معضلة صناعة البطل
هذه الوصفة القائمة على الصراع تستطيع أن توصل معاني كثيرة، دون أن تقع في فخ المباشرة وصناعة البطل الممل غير المنطقي

معضلة صناعة البطل
في عام 2014، صدر فلم «أمريكان سنايبر» لكلينت إيستوود، وهو يتناول قصة كريس كايل، أكثر الرماة فتكًا في تاريخ الولايات المتحدة العسكري. وبما أن الفلم يتحدث عن «بطل» أمريكي تفنَّن في قتل العراقيين خلال غزو أمريكا للعراق، فقد ولَّد ذلك في داخلي مشاعر سيئة تجاهه. ومع ذلك قررت مشاهدته؛ أردت أن أكتشف ماذا سيقول الأمريكيون في صناعة بطلهم الوهمي. والمفاجأة أنني، رغم كل مشاعري وأحكامي المسبقة عليه، وجدته عملًا سينمائيًّا ممتعًا إلى حدٍّ ما -بعيدًا عن قصته- وفوجئت أنني أكملته حتى النهاية.
هوليوود تتقن صناعة البطل
في المقدمة، ذكرت حالةً أراها أبلغ وصف لما أريد إيصاله في مقالي هذا. فرغم كل أحكامي المسبقة على الفلم، كان عملًا جيدًا وممتعًا. وأظن أن السبب في ذلك يعود إلى أن الحكاية قُدِّمت بصورة بعيدة عن المثالية اللامنطقية. فتجد في القصة صعوبات ومعاناة، وحتى لحظات من المعضلات الأخلاقية التي يمر بها البطل، وفي النهاية يتمكن من التعامل مع كل ذلك، ويخرج بطلًا دون أن تشعر أنك تشاهد «سوبرمان».
هذه الوصفة القائمة على الصراع تستطيع أن توصل معاني كثيرة، دون أن تقع في فخ المباشرة وصناعة البطل الممل غير المنطقي.
فحتى «سوبرمان» تحاول شركات الإنتاج مؤخرًا أن تجعله يواجه تحديات ومعضلات. وفي ظني أن الوصفة التي ذكرتها أقرب إلى وصفة البطل الخارق الأشهر: «باتمان»، فهو بطل، لكنه دائمًا يواجه تلك التحديات، وهذا ما يجعله مثالًا مقاربًا لفكرة البطل التي تتقن هوليوود صناعتها بالمجمل. وأخص بالذكر كلينت إيستوود، الذي أتقن لعبة صناعة البطل «الوطني الأمريكي».
ماذا ينقصنا في صناعة البطل؟
تاريخنا مليء بالأبطال الحقيقيين، خصوصًا من الشخصيات التاريخية أو حتى القصص الشعبية، لكننا نواجه دائمًا معضلة «المثالية» في صناعة البطل لاعتبارات كثيرة، أراها تشكِّل عائقًا أمام تخليد قصص تلك الشخصيات بشكل سينمائي ممتع. فلا أحد يريد مشاهدة بطل مثالي لا يواجه معضلات أخلاقية بين الخير والشر، ولا معاناة نفسية وجسدية، ولا تحديات أو عقبات حقيقية، لأن مثل هذا البطل لا وجود له في الواقع.
وحتى عندما تتجرأ بعض أفلامنا على كسر تلك المثالية، فإنها تفعل ذلك على استحياء كبير. أتذكر في «مندوب الليل» عندما شرب البطل الخمر ثم أخرجه من فمه بسرعة، وبعد ذلك المشهد ظهر يصلي في المسجد وحيدًا.
إذا أردنا للسينما أن تنطلق في الاستفادة من هذا الإرث الضخم من التاريخ والبطولة التي يزخر بها، فعلينا أن نفك قيودها قليلًا، وأن نتيح لها حرية حكاية تلك القصص، مستخدمةً كل ما فيها. ففي النهاية ستظل تلك الشخصيات تجسيدًا لأبطال حقيقيين، مهما كانت تحدياتهم.
وحتى في محاولات السينما صناعة قصص أبطال عاديين من واقعنا وحاضرنا، يجب أن تتحرر من هذه القيود السردية المحبِطة. يجب أن يكون البطل في أفلامنا إنسانًا لا قدّيسًا؛ يخطئ ويصيب، يتألم وينهض، وبهذا فقط سيصل إلى الجمهور.



يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما السعودية فِلم «One Battle After Another»، من إخراج بول توماس أندرسون، ومن بطولة ليوناردو دي كابريو وشون بن وبنيشيو ديل تورو وريجينا هول وتيانا تايلور. وتدور أحداث الفِلم حول «بوب» الذي كان ناشطًا ثوريًّا سابقًا قبل أن ينعزل مع ابنته «ويلا»، لكن حياته تنقلب رأسًا على عقب بعد اختطافها على يد خصم قديم يعود للظهور بعد ستة عشر عامًا، ليجد نفسه مضطرًا لخوض معركة جديدة بين ماضيه وحاضره.
أُصدر إعلان تشويقي جديد للموسم الأخير من مسلسل «Stranger Things»، على أن يُعرض عبر «Netflix» في 26 نوفمبر.
أُطلق الإعلان النهائي لفِلم «Wicked: For Good». ويُكمل هذا الجزء رحلة «إلفابا» و«قليندا» في أرض «أوز»، حيث تكافح «إلفابا» بوصفها ساحرة مطارَدة تناضل ضد الظلم، في حين تتبوأ «قليندا» مكانةً بوصفها رمزًا للخير. وتُختبر صداقتهما وسط صراع كبير وظهور «دوروثي» وما يترتب عليه من أحداث ستغيّر مصير «أوز» إلى الأبد. ومن المقرر عرض الفِلم في صالات السينما يوم 21 نوفمبر.
أُصدر الإعلان الجديد للمسلسل المشتق من «IT» بعنوان «IT: Welcome to Derry»، والمقرر عرضه على منصة «HBO Max» في 26 أكتوبر. وتدور أحداث المسلسل في بلدة «ديري» عام 1962، حيث تبدأ سلسلة من الظواهر المروّعة، تكشف عن أصل الشر الكامن خلف «بيني وايز».

«Take My Breath Away» (4:11)


تقوم فكرة فِلم «Top Gun»، الصادر عام 1986، على المخاطرة بوصفها الثمن اللازم لإثبات الذات. وتدور القصة حول «بيت ميتشل» الملقّب بـ«مافريك»، شاب متهوّر وموهوب، يملك مهارات طيران استثنائية، لكنه يصطدم دومًا باندفاعه ورغبته في تحدي القواعد.
يُستدعى «مافريك» إلى برنامج «Top Gun» لتدريب نخبة الطيارين، حيث يواجه «آيسمان»، الطيّار المنضبط الذي يمثل النقيض التامّ لشخصية «مافريك». وينشأ وسط هذه المنافسة الحادّة خط درامي آخر مع «تشارلي»، مدرّسة البرنامج وخبيرة تحليل الطيران، التي تقع في حب «مافريك» رغم تحفظها على تهوّره.
انعكس هذا الانقسام بين التوتّر والحس الدرامي على موسيقا الفِلم. فقد شُيّدت هويته الصوتية على مسارين: مسار آلي إلكتروني يمنح المشاهد الجوية دفعةً بطولية، ومسار آخر من الأغاني المُختارة لتظلل اللحظات العاطفية. ولم تكتفِ موسيقا «Top Gun» بدعم الصورة، بل أصبحت أحد أهم أسباب خلود الفِلم في الثقافة الشعبية.
موسيقا صنعت ظاهرة
أسندت استوديوهات «Paramount» مهمة الثيمة الآلية لهارولد فالترماير، الذي لجأ إلى وحدات «Yamaha TX816» ليصنع طبقات سنث كثيفة تحاكي رهبة السماء وسرعة الطائرات. ثم أضاف عازف القيتار ستيف ستيفنز لمساته، ليولّد من هذا المزج الأغنية الرئيسة «Top Gun Anthem» التي افتتحت الفِلم. أما خط الأغاني فقادَه جورجيو مورودر، أحد أهم مهندسي البوب في عصره، بالتعاون مع الكاتب توم ويتلوك.
ولم يقتصر نجاح هذه الاختيارات على دعم السرد البصري، بل صنع ظاهرة تجاريةً جديدة، فقد بيع ألبوم «Top Gun» بالملايين، وأصبح من أكثر الألبومات مبيعًا في الثمانينيّات، وفتح الباب أمام موجة «ألبومات الأفلام» التي تُسوَّق فيها الأغنية بقدر ما يُسوَّق الفِلم نفسه.
أغانٍ خلّدت نفسها
أغنية «Danger Zone»
مزيج متفجّر من سنث متسارع وإيقاع روك متين، حمل بصوت كيني لوجنز حماس الإقلاع وأدرينالين الطيران. وجاءت الأغنية مع مشاهد انطلاق الطائرة والمناورة الجوية، وأعطتها طاقةً إضافية.
أغنية «Take My Breath Away»
أغنية سنث - بوب بطيئة، نسجها جورجيو مورودر لتضع الشخصيات داخل حالة من التوق والحنين. أدتها فرقة «Berlin». وقد جاءت مع مشاهد «مافريك» و«تشارلي» لتضع العلاقة العاطفية في وسط الصخب العسكري. كان تأثير الأغنية قويًّا لدرجة أن المخرج صوّر مشاهد جديدةً خصيصًا كي تتناغم مع لحنها. وتوِّجت الأغنية بجائزة الأوسكار وأصبحت رمزًا عالميًّا للرومانسية في الثمانينيّات.
أغنية «Mighty Wings»
أدّتها فرقة «Cheap Trick»، وقد جاءت بمزيج من روك صاخب وسنث متسارع يوازي اندفاع الطائرات. استُخدمت نسخة منها بدون كلمات في مشهد أول تدريبٍ داخل قاعدة «ميرامار» لتصنع أجواءً مشحونة بالترقّب والتوتّر، فيما عادت النسخة الكاملة مع الكلمات في التترات الختامية لتمثّل خاتمة موسيقيّة تربط المشاهد برحلة «مافريك»، وما حملته من منافسة وخسارة وانتصار.
عبد العزيز خالد


اليوم نقول «أكشن» مع هذا المشهد من فلم «Captain Phillips» الصادر عام 2013، من إخراج بول قرينقراس.
يحكي الفِلم قصة القبطان الأمريكي «ريتشارد فيليبس»، الذي يقود سفينة شحن تجارية في المحيط الهندي، تختطفها مجموعة من القراصنة الصوماليين بقيادة «عبد الولي موس».
ويأتي هذا المشهد في لحظة اقتحام القراصنة للسفينة، حيث يواجه «فيليبس» زعيم القراصنة «موس» وجهًا لوجه للمرة الأولى. وهي لحظة يتبدل فيها ميزان السلطة بالكامل، حيث يُحاصَر الرجل الذي كان رمزًا للأمان والقوة، فيما يفرض دخيل يائس سيطرته على السفينة بأكملها.
وتُعدّ هذه المواجهة ملخصًا لصراع الفِلم، وهو التصادم بين نظام عالمي مسيطِر وواقع اجتماعي بائس يدفع شبانًا إلى القرصنة. ويسلّط قرينقراس الضوء على التوتر بين هذين العالمين من جانب طاقم سفينةٍ يمثّل الرخاء، وجانب مجموعة شبانٍ قادهم الفقر واليأس إلى المخاطرة بحياتهم من أجل المال.
واعتمد قرينقراس في هذا المشهد على أسلوبه المميّز بالواقعية الوثائقية، إذ لجأ إلى الكاميرا المحمولة لإضفاء توتر بصري يعكس الارتباك داخل السفينة. وتضع حركة الكاميرا غير المستقرة المتفرجَ في قلب الموقف، وكأنه موجود داخل الغرفة يشهد لحظة انقلاب السلطة. وقد جعل هذا الأسلوب مشاهدَ المواجهة تبدو عفوية وقريبةً من تسجيل حيّ أكثر من كونها مشهدًا سينمائيًّا مصطنعًا. كما استخدم قرينقراس الزوايا المنخفضة في بعض اللقطات ليُظهر «موس» كقوة مهيمنة رغم بنيته الهزيلة، في مقابل وضعية «فيليبس» الأكثر ضعفًا.
واختار قرينقراس أن يكون لقاء توم هانكس وبارخاد عبدي الأول في الحقيقة هو ذاته اللقاء الأول للشخصيتين أمام الكاميرا. فلم يسمح لهما بالتعارف أو الحديث قبل التصوير، حتى يظل شعور الغرابة والارتباك حقيقيًّا. وانعكس توتّر اللحظة وارتباكها على أداء الممثلين بصدق؛ فتحمل ملامح هانكس دهشةً حقيقيةً من الحضور المفاجئ لعبدي، فيما يُثبت عبدي وجوده بقوة كما لو كان يحاول انتزاع السيطرة -والبطولة- بالفعل.
هذا الحضور القوي لبارخاد عبدي جعل جملته «انظر إليّ، أنا القبطان الآن» أيقونةً في السينما الحديثة. ومع أنها تحوّلت إلى عبارة متداولة في الثقافة الشعبية، فإنها تحمل في سياق الفِلم ثقلًا رمزيًّا عميقًا. فهي لحظة «تجريد» القائد الرسمي من سلطته، وإعلان ولادة قائد آخر مدفوع باليأس، حيث تُختزل السلطة في من يملك السلاح والجرأة في اللحظة المناسبة. وأصبح هذا التبادل القصير للكلمات علامةً على نجاح الفِلم في خلق توتر واقعي لا يعتمد على مؤثرات ضخمة، بل على قوة التمثيل والإخراج.
عُدّ هذا المشهد بدايةً لصعود عبدي، الذي حصل على جائزة «BAFTA» عن أفضل ممثل مساعد، كما رُشّح لجائزة الأوسكار وجائزة القولدن قلوب عن الدور نفسه، مع أنه لم يسبق له -ولا لبقيّة القراصنة- التمثيل من قبل.
عبد العزيز خالد

فقرة حصريّة
اشترك الآن


عاش برادلي كوبر إحدى أصعب مراحل تحضيره لدور سينمائي حين استعد لتجسيد شخصية القنّاص الأمريكي «كريس كايل». إذ لم يقتصر الأمر على التعمق في الشخصية نفسيًّا فحسب، بل تحوّل إلى مشروع جسدي ونفسي استمر شهورًا طويلة.
فعمد كوبر إلى اكتساب ما يزيد على ثمانية عشر كيلوقرامًا، عبر تناوله ما بين ستة وثمانية آلاف سعرة حرارية يوميًّا، بمعدّل وجبة كل ساعة تقريبًا، إضافة إلى تمرّنه على رفع الأثقال أربع ساعات يوميًّا. كما تلقى دروسًا صوتيةً يوميةً ليقترب من نبرة كايل، وتمرّن على استخدام السلاح مع أحد القنّاصين الذين خدموا في الحرب مع كايل نفسه.
ويذكر كوبر أن كل هذا الجهد كان التزامًا شخصيًّا بوعدٍ قطعه لوالد كايل أن يُجسّد ابنه بأكبر قدر ممكن من المصداقية.
وبهذا السياق نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن فِلم «American Sniper» الصادر عام 2014:
يستند الفِلم بصورة أساسية إلى المذكرات الذاتية لكايل، التي صدرت عام 2012، والتي تحوّلت سريعًا إلى أحد أكثر الكتب مبيعًا في الولايات المتحدة، وقد اشترى كوبر حقوقها حينها. يستعرض كايل في هذه المذكرات عقدًا كاملًا قضاه في صفوف قوات النخبة البحرية (Navy SEALs) بين عامي 1999 و2009.
لم يكن كوبر المرشَّح الأول لتجسيد شخصية «كريس كايل». فحين اشترى حقوق المذكرات عام 2012، خطّط في البداية للاكتفاء بدور المنتج، ورأى أن الممثل كريس برات هو الأنسب للبطولة. غير أن مقتل كايل قلب المشروع رأسًا على عقب، إذ شعر كوبر أن التزامه تجاه عائلة كايل ورغبته في تكريم ذكراه يفرضان عليه أن يخوض التجربة بنفسه.
لم يلتقِ كوبر بكريس كايل وجهًا لوجه قط، بل كان كل ما جمعهما مكالمة هاتفية قصيرة، أراد كوبر من خلالها إخباره نيّته صناعة عمل عن سيرته. ولم تتجاوز المكالمة دقائق معدودة، لكنها كانت كافيةً لترك أثر عميق في نفس كوبر، خصوصًا أنه لم يحظَ بعدها بأي فرصة أخرى للتعرف إليه.
استند الكاتب جيسون هال في كتابة السيناريو إلى مذكرات كايل ومقابلاته معه قبل وفاته في 2013، ثم استكمل العمل بمحادثات مطوّلة مع أرملته، ليُظهر الجانب الإنساني الذي لم يُغطِّه الكتاب بشكل كاف.
لم يكن مُخططًا أن يُخرِج كلينت إيستوود الفِلم في البداية، لكن وصل إليه النص بعد مقتل كايل، فرأى فيه فرصةً لتقديم جانب مختلف من أفلام الحرب، يركّز على الانقسام النفسي والإنساني، وينتقل بين ساحات القتال وحياة البيت في تكساس.
اعتمد إيستوود -المعروف ببساطته في الإخراج- على أسلوب مباشر وسريع في العمل على الفِلم، حتى أن التصوير بالكامل لم يستغرق سوى اثنين وأربعين يومًا فقط، وهو زمن قصير قياسًا بحجم الإنتاج وفكرة الفِلم.
عُرض الفِلم في أواخر عام 2014، وحقق في يناير 2015 افتتاحيةً قياسيةً بلغت 89.2 مليون دولار. وتجاوزت إيراداته المحلية 300 مليون دولار، ليصبح أول أفلام إيستوود التي تصل إلى هذا الرقم. وعلى الصعيد العالمي، حصد 547 مليون دولار متجاوزًا «Saving Private Ryan»، ليُسجَّل بوصفه أعلى فِلم حربي دخلًا في التاريخ.
عبد العزيز خالد


مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.