الخلود بعد شهرين تحت الملكية الأمريكية

أكمل نادي «الخلود» اليوم شهرين تحت الملكية الأمريكية بقيادة بن هاربورق. الرجل الذي خلق حراكًا مثيرًا حول النادي خلال الشهرين الماضيين، حتى أصبحت تغريداته على منصة «إكس» تحصد تفاعلًا كبيرًا يصل إلى ملايين المشاهدات مع ردود مختلفة من سكان محافظة الرس أو غيرها، ولا تخلو تلك الردود من تقديم اقتراحات.

هذا الأمر ليس غريبًا بالنسبة لي، فالوسط الرياضي السعودي بحاجة إلى شخص يستمع إليه ويشاركه الأفكار والاقتراحات على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد بدأت الحركة بالظهور مع لمعان نجم هاربورق؛ فشاهدنا رئيس نادي التعاون بدر الغنام يتفاعل مع الجماهير ويجيب عن أسئلتهم وينفذ اقتراحاتهم، ورئيس شركة نادي الاتحاد فهد سندي يجيب استفسارات الجماهير. وهي حركة -أنا شخصيًّا- أراها متصاعدة، وسنشهد كثيرًا من الأندية تتخذ النهج نفسه قريبًا.

في أثناء الشهرين الماضيين، طرح المالك الأمريكي عددًا من المشاكل والاقتراحات لتطوير نادٍ وصفه بأنه «تحت الصفر» في كل شيء، وسيعيد بناءه من جديد كما صرح في أكثر من لقاء إعلامي ظهر خلاله. فماذا حدث في شهرين؟

لا أريد أن آتي بثقافة جديدة للسعودية، ولكن أريد فتح الباب ليعود الناس للملاعب

«هذه ليست عبارة رنانة، بل تصريح حقيقي يجري العمل عليه داخل النادي»، هذا ما قاله أحد المصادر التي تحدثت معها. وأكمل قائلًا: «هدف هاربورق الأساسي بناء قاعدة جماهيرية لنادي الخلود، وهو الهاجس الحالي للمالك الذي يعمل بشكل مكثف لتحقيقه». 

وواصل: «عند تسجيل الملاحظات عن النادي، وجد هاربورق أن القاعدة الجماهيرية ضعيفة جدًّا، وقد تكون غير موجودة من الأساس، خاصة مع الكثافة السكانية في محافظة الرس.. ففي خلال الشهرين الأولين لوجوده في النادي، زار هاربورق المدارس والجامعات والمستوصفات والجمعيات الخيرية والأكاديميات الموجودة في محافظة الرس، لكي يكوِّن شراكات مجتمعية تهدف إلى تعزيز وصول النادي للمجتمع، وذلك ضمن جهوده تحت إطار زيادة القاعدة الجماهيرية والتركيز عليها».

ويختم المصدر حديثه: «يريد المالك ربط أطفال محافظة الرس وسكانها بالنادي، لهذا يمنح الهدايا وشالات النادي وقمصانه للجماهير، كما قرّر الاجتماع بالجماهير في المطاعم والمقاهي لتحقيق المستهدفات».

نمو متواصل في قاعدته الجماهيرية

إن كنت لا تعرف هذه المعلومة، دعني أشاركك إياها: محدثكم هو الصحافي السعودي الأول الذي كشف عن اسم مالك الخلود الجديد بن هاربورق، وذلك في سبق صحفي عبر صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 17 يوليو 2025. أذكر جيدًّا حين بحثت عن حساب هاربورق عبر منصة «إكس»، بلغ عدد متابعيه آنذاك 3,000 متابع. واليوم يملك هاربورق في حسابه الرسمي أكثر من 32 ألف متابع، في نمو سريع للمالك الأمريكي، وتفاعل كبير من الوسط الرياضي السعودي.

عبر منصة «إكس»، أعلن المالك قراره عدم الدفع لجلب رابطة المشجعين، ووصفهم بـ«الجماهير المستأجرة»، وهو الأمر الذي لفت انتباه الكثير من مشجعي كرة القدم ممن اهتموا كثيرًا بالظهور الأول للفريق في محافظة الرس.

فقد بلغ حضور مباراة الخلود أمام ضمك 556 مشجعًا وفقًا للأرقام الرسمية من رابطة دوري المحترفين. إلا أن هناك اعتقادًا كبيرًا بأن مجموع الحضور قد فاق الرقم المسجل، وذلك بسبب دخول عدد من الجماهير بدون تذاكر، ولم يحسب دخولهم ضمن حسابات الحضور الجماهيري.

التجربة الأولى كانت مشجعة جدًّا. فقد استمع هاربورق إلى النقاشات التي أجراها عبر منصة «إكس» لتحسين تجربة الحضور، وتوفرت طلبات الجماهير، وهي: سحوبات وهدايا، وتوفير المياه -مجانًا- إلى مقاعد الجماهير، وتوفير مراوح ووحدات تكييف في المدرجات، وحافلات للنقل من مواقف السيارات، ومنطقة جماهيرية تحوي ألعابًا وجوائز وعربات طعام ودورات مياه نظيفة.

وكان المشهد الأكثر انتشارًا وتقديرًا بين الجماهير مشهد متابعة هاربورق للشوط الثاني والاحتفال مع الجماهير بالهدف الثاني للخلود، وتحقيق أول انتصار للنادي تحت ملكيته.

ماذا حدث في البنية التحتية للنادي خلال الشهرين الماضيين؟

منذ الأيام الأولى للملكية، باشر النادي العمل على تحديث الملعب الرديف المجاور لملعب التدريبات الرئيس، بالإضافة إلى تغيير الزراعة واستبدالها بزراعة جديدة على مستوى عالٍ بمعايير مرتفعة.

وقد أخبرني مصدر مطّلع على البنية التحتية للنادي أنَّ هاربورق متضايق جدًّا من موضوع ملعب النادي وذهاب الفريق إلى مدينة بريدة للعب المباريات؛ وأنَّ ما يريده هاربورق هو صنع تجربة حضور استثنائية لسكان الرس، وسيوفر الملعب الجديد ذلك.

وأكمل المصدر قائلًا: «يعتزم هاربورق إنشاء ملعب جديد بالرس وبناء مقر تدريبات بالرس أيضًا، كما يجري العمل على بناء صالة تدريبات هي الأفضل على مستوى السعودية، إضافة إلى رغبته ببناء مقر لأكاديمية النادي؛ لكن البنية التحتية لتلك المشروعات تحتاج وقتها».

النجاح في تحويل المزاج العام مع بداية قاسية داخل النادي

تحول المزاج العام نحو المالك الجديد من سلبي إلى إيجابي. ففي الأيام الأولى للملكية اجتمع الفيتنامي جون، الرئيس التنفيذي لنادي الخلود، مع موظفي النادي وطلب من بعضهم تقديم استقالاتهم وأنهى عقود آخرين؛ بسبب عدم الحاجة إليهم في المرحلة المقبلة. كما جدد عقود الموظفين الذين يحتاج النادي إلى وجودهم. وقال: «هذه الأيام هي الأصعب في النادي في ظل التغييرات الجديدة، فقد كانت المرحلة أشبه بعملية الترتيب الداخلية لفرض نظام قوي داخل الشركة، وهو ما سيخدم النادي في نهاية الأمر».

في تلك المرحلة اعتقد الجميع أن بن هاربورق قدم إلى النادي للاستفادة المادية والخروج بفوائد ربحية دون الاهتمام بالنادي والمحافظة. ولكن بعد أسابيع فقط من هذه العملية الصعبة من ترحيل بعض موظفي النادي، وحذف كل التغريدات في حساب النادي الرسمي عبر منصة «إكس» التي تخص الرئيس السابق محمد الخليفة، قلب بن هاربورق المزاج العام حول النادي لصالحه وذلك بالاجتماع مع الجماهير للمرة الأولى. فقد بدأ بالتغريد والرد عبر منصة «إكس»، وفتح نقاشات بينه وبين سكان محافظة الرس والمهتمين بالنادي، لينجح المالك بالخروج من مزاج عام سيئ حول النادي إلى مزاج عام إيجابي داعم للنادي.

هل سينجح بن هاربورق؟

الحقيقة التي يجب أن ندركها أن ما يفعله بن هاربورق الآن أمر استثنائي وجديد على كرة القدم السعودية. فنحن لم يسبق لنا أن شاهدنا تجربةً بهذا الشكل، مما يجعل نجاح الأمر أو فشله احتمالًا ممكنًا.

أكبر التحديات التي ستواجه بن هاربورق بعيدًا عن البنية التحتية -وهي بلا شك هاجس كبير- إضافةً إلى هبوط النادي، هي قدرته على الاستمرار بما يفعله في كل مباراة: هل سيظهر بهذا الشكل دائمًا؟ الأمر صعب، وقد يدرك مستشارو بن هاربورق السعوديون وغير السعوديين هذا الأمر جيدًا.

حتى هذه اللحظة لم يدخل النادي بأزمة رأي عام، ولم يواجه نقدًا حادًّا. ربما لأن ما يقوم به هاربورق أمر جديد أو -بشيء من الدقة- أمر لم نعتد عليه في ملاعبنا. كنا نسمع به ونقرأ عنه في الدوريات الأوربية والدوري الأمريكي دون تطبيقه في أنديتنا.

في نهاية المطاف، سيمثّل نجاح التجربة نموذجًا أوليًّا لقياس تأثير الملاك الأجانب على الأندية السعودية، والصدام الأول مع المجتمع والجمهور قادمٌ لا محالة، وحينها سنعرف جيدًا إلى أي مسار يسير المشروع، نحو النجاح أم الفشل.

لن أحكم مبكرًا، سأستمتع بالرحلة قبل الجزم بها.