عرّاب السينما الكورية

«ثلاثية الانتقام» نقلت السينما الكورية إلى العالمية

قال جعفر بناهي مرة في منتصف حديث كان يحاول فيه حكاية قصة فِلم يريد صناعته: «إذا كان بإمكاننا رواية فِلم بالكلام، فلماذا نصنع فِلمًا؟»

قال بناهي تلك الجملة حين كان تحت الإقامة الجبرية في إيران وممنوعًا من صناعة الأفلام. وكأنه أوصل في ذلك الحديث رسالة مهمة: الأفلام لا يمكن أن تُصنع بالكلام. 

ما زاد قناعتي حينها بأن التنظير لا يطوّرك أو يجعلك صانع أفلام جيدًا، بل إن صناعة الأفلام فعليًّا هي الطريقة الوحيدة لذلك.

نايف العصيمي


تصميم: أحمد عيد
تصميم: أحمد عيد
  • يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما السعودية فِلم «I Know What You Did Last Summer»، ويحكي الفِلم قصة مجموعة من الأصدقاء يُرهبهم مُطارِد يعرف بحادثة مروعة من ماضيهم.

  • كما يُعرض في اليوم نفسه فِلم «Smurfs»، ويحكي الفِلم عن اختطاف «بابا سمرف» على يد الساحرَين الشريرين «رازميل» و«قارقاميل»، فتقود «سمرفيت» فريقًا من السنافر في مهمة إلى العالم الحقيقي لإنقاذه.

  • سجّل فِلم «Superman» إيرادات تجاوزت 220 مليون دولار على مستوى العالم خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى من عرضه.

  • يستعد المخرجان جوزيف وفانيسا وينتر، المعروفان بفِلم «Deadstream»، لإخراج عمل جديد ضمن سلسلة الرعب الشهيرة «Amityville».

    عبد العزيز خالد


Sympathy for Mr. Vengeance» (2002)»
Sympathy for Mr. Vengeance» (2002)»

هل يمكن لمشهد شبه صامت أن يكون أكثر إزعاجًا من مشهد دموي؟

في فِلم الرعب الكوري «Thirst» الصادر عام 2009، تتراجع صورة مصّاص الدماء إلى الخلف، وتظهر الموسيقا عنصر التوتّر الأبرز فيه. ولا يعتمد الفِلم على المؤثرات المعتادة في أفلام مصاصي الدماء، بل يزرع القلق من خلال عزف منفرد على آلة «الريكوردر» (ناي خشبي صغير من عصر الباروك)، أو من خلال أغنية تروت قديمة تتردد من راديو داخل منزل تقليدي.

لا يكتفي الفِلم بعكس الصراع بين الرغبة والإيمان فقط، بل يجعل الموسيقا نفسها جزءًا من هذا الصراع؛ فهي تُجسّد الممنوع، وتُفسّر الصمت، وتُكثّف التوتّر. وتُستخدم إشارة مبكّرة لما سيحدث. فحين يعزف البطل، يكون الأداء جزءًا من قراراته الأخلاقية المتضاربة. أما أغاني التروت الشعبية، فتُستخدم لخلق شعور بالركود والاختناق، وتضخّم التوتر داخل المساحات المغلقة.

كيف كُتبت موسيقا الفِلم؟

أسند بارك تشان ووك مهمة التأليف الموسيقي إلى شريكه المعتاد جو يونق ووك، الذي سبق أن رافقه في أفلام مثل «Oldboy» و«Lady Vengeance». وكعادته، لم يعتمد جو على أوركسترا ضخمة، بل استخدم آلات محدودة بتركيز شديد. أبرزها الريكوردر والآلات الوترية، مع توظيفٍ مدروس لموسيقا «التروت» الكلاسيكية، التي ترتبط في الثقافة الكورية بالحزن والحنين والتقاليد الاجتماعية.

أُنتجت أغلب المقطوعات الأصلية بعد التصوير، بما يتناسب مع وتيرة التحرير وتحوّلات المشاهد. أما المقطوعات المقتبسة، مثل كانتاتا «يوهان سباستيان باخ»، فجرى دمجها داخل الأحداث نفسها، بحيث تُعزف من الشخصية نفسها أو تُذاع عبر جهاز راديو في المشهد نفسه.

مؤلف يُلمّح ولا يصرّح

لا يحظى جو بشهرة واسعة خارج كوريا، مع كونه أحد أبرز الملحنين في السينما الكورية الحديثة. ويميل جو إلى بناء موسيقاه حول التوتّر الداخلي، ويستخدم إيقاعات غير تقليدية، ويمزج الكلاسيكي الغربي مع الآسيوي التقليدي، راسمًا طبقات شعورية معقّدة دون اللجوء إلى التهويل أو المباشرة.

ثلاث مقطوعات تكشف روح الفِلم

هذه المقطوعة مأخوذة من كانتاتا دينية ألّفها يوهان سباستيان باخ عام 1727، تُؤدَّى بصوت منفرد وتعبّر عن التوق إلى الموت بوصفه خلاصًا روحيًّا. يعزفها البطل بنفسه على آلة الريكوردر، في لحظة يبدو فيها متمسكًا بإيمانه. لكنها تتكرر لاحقًا كموسيقا تحوّله، لتبين تناقضه بوصفه رجلًا يُصلّي من أجل الخلاص، ثم يقتل ليبقى حيًّا.

تُستخدم في الفِلم عبر جعلها موسيقا خلفية تَظهر أثناء مونولوج صوتي داخلي للبطل. وتتميّز بنغمة خافتة وبطيئة تعتمد على الوتريّات، لتضفي شعورًا بالانغلاق والتوتّر، وتُعزز الصراع النفسي العميق لدى الكاهن وهو يتأرجح بين الإيمان والرغبة، دون أن تصرف الانتباه عن صوته أو تفكيره.

تظهر في مشهد تعافي الكاهن «سانق هيون» من مرضه، بعد خضوعه لعلاج تجريبي يُعيد له الحياة، لكنه يحوّله في الوقت نفسه إلى مصّاص دماء. تبدأ الموسيقا بإيقاع بطيء ومتكرر، وتُرافق المشهد بهدوء متوتر دون تصعيد درامي. ولا تقدّم المقطوعة التحوّل بوصفه معجزة، بل لحظة غامضة ومربكة.

عبد العزيز خالد


Giphy
Giphy

اليوم نقول أكشن في هذا المشهد من فِلم «Oldboy» الصادر عام 2003.

تبدأ قصة الفِلم حين يُختطف «أوه ديسو» ويُسجن في غرفة صغيرة لمدة خمسة عشر عامًا دون تفسير، ثم يُطلَق سراحه فجأة. ولا يعرف «ديسو» مَن سجنه أو لماذا، لكنّه يخرج محمّلًا بالغضب، ويبدأ في تتبّع خيوط الغموض التي تقوده إلى شبكة معقّدة من الذكريات والخدع. وكلما تقدّم خطوة، بدا كأنّه لا يقترب من العدو فقط، بل يغوص أعمق في ذاته.

في منتصف رحلته للانتقام، يصل «ديسو» إلى لحظة مواجهة مع مجموعة من الرجال داخل ممر ضيّق، مسلّحًا بمطرقة فقط، ليبدأ هنا أحد أروع المشاهد القتالية في تاريخ السينما. ويُصوَّر هذا المشهد بطريقة أشبه بلقطة مأخوذة من لعبة فيديو ثنائية الأبعاد، حيث تتابع الكاميرا الحركةَ من زاوية جانبية واحدة أفقيًّا، وكأنها داخل شاشة «أركيد». لكنّ ما يحدث في المشهد ليس مسليًّا بقدر ما هو مرهق ومتوتّر؛ فتتعثّر الضربات أحيانًا، وتأتي كل خطوة بثقل، وكأنّ «ديسو» ينهار شيئًا فشيئًا.

ما يجعل المشهد بهذه القوّة هو صراحته؛ فالموسيقا ليست صاخبة، ولا توجد مؤثرات صوتية مبالغ فيها، ولا خدع تحريريّة تخفّف من حدّته. وتشعر أن «ديسو» لا يقاتل بقدر ما يحاول جرّ نفسه إلى نهاية الممر، أو إلى نهاية رحلة في داخله.

تحدّث بارك تشان ووك في إحدى مقابلاته عن تصوير هذا المشهد، وأشار إلى أنهم نفّذوه في أقل من خمس عشرة محاولة خلال يومَي تصوير فقط، دون أن يحصلوا على نسخة «مثالية» من الناحية التقنية، ولكنه اختار الاحتفاظ باللقطة لأنّ ما فيها من ارتباك وتعب واضح كان أكثر صدقًا مما تسمح به المثالية؛ إذ أراد أن يشعر المُشاهد بثقل الجسد، لا برشاقة الأداء، وأن يرى العراك كما يحدث فعلًا؛ مليئًا بالأخطاء والتردّد.

وحتى اختيار العصيّ الخشبية أسلحةً لم يكن تفصيلًا عابرًا؛ إذ يقول بارك تشان ووك إن العصابات في كوريا غالبًا ما تلجأ إلى أدوات أقل لفتًا للأنظار قانونيًّا، مثل العصيّ ومضارب البيسبول. ولم يكن هذا الخيار دقيقًا واقعيًّا فقط، بل أضفى على المشهد طابعًا محلّيًّا ملموسًا.

عبد العزيز خالد


فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن

قبل أن يُصبح بارك تشان ووك أحد أبرز المخرجين في كوريا الجنوبية، كان طالبًا في قسم الفلسفة بجامعة «سوقانق»، حيث أسّس ناديًا للأفلام نشر من خلاله مجلة يكتب فيها مقالات نقدية. وجاء هذا القرار بعد مشاهدته لفِلم «Vertigo» لهيتشكوك، إذ كان الفِلم كافيًا لإقناعه بأن السينما ليست وسيلة للتسلية، بل طريقة لرؤية العالم والتعبير عنه.

لم يدخل بارك مجال الإخراج من الباب الكبير، بل عمل أولًا مساعد مخرج، في حين كان يعيش على دخل متواضع من الكتابة النقدية. وكانت أولى تجاربه الإخراجية في «The Moon Is… the Sun’s Dream» و«Trio»، فشلًا تجاريًّا وفنيًّا، حتى إنه فكّر جديًّا في التوقف عن الإخراج.

لكن في عام 1999، أخرج بارك فِلمًا قصيرًا بعنوان «Judgment»، عُرض في مهرجانات سينمائية دولية، وأثار اهتمام شركة الإنتاج الكورية «Myung Films»، التي كانت تستعد لتحويل رواية «DMZ» إلى فِلم طويل عن التوتر بين الكوريتين. وعرضت عليه الشركة فرصة إخراج المشروع رغم إخفاقاته السابقة، لتميّزه الواضح من خلال الفِلم القصير.

وكان فِلم «Joint Security Area» بمثابة الفرصة الأخيرة بالنسبة لبارك، ووصفه هو لاحقًا بأنه «الفِلم الذي أنقذ مسيرته.» وعُرض الفِلم في عام 2000، فجاء توقيته مواكبًا لتحسّن في العلاقات بين الكوريتين، ما جعل الجمهور أكثر استعدادًا لتقبّل فِلم سياسي عن الجنود من الطرفين. 

فحقق «Joint Security Area» نجاحًا استثنائيًّا، وأصبح الأعلى دخلًا في تاريخ السينما الكورية آنذاك، ومهّد لانطلاق بارك عالميًّا مع ثلاثية «الانتقام» التي بدأت بعدها مباشرة. حتى وقف عام 2004 على منصة مهرجان كان، ليستلم «الجائزة الكبرى» (Ground Prix) عن فِلمه «Oldboy».

وبهذه القصة نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن «كوروساوا كوريا»، المخرج بارك تشان ووك:

  • كتب بارك تشان ووك مقالات نقدية في عدة مجلات سينمائية كورية، ونشر كتابًا بعنوان «The Pleasure of Watching Films» يضم مقالات يُثني فيها على أفلام كلاسيكية ويعبر عن آرائه حول «ثقافة الفِلم الأقل شهرة»، مسلطًا الضوء على قيمتها الفنية رغم الانتقادات التي قد تواجهها. وأكّد في تصريحاته أنه كان يركّز في نقده على الأعمال التي يحبها فقط؛ إذ كان يَعدّ الكتابة عن الأفلام السيئة مضيعة للوقت.

  • لم يخطط بارك للعمل في الإخراج في بداية حياته المهنية، بل كان يسعى لأن يصبح أستاذًا جامعيًّا في النقد السينمائي. وحتى بعد تخرّجه، ظل يتقدّم لوظائف تعليمية إلى أن جاءته فرصة العمل مساعد مخرج، فغلبه الفضول العملي على المسار الأكاديمي.

  • نجاح «Joint Security Area» لم يكن فقط تجاريًّا، بل غيّر نظرته للإخراج. فقد قال إنه قرّر بعد هذا الفِلم أن يصنع أعمالًا تعبّر عن ذائقته هو، لا ما يعتقد أن الجمهور يريده.

  • بنى بارك تشان ووك أسلوبًا بصريًّا لأفلامه يمكن لأي شخص تمييزه، ويعود هذا التماسك لحفاظه على تعاونه مع مدير تصوير ومونتير ومصممة إنتاج ثابتين منذ فِلم «Oldboy». 

  • كثيرًا ما يستشهد بارك بالأدب الكلاسيكي مرجعًا لأعماله. وقد ذكر في مقابلات تأثير دوستويفسكي وكامو وبيكيت في تكوينه الفكري. بالإضافة إلى كونه حاصلًا على شهادة أكاديمية في الفلسفة.

  • نشأ بارك في عائلة كاثوليكية، وصرّح أن خلفيته الدينية تظهر بشكل غير مباشر في بعض أعماله، كما في فِلم «Thirst» الذي يحكي قصة كاهن يتحوّل إلى مصاص دماء، في قالب «أخلاقي - وجودي».

  • بعد أن عُرف بارك عالميًّا، أخرج أول أفلامه بالإنقليزية «Stoker» عام 2013، وتلاه مسلسل «The Little Drummer Girl» الصادر عام 2018. لكنّه صرّح بعدها أنه يُفضّل العمل باللغة الكورية، لما فيها من تعبيرات جسدية ولغوية لا يمكن نقلها بالكامل إلى الإنقليزية.

  • في عام 2022، نال بارك جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان عن فِلم «Decision to Leave»، مؤكّدًا بذلك مكانته بوصفه أحد أبرز المخرجين في تاريخ السينما.

عبد العزيز خالد

النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
أسبوعية، الخميس منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+20 متابع في آخر 7 أيام