كيف يعيش أهل الطائف في المرتفعات
الفصل الأمتع في هذه الرحلة البحثية كان استكشاف مايحدث من تغيرات مدهشة لدى سكان المرتفعات حيث تتكوّن لديهم مناعة جينية خاصة تجعل أجسامهم تستجيب لنقص الأكسجين على نحوٍ أسرع.

الصيف في ذاكرتي لا ينفك عن صورة طريق جبل كرا، والصعود عبره إلى الهدا، حيث كنّا نقصد منتزة «النقبة الحمراء» ملتقى العوائل السعودية الهاربة من لواهيب الشموس وشدة القيظ.
لكن هذه اللحظات اللذيذة في الطائف ومنتزهاتها وبردها اللطيف لطالما لازمها شعور غريب يناقض فكرة الإجازة والراحة، وهو ضيق التنفّس والتعب السريع من أقل مجهود.
كان التفسير البديهي الذي تبادر إلى ذهني أن هذا الضيق ناجم عن تعب السفر والجو البارد الذي لم أعتَد عليه.
إلا أن البحث والتقصّي وراء هذا الضيق الغريب قادني لإدراك أنه جزء من ظاهرة أوسع مرتبطة بنقص الأكسجين في المرتفعات، ويتسبب بدوره في حدوث ضيق التنفس لدينا. الأمر الذي فتح لي بابًا لاستكشاف علم مستقل بذاته وهو «طب المرتفعات»، العلم الذي يدرس التغيرات الفسيولوجية التي تحدث لأجسادنا في المناطق المرتفعة عن سطح البحر.
فرحلة التكيّف مع نقص الأكسجين تبدأ منذ الدقائق الأولى لصعود قمة الجبل، حيث تستشعر الرئة أن كمية الأكسجين التي تصلها أقل مما اعتادت عليه، فتبدأ بتعويض النقص عن طريق زيادة معدل التنفس وسرعته.
وبعد أيام في الطائف تجد أجسادنا أن زيادة التنفس وحدة لا يكفي، فتلجأ لحلٍّ آخر وهو زيادة نسبة موصِّلات الأكسجين في الدم، وأقصد بها «الهيموقلوبين»؛ فمضاعفة عدد هذه الموصلات يضمن وصولًا أكبر للأكسجين في كل خلايانا.
الفصل الأمتع في هذه الرحلة البحثية كان استكشاف مايحدث من تغيرات مدهشة لدى سكان المرتفعات حيث تتكوّن لديهم مناعة جينية خاصة تجعل أجسامهم تستجيب لنقص الأكسجين على نحوٍ أسرع. بل وحتى رئاتهم طورت مستوى خاص من التكيف، يظهر في زيادة حجمها مع مرور السنوات.
وسواء كانت لك تجربة مع نقص الأكسجين أو لم تشعر به من قبل، أزعم أن هذه السياقة تطرح تفاصيللا ندركها عادة في رحلاتنا للطائف وأبها.


نتقاطع مع كثير من المفاهيم والظواهر يوميًّا؛ فتولّد أسئلة تحتاج إلى إجابة، وفي «سياق»، نضع هذه الأسئلة في سياقها الصحيح.