لماذا لا أريد ذكرى مع جدي 📷
زائد: لديك ما يكفي من الإنجازات في رصيدك

سألوا العصفورة: إلى أي حد تؤثر قلة النوم في أدائك الغنائي في الصباح؟
وردَّت العصفورة: يتأثر سلبًا!
فإذا كانت العصفورة، من لا مهمة لديها صباحًا سوى التغريد أول ساعة من النهار، يتأثر أداؤها سلبًا إذا استيقظت من ليلة مؤرقة، فما بالك بأدائك أنت؟ 🥹
في عددنا اليوم، يبرر محمد الأحمدي رفضه صنع ذكرى مع جده المتوفي. وفي «خيمة السكينة» تطمئننا أريج المصطفى إلى أنَّ في رصيدنا من الإنجازات ما يكفينا للشعور بالطمأنينة والفخر. وفي «لمحات من الويب» نودعك مع اقتباس عن الكلمات التي تدمر كل ما هو عزيز وجميل، ولماذا مجتمعات الهيبي في الستينيات تأثروا بروايات «سيد الخواتم». 🧝🏻♂️
إيمان أسعد

لماذا لا أريد ذكرى مع جدي 📷
محمد الأحمدي
في منتصف ليلة مظلمة، يدخل رجلٌ تشع من حوله هالة ضوء إلى بيتنا. يربت على كتف أبي بهدوء ويهمس في أذنه: «مبارك، جاءك محمد» ثم يستيقظ أبي من حلمه حائرًا. كان الحلم غريبًا، فأنا وُلدت قبل وقوعه بأسبوع، وقد اقترب والداي من الاتفاق على اسم خالد، ولكن الحلم جاء ليقوِّض الاتفاق الذي كاد أن يتم بينهما. ومع مرور الأيام زادت حيرة أبي، ووجب عليه وأمي اتخاذ قرار.
أخذاني إلى جدي، والد أمي، وروى له أبي حلمه. احتضنني جدي بين ذراعيه، وأذَّن في أذني، ثم التفَّ بعينٍ تسبق بسمتها ابتسامة فمه، وهمس لأبي بصوتٍ مرتعش: «خلاص يا بناخي، جاك محمد!»
هذه الحكاية التي لا تمل أمي من إعادة روايتها، ولا أملُّ من سماعها، هي من الذكريات القليلة التي أملكها عن جدي عبيِّد رحمه الله.
«كنت لما أزوره دائمًا أتركك في حضنه لأنه يحب يلعبك، فأكيد أضحكته!»
هكذا أجابت أمي عن سؤالي إن كنت قد أضحكت جدي. وعندما ألحقت السؤال بآخر: «كيف ضحكة جدي؟» لم تسمح لها دموعها أن تجيب. أما سبب أسئلتي المتتابعة، فهو إعلانٌ مُرعِب اعترضني في إنستقرام يعدك بـ«صناعة» ذكرى لك مع أحبابك. ووعده ليس وعدًا بأنك ستعيش قصةً ما، فهو ليس إعلانًا سياحيًّا لوجهة أسطورية أو إعلان صدور لعبة تجمع أفراد العائلة، بل إعلانٌ يعد حرفيًا بصناعة الذكرى عن طريق الذكاء الاصطناعي؛ سيحيي الفلتر صورتك مع أحد أحبابك بتحويلها إلى فيديو.
من خلال الفلتر الموضوع على الإعلان، تعرف أن الصور المقصودة هي في الزمن الماضي، ومعظمها صور لأحباب متوفين. ففي الفيديو الإعلاني صورة ثابتة لشخص مع مسن متوفى، تدب الحياة فجأة في الصورة فيضحك المسن ويحتضن الشخص الآخر، لينتهي الفيديو بعبارة فحواها «اصنع الذكرى».
لما رأيت الإعلان تذكرت أحد أفلامي المفضلة «بليد رنر 2049» (Blade Runner 2049)، الجزء الثاني من فلم «بليد رنر» (Blade Runner)، والذي يحكي قصة عالمِ خيالٍ علمي مبني على رواية «هل تحلم الروبوتات بخراف آلية؟» (Do Androids Dream of Electric Sheep).
في هذا الفلم آلات تسمى «النُّسَخ» (Replicas) لها أجسادٌ وذاكرة بشرية، تعيش وتموت وتدمي وتتذكر. مثلنا؟ تقريبًا مثلنا، باستثناء فوارق بسيطة، يكمن أحدها في تكوين ذكرياتها؛ فكل الأحداث التي تتذكرها النسخ أحداثٌ مزيفة زرعها مختصون. (والمدهش في حالتنا مع فلتر الذكاء الاصطناعي أن الآلات من سيزرع فينا ذكريات زائفة!)
في الفلم تزهد الآلة بذكرياتها فور معرفتها بزيفها، وأحيانًا تُصاب بالذعر وتقرر قرارات مناهضة لآليتها. تبدأ البحث عن معانٍ إنسانية أصيلة، بل وتسخر وتستخف بالذاكرة المزروعة التي لا تملك نفس وزن الذاكرة الحقيقية.
من جهة أخرى، أثار الإعلان فيَّ سؤالًا لطالما طرحته على نفسي: بما أني لم أرَ جدي، هل يحق لي رثاؤه والحزن عليه؟
أعرف أن اتصالي به حقيقي من خلال اسمي الذي حسم اختياره، أو حديث من هم حولي عنه «عم عبيّد الرجّال الطيب ما يآذي نملة»، أو المواقف التي جمعتني به رضيعًا، أو قبل ولادتي حتى، عندما كان يضع يده على بطن أمي ويضحك حينما أتحرك. كأني أعرف اقتراب رحيله، فرغبت في الخروج في أسرع وقت لأقضي معه أطول وقت ممكن.
كل هذه المواقف خلقت رابطة حقيقية تعجز عنها آلة تحرِّك صورتي وصورته، وتجعلني أحتضنه رقميًّا.
عن نفسي، لا ذكريات لي مع جدي. فقد توفي وأنا في الشهر العاشر، لا تجمعني به أي صورة، ولا أعرف عنه إلا حكايات أمي. وحتى إن تطوَّر ذلك البرنامج إلى جمع اثنين في صورة، وتحريكها، وصناعة واقعٍ افتراضي كامل لهما، بل وإن استطاع تشييد عالم كامل أستطيع فيه مشاهدة وصف أمي، وأراني في حضنه وهو يضحك، فلن تكون تلك الذكرى حقيقية، ولن تحمل ربع ثقل إحدى حكاياتها. فالذكرى التي ورثتها حقًا هي تلك اللحظات التي جمعتنا، وشهدت عليها ذاكرة أمي.
وعلى عكس الإعلان الدستوبي، حكايات أمي عن جدي بشريَّة جدًا، بصدقها، ودفئها، وحتى مع مبالغات الأم التي تنقل إلى بِكْرها قصصًا جمعته بأبيها. حكايات أستطيع بعاطفتي، لا بصناعة آلة، أن أتخيلها وأعيشها وأتذكر جدي بها.

عملاؤك يستاهلون تجربة شراء سهلة وذكية.
توصيل لكل العالم، وتعامل بكل العملات، وربط مع مختلف التطبيقات، ومئات المزايا الأخرى التي تساعدك على توسيع نطاق تجارتك للعالمية. 🌎
سجّل في سلّة، وانقل تجارتك إلى المستوى الذي تستحقّه.


إنما السَّيل اجتماع النقط
في كثير من الأيام، يمر عليَّ الوقت مزدحمًا، لا أدرك فيه نفسي إلا عند انتهاء اليوم وأنا أتأهب للنوم. يصيبني أحيانًا تأنيب ضمير لقلة إنجازاتي اليومية الملموسة، لكن أكثر ما يهوِّن عليّ هو استذكار الهدف الأكبر، وأنَّ «السَّيل اجتماع النقط».
فهذا السعي اليومي المتواصل، الذي يكمن معظمه في إنجازات صغيرة لا يلحظها غيرنا غالبًا، بدءًا من إعداد طعام منزلي نظيف، والالتزام بالمواعيد الشخصية للقراءة أو الرياضة أو حتى الاسترخاء، والحفاظ على التواصل مع من نحب، وإبقاء الذهن متقدًا لملاحظة كل ما قد يلهمنا لنكتب عنه أو نرسمه أو نتفكر فيه، والإصرار على اقتطاع وقت مدروس من اليوم لشرب قهوة مع من نحبّ... كلها إنجازات تستحق أن نحترم انضباطنا والتزامنا بأدائها.
ولا نقع في الفخ مرة أخرى، فنظن أن الانضباط الحقيقي يقتصر على مواقف مرئية أو محسوسة؛ بل إن أعظم مظاهره قد تبدأ من الداخل: في ضبط مشاعرنا وتهذيب تمردها وسخطها أحيانًا، وفي الطبطبة على الروح القلقة لتتأمل، وتوقن أكثر بمعية الله في كل حين.
كل ذلك هو نقطة في سيلٍ كبير قادم، يدعونا لأن نرفأ بأنفسنا، ونقدر جهودنا مهما بدت صغيرة، ونستذكر دومًا حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
«لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه»
قيل: وكيف يذل نفسه؟ قال: «يتعرض من البلاء لما لا يطيق.»
تذكير نبوي بأن لا نحمِّل أنفسنا ما لا تطيق، ولا نصر على خوض ما يستنزف طاقاتنا لرصِّ مزيد من الإنجازات... فبعض الأيام تستحق منا التأني، أو حتى التوقف، لنبصر حاجتنا إلى الراحة، لا الجهد.
إعداد 🧶
أريج المصطفى

«متى أدركنا أنَّ للكلمات أن تدمر شيئًا جميلًا وصالحًا ومذهلًا وعزيزًا، أنَّ بامتناعنا عن الكلام ممكن أن نتفادى أذية الآخرين ولو بخدش، سيسهل علينا حينها الالتزام بالصمت.» روبرت فالسر
لماذا أفلام ديستوبيا الخيال العلمي تعتمد الأجواء التقنية الآسيوية؟ الجواب: استشراق التكنو.
ليس السير واقف في عمَّان؟
ليه مجتمعات الهيبي في الستينات تأثروا بروايات «سيد الخواتم»؟
لما الواحد يحب يصعِّب الأمور على نفسه.

من يتحمَّل قرار إنعاش جدي في أيامه الأخيرة؟
أرح عقلك من عجلة الإنجاز.


نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.