هل تتحكم أوبك في أسعار النفط

منظمة تتحكم في شريان الطاقة، تُلام على أزمات الاقتصاد، لكنها قلصت استهلاك النفط، وأسهمت دون قصد في حماية البيئة.


أوبك، منظمة تأسست في بلد عربي، وتقود قطاع الطاقة في العالم منذ أكثر من ستة عقود. واسم يرتبط مباشرة بأسعار النفط، واستقرار الأسواق، وميزانيات الدول الكبرى والصغرى على حد سواء.

تأسست أوبك عام 1960 في بغداد، لتكون صوت الدول المصدّرة للنفط أمام شركات النفط العالمية والدول المستهلكة. ومع مرور الزمن، تحوّلت من مجرد تكتل نفطي إلى كيان سياسي واقتصادي، قادر على تحريك الاقتصاد العالمي بقرارات تُتخذ في اجتماعات مغلقة.

لكن السؤال اليوم: هل ما زالت أوبك تملك هذه القوة؟ أم أن العالم تغيّر مع ظهور الطاقة المتجددة والنفط الصخري والضغوط البيئية؟ وكيف تتعامل المنظمة مع التحديات الجديدة للحفاظ على مكانتها؟

في هذه الحلقة من «بيت آل جادي»، مع محمد آل جابر وهادي فقيهي، نفتح ملف أوبك من التأسيس حتى تحديات الحاضر، لنفهم كيف تُدار أسواق النفط، وكيف يمكن لبرميل نفط واحد أن يُحدث فرقًا في اقتصاد العالم. 🛢️


خطف وزير سعودي من مقر أوبك

فيينا، ديسمبر 1975. 

في قاعة الاجتماعات بمقر أوبك، كان الوزراء مجتمعين في جلسة ختامية للنقاش حول ملفات النفط التي تهم العالم كله. كانت الأجواء رسمية، والجميع منصت.

وفجأة، فُتح باب القاعة بقوة، ودخل ستة مسلحين، يتقدمهم رجل مشهور عُرف لاحقًا باسم «كارلوس الثعلب»، عيونهم تراقب المكان بدقة، وأيديهم على الزناد.

صرخ كارلوس: «ليبقَ الكل في مكانه… وإلا أطلقنا النار!». انقلب المشهد في ثوانٍ؛ وقف بعض الوزراء مذهولين، وانحنى الآخرون للاحتماء خلف الطاولات. الأوراق تناثرت، والصمت الذي كان في القاعة صار ضجيجًا وصياحًا.

احتجز المسلحون نحو ستين رهينة، من بينهم وزير البترول السعودي، أحمد زكي يماني. بدأ كارلوس تقسيم الوزراء إلى مجموعات: دول صديقة، ودول عدوة، ودول محايدة. ثم أعلن مطالبهم: بيان يُذاع لدعم القضية الفلسطينية، وطائرات لنقلهم مع الرهائن.

استمر الوضع متوترًا نحو 46 ساعة. بعدها، نقلوا الوزراء وغيرهم من الوفود في حافلة إلى مطار مهجور، ثم أقلعت طائرة بهم إلى الجزائر. وهناك، نزل وزير النفط الجزائري، ثم واصلوا الرحلة إلى ليبيا، ومنها حاولوا التوجه إلى تونس، لكن السلطات التونسية منعت هبوط الطائرة وأغلقت المدرج. عادت الطائرة إلى الجزائر، وبدأت مفاوضات جديدة. وفي النهاية، استطاع المسؤولون الجزائريون إقناع كارلوس بالإفراج عن الرهائن مقابل مساعدات مشروطة. 

لكن، خلف هذه القصة كان هناك أمر أخطر. فبعد سنوات، اعترف كارلوس بأنه كانت لديهم أوامر بإعدام أحمد زكي يماني في نهاية العملية. وقد صدرت هذه الأوامر من ثلاث جهات: دولة عربية، وتنظيمان من منظمة التحرير الفلسطينية. وقد رفض كارلوس ذكر اسم الرئيس العربي الذي أصدر الأمر.

كانت هذه واحدة من أخطر عمليات الخطف التي حصلت في مقر أوبك، وخلّفت أثرًا سياسيًّا كبيرًا في ذلك الوقت.


«برق» محفظة تقنيّة ماليّة💸

الخدمات، البطاقات، والمنتجات ما عليها أي رسوم.

والكاش باك، على الحوالات الدولية وتحويل رواتب العمالة، وبطاقة فيزا ومدى!

محفظة .. تعطيك ما تأخذ منك!


تصميم: أحمد عيد
تصميم: أحمد عيد

كيف فتحت أزمة النفط الطريق لتويوتا؟ 🚗

من محمد ✍🏼

قبل السبعينيّات، كان الأمريكي يرى السيارة الكبيرة رمزًا للفخر والقوة. محرك أكبر؟ وزن أثقل؟ يعني ذلك أنك تعيش «ملكًا». لم يكن يفكّر أحد في مدى استهلاكها للبنزين، لأن البنزين كان رخيصًا جدًا، إلى درجة أن الناس يملؤون سياراتهم دون حتى أن ينظروا إلى عدّاد المضخة.

لكن، تغيّر كل شيء مع أزمة النفط (حين أوقف العرب تصدير النفط إلى الغرب عام 1973). فقفزت الأسعار من نحو 3 دولارات للبرميل إلى نحو 12 دولارًا في وقت قصير جدًا. وكانت القفزة الأولى بنحو 80% في حين تجاوزت الثانية 130% ولم يتمكّن اقتصاد ضخم مثل أمريكا من استيعاب هذا الارتفاع المفاجئ بهذه السرعة.

وفجأة، بدأ الأمريكي يهتم باستهلاك البنزين للمرة الأولى. وبدأ حتى أسلوب حياة الأمريكيين يتغيّر؛ إذ كانت مدنهم مبنيّة على فكرة أن البنزين رخيص، وأن الناس يسكنون بعيدًا عن مراكز المدن. لكن مع الطوابير الطويلة في محطات الوقود، باتوا مضطرين إلى إعادة حساباتهم: هل يغيّرون سياراتهم؟ أو حتى مكان سكنهم؟

وبسبب الأزمة، بدأت الحكومة الأمريكية تضع قوانين صارمة تقلّل استهلاك البنزين في السيارات (CAFE standards). كانت أمريكا تستهلك قبل الأزمة نحو 16.3 مليون برميل يوميًّا، وبلغت الذروة في عام 1980 عند 17 مليون برميل يوميًّا، لكن الاستهلاك انخفض بعدها، ولم يعد إلى مستوياته إلا في نهاية التسعينيّات.

وهنا كانت فرصة تويوتا الكبرى، إذ كانت سياراتها صغيرة وخفيفة وتستهلك وقودًا أقل بكثير، وكانت مطروحة أصلا في السوق الأمريكية، لكنها لم تكن تلقى اهتمامًا كبيرًا. ولكن بعد الأزمة، قفزت مبيعاتها قفزة هائلة؛ لأن الناس صاروا يبحثون عن سيارات اقتصادية توفّر استهلاك البنزين. هذه اللحظة كانت بداية صعود تويوتا في أمريكا، وهي التي جعلتها تتحوّل من شركة يابانية غريبة إلى واحدة من أكبر شركات السيارات في العالم، تنافس فورد وجنرال موتورز في عقر دارهما.

والذي أريد إيصاله هنا: مهما تعلّق الناس بعاداتهم، فإن الواقع الاقتصادي يفرض نفسه ويغيّر السلوك. فأزمة النفط غيّرت تفكير الأمريكيين، وجعلت تويوتا تتحوّل من اسم ياباني غريب إلى رمز للسيارات الاقتصادية.

أوبك صديقة للبيئة

من هادي ✍🏼

حين نسمع كلمة «أوبك»، يخطر في أذهاننا غالبًا أنها تجمعٌ لدول نفطية يهمها رفع الأسعار وتحريك أسواق الطاقة. لكن ما لا يتحدّث عنه الناس كثيرًا هو أن لأوبك أثرًا بيئيًّا كبيرًا على الكوكب.

والسياق هنا مهم: يعتمد العالم على النفط اعتمادًا ضخمًا منذ قرن ونصف. ففي عام 2021 مثلًا، كان قطاع النفط مسؤولًا عن أكثر من 40% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يتسبب بها البشر. لكن ليست كل انبعاثات النفط ناتجة عن الإنتاج ذاته؛ إذ إن أكثر من 80% من انبعاثات النفط تأتي من استهلاكه النهائي، حين يحرق الناس البنزين والديزل وغيرهما في السيارات والمصانع والطائرات.

وهنا يظهر دور أوبك، فطوال العقود الماضية، استخدمت أوبك قوتها السوقية لتقييد إنتاج النفط ورفع أسعاره. صحيح أن ذلك انعكس على جيوب المستهلكين النهائيين، لكنه في الوقت نفسه قلّل من إجمالي استهلاك النفط عالميًّا، وبذلك قلّل الانبعاثات.

في بحث نُشر في «NBER» مطلع عام 2025، استخدم بيانات هندسية من «Rystad Energy» وحسابات تفصيلية لانبعاثات النفط في مختلف مناطق العالم، خلص إلى نتيجة مثيرة: إن تصرّف أوبك بضبط الإنتاج عالميًّا من 1970 إلى 2021 قلّل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 70 مليار طن. وهو رقم ضخم جدًا، يعادل تقريبًا أربع سنوات من استهلاك النفط الحالي، أو نحو سنة وسبعة أشهر من إجمالي انبعاثات العالم بأسره. ولو حسبنا ذلك بقيمة الأضرار البيئية باستخدام ما يُسمّى «التكلفة الاجتماعية للكربون» (التي تبلغ نحو 60 دولارًا لكل طن CO₂)، لبلغت الفاتورة نحو 4 تريليونات دولار.

وهناك جانب آخر مهم: إنتاج النفط لدى أوبك أنظف من إنتاجه في دول أخرى. مثلًا، السعودية وقطر والإمارات (دول ضمن منظمة أوبك) تنتج نحو 0.54 طن CO₂ لكل برميل نفط، في حين يصل الرقم في كندا (دولة خارج أوبك)  إلى 0.57 طن، وفي أمريكا (دولة خارج أوبك) يرتفع إلى 0.63 طن. والسبب أن حقول أوبك غالبًا أرخص وأقل استهلاكًا للطاقة.

وقد حسب الباحثون ذلك حتى على تغيّر المناخ مباشرة، فلو لم تسعَ أوبك لتقليل الإنتاج، لكان من الممكن أن ترتفع حرارة الأرض بنحو 0.028 درجة مئوية في عام 2021. وهو رقم يبدو صغيرًا على الورق، لكنه كبير الأثر إذا تراكم على مدى العقود القادمة.

والأهم: تُظهر الدراسة أن التخفيض الذي حققته أوبك في الانبعاثات يُمثّل نحو 18% من الميزانية الكربونية المتبقية، إذا أردنا المحافظة على فرصة بنسبة 50% في ألا تتجاوز حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. وهو الهدف الأساسي لاتفاق باريس للمناخ.

بمعنى أبسط: من دون قيود أوبك على الإنتاج، كنّا سنحرق كميات نفط أكبر، ونطلق انبعاثات تقرّبنا أكثر من تجاوز الحدّ الذي يحاول العالم تجنبه لإيقاف أسوأ آثار التغيّر المناخي.

وهنا ندرك حقيقة أكبر، وهي أن معارك المناخ لا تحدث فقط في المؤتمرات أو الاتفاقيات الدولية، بل تدور أحيانًا في أسواق الطاقة، وفي قرارات اقتصادية ظاهرها بعيد تمامًا عن البيئة، لكنها في العمق تصنع فرقًا حقيقيًّا في مصير العالم.


كيف تتخيّل بيت العمر؟ 💭

مسكن متكامل ومريح، موقعه قريب من كل شي، وفيه كل شي 🏡✨

موقفك الخاص، مصلى، مقهى،بقالة، صالة رياضية، وترفيهية!

هذي هي تجربة السكن في صفا 🔗

التجربة اللي تسبق الحاضر وتنبض بالحياة 🖼️🥁


الصورة تحكي... كم أن الفريق اللي أشتغل معه عظيم ❤️


بودكاست جادي
بودكاست جادي
أسبوعية، الأربعاء منثمانيةثمانية

كلّ أربعاء يقدم محمد آل جابر وهادي فقيهي تحليلات وإجابات مبسطة للأسئلة الاقتصادية المحيرة، ومع كل حلقة تصلك رسالة بريدية بمصادر ومعلومات ووجهات نظر مختلفة لم يتسع لها وقت الحلقة.

+30 متابع في آخر 7 أيام