رأي العزباء الأربعينية بفلم «Materialists» 💍

ثمة أفلام بطلها الأهم والأوحد هو السيناريو والحوار، وهذا الفلم واحد منها

تصميم: أحمد عيد
تصميم: أحمد عيد

ما رأي العزباء الأربعينية بفلم «Materialists»؟ 💍

إيمان أسعد

في سهرة بيتوتية في عمّان قبل شهرين، وحدي في البناية إلى جانب جارتي التي تعيش وحدها في الشقة أعلاي بعد رحيل زوجها وهجرة أبنائها وزواج بناتها، قررتُ مشاهدة فلم (My Best Friend's Wedding). يستهل الفلم مع مشهد البطلة، ناقدة الطعام الشهيرة، جالسة في مطعم فاخر يحاول صاحبه باستماتة نيل رضاها عن طعامه وخدمته. كانت تشارك الطاولة مع صديق، وتشاركه مخاوفها من تأخرها في الزواج ومواجهة مصير قضاء حياتها وحيدة، فقد بلغت الثامنة والعشرين!

غصّ حلقي ببطاطس عُمان إثر الشهقة المفاجئة على ما سمعت التو على لسان جوليا روبرتس. أولًا لأنها بدت أكبر بكثير من سن الثامنة والعشرين، وثانيًا لأنَّ الثامنة والثلاثين هو السن الأقرب للفزع من فوات قطار الزواج. أو ربما هذا هو الحال الآن وليس قبل نحو ثلاثين عامًا. في الحالتين قطار الزواج فاتني وأنا غادرت المحطة منذ عقد من الزمن وما عادت أمي تدعو لي بالعثور على ابن الحلال؛ ففي أكتوبر سأدخل سن السادسة والأربعين.

لهذا ما كنت لأكترث حقًّا بمشاهدة فلم (Materialists) حين شاهدت إعلانه، والذي بدا نسخة مكررة (مش متعوب عليها) من عصر ازدهار أفلام «الروم كوم» ما بين منتصف التسعينيات والعقد الأول من الألفية. قصة مستهلكة عن حيرة امرأة بمنتهى الجمال «لوسي»، ما بين الزواج من حبيبها السابق الوسيم والكحيان «جون»، أو الزواج من «هاري» الثري الوسيم والطيوب الذي التقته صدفة في زفاف. ما يزيد هذه الحيرة ويجعلها ساخرة أنَّ «لوسي» خطَّابة، أو بالمصطلح العصري (Matchmaker).

لكن أمرين أقنعاني بمنح الفلم فرصة ومشاهدته بصرف النظر عن جودته، وبصرف النظر عن انفصالي العاطفي والعمريّ عن حبكته ومغزاه. أولًا وقبل كل شيء: بيدرو باسكال هو ممثلي المفضل حاليًّا وأنا مولعة به، ولأنَّ الولع أعمى فهو يشفع للرداءة، إلى أن يزول غبش الولع بالطبع إما مع مرور الأيام أو لانكشاف فضيحة تستدعي الكنسلة. ثانيًا، أنَّ الكاتبة والمخرجة هي سيلين سونق، من كتبت وأخرجت فلم (Past Lives)، أحد الأفلام الرائعة التي تحدَّت نمطية حكايا الحب الرومانسية، ولم تخضع في الوقت نفسه إلى سوداوية الواقع وتهكماته. 

هكذا، وبعد انتظار طويل، ذهبت إلى صالة السينما مع أختي وشاهدت الفلم. كنت قد تعمدت ألا أقرأ شيئًا عنه، وخيرًا فعلت، لأنَّ ما شاهدته يختلف تمامًا عمَّا أوحى به الإعلان الدعائي. 

ثمة أفلام بطلها الأهم والأوحد الذي يغطي على الجميع هو السيناريو والحوار، وفلم (Materialists) أحد هذه الأفلام. سيلين سونق، على خلاف الإعلان، لم تتخلَّ عن مسارها الأساسي في تحدي نمطية حكايا الحب الرومانسية. وهذا التحدي لا يتمظهر في قوالب وعظية أو متطرفة، كما حدث مثلًا مع مسلسل (And Just Like That) الذي خضع إلى وعظية ثقافة الـ(Woke) ليصبح المحرك الأساسي في الأحداث ورسم مسار الشخصيات، حدًّا يتحول فيه الحوار إلى نصوص تغريدات. 

فقد منحت سونق أبطال فلمها، من الرجال والنساء، فرصة إظهار مواطن ضعفهم في حيز لا يخضع لثقافة محاكمات المنصات، كما قالت مديرة شركة الخطَّابات للوسي: «ما تسمعينه من هؤلاء النساء والرجال، عن رغباتهم ومخاوفهم، لن يبوحوا به حتى إلى المعالج النفسي.» 

هذا البوح يتجلى مع بداية الفلم حين تسر العروس إلى «لوسي» بالسبب الحقيقي وراء قرارها الزواج ممن اختارته ضمن خدمة المواعدة. لتؤكد «لوسي» للعروس المترددة أنَّ الزواج في نهاية المطاف صفقة تجارية بين طرفين، وحتى تنجح لا بد لكل منهما أن يخرج منها بقيمة، ولكل طرف الحق في أن يقرر ماهية هذه القيمة. 

قد نستهجن منظور «لوسي» المادي، لكن الميزان الاقتصادي لطالما لعب دورًا في ولعنا بالحكايا الرومانسية: نحن نحب الحكاية التي تنتهي بزواج الغني من الفقيرة (Pride and Prejudice)، وتنتهي باختيار المرأة الغنية الشاب الفقير عوضًا عن عريسها الغني (The Notebook). لكن أين الرومانسية في حكاية زواج ثريين، أو في زواج فقيرين؟ 

هذا التطابق، البحث عن التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي، هو ما يصيّر الحب بعيدًا تمام البعد عن مجال «لوسي» المهني، ولا وجود له البتة على الطاولة لدى من يلجأ إلى خدماتها. فالحب قد يكون أصعب شيء، وقد يكون أسهل شيء، في الحالتين هو عنصرٌ غير قابل للقياس في هذه المهنة، الاستثمار الأخطر على الإطلاق، لأنَّ من المستحيل اختزاله إلى أرقام ومعطيات.

ماديَّة «لوسي» في الجمع بين راسين بالحلال تتجاوز القيمة المالية؛ فنحن نعيش في عصر اختزل قيمتنا الجمالية -جسديًّا وروحيًّا وعقليًّا- في أرقام، الطول والوزن والسن والراتب السنوي. اختزلنا إلى صور مثالية ومحتوى حياة استثنائية من الإنجازات والسعادة المصطنعة على إنستقرام وسناب وغيرها من عوالم افتراضية. شيء أشبه بزواج الصالونات في عصور ما قبل منتصف القرن العشرين، وارتدادٌ إلى مخاوفها من العيش عزابًا وعوانس في وحدة قاتمة، تنتهي بالموت وحدنا.

في واقع الأمر، فلم (Materialists) ليس إحياءً لأفلام روم كوم التسعينيات وبداية الألفية، ولا حتى معالجة جديدة عصرية لها. هذا الفلم امتداد لأفلام روايات جين أوستن والأخوات برونتي ومعالجة عصرية لها. ثمة مشاهد بعينها إذا اقتطعتها من الفلم وقارنتها بمشاهد من أفلام تلك الحقبة ستجد أن كل مشهد مرآة عاكسة للآخر. ولا كأنَّ قرونًا من الحداثة مضت على العلاقة ما بين الرجل والمرأة. 

خذ مشهد «هاري» مع «لوسي» على طاولة المطعم الفاخر، بعدما ردت ببرود وبمنتهى الاحترافية على عرضه بمواعدتها بأنَّها في منطق سوق الزواج لا تحمل أي قيمة بالنسبة إليه، وقارنه بالمشهد الذي يفصح فيه «مستر دارسي» لـ«إليزابيث» عن حبه لها رغم عدم استحقاقها هذا الحب إثر تدني قيمتها المادية والاجتماعية مقارنةً بقيمته. بعدها خذ المشهد الذي يفصح فيه «جون» عن إيمانه في قيمته، وعن المستقبل الذي يراه في «لوسي» وتشبثه باحتمال وقوعه رغم كل المعطيات ضده، وقارنه بمشهد «جين إير» وهي تؤكد قيمتها كإنسانة أمام «مستر روشستر» وقيمة حبها له رغم كل المعطيات ضدها. 

هذا التبدل في الهوية الجندرية ما بين الأدوار لا يأتي من باب فرض المساواة في مطلقها، بل لإيضاح المساواة في رهافة الإحساس بانعدام القيمة لدى الرجل والمرأة على حد سواء، لدى الفقير والثري على حد سواء، متى تعلَّق الأمر بالبحث عن شريكٍ للزواج. 

إلى جانب القصة الأساسية المتعلقة بمثلث الحب، نجحت سونق منذ بداية الفلم حتى آخره بإدخال قصة ثانوية عن إحدى عميلات «لوسي» تعزز الحبكة في منعطفاتها الرئيسة. وأفضل ما في هذه القصة الثانوية أنَّ سونق خدعتنا إلى الاعتقاد أنَّ لربما هذه العميلة ستجد نهايتها الرومانسية مع «اليونيكورن» (أي العريس اللقطة بلغة الخطَّابات)، لكن حتى في هذا الخط الثانوي تتحدى سونق النمط الرومانسي لحكايا الزواج غير المتكافئ، وتكرِّس جوهر المغزى من الزواج. لتؤكد أنَّ الإحساس بالوحدة ربما لا يعود إلى سهر أحدنا وحيدًا في شقته على فلم رومانسي مع كيس بطاطس عمان، بل إلى الإحساس بانعدام قيمتنا، واحتياجنا إلى الآخر لكي يمنحنا إياها.

لكن إن كنت تعرف قيمتك، إن كنت تؤمن باستحقاقك لحياة جميلة أيًّا يكن شكلها، مع شريكٍ تحبه ويحبك على متن قطار الزواج أو في سيارة العزوبية مع نفسك التي تحبها وتقدّرها، ستستمتع بقضاء ليلتك في مشاهدة جوليا روبرتس في أواخر عشرينياتها، وتضحك على محاولاتها الكوميدية الفاشلة لاسترداد حبيبها السابق. وستسعد برقصتها الأخيرة في حفل الزفاف مع صديقها الذي بدأنا الفلم معه، مواسيًا إياها بنبرةٍ متهكمة: «الحياة تستمر؛ قد لا نتزوج، قد لا نمارس الحب، لكن يقينًا سنرقص الليلة».


Home Alone» (1990)»
Home Alone» (1990)»

  • يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما السعودية فِلم «القيد»، من إخراج حسام الحلوة، وكتابة أحمد الحقيل، وبطولة سعد الشطي ويعقوب الفرحان وخالد عبدالعزيز، إلى جانب حسام الحارثي وفهد المطيري وابتسام أحمد. ويحكي الفِلم قصة انتقام حدثت في شمال الجزيرة العربية خلال عشرينيّات القرن الماضي.

  • حظي فِلم «The Smashing Machine» بإشادات واسعة في عرضه الأول بمهرجان البندقية السينمائي، خصوصًا على مستوى أداء كل من دواين جونسون وإميلي بلنت. ووُصف العمل بأنَّه مقاربة إنسانية عميقة تضعه في مرتبة أفلام مثل «Raging Bull» و«The Wrestler».

  • أصدرت «Netflix» العرض الدعائي الأول لمسلسلها الجديد «House of Guinness» من ابتكار ستيفن نايت، مؤلف «Peaky Blinders». ويروي المسلسل حكاية عائلة «قينيس»، وتبعات وفاة رئيس مصنع الجعة «بنجامين قينيس». ومن المقرر عرضه في 25 سبتمبر.

  • أُطلِق العرض الدعائي الأول لفِلم «28 Years Later: The Bone Temple»، الذي تدور أحداثه في عالم ما بعد الانقراض ويهدده فيروس الغضب. في ذلك العالم، يجد الصبي «سبايك» نفسه في مواجهة مع طائفة متطرفة تُعرف بـ«معبد العظام» بقيادة «السير جيمي كريستال»، في صراع بين الإنسانية وطقوس الموت داخل مجتمعٍ منهار. ومن المقرر طرح الفِلم في صالات السينما يوم 16 يناير، 2026.

  • أعلنت شبكة «HBO» إطلاق السلسلة المقتبسة من عالم «IT» بعنوان «Welcome to Derry» يوم 26 أكتوبر المقبل.


«The Force Theme»(4:35)

حين الحديث عن موسيقا سينمائية صنعت «هويةً» قبل أن تصنع خلفية، فلا يمكن تجاهل موسيقا «Star Wars» الصادر عام 1977، إذ يكفي أن تسمع ثوانٍ قليلة من افتتاحيته لتستحضر عالمًا كاملًا من الصراع الكوني والمغامرة، حتى تحوّلت الألحان إلى رمز ثقافي يتجاوز الفِلم.

ولم يكن نجاح «Star Wars» مرهونًا بالمؤثرات البصرية أو بناء العوالم وحدها، بل ارتكز أيضًا على موسيقا أعادت للأوركسترا الكلاسيكية هيبتها في زمنٍ مالت فيه هوليوود إلى الأنماط الإلكترونية والتجريبية. فجاءت الألحان جسرًا يربط بين «الميثولوجيا» وأحاسيس الجمهور الحاضر، لتصبح الموسيقا جزءًا من السرد الدرامي.

صانع اللغة السمعية

وُلدت الموسيقا من قلم جون ويليامز، الذي برز قبلها في «Jaws» الصادر عام 1975. واعتمد ويليامز على تقليد «اللايتموتيف»، أي ربط لحن محدّد بكل شخصية أو فكرة أساسية، ليخلق شبكةً من علامات سمعية تُرشد المشاهد طوال الحكاية. 

ولتحقيق هذا الطابع، كتب ويليامز مقطوعات كاملة لأوركسترا لندن السيمفونية، إحدى أبرز الفرق في العالم، وسُجّلت الألحان في استديوهات «Anvil» بلندن. وكان اختيار الأوركسترا الكبيرة ضرورةً لخلق مزيج من القوة النحاسية والدفء الوتري، بحيث تعكس الموسيقا ثقل الأسطورة وتمنحها حضورًا ملحميًّا.

الأوسكار بداية، والخلود نتيجة

لاقت موسيقا فلم «Star Wars» استقبالًا استثنائيًّا منذ عرضه الأول. إذ وجد الجمهور فيها مدخلًا عاطفيًّا يعزّز التجربة البصرية، في حين عدّها النقاد عودةً واعيةً إلى المدرسة السيمفونية الكلاسيكية التي غابت عن هوليوود لسنوات. ولم يقتصر نجاحها على الاستقبال النقدي، بل تُوِّجت بجائزة الأوسكار عن أفضل موسيقا تصويرية أصلية عام 1978، إضافةً إلى القولدن قلوب، وجائزة «BAFTA»، وثلاث جوائز «Grammy’s». كما دخل الألبوم قوائم المبيعات التجارية، ليصبح من أنجح التسجيلات الموسيقية في تاريخ السينما. 

هوية تتجسد في ثلاث مقطوعات

مقطوعة «Main Title»

تبدأ بدفقة نحاسية قوية يتبعها لحن صاعد للأوتار، ما يمنحها إحساسًا بالانطلاق والبطولة. استخدمها ويليامز لافتتاح الفِلم فور ظهور شعار «Star Wars» على الشاشة، لتعلن الدخول إلى عالم ملحمي. كما تعود المقطوعة في لحظات الانتصار والمغامرة، لتعمل بوصفها خيطًا موسيقيًّا يربط شخصية «لوك سكاي ووكر» بمسار البطولة.

مقطوعة «The Force Theme»

تتميّز المقطوعة بلحن شجيّ وبنَفَس تأملي يبدأ بهدوء ثم يتصاعد تدريجيًّا حتى يبلغ ذروةً درامية. وتُستخدم في مشهد «الغروبين» على كوكب «تاتوين»، حيث يقف «لوك» متأملًا أفقه المجهول. ويعود ظهور المقطوعة في لحظات حاسمة، خاصةً مع حضور «القوة» أو ذكرها، لتجسّد رمز القدر والبعد الروحي في السرد.

مقطوعة «Princess Leia’s Theme»

تعتمد المقطوعة على لحن أبواق يرافقه خط نغمي للأوتار، مما يعكس مزيجًا من الرهافة والصلابة. واستُخدمت المقطوعة لتعريف «الأميرة ليا» في بداياتها، مقدّمةً صورةً إنسانيةً مميزةً لشخصيتها. وتظهر المقطوعة مجددًا في مشاهد أخرى مؤثرة، حيث تُضيف للمشهد بعدًا عاطفيًّا.

عبد العزيز خالد


Giphy
Giphy

اليوم نقول «أكشن» مع هذا المشهد من فِلم «The Exorcist» الصادر عام 1973 من إخراج ويليام فريدكن.

يحكي الفِلم قصة الطفلة «ريقان» التي تبدأ في إظهار سلوكيات غريبة ومخيفة، فيُصاب الأطباء بالعجز عن تفسير حالتها. ومع تصاعد الأحداث، تُدرك والدتها أن ما يحدث يتجاوز حدود الطبّ، فتستعين بالأب «كاراس» الذي يعيش أزمة إيمان، قبل أن يلجأ بدوره إلى الأب «ميرين». ومن هنا تتحول غرفة صغيرة في جورجتاون إلى ساحة مواجهة بين البشر والشيطان، وبين الإيمان والشك.

ويبدأ الفصل الأول من الفِلم في مدينة الحضر الأثرية بالعراق، حيث يشارك الأب «ميرين» في عمليات حفرٍ تكشف عن تميمة صغيرة لرأس الشيطان «بازوزو». ويبدأ هذا المشهد مع وصول الأب «ميرين» إلى موقع تمثال حجري ضخم آخر لـ«بازوزو»، حيث يقف «ميرين» وحيدًا في مواجهة صامتة مع الشرّ المتجسد، بينما تهبّ الريح وتتعالى أصوات الكلاب المتصارعة في الخلفية.

ولا يقتصر المشهد على تقديم استكشاف أثري، بل يعلن مواجهة أزلية بين الخير والشر. وبدلًا من أن يبدأ الفِلم مباشرةً من بيت الطفلة «ريقان»، اختار فريدكن أن يوسّع القصة ويبدأ الفِلم من أرضٍ بعيدة، وبحدث يوضّح جذورًا تاريخية عميقة، ليجعل الشرّ أقدم من الحداثة في جورجتاون، وأوسع من مجرد حادثة استحواذ فردية.

والمواجهة الصامتة بين الأب «ميرين» وتمثال «بازوزو» هي إعلان مبكّر عن طبيعة الصراع بوصفه معركة كونية. ويترسّخ ذلك بصريًّا في منتصف المشهد حين يصبح تمثال «بازوزو» حاجبًا للشمس -التي ظهرت أول لقطة في الفِلم- ليخلق صورةً ظلّيةً مرعبة، إيذانًا بدخول عالم محكوم بسطوة الشرّ.

ويرسّخ المشهد النغمة البطيئة والمتوترة التي يسير عليها الفِلم كاملًا. إذ يجمع بين تفاصيل حسّية واقعية ورعب غيبي يفرض حضوره منذ الدقيقة الأولى. كما أنّ حضور الأب «ميرين» بصفته كاهنًا وعالم آثار يضع الإيمان والعِلم وجهًا لوجه منذ البداية، ويؤكّد أن المواجهة القادمة لا تُختزل في طقس ديني فحسب، بل في صراع أوسع.

عبد العزيز خالد


فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن

بعد النجاح الكبير الذي حققته سلسلة «جيمس بوند» في أجزائها الأولى، قرّر شون كونري الانسحاب من الدور بسبب خلافات مالية مع الاستوديو الذي رفض رفع أجره إلى 1.2 مليون دولار. عندها بدأ البحث المحموم عن خليفة جديد لـ«بوند». 

فطُرحت أسماء لامعة مثل تيرنس ستامب وأوليفر ريد، وحتى ديك فان دايك الذي رفض بحُجّة أن «لكنته البريطانية سيئة للغاية». لكن المفاجأة جاءت من عارض الأزياء الأسترالي جورج لازِنبي، الذي اقتنص الدور عبر خدعة جريئة. 

فقد اشترى لازِنبي بدلةً من خيّاط كونري نفسه، وارتدى ساعة رولكس، وقصّ شعره على طريقة «بوند»، ثم قدّم نفسه للمنتجين مدّعيًا خبرةً واسعةً في التمثيل. وبعد تجربة أداء بدنية، اعترف للمخرج بيتر هانت بأنه لم يمثّل من قبل. فردّ الأخير: «لقد خدعت اثنين من أعتى الرجال في هوليوود (المُخرج والمنتج)… إذن أنت ممثل بالفعل»، ومنحه الدور الرئيس في الفِلم.

وفي هذا السياق نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن فِلم «On Her Majesty’s Secret Service» الصادر عام 1969:

  • لم تدُم مغامرة لازِنبي مع دور «جيمس بوند» طويلًا، رغم نيله ترشيحًا لجائزة «قولدن قلوب»، ونجاح الفِلم في تحقيق نحو سبعة وثمانين مليون دولار عالميًّا. فقد وقّع لازِنبي عقدًا لسبعة أفلام، لكنه ظهر في فِلم وحيد فقط بسبب خلافاته مع المنتج ألبرت بروكولي، ومواقفه المتعالية تجاه الصحافة، وإشاعات نزاعه مع الممثلة ديانا رِق، فضلًا عن ظهوره في العرض الأول للفِلم بشَعر طويل ولحية على طريقة «الهيبيز»، في صورة بعيدة عن «بوند» الكلاسيكي.

  •  هذه العثرات جعلت الصحافة تقارنه سلبًا بكونري. وفي عام 1999، عدّت مجلة «TIME» اختياره من بين أسوأ 100 فكرة في القرن العشرين. ولم يكن غريبًا أن يُسجَّل اسمه بوصفه ممثلًا وحيدًا جسّد «بوند» في فِلم واحد.

  • أراد المنتجون بدايةً تبرير اختلاف الممثل بخضوع شخصية «بوند» لعملية جراحية، لكنهم تراجعوا واكتفوا بجملة يوجهها لازِنبي للكاميرا في افتتاحية الفِلم: «هذا لم يحدث مع الزميل السابق»، في إشارة ساخرة إلى تبدّل البطل.

  • في مشهد تجريبي، كسر لازِنبي أنف أحد ممثلي المشاهد الخطرة (يوري بوريينكو) بلكمة حقيقية، وتعويضًا من المُنتجين، منحوا بوريينكو دور شخصية «قرونثر». 

  • تميّز الفِلم بإخراج بيتر هانت، الذي أراد منح السلسلة طابعًا أكثر واقعية، فاستخدم تقنيات تصوير مبتكرة -في وقتها- لـمشاهد الثلج؛ مستعينًا بمصوّر معلّق أسفل مروحية، وآخر يتزلّج بكاميرا محمولة.

  • أُصدر عام 2017 فِلم وثائقي باسم «Becoming Bond»، مقدّمًا رواية ساخرة واعترافية على لسان لازِنبي نفسه، تمتزج فيها مشاهد أُعيد تمثيلها بحوارات صريحة تكشف خفايا صعوده المفاجئ وسقوطه السريع.

عبد العزيز خالد

النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
أسبوعية، الخميس منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+10 متابع في آخر 7 أيام