قد نحزن في عودتنا إلى الوطن ✈️

زائد: كيفك مع أول يوم في توصيل أبنائك للمدرسة؟

لا أتذكر بالضرورة كل تفاصيل أول الأيام في أعوام دراستي، لكن لا يزال بوسعي تذكر المشوار إلى المدرسة عندما رافقني أبي؛ فرفقته كانت سبب حلاوة تلك الصباحات وعذوبتها.

صحيح أن رفقة الآباء لأبنائهم تحسن تجربتهم خلال يومهم الدراسي الأول، ولكن توضح دراسة أن الآباء يستفيدون منها بقدر الأبناء، حيث تمكنهم من كسب وقت إضافي خلال يومهم للتعلم عن أبنائهم وقضاء الوقت معهم، وتطمئنهم عليهم عندما يقابلون معلميهم وبقية زملائهم. 

بمناسبة العودة للمدارس اليوم، نتمنى لقرائنا الطلاب يومًا سعيدًا، مكللًا بالتيسير والتعلم والصداقات الجديدة. ولقرائنا الآباء والأمهات، إن شاء الله صباحكم رايق وطريقكم خالي من الزحمة أثناء توصيلكم صغاركم. 🚗🎒

في عددنا اليوم، أكتب لك عن طريق عودتي للوطن، ومشاعري المتخبطة التي مررت بها في رحلتي. وفي «شباك منور»، تشاركك شهد راشد تجربتها مع شعر الهايكو، وتذكر لك سيرة شاعر عربي تميز به، وزاد عليه. وفي «لمحات من الويب»، نودّعك مع اقتباس عن أهمية ملاحظة فرص الحياة وتعلّمها بدلًا من اقتناصها بشكل دائم، واختبار شخصية يعلمك أي نوع من الخضراوات أنت. 🫑

خالد القحطاني


رسم: الفنان عمران
رسم: الفنان عمران

قد نحزن في عودتنا إلى الوطن ✈️ 

خالد القحطاني

لأمي طريقتها الخاصة في مواساة قلبي. كنت عائدًا إلى أرض الوطن الأسبوع الماضي، بشكل دائم هذه المرة، وليس لإجازة قصيرة كما اعتدت خلال السنوات الأخيرة. أخبرتها قبل رحلتي بما شغل حجرات قلبي الأربعة: في الأذينين، تقبع رغبتي في البقاء في سان فرانسيسكو، بين أصدقائي وجيراني، في المدينة التي اخترتها بنفسي. وفي البطينين، يشدني حنيني إلى العودة إلى تبوك، بين أهلي وأقاربي، في المدينة التي اختارتني بنفسها. 

اكتفيت بإرسال رسالة نصية لها هذه المرة، ولم أرد الاتصال بها كالعادة لكيلا تسمع ثقل حزني في صوتي. ووصلتني منها رسالة صوتية مباشرة، لا تزيد عن أربع وعشرين ثانية، وقالت لي فيها بكل حنية: 

«ما ألومك، ترك المكان والبيت والأصحاب صعب، بس مردك لديرتك وأهلك. أهم شيء تجينا بخير وسلامة.» 

ثقلت قدماي على حملي لمغادرة مدينتي، وصعب عليَّ قبول محتوى رسالتها في البداية؛ فطريق العودة لم يكن سهلًا كما توقعت، ولم يكن قلبي بالخفّة التي أردت عندما عزمت العودة إلى أرض الوطن. فالعودة بعد غياب طويل ليست مجرد رحلة من موقع جغرافي إلى آخر، بل عاصفة نفسية، تشمل رياحًا تشدُّك إلى أحبابك الأوائل والبيئة التي تنتمي إليها من جهة، ورياح تشدك للبيئة التي وجدت نفسك وصوتك فيها من جهة أخرى. 

وأمي كالعادة، معها حق. «مرد الإنسان» بالفعل إلى «ديرته وأهله»؛ فمهما طار بعيدًا عنهما، ووصل إلى أماكن بعيدة رغبةً في رزق أوفر أو في مسكن أشرح، أو ببساطة لفضول يود استكشافه كما فعلت، يبقى عشه أقوى قرب مسقط رأسه، في المكان الذي وضع فيه قشّته الأولى. 

كنت قد سمعت رسالة أمي وأنا بالطريق إلى «تشاينا بيتش» (China Beach)، حيث اخترت قضاء ليلتي الأخيرة في سان فرانسيسكو، برفقة الغروب والأمواج. وبالقرب من الشاطئ، لاحظت مجموعة طيور تحلِّق. رأيت في سلاسة حركتها وطيرانها نحو الشمس الغاربة دون خوف أو تردد بشرى، أو حتى نبوءة. مما جعلني أتساءل: كيف رحلت هذه الطيور من وطن وإلى أي وطن آخر تتجه؟ وما الذي يلهمها الحركة بينهما بكل هذه الخفة؟

طيور تحلق على (China Beach)
طيور تحلق على (China Beach)

يكمن الجواب في ظاهرة «العودة إلى الوطن» (homing). تصف الظاهرة قدرة المخلوقات الحية باختلاف أنواعها على العودة إلى أوطانها بعدما تركتها لغاية تعزز نجاتها، كالاقتراب من ظروف مناخية أو غذائية أفضل. كانت الطيور التي رأيتها حينها تطير من البقعة التي هاجرت إليها، عائدةً إلى أوطانها بعد تحسّن الطقس فيها، وبعد أن أصبحت قادرة على احتوائها من جديد. ها هي تطير أمامي من الموقع الذي وجدت لنفسها فيه حياةً جديدة، إلى الموقع الأول الذي تعلمت فيه الطيران، وكل ما تعرفه عن الحياة. 

وهكذا تكون للطيور قدرة مذهلة على احتضان المجهول بجناحيها بكل شجاعة بعدما تهاجر من وطنها، رغبةً بمستقبل أفضل لها ولأبنائها. ومن ثم تجدها تعود إلى أوطانها بكل انسيابية حين تدق الساعة المناسبة، مستخدمةً ضوء النجوم ومواقعها، أو زاوية انعكاس الشمس لإرشاد طريقها وتيسير صعوبته. وبالرغم من أن العودة إلى وطنها ليست بالأمر اليسير؛ فهو طريق مكلل بتهديد الافتراس وتغلُّب الرياح، تهم عليه الطيور بكل عزم وإصرار، مظهرةً بذلك تكيُّفًا مبهرًا مع الرحيل.

ومثل الطيور، حان وقت رحيلي عن المكان الذي هاجرت إليه، ولمعت نجمة عودتي إلى وطني. يبدو طريق الرحيل عن مدينتي ومسكني وأصحابي صعبًا، مكللًا بالفقد. إلا أنني سأستعيد جزءًا من ذاتي الأولى بعد تجريبه. وهو بالتأكيد ليس بسهولة رفرفة أجنحة الطيور نحو أوطانها، إلا أنني حتمًا سأشعر بنفس خفة طيرانها بعدما أخطو خطوتي الأولى على أرض وطني، خفة تنسيني ثقل قلبي من الرحيل، خفة تزيح ثقل هم أمي من بُعْدي عنها. 


عملاؤك يستاهلون تجربة شراء سهلة وذكية.

توصيل لكل العالم، وتعامل بكل العملات، وربط مع مختلف التطبيقات، ومئات المزايا الأخرى التي تساعدك على توسيع نطاق تجارتك للعالمية. 🌎

سجّل في سلّة، وانقل تجارتك إلى المستوى الذي تستحقّه.


تعرفت على شعر الهايكو قبل سنوات دون التعمق فيه، وحين وقعتُ على كتاب «مهاكاة ذي الرُّمة» علمتُ أني سأستمتع بصحبته، وقد حصل، ففصوله تناقش الهايكو، وتستعرض عشرات قصائده، وتفترض أن شاعرًا عربيًا بحجم ذي الرُّمة كان له السبق في بعض جوانب الهايكو. يقول حيدر العبدالله في أحد فصوله: 📖

  • «لا يتجنّب الهايكو الياباني مواضيع الحب والحرب فقط، بل ويتفادى ذكر الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات، ولا يتطرق للحيوانات والنباتات السامّة والضواري؛ لأنها جميعًا من أشكال المعاناة التي يحاول الزّن تخليصنا منها. وبدل أن يهرب العربي من المعاناة إلى الهايكو، نراه يصر على اصطحاب المعاناة معه.» 🌋💣

  • كتبت على هامش الكتاب ملحوظة تقول: أليس اصطحاب المعاناة إلى الهايكو لمستنا العربية الخالصة؟ والواقع الذي لا نحاول الهرب منه بل توثيقه والحديث عنه وتأمله، فأنا أحترم هذه القدرة في الانفصال عن كل ما يرتبط بالمعاناة والأسى. تخيل أن يكون لك مكانًا ولو بالكلام تلجأ إليه ولا تسمح لنفسك أو لغيرك بتلويثه بالحزن والصراعات والمآسي.🌤️🚪

  • الهايكو الياباني لحظات تأملية لا تُغمض فيها العيون عن الواقع، بل تُقاد للتركيز على أجمل ما يمكن أن يُرى، ولو بخداع الذات ورسم التخيلات لبناء مكان حالم. يقول الهاكي إيسا: «كُمّ ثوبي.. أتظنينه عشبًا أيتها اليراعة؟»، لا يطرد اليراعة، ولا يرى زيّه مجرد زي. كما كتب: «لكل بابٍ ربيع.. يبدأ من الطين العالق بالأحذية»، ناظرًا  إلى الطين على أنه أول علامة لقدوم الربيع المزهر. وأظن أننا لو استبدلنا التأمل المعتاد بعقلية شاعر هايكو، سنستمتع باللحظة، ونتذوق جمال المحيط، ونخرج من هواجسنا لننظر إلى تفاصيل العالم العادية بعينٍ مُستشعرة. 😌🪷

  • عاصر ذي الرّمة فطاحل الشعراء، ولكنه لم يمشِ ممشاهم رغم صعوبة الأمر. لم يحاول منافستهم في الفخر والهجاء مع قدرته المبهرة وتجاربه، بل كان يميل لعالم آخر يتأمل فيه الكون، وينظم أبياتًا عن الضفادع. فحين مرَّ  بعين ماء على عجل وهو يرعى إبله كتب: «عينًا مُطحلبة الأرجاء طاميةً.. فيها الضفادع والحيتان تصطخب»؛ ثم يأتي باشو شاعر الهايكو الكبير بعد ألف سنة ليكتب: «بركة قديمة.. ضفدع ينط.. صوت الماء». رغم مرور ذي الرمّة بالعين دون توقف تأملي طويل، فقد التقط المشهد؛ لم يلتهِ بإبله رغم أنه راعٍ، بل اقتنص لحظةً عابرة ليحكي جمالها، وربما استغرابه منها. هذا الحضور الذي نفقده اليوم. 🐸🌊

  • ينقل الهايكو الياباني في أحيان كثيرة المشهد كما هو، دون تشبيهات ووصوف مبالغ بها، كأنه كاميرا تلتقط مشهدًا بدقة. ويأبى الشاعر العربي أن يستسلم للبساطة، فيضيف الأوصاف ويلوّن الصورة بتفاصيل شاعرية تنقل حتى الصوت، وتمتد تعقيداته للهايكو، حيث كتبت الشاعرة هدى حاجي: «في المتحف.. غزالة محنطة.. ما زالت تعدو». 🦌📷

إعداد🧶

شهد راشد


  • «كل يوم يحمل فرصًا جديدة، وفرصًا ضائعة، وفرصًا قد لا نراها إلا بعد مرور سنوات. الحياة ليست عن الوصول، بل عن الملاحظة، عن التعلم، عن النمو.» بول أوستر

  • سمكة حقيقية (مش ذكاء اصطناعي!)

  • أي نوع من الخضار أنت؟ لعبة تشكف أسرار شخصيتك.

  • الحب مالي بيتنا ومدفينا الحنان


نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+70 متابع في آخر 7 أيام