن أهرب لأي شيء آخر، لكنّي اخترت الانغماس في الكتب.

وكانت ساعات الانغماس تلك تعزلني عن واقعي، وتفتح لي آفاقًا سحرية. فقرأت «دميان»، و«قصة موت معلن»، و«ميتتان لرجل واحد»، و«أشياء كنت ساكتة عنها». قرأت ماركيز وآذر نفيسي وفروغ فرخزاد وميلان كونديرا وإريك فروم وحسين البرغوثي وإدوارد سعيد وبول أوستر ووديع سعادة وقسطنطين كفافيس وسليم بركات.

كما قرأت أيضًا فرانز كافكا، وحملت له نوعًا من النفور وعدم الإعجاب. إذ رغم كآبتي الشديدة حينها، غير أني نفرت منه، بسبب الكآبة والاحتقار الذاتي والشعور بالاختناق والعجز الذي كان يلازمني وأنا أقرأ له. وفي بعض الأحيان، فكرت في أنني قد أكون إحدى شخصياته: معزولة ومكتومة وغير قادرة على التواصل وأعيش في عالم قاتم وبلا أمل. على كل حال، كرهت كافكا، رغم أنني أفكر الآن بأنه ربما فقط كان يضع مرآة أمام وجهي وواقعي، ويطلب مني أن أطيل النظر إلى قبح العالم.

أما تجربة آذر نفيسي وسيرتها الذاتية في كتابها:«أن تقرأ لوليتا في طهران» فقد ألهمتني. واقترحته فيما بعد للقراءة مع الزميلات في نادي القراءة في الجامعة.

ولتأسيس هذا النادي قصة طريفة. فقد كنت حينها أكره الذهاب إلى الجامعة، ومضطرة للذهاب حتى لا أفقد عقلي من عزلتي. وبينما كنت منغمسة في قراءة كتاب في ساحة الجامعة، رفعت رأسي لأجد فتاة (أصبحت صديقتي فيما بعد)، تسألني: ماذا تقرأين؟ ثم حدثتني عن عزمها إنشاء أول نادي للقراءة في الجامعة.

تحمسنا لتلك الفكرة، وبدأت ألتقط الفتيات اللواتي يقرأن خلسة في الجامعة، في القاعات والممرات وحتى الباص. وعادة كنّ وحيدات ومختلفات. وبالفعل تأسس النادي، وقرأنا فيما بعد الأدب وعلم النفس والفلسفة، وتشاركنا الأمل والحلم. وأصبح هذا النادي مساحةً آمنة يمكن أن نعبِّر فيها عن أفكارنا واضطراباتنا ومخاوفنا، دون الخوف من التعرض للإقصاء.

ولأول مرة شعرت بالأمل، إذ فتح هذا النادي نافذة في روحي. فبعدما كنت أقرأ وحدي في عليّة المنزل، وأبحث بنهم بين الكلمات عمّا يمكن أن يواسيني، صرت أشارك هذه المواساة مع بشر حقيقيين، من لحم ودم. واستعدت قدرتي على الكلام، ووجدت أشباهي في العالم. وجدت عائلةً وأصدقاء جمع بيننا نهمنا تجاه المعرفة التي منحتنا الأمل، ووسعت آفاقنا وقدرتنا على فهم الاختلاف والاحتفاء به.

منحتني الكتب السكينة، طبطبت على روحي، وأعادت ارتباطي بالعالم وبالأخوة الإنسانية، كما قدمت لي نوعًا من العزاء؛ فبكيت لأجل حسين البرغوثي وضوئه الأزرق، وتأثرت بإكتور آباد فاسيولينسي وكتابه «النسيان»، وظللت أردد عبارته حتى بعد سنوات طويلة، حيث كتب: «إن انتقامي الوحيد أن أروي ما حدث». وصارت دافعًا لتمسكي بالكتابة كشكل من أشكال المقاومة ضد النسيان.

كما أغرمت بقصائد وديع سعادة، الذي تساءل: «لماذا لا تتوقف أرجلنا عن المشي حينما نفقد شخصًا نحبه؟» ونظرت مطولًا إلى صورة رياض الصالح الحسين بعدما انتهيت من قراءة أعماله الكاملة، ثم تساءلت: لماذا يموت رياض؟ الذي أراد ان يكون صديقًا للدوريّ والهواء والحجر؛ وبكيت.

استمتعت وأنا أقرأ «غاتسبي العظيم» لسكوت فيتزجيرالد، «مالون يموت» لـصمويل بيكيت، «حكاية الرجل الذي أحب الكناري» لبسام حجار، «بارتلبي النساخ» لهرمان ملفيل، «كلهم على حق» لباولو سورنتينو، «ثلاثية نيويورك» و«اختراع العزلة» لبول أوستر، وبالطبع «الحارس في حقل الشوفان» لسالينجر.

وهكذا، مرت الأيام والأشهر والسنوات، وأنا قد تغيرت كثيرًا؛ نضجت وتطورت وعالجت جروحي وتخففت من الكآبة. وفي مرحلة لاحقة من حياتي، قررت أن أدع الكتب جانبًا وأرتمي في أحضان الحياة، أردت للتجربة أن تعلمني وتأخذني إلى مساحات أخرى. لكنني لم أكن لأمتلك أجنحة وأطير، لم أكن لأجد الأمل وأستعيد الإيمان، لم أكن لأنجو.. لو لم أجد الكتب.


لويس كارول - المصدر: British Library
لويس كارول - المصدر: British Library

كلُّ طارئٍ يُنجَز بالتأني

العنوان من بيت لقصيدة صينية، للشاعر أويانق جيانق خي، عنوانها «جاء أدونيس». ويخطر على بالي ما قرأته عن أنَّ الشعر (أو بالأحرى «القصيدة التي تفكر لا تلك التي تغني فحسب» كما وصفها فوزي كريم) هو قرين الفلسفة. إذ كيف تفسِّر التناقض ما بين الحدث الطارئ والتأني؟

أما الصورة أعلاه فهي صفحة مقتطعة من رواية «أليس في بلاد العجائب» بخط يد مؤلفها لويس كارول. إذا تأملت الخط، ستجد أنَّ النصَّ مكتوبٌ بتأنٍّ. الرسمة التوضيحية مرسومة بتأنًّ. وفي هذا التأني يتجلى وضوح الفكر. بل أتصوَّر أنفاسه طويلة، عميقة، هادئة.

واليوم، نعيش أيامنا كما لو أنها طارئٌ لا بداية له ولا نهاية، نلهث من ساعةٍ لأخرى، أنفاسنا قصيرة متقطعة، عقولنا منهكة ومشتتة. وربما كل ما يلزمنا في مواجهة حياتنا الطارئة أن نجلس على مقعدٍ ونتأنى.

دعني أكمل لك الأبيات، التي ترجمتها يارا المصري بمنتهى العمق والعذوبة.

كلُّ طارئٍ لا يُنجَز إلا بالتأني.
الإنسان، لا يمكنه الجلوس بدون مقاعد.
من فضلك تحدث إلى شخصٍ بعيد بقدرٍ من لغةٍ غامضة.
من فضلك لتترك آخر شعاعٍ من نورٍ من القمر
يتعامد على ارتجاف جسدك.

إعداد 🧶

إيمان أسعد


كيف تحبس فلوسك في قفص؟ 💸

الفلوس تطير، هذا طبعها.

لكن فيه ناس تطير فلوسهم بلا رجعة، بين المقاهي والطلبات العشوائية والهبّات.

وفيه ناس يحبسون فلوسهم في قفص، يبنون عضلة التخطيط المالي بالادخار والاستثمار المبكّر، ويشغّلون فلوسهم بالصفقات منخفضة المخاطر عشان تخدمهم طول العمر.

الأهم أنك تستثمر وتدّخر عن طريق منصة مصرحة ومعتمدة، مثل صفقة المالية.



نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+60 متابع في آخر 7 أيام