الوظيفة طريق الثروة
يُنظر للثراء على أنه حكر على روّاد الأعمال والمضاربين والمخاطرين الكبار، لكن الواقع الصامت يقول غير ذلك: آلاف يجمعون ثرواتهم داخل مكاتب هادئة، برواتب ثابتة، وخطط طويلة المدى.



أغلبنا مرّ بلحظة تساءل فيها: هل أستقيل وأفتح مشروعي؟ أو أدخل سوق الأسهم وأصير غنيًّا؟ أصبح حلم الثراء السريع يطارد كثيرًا من الناس، خصوصًا مع التوصيات اليومية والنجاحات التي تُعرض علينا كأنها سهلة وبسيطة.
لكن، لو رجعنا خطوة إلى الوراء، وسألنا السؤال الكبير: هل فعلًا الوظيفة تعيق بناء الثروة؟
وهل الطريق الوحيد للغنى هو أن تستقيل وتبدأ مشروعك الخاص؟
في هذه الحلقة، من بيت آل جادي، نناقش الاستثمار من زاوية مختلفة تمامًا: زاوية الموظف. ليش ممكن تكون الوظيفة هي أعقل وآمن طريق لبناء الثروة؟ وأيش قصة المليونيرات اللي جمعوا ثرواتهم وهم على كراسي الوظائف؟
حلقة تكسر القوالب النمطية، وتقدم منظورًا جديدًا للثراء بعيدًا عن العناوين الكبيرة. وكالعادة، مع الثنائي الرهيب: هادي فقيهي ومحمد آل جابر.

مع من تمشي؟ 🚶
في دراسة ضخمة أجرتها «Behavioural Insights Team» بالتعاون مع مِتا، شملت بيانات أكثر من عشرين مليون بريطاني، وقاست فيها العلاقة بين نوعية الصداقات والدخل المستقبلي، كانت النتيجة مفاجئة: الأطفال الذين نشؤوا في أحياء ترتفع فيها نسبة الصداقات بين الطبقات الاجتماعية (يعني تقدر تشوف أصحاب النعمة)، يكبرون ليحققوا دخلًا أعلى بنسبة 38% من أقرانهم في بيئات اجتماعية منغلقة. وتبقى هذه النسبة حتى بعد حساب عوامل مثل التعليم والدخل الأسري.
هذا التحليل أعاد إحياء أبحاث أقدم للبروفيسور راج تشيتي من جامعة هارفارد، الذي أطلق على هذه الظاهرة اسم «الارتباط الاقتصادي»، بمعنى أن وجود أصدقاء من طبقات اجتماعية أعلى يُعدّ من أقوى مؤشرات الصعود الاجتماعي.
والقصة هنا أعمق من مجرد مال؛ هي تحوّل في «ما هو ممكن». فحين تنشأ في بيئة يحاول الكل فيها أن ينجو، سيبدو الطموح ترفًا. لكن حين تعيش بين أناس يفكرون في الجامعات الأفضل ويخططون للوظائف الكبرى، تبدأ تصديق أنك تستحق أكثر. وهذا التصديق هو نقطة التحوّل.
بعض الأصدقاء يفتحون لك أبوابًا دون أن يشعروا؛ يرفعون سقفك لمجرد أنهم يعيشون تحته. في عالم المال، يُقال إن أهم قرار مالي هو: أين تستثمر؟ لكن في الحياة، ربما أهم قرار مالي هو: مع من تمشي؟

«برق» محفظة تقنيّة ماليّة💸
الخدمات، البطاقات، والمنتجات ما عليها أي رسوم.
والكاش باك، على الحوالات الدولية وتحويل رواتب العمالة، وبطاقة فيزا ومدى!
محفظة .. تعطيك ما تأخذ منك!


وش أغرب شيء يجمع أغلب المليونيرية؟
من محمد ✍🏼
حين تُذكر كلمة «مليونير»، تميل الأذهان إلى صور نمطية: رائد أعمال مغامر، أو مستثمر في الأسهم، أو وريث لعائلة ثرية. هذه التصورات منتشرة، حتى أصبحت تشكّل وعيًا عامًّا مشوّشًا عن مصادر الثروة. غير أن دراسة واسعة النطاق، أجرتها مؤسسة «Ramsey Solutions» على عينة من 10,000 مليونير أمريكي، قدّمت صورة مغايرة تمامًا.
وفق نتائج الدراسة، فإن 85% من هؤلاء لم يحصلوا على ثرواتهم عبر الإرث، ولم يبنوا مشاريعهم الخاصة. والحقيقة أن معظمهم موظفون في وظائف اعتيادية: معلمون، مهندسون، إداريون. الفارق لم يكن في نوع الوظيفة، وإنما في طبيعة السلوك المالي: انتظام في الادخار، وضبط للمصروفات، واستثمار مستمر في أدوات بسيطة على مدى زمني طويل.
هذا النمط، الذي قد يبدو مملًّا أو بطيئًا للبعض، أثبت فعاليته في توليد ثروة حقيقية ومستقرة؛ إذ لا يتعلق تكوين الثروة بحدّة القفزات المالية، وإنما بوضوح الاتجاه وطول النفس.
وفي ضوء التغيرات الاقتصادية في السعودية اليوم، يبدو أن هذا الطريق أصبح أكثر واقعية من أي وقت مضى، ففرص التوظيف تنمو في شركات تقدّم مزايا مالية متعددة، مثل برامج الادخار وخيارات الأسهم والمكافآت المرتبطة بالأداء. كما أن التوطين المتزايد يعزز من فرص الترقي والنمو داخل مؤسسات القطاع الخاص.
وهنا تبرز مفارقة لافتة: في عصر يعجّ بالخيارات السريعة والمخاطر العالية، لا يزال الطريق الأكثر أمانًا نحو الثروة يمرّ عبر الاستمرارية. والادخار وحده ليس كافيًا، ما لم يُدعَم بانضباط في الإنفاق، وامتناع عن الديون الاستهلاكية، والتزام باستثمار طويل الأجل.
المليونير، في كثير من الحالات، لم يكن خارقًا في ذكائه ولا محظوظًا في توقيته، بل كان، ببساطة، شخصًا عرف وجهته ومشى نحوها دون انقطاع.
ما علاقة البكتيريا بالفلوس 💸؟
من هادي ✍🏼
لسبب ما، ذكّرني نقاشنا في حلقة اليوم عن بناء الثروة بمبنى الأحياء في جامعة ولاية ميتشقان، حيث درست الدكتوراه (في الجامعة وليس في قسم الأحياء)، وقد كُتب بخطّ عريض على نافذة الدور الرابع أو الخامس من المبنى الرقم 74000، وبجانبه صورة تشارلز داروين، صاحب نظرية النشأة والتطور.
خلف النافذة، يقع مختبر يحتضن أقدم تجربة قائمة ومستمرّة لاختبار نظرية النشأة والتطور. وتقوم التجربة على مراقبة التغير في التركيبة الجينية والحيوية لعيّنة من البكتيريا، وللأجيال التي نتجت منها منذ عام 1988.
صُمّمت التجربة بهذه الطريقة لأن البكتيريا من أسرع الكائنات الحيّة تكاثرًا؛ إذ بينما تنتج سبعة أجيال كل يوم، تستغرق هذه العملية من البشر قرابة 175 سنة، إذا افترضنا أن الإنجاب يحدث في سنّ الخامسة والعشرين.
هذه السرعة المذهلة في التكاثر تجعل من البكتيريا الكائن المثالي لأي باحث يحاول اختبار التغيرات الحيوية بين الأجيال، كما تجعلها العدو الأول للأمهات وهنّ يحاولن الاحتفاظ بمنزل نظيف وأطفال أصحاء.
البكتيريا تتكاثر أُسيًّا
الجيل الأول= 1
الجيل الثاني= 2
الجيل الثالث= 4
الجيل الرابع= 8
الجيل الخامس= 16
الجيل السادس= 32
الجيل السابع= 64
الجيل العاشر= 512
الجيل الحادي عشر= 1,024
الجيل الرابع عشر= 16,384
الجيل الثلاثون= 536,870,912
الجيل المئة= 633,825,300,114,114,700,074,835,160,268,800
أما الجيل الرابع والسبعون ألفًا (الجيل الذي وصلت إليه التجربة عند مغادرتي الجامعة، والذي يشير إليه الرقم على نافذة المختبر) فعدد البكتيريا فيه يتجاوز عدد الذرات في الكون.
وللاستمرار بالتجربة، تخلّص فريق البحث من 99% من العينة يوميًّا.
يقال إنّ العقل البشري يعجز عن تصور النموّ التراكمي. وتُستخدم هذه الحجّة لتفسير سلوك المستثمرين في سوق الأسهم، الذين لو تركوا محافظهم وديعة عند معامل النمو التراكمي، لحصلوا على ثروات تتفوق على مكاسب المضاربين والمستثمرين النشطين الذين يحاولون اقتناص الفرص يوميًّا. ولكن كل ما تحتاجه لفهم النمو الأسّي هو ترك قطعة خبز مكشوفة لأيام على طاولة المطبخ، ومشاهدة كيف تتحول إلى لون أخضر داكن يمثّل ملايين البكتيريا التي تنتشر فيها مثل الهشيم.
وفهم النمو الأسّي في سياق البكتيريا والعدوى سهل ولا يحتاج إلى تجربة ومختبر، ولكن الإيمان بأنّ المفهوم نفسه ينطبق على الاستثمار -وإن كان أقل حدّة- يبدو من المستحيلات؛ ربما لأن الثروة في مستقبل بعيد تبدو حلمًا منفصلًا عن الواقع، أو ربما لأن الإصرار على الاستثمار النشط مصدره في الأصل إيمان عميق بقانون النمو الأسّي، ترافقه رغبة جشعة في جعل النمّو يعمل بسرعة أكبر... كما تفعل البكتيريا بقطعة الخبز، دون وعي بأن نموّها النهم هو مصدر هلاكها في النهاية.
وتستطيع مشاهدة التجربة بنفسك: هذا مقطع يشرحها بشكل بصري رائع.


يسألون: صدق قلنا «الصين» 743 مرة؟ يبدو فريق التسويق أخذها حرفيًّا!


كلّ أربعاء يقدم محمد آل جابر وهادي فقيهي تحليلات وإجابات مبسطة للأسئلة الاقتصادية المحيرة، ومع كل حلقة تصلك رسالة بريدية بمصادر ومعلومات ووجهات نظر مختلفة لم يتسع لها وقت الحلقة.