«القيد»: تجربة جريئة لكن النتيجة متواضعة 🐪
الأفلام هي فنّ المشاعر، والرهان الأكبر فيها متعلق بقدرة المخرج على إيصال الشعور المراد إلى المُشاهد.

«القيد»: تجربة جريئة لكن النتيجة متواضعة 🐪
نايف نجر العصيمي
في عام 2010، أخرج الأخوان كوين فلم «ترو غريت». ومع أنه لا يرقى إلى فلمهما المفضل لديّ «لا بلد للعجائز»، إلا أنه من الأفلام التي استمتعت بها كثيرًا، فقصته على بساطتها نُفِّذت بشكل ممتع. أما فلم «القيد» فيأتي مقاربًا لتلك القصة، إذ يحكي رحلة انتقام يبحث فيها «سعود» عن الاقتصاص من «رمّاح» الذي كان سببًا في مقتل ابنة عمه.
هذه القصة البسيطة كانت بابًا واسعًا لتقديم تجربة سينمائية ممتعة وملحمية، خصوصًا أن أحداثها جرت في بدايات العشرينيّات من القرن الماضي، وكأنها أشبه بفلم «ويسترن» سعودي. هذه الفكرة المغرية جعلتني متحمسًا ومتأهبًا لمشاهدة «القيد»، لكنني خرجت من الفلم محبطًا.
التفاصيل المفقودة
الأفلام هي فنّ المشاعر، والرهان الأكبر فيها متعلق بقدرة المخرج على إيصال الشعور المراد إلى المُشاهد. وأكثر ما يساعد على إيصال هذه المشاعر هي التفاصيل البسيطة: حوار عابر، تعبير وجه محدد، أو حتى مشاهد لشخصيات ثانوية جدًّا قد لا تستمر إلا لدقائق لكنها فارقة. هذا هو الفارق الذي جعل تجربة مشاهدة «ترو غريت» ممتعة في نظري، خصوصًا في أثناء رحلة الانتقام.
أما في «القيد» فشعرت أن الفلم أهمل كل تلك التفاصيل وركض خلف الصورة الكبيرة فقط؛ خلف فكرة الانتقام. حينها، أصبحت الصورة الكبيرة للفلم مجوّفة. فلم أستطع فهم دوافع الشخصيات كفاية ولا الارتباط بها، خصوصًا شخصية «سعود» الباحثة عن الانتقام.
عدا عن ذلك، فإن اعتماد الفلم على حوارات تروي أحداثًا كان من المفترض أن نراها كسَر إيقاعه. وفي لحظة ما، أصبحت غير مهتم بالاستماع، لأن الفلم تجاهل أن يتركني أشاهد.
وأعتقد أن إحدى معضلات الفلم هي كونه أقصر مما ينبغي. ولا أعلم إن كان هذا القرار بدافع الخوف من أن تؤثّر مدة العرض في مبيعات الفلم، لكن الاجتزاء بدا واضحًا ومُربكًا، وقد انعكس ذلك على كثير من التفاصيل.
معضلة الممثلين والتحدي البصري
في ظني أن جميع ممثلي «القيد» ممثلون جيدون بالأصل، وأخص بالذكر يعقوب الفرحان، غير أن أداءهم في هذا الفلم لم يكن بالجودة الكافية. فالأفلام قد تعتمد أحيانًا على الممثل وحده لتعويض تقصير بعض العناصر الأخرى، لكن في «القيد» بدا الممثلون، وخصوصًا يعقوب وسعد الشطي، تائهين.
ولا أعلم إن كان ذلك بسبب تقصيرهم في تحضير الدور أو لأنهم كانوا مقيدين، لكن يعقوب كان ينجح في إخراج المُشاهد من أجواء الفلم في كل حوار تقريبًا، إما بسبب لهجته غير المتقنة أو بعض تعابيره المفتعلة. أما سعد الشطي، فربما كانت الثغرات في مسار شخصيته قيدًا كبيرًا منعه من تقديم أفضل ما لديه؛ إذ لم تكن هناك دوافع وشخصيات كافية تحرك ذلك المسار معه.
في الدقائق الخمس عشرة الأخيرة، اجتهد الثنائي في محاولة لرسم وداع يواسي المشاهد. لكن المؤكد أنه لم يكن في «القيد» دور يعلق في الذهن، سوى دور أبو سلو إلى حدٍّ ما.
بصريًّا، استطاع الفلم تقديم تجربة لافتة، لكن كل تلك الأخطاء جعلتني لا أهتم كثيرًا بهذا الجانب البصري. فأنا من أشد المختلفين مع حديث المخرج دينيس فيلينوف بأن السينما هي فن الصوت والصورة؛ بل أومن أنها فن المشاعر، وقد فشل «القيد» في إيصالها خلال مشاهد ولحظات مهمة ومفصلية طوال الفلم.
تجربة كان لا بد منها
يُعدّ «القيد»، رغم كل أخطائه، خطوة مهمة في مسيرة السينما السعودية. وأحترم وأقدر ذلك المجهود الذي يفتح بابًا لنوع من الأفلام سيقود السينما السعودية إلى تصنيف أنا شخصيًّا من محبّيه، لكنه لن يكون من أفضل الأفلام السعودية. ومع تطور هذا التصنيف سيُنسى «القيد» مع الزمن.

-.jpeg)

يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما في السعودية فِلم «The Conjuring: The Last Rite»، الذي يشكّل الفصل الختامي من سلسلة «The Conjuring»، وهو من إخراج مايكل تشافيز. وتدور أحداثه حول عائلة تنتقل إلى منزل جديد في بنسلفانيا عام 1986، لتجد نفسها أمام ظواهر شيطانيّة مرتبطة بمرآة مسكونة. فيستعين أفراد العائلة بالمحققين الخارقين إد ولورين وارن لمواجهة القوى الشريرة وإنقاذ بناتهم، في قصة تستند إلى واحدة من أشهر القضايا الحقيقية التي وثّقها الزوجان.
أعلنت «.Warner Bros» عبر ذراعها «New Line Cinema» أنها تعمل على تطوير فِلم جديد يُمثّل مقدّمةً (Prequel) لسلسلة «The Conjuring».
أُصدر عرض دعائي جديد لفِلم «The Smashing Machine» من إخراج بيني سافدي وبطولة دواين جونسون، ومن المقرر طرحه في دور العرض بتاريخ 3 أكتوبر.
أُطلِق الإعلان التشويقي الأوّل لفِلم «Wake Up Dead Man: A Knives Out Mystery»، المقرَّر عرضه عالميًّا عبر «Netflix» بتاريخ 12 ديسمبر.
أُتيح فِلم المخرج زاك كريقر «Weapons» للمشاهدة عبر المنصات الرقمية.

«The Ecstasy of Gold» (3:20)


قبل ظهور أي مشهد من فِلم «The Good, the Bad and the Ugly» الصادر عام 1966، تتابع أمام المُشاهد مجموعة عناوين وصور بإيقاع بصري صاخب، لكنّ ما يظل عالقًا منها هو الصوت الذي يرافقها؛ فهو صوت ثيمة موسيقية مبنية على نغمتين متكررتين تُشبه العواء. وقُدِّمت هذه البداية بوصفها عنصرًا أساسيًّا يعرّف الفِلم منذ لحظاته الأولى، ويمنح شارة الافتتاح قوةً توازي المشاهد الدرامية ومشاهد المواجهات.
ابتكار الهوية الصوتية
اختار ملحّن الفِلم إنيو موريكوني أن تسبق الموسيقا التصويرية الأحداثَ المصوّرة. فكتب ألحان الفِلم قبل تصويره، وشغّلها المخرج سيرجيو ليوني في مواقع التصوير ليضبط على إيقاعها حركة الممثلين والكاميرا. فأصبحت الموسيقا جزءًا من بناء المشهد نفسه.
كما اعتمد موريكوني على تقنية اللايتموتيف، حيث حصل كل من «بلوندي» و«إينجل آيز» و«توكو» على بصمة صوتية خاصة. الفلوت للأول، والأوكارينا للثاني، والأصوات البشرية للثالث. واستخدم موريكوني عناصر غير مألوفة في موسيقا «الويسترن»، مثل الصفير والقيتار الكهربائي وحتى أصوات السوط والطلقات، بمثابة بناء إيقاعي. وقد منحت هذه الأدوات الموسيقا شعورًا مختلفًا، كما منحت الفِلم لغةً صوتيةً خاصّةً به، منفصلةً عن تقاليد الـ«ويسترن» الكلاسيكي.
ثلاث لحظات موسيقية مفصلية
مقطوعة «Main Title (The Good, the Bad and the Ugly Theme)»
يبدأ الفِلم بهذه المقطوعة القائمة على جُمَل موسيقية قصيرة تحاكي صوت العواء. فيبني موريكوني الثيمة بمزيج من القيتار الكهربائي والصفير والإيقاعات الحادة التي تخلق إحساسًا بالفوضى والتهديد. ويضع استخدام هذه المقطوعة في عناوين البداية المُشاهد مباشرةً داخل عالم الفِلم. كما تعود الثيمة مرّةً أخرى في الفلم بوصفها علامة موسيقية لتوحيد الشخصيات الثلاث في إطار واحد.
وتُعدّ هذه الافتتاحية واحدةً من أشهر المقطوعات في تاريخ الموسيقا التصويرية، ودائمًا ما تُستحضر في الإعلانات والأفلام الأخرى رمزًا للمواجهة والتوتر.
مقطوعة «The Ecstasy of Gold»
تُسمع هذه المقطوعة في مشهد ركض «توكو» داخل مقبرة «Sad Hill» بحثًا عن الكنز. ويبدأ اللحن بهدوء ثم يتصاعد بصوت المغنية إدّا دِلّ أورسو إلى ذروة أوركسترالية واسعة، لتضاعف الشعور بالهوس والطمع.
مقطوعة «The Trio»
ترافق المقطوعة مشهدَ المواجهة الأخيرة بين الشخصيات الثلاث. وتبدأ بتكرارات نحاسية مترددة، ثم تضيف الأوركسترا طبقات متصاعدة حتى تصل إلى ذروة متوترة، قبل أن ينقطع الصوت فجأةً في صمت يسبق الطلقة الحاسمة.
عبد العزيز خالد

.gif)
اليوم نقول «أكشن» مع هذا المشهد من فِلم «Once Upon a Time in the West» الصادر عام 1968، من إخراج سيرجيو ليوني.
تدور قصة الفلم حول أرملة تُدعى «جيل»، ترث أرضًا تقع في موقع استراتيجي لمدّ خط السكك الحديدية، فتتحول الأرض إلى محور صراع بين رجل الأعمال «مورتون» الساعي للاستيلاء عليها، والقاتل المأجور «فرانك» الذي يتولى تصفية أصحاب الأرض وتهديد الأرملة للسيطرة على الممر الحيوي، والغريب الغامض «هارمونيكا» الذي يدخل الحكاية مدفوعًا برغبة في الانتقام.
ويُعدّ هذا المشهد أحد أقوى مشاهد الفِلم، إذ يُصوَّر في محطَّة قطار شبه مهجورة، حيث ينتظر ثلاثة رجال بوجوه متوترة وصول شخص غريب لا يعرفونه. ويطيل المخرج ليوني لحظة الانتظار بالصمت، وباستخدام لقطات مقرّبة جدًّا منهم.
وعندما يصل القطار، لا يظهر الرجل المطلوب، فيسود صمت ثقيل على المشهد. قبل أن يذهب القطار ويخرج من خلفه «هارمونيكا» وهو يعزف نغمةً قصيرةً من آلته، ويقف في مواجهة الرجال ليبادلهم كلمات قليلة، ثم يطلق النار عليهم ويقتلهم جميعًا.
عندما يتوقف «هارمونيكا» فجأة عن العزف، تدخل موسيقا إنيو موريكوني مباشرةً لتملأ الفراغ السمعي، وتجعل حضوره مهدِّدًا أكثر. وليتحوّل المشهد من صمت واقعي وأصوات طبيعية إلى فضاء سينمائي ملحمي يعلن بداية المواجهة.
وبساطة المشهد قوّته؛ فهو مجرّد رجل يواجه ثلاثة مسلحين ويقتلهم، لكن على المستوى البصري، يُقدِّم ليوني شخصية «هارمونيكا» كطيف أسطوري ينبثق من العدم. أما صوتيًّا، فيجعل موريكوني من آلة الهارمونيكا توقيعًا للشخصية، وعلامةً تنذر بالانتقام أو العنف.
وبهذه البساطة يتحوّل ظهور «هارمونيكا» الأول إلى بيان أسلوبي، ويغدو مظهره وصوت آلته تعريفًا لشخصيته قبل أن ينطق أي كلمة. وعلى عكس البداية البطيئة الثقيلة، انتهت المواجهة بصخب، لتعلن أن هذا الفِلم سيُحكى على إيقاع مختلف تمامًا.
عبد العزيز خالد

فقرة حصريّة
اشترك الآن


في عام 1958، رُشِّح ستانلي كوبريك لإخراج فِلم «ويسترن» مقتبس من رواية «The Authentic Death of Hendry Jones»، لكن المفاجأة جاءت حين أطاح به بطل الفِلم مارلون براندو وتولّى المهمة بنفسه، ليجد نفسه غارقًا في بحرٍ من القرارات المرهقة. فلم يكن براندو قد جرّب الإخراج من قبل، وحوّل المشروع إلى عبء مالي ضخم.
صوَّر براندو الفلم باستخدام تقنية «VistaVision» وبما يصل إلى ستة وسبعين كيلومترًا من الفِلم الخام، أي ستة أضعاف المعدل المعتاد. فارتفعت الميزانية من 1.8 مليون إلى ستة ملايين دولار، وتأخر التصوير أكثر من عامين. وعندما انتهى، كانت النسخة الأولى التي أعدها براندو قد وصلت إلى أربع ساعات ونصف تقريبًا، بل ذكرت بعض المصادر أنها تجاوزت الخمس ساعات. لكنه سرعان ما تخلّى عن مهمة التحرير بعدما «سئم منه»، فقلّصت «باراماونت» الفِلم إلى 141 دقيقة، وصوّرت له نهايةً جديدة.
وفي هذا السياق نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن الفِلم الوحيد الذي أخرجه مارلون براندو، «One-Eyed Jacks» الصادر عام 1961:
دارت الرواية الأصلية حول شخصية «بيلي ذ كيد»، أحد أشهر الخارجين عن القانون في تاريخ الغرب الأمريكي. لكن براندو رفض تجسيد دور بطل شرير، فابتعد النص عن الرواية ليتقاطع أكثر مع وقائع التاريخ. وكتب رود سيرلينق المسودة الأولى، ثم أعاد سام بكنباه صياغتها، قبل أن يُستبعد ليخلفه كتّاب آخرون. ومع هذه الفوضى، علّق الممثل كارل مالدن: «هناك جواب واحد عن سؤال من كتب القصة… مارلون براندو، عبقري زمانه».
ورغم التغيرات، لم يكن براندو راضيًا. إذ صرّح عند صدور الفِلم: «هو فِلم جيّد بالنسبة لهم في "باراماونت"، لكنه ليس الفِلم الذي صنعته أنا… فالشخصيات فيه أصبحت إمّا أبيض أو أسود، وليست رمادية وبشرية كما كنت آمل.»
أصر براندو على أن يعيش الدور في المشهد حرفيًّا، ففي أحد المشاهد التي تتطلّب منه أن يبدو ثملًا، شرب حتى الثمالة لدرجة عجز فيها عن التمثيل أو الإخراج. وحين أعاد التجربة في يوم آخر، كانت النتيجة نفسها. وجلس في تصوير أحد المشاهد بالساعات قرب البحر، منتظرًا أن تصبح الأمواج أكثر «دراميّة» ليظفر باللقطة المثالية.
رغم كل هذا الجهد، كانت النتيجة كارثيةً في شباك التذاكر؛ إذ لم يسترد الفِلم تكلفته البالغة ستة ملايين دولار. ولتعويض الخسائر، أقنع براندو «يونيفرسال» بتحمّل جزء من الخسائر مقابل التزامه بخمسة أفلام لاحقة، وهي: «The Ugly American» و«Bedtime Story» و«The Appaloosa» و«A Countess from Hong Kong» و«The Night of the Following Day». ولم ينجح أي منها تجاريًّا.
مع مرور الزمن، تحوّل الفِلم من إخفاق تجاري إلى عمل كلاسيكي. وفي 2018 أُدرِج في السجل الوطني للأفلام بمكتبة مجلس الشيوخ والنواب الأمريكي بوصفه: «ذا قيمة ثقافية وتاريخية وجمالية.» كما انضم إلى سلسلة (Criterion) (الرقم 844).
عبد العزيز خالد


مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.