صناعة ألعاب الفيديو
صناعة تتجاوز أرباحها السينما والموسيقا، لكنها باهظة التكاليف، ومعقّدة، ومتفرّقة بين مئات الاستوديوهات دون سيطرة واضحة



كل لعبة تلعبها، وراءها شركات تسوي دراسات وتحلل سلوكك، وتقرر متى تعطيك جائزة ومتى تصعّب اللعبة، عشان ترجع تلعب... وتدفع.
اقتصاد الألعاب اليوم صار يتجاوز أرباح السينما والموسيقا مجتمعين! ومن أول لعبة بسيطة في التسعينيّات إلى ألعاب اليوم اللي تكلف مئات الملايين في تطويرها، صار واضح إننا ما عاد نتكلم عن هواية… بل نتكلم عن صناعة.
بس وش السر اللي خلّى الناس تصرف مليارات على «أشياء افتراضية»؟ ليه ندفع على سكن في فورتنايت، أو سيف ذهبي في لعبة (RPG)؟ وهل الألعاب المجانية فعلًا مجانية؟
في هذه الحلقة، نغوص مع هادي فقيهي ومحمد آل جابر في اقتصاد الألعاب؛ من كواليس صناعة الألعاب إلى تأثيرها في سلوكنا، ثم كيف تغيّرت الألعاب نفسها لما تغيّر الاقتصاد اللي وراها.
جهّز سماعتك… واستعد تدخل عالم الألعاب في بيت آل جادي.

تلعب وتدرس 🎮📚
في عام 2020، أصبحت بولندا أوّل دولة في العالم تُدرِج لعبة فيديو ضمن مناهجها التعليمية الرسمية. اللعبة هي «This War of Mine»، التي تضع البولنديين في تجربة إنسانيّة تُحاكي حياة المدنيين في ظلّ الحروب، حيث يُطلَب من اللاعب اتخاذ قرارات أخلاقيّة قاسية تحت ضغط البقاء.
وقد أدرجت وزارة التعليم البولندية اللعبة مقرّرًا للقراءة لطلاب الثانويّة، لتكون أداةً لنقل قصة بطريقة مختلفة. وقبل ذلك، في عام 2011، طوّرت بولندا لعبة «Kolejka»، التي تعيد تمثيل تجربة الطوابير تحت النظام الشيوعي، لتعليم الطلاب واقع الحياة الاقتصاديّة في تلك الفترة.
الفكرة هنا، أن الألعاب باتت تُنافِس الكتب في كونها أدوات لنقل التاريخ والفكر والمواقف الإنسانيّة، لكن بطريقة تفاعلية تستخدم أكثر من حاسة.

«برق» محفظة تقنيّة ماليّة💸
الخدمات، البطاقات، والمنتجات ما عليها أي رسوم.
والكاش باك، على الحوالات الدولية وتحويل رواتب العمالة، وبطاقة فيزا ومدى!
محفظة .. تعطيك ما تأخذ منك!


ما العلاقة بين «الصملة» والألعاب 🎮
من هادي ✍🏼
في أثناء التحضير لهذه الحلقة، عدت لقراءة قصص تطوير ألعاب الفيديو الشهيرة: «ديابلو» و«أنشارتد 4» و«هالو» و«ويتشر 3» و«وور كرافت». جمع الكاتب جيسن شراير أغلب هذه القصص في ثلاثة كتب تحكي كلها كواليس بناء أعظم الألعاب، وأشهرها: كتاب الدمّ والعرق والبكسلات.
وأنا أتعمق فيها، كنت أبحث عن «الخلطة»؛ ذلك الشيء الذي يفسر لي لماذا تنجح لعبة ما وتبيع بالملايين، وتختفي أخرى؟ توقعت أن أجد عناصر معتادة: رؤية فنية، تقنيات متقدمة، خيال خصب... لكن الحقيقة: قد تتوفر كل هذه العناصر... ومع ذلك، تفشل اللعبة.
العنصر الفاصل كان شيئًا واحدًا: الصملة 🪄
الصملة، في هذا السياق، تعني المقدرة على الاستمرار في مطاردة الأهداف طويلة المدى، دون فقدان الشغف أو الإحساس بمعنى الهدف. والصملة تتجاوز معنى «الكرف»؛ فهي دافع داخلي يجعل صاحبها يواصل العمل، حتى لو فقد كل من حوله الإيمان بالغاية والمراد.
وأوضح مثال على ذلك: قصة «Stardew Valley» ومطوّرها إريك بارون؛ شاب لا يملك أيّ فريق أو تمويل. قرر تطوير لعبته بمفرده، واستمر في العمل عليها لأربع سنوات ونصف دون إجازات، يتنقل بين لحظات نشوة وإلهام، وفترات إحباط حاد وفشل متكرر. كان يقضي ساعات يوميًّا أمام شاشة واحدة، والمطاعم السريعة جزء من روتينه، يحاول نقل عالم كامل من مخيلته إلى اللعبة. والنتيجة؟ بيعت من اللعبة فوق 40 مليون نسخة منذ صدورها عام 2016. وأمّا بارون، فصار نجمًا ثريًّا و قدوة لأيّ شخص يفكر في دخول مجال صناعة الألعاب.
الصملة هي الحد الفاصل في صناعة لا ترحم. وتطوير الألعاب ليس مجرد تجميع أكواد أو تصاميم جميلة، بل هو تناغم آلاف العناصر التي لا بد أن تخدم جميعها القصة وتحقق الإثارة وتمنح اللاعب شعور «الانغماس». وهذا الأمر لا يأتي فقط من موهبة أو ذكاء. بل من ناس «يصملون».
وهنا، لعلنا نفهم لماذا لا يستطيع حتى أضخم استديو ضمان نجاح أيّ لعبة، بغضّ النظر عن حجم الاستثمار والفريق. في المقابل، أحيانًا قد تخرج لعبة من استديو غير معروف و«تكسّر الدنيا».
من المستحيل احتكار الصملة، ومن المستحيل خلقها من العدم.
كيف تغيّرت الألعاب من جيل الطيبين إلى اليوم؟
من محمد ✍🏼
في زمن جيل الطيبين، كانت الألعاب بسيطة، لكنها ساحرة. ننتظر شريطًا جديدًا كأنه كنز، نعيد نفس المرحلة عشرات المرات، ونتنافس من على نفس الكنبة. لم تكن هناك تحديثات ولا سيرفرات.
أما اليوم، فتحوّلت الألعاب إلى صناعة عملاقة، تتجاوز ميزانيات بعض أفلام هوليوود، وتُبنى على يد فرق تضم مئات المطورين، وتُدار كأنها مشاريع استثمارية ضخمة. لكن هذا التطور لم يأتِ دون ثمن.
في عام 2024، أنفقت شركة سوني ما يقارب 300 مليون دولار على لعبة أونلاين من نمط «Live Service»، قضت خمس سنوات في تطويرها. المشروع كان طموحًا، والتوقعات عالية، وخلفه مئات المطورين، وملايين الساعات من التخطيط والبرمجة والتعديل، ثم صدر… لكن بيع منه فقط 25 ألف نسخة. وبعدها، سُحب من جميع المنصات، ورُدّت أموال اللاعبين، وكأن شيئًا لم يكن.
لا أحد يشكّك في إمكانيات سوني، ولا في قدرة فرقها على بناء تجارب متقنة. لكن هذه الحكاية لا تُروى من باب السخرية، إنما لفهم واقع جديد في صناعة بدأت تتقلّب أسرع من قدرة الشركات على التكيّف. السؤال: هل السوق اليوم قادرة على تحمّل ألعاب تكلّف الكثير وتستغرق سنوات من التطوير؟
سوق الألعاب تغيّرت، والزمن الذي كانت فيه اللعبة تُصنع في صمت وتُطلق بعد سنين بصفتها «حدثًا عالميًّا»، لم يعد كما كان. يعيش اللاعب اليوم وسط وفرة هائلة، ويتلقى أسبوعيًّا عشرات العناوين والتحديثات والتجارب. دورات الانتباه أقصر، والمنافسة على جذب المستخدم وإبقائه أطول وقت ممكن تزداد حدّة.
الرابح الأقوى في سوق الألعاب اليوم: المُجرِّب.
أن تتحول من مطوّر واحد ضخم، إلى كيان موزّع: شركة قابضة تستثمر في استديوهات مستقلة؛ تُجرب وتُخفق وتُراهن على أفكار متعددة في وقت واحد. نموذج أقرب إلى فلسفة رأس المال الجريء، حيث تُوزع المخاطرة، بدلًا من وضع كل البيض في سلّة واحدة.


نُشرت هذه الصورة في حساب الدوري السعودي للرياضات الإلكترونية، ثم حُذفت لاحقًا.


كلّ أربعاء يقدم محمد آل جابر وهادي فقيهي تحليلات وإجابات مبسطة للأسئلة الاقتصادية المحيرة، ومع كل حلقة تصلك رسالة بريدية بمصادر ومعلومات ووجهات نظر مختلفة لم يتسع لها وقت الحلقة.