«فخر السويدي» محاولة ناجحة في الفكرة، مضطربة في التنفيذ.
زائد: الدور الذي أفقد جيم كاري ذاته.

تمرّ عليّ دائمًا فترات أعود فيها لمشاهدة أفلام الـ«Comfort Movies»؛ مجموعة أفلام لا يوجد بينها رابط غير أنها تُضحكني أو تُشعرني بالأمان من دون سبب واضح. ومؤخرًا، وقع اختياري على بعض أفلام جيم كاري.
خلال المشاهدة، بدأت ألاحظ أنماطًا تتكرّر في أفلامه؛ من الشخصيات وقصصها والمواقف وحتى النبرة العامة. وربطت هذه العناصر بحياته الشخصية، وبتصريحاته ومقابلاته الغريبة في السنوات الأخيرة؛ تلك التي أثارت الجدل، لكنها كشفت شيئًا عميقًا عن رؤيته لنفسه والعالم.
منذ تلك اللحظة، راودتني فكرة هذا العدد. ومع عرض فِلم «فخر السويدي» الكوميدي، وجدت أن هذا هو الوقت المناسب لاستكشاف عالم جيم كاري.
عبد العزيز خالد

«فخر السويدي» محاولة ناجحة في الفكرة، مضطربة في التنفيذ.
لم يكن قرار مشاهدة فِلم «فخر السويدي» سهلًا؛ فقد تطلّب الأمر مفاوضات مطوّلة لإقناع أختي وصديقتي بالدخول إلى قاعة السينما لمشاهدة «فِلم سعودي». هذا الوصف وحده كان كفيلًا بزرع الريبة؛ إذ لا تزال السينما المحلية تحمل إرثًا من التوجّس ولم تبنِ بعد الثقة الكافية مع جمهورها.
مع كل محاولة طمأنة، كنتُ أتوتر وكأنني أنا من كتبت الفِلم أو أخرجته، بل كأنني أراهن بماء وجهي في هاتين الساعتين. أخبرتهم أن العمل مبشّر، وأن مقوّماته واعدة. ومع أنني كنت أعي أن المشروع مرّ بتحولات منذ بداياته؛ إذ بدأ فكرةً لمسلسل قبل أن يُعاد تشكيله ليصبح فِلمًا، لم أشعر أن ذلك ينقص من فرصته في أن يلامسنا.
الغريب، أنه مع كل هذا الحماس، وجدت نفسي فجأة أتنصل من المسؤولية عند باب السينما، قائلة: «أنا غير مسؤولة». شعرت بقلق من أن يكون اختياري هذا سببًا لساعتين من التذمر لاحقًا، وهو شعور يمر به الكثيرون عند اختيار فِلم أو مطعم ويجدون أنفسهم تحت مجهر التقييم.
لكن ما إن بدأ الفِلم، وبدأت ضحكاتهم تتردد في القاعة، حتى هدأ الدم في عروقي وبدأت أستمتع بالمشاهدة.
قوة القصة تكمن في واقعيتها وبساطتها
تدور أحداث فِلم «فخر السويدي» حول الأستاذ «شاهين دبكة»، مدير مدرسة «فخر السويدي»، الذي يقرر إنشاء فصل شرعي يُركّز على المواد الدينية. ومع أن هذا النوع من الفصول غالبًا ما يُنظر إليه بوصفه خيارًا للطلاب «الكسالى»، إلا أن الفِلم يسلط الضوء على محاولات الأستاذ «شاهين» تغيير هذه الصورة النمطية وتحويل الفصل إلى تجربة تعليمية متميزة، رغم محدودية الموارد والإمكانات.
وفي الوقت نفسه، بينما يسعى الأستاذ «شاهين» لإثبات قدراته في إدارة هذا المشروع الكبير، يواجه تحديات من شقيقه الأصغر «معن»، الذي يهدد بزعزعة استقراره الإداري من خلال تأثيره في إدارة المدرسة.
شخصيًّا، شعرت أن هذا الخط الدرامي يلامس تجربتي بشكل خاص؛ فقد مررت بتجربة مشابهة عندما قررت الانتقال من المسار العلمي إلى الأدبي، رغم تحصيلي العالي في العلوم، فقط لأنني كنت أجد شغفًا أكبر في الأدب ومواد الدين. وكأنني كنت أخطط لتدمير مستقبلي الأكاديمي، تمامًا كما يعتقد البعض أن المسار الأدبي هو للطلاب «الفاشلين». ولهذا، بدا لي الفِلم محاكاة واقعية وصادقة، مزجت بين الطرافة والصدق.
فصول مرقمة... بلا تصاعد درامي
تستخدم الأفلام الفصولَ، عادة، أداةً سردية تنظم البناء الدرامي، وتُسهم في تعميق الصراع أو إبراز مراحل تطور الشخصية، خاصة في القصص المركبة أو ذات البنية غير الخطية. نراها تُوظَّف بذكاء في أفلام مثل «The Hateful Eight»، حيث تُقسّم الحكاية إلى فصول معنونة، مثل «Chapter One: Last Stage to Red Rock»، وتُقدِّم كل واحدة منها تطورًا جديدًا في علاقات الشخصيات وتزيد من توتر الحبكة داخل حيز مكاني واحد. وكذلك في «Kill Bill: Volume 1»، الذي يُقسّم رحلة البطلة إلى مواجهات منفصلة لكنها مترابطة، تخدم سردًا غير تقليدي لكنه متماسك إخراجيًّا.
هذه الفصول ليست مجرد فواصل شكلية، بل أدوات تراكميّة تُبنى فوق بعضها، وتصنع إيقاعًا وتوترًا مستمرًا يدفع الحكاية إلى الأمام.
وذلك ما لم يطبّقه فِلم «فخر السويدي»؛ فمع اعتماده على فصول معنونة تُعرض على الشاشة، إلا إن هذه الفصول لم تخدم البناء الدرامي، ولم تعكس تطورًا في الحبكة أو الشخصية، بل جاءت مقاطع مستقلة بأفكار مختلفة لا يجمعها خط سردي واضح. ينتهي كل فصل بقفلة أو نكتة، ثم ينقطع فجأة، وننتقل إلى فصل جديد دون رابط محكم. وكأننا نتابع «حلقات» مجمعة أكثر من فِلم ذي مسار سردي متصاعد.
تمنّيت لو وُظّفت «to - do list» واضحة من البداية؛ قائمةُ مهام يسعى الأستاذ «شاهين» لإنجازها لرفع مستوى الفصل الشرعي، مثلًا: الحصول على اعتماد، تحسين درجات الطلاب، كسب دعم الإدارة. وجود هذه القائمة كان سيمنح القصة عمودًا فقريًّا نتابعه خطوة بخطوة، ونفهم من خلاله مغزى كل فصل وكل تحدٍ يُواجهه البطل، مما يعمق ارتباطنا بالرحلة ويُعطي الفصول معنًى تراكميًّا. لكن بدلًا من ذلك، وجدنا أنفسنا أمام مقاطعَ مستقلة، تتفاوت في نبرتها ومغزاها، دون إطار جامع يربطها عضويًّا.
الخلل في «فخر السويدي» لم يكن في اختيار شكل الفصول، بل في غياب وحدة الموضوع والتصعيد وتطور الشخصية. حيث تحوّلت الفصول إلى فواصل تفكك السرد بدل أن تعززه، وضيّعت فرصة توظيف هذا الشكل الفني لخدمة العمق والمغزى.
مزيج ساحر من الكوميديا والتنوع.. وشيء ناقص!
قدم فهد بن سالم «أبو سلو» في دور الأستاذ «شاهين دبكة» أداءً مميزًا لشخصية تجمع بين العفوية والكوميدية، حيث اعتمد على كوميديا المواقف التي جعلت الجمهور يضحك بلا الحاجة إلى ألفاظ أو نكات مصطنعة. كانت تعبيرات وجهه وحدها كافية لإضحاك الحاضرين، مما يبرز موهبته الفطرية. إضافة إلى ذلك، كان تنوع الشخصيات مثيرًا للاهتمام، مثل «زياد» العائد من أمريكا، الذي شكل تباينًا كبيرًا مع «سعيد» التائب والمطوّع، و«مازن» البدوي الذي تحول من مضاربات الشوارع إلى الكاراتيه. هذا التنوع الثقافي خلق مواقف كوميدية مشوقة وجعل الفِلم ممتعًا طوال مشاهدته.
لكن، مع قوة الشخصيات، ظلّ الفِلم محصورًا في أحداث المدرسة فقط، مما جعل جوانب كبيرة من حياة الشخصيات لم تُستكشف. في مرحلة المراهقة، تلعب الحياة خارج المدرسة دورًا كبيرًا في تشكيل الشخصيات، وكان من الممكن أن تُضيف المشاهد الخارجية عمقًا أكبر للقصة. ومع وضوح اهتمامات الشخصيات، مثل حب «سعيد» للتوعية الإسلامية واهتمام «زياد» بالألعاب الإلكترونية، إلا أن هذا لم يكن كافيًا لاستكشاف أبعادهم المختلفة.
صوت لا ينتمي... وصورة نظيفة أكثر من اللازم
من الناحية التقنية، الفِلم جميل. والكاميرا كانت ذكية، تتحرك بعين واعية، وتخدم النكتة بحس بصري مميز. الألوان والإضاءة كانت حنونة، مريحة، لكنها ربما «لطّفت» بيئة السويدي أكثر من اللازم؛ لم نشعر بخشونة الحي أو ازدحام الفصل أو الفوضى المعتادة في مدارس الرياض الشعبية. بدت المدرسة أشبه بموقع تصوير منظم، لا مكانًا ينبض بالحياة والضجيج والمفاجآت.
أما الموسيقا؟ فهنا التعليق الأهم؛ الراب كان دخيلًا. طغى على الفِلم من أوله لآخره، بطريقة جعلته يبدو وكأنه يبحث عن هوية سمعية لا تخصه. صحيح أن الراب اليوم يعكس شريحة من الشباب، لكنه ليس الصوت الطبيعي لمدرسة في «السويدي».
في المقابل، فِلم «شمس المعارف» استخدم الراب بذكاء؛ لأنه يعكس بيئة مدينة جدة، حيوية مراهقيها، واهتمامهم بثقافة الهيب هَب واليوتيوب. هناك، كان الراب امتدادًا للهوية. أما هنا، فبدا وكأنه صوت آخر يحاول أن يكون «كول» بالقوة.
الخلاصة؟
«فخر السويدي» ليس عملًا فاشلًا، بل هو محاولة ناجحة في الفكرة، مضطربة في التنفيذ. يملك كل مقومات النجاح: طاقم تمثيل قوي، إخراج بصري ذكي، ضحك نابع من مكان صادق. لكنه فقد إيقاعه الدرامي، وتفككت بنيته بسبب خلط المسارات بين منطق الحلقات ومنطق الفِلم.
لو قُدّم في قالب مسلسل قصير، مع تطور أعمق للشخصيات وفتح أفق أكبر لعوالمهم، لكان بإمكانه أن يصبح واحدًا من أبرز الأعمال الكوميدية السعودية. لكن مع الوضع الحالي، يبقى الفِلم مصدرًا للضحك، مع تساؤل: هل نحن فعلًا أمام فِلم؟ أم مجرد جزء من مسلسل لم يكتمل بعد؟



يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما السعودية فِلم «Hurry Up Tomorrow»، من إخراج تري إدوارد شولتس، ومن بطولة إيبل تسفاي وجينا أورتيقا. يحكي الفِلم قصة موسيقيّ يعاني انهيارًا نفسيًّا، ويجد نفسه في رحلة وجوديَّة غامضة تقوده إليها شخصية غامضة تُدعى «أنيما».
يعود الممثل دانيال داي - لويس من الاعتزال للمشاركة في بطولة فِلم «Anemone»، الذي سيُعرض في دور السينما بتاريخ 10 أكتوبر. الفِلم من إخراج ابنه رونان داي - لويس.
أُعلن عن سلسلة رسوم متحركة جديدة -قيد الإنتاج حاليًّا- تُستكمل بها أفلام «Ted»، مع عودة سيث ماكفارلين ومارك والبيرق وأماندا سيفريد وجيسيكا بارث لتجسيد شخصياتهم السابقة.
تستعد منصة «+Disney» لعرض مسلسل «Wonder Man» في ديسمبر 2025، ضمن المرحلة السادسة من «عالم مارفل السينمائي» (MCU). ويتألف المسلسل من ثماني حلقات فقط.
حصل فِلم «Final Destination: Bloodlines» على تقييم 93% على موقع (Rotten Tomatoes).
عبد العزيز خالد

«Man on the Moon» (05:15)


حين يتحوّل الفنان إلى لغز، تصبح الموسيقا الوسيلة الأصدق لفهمه. آندي كوفمان، الكوميديان الذي خلط بين الأداء والواقع، لم يكن يسعى للبهجة بقدر ما كان يختبر حدود التلقّي.
شكّل هذا التوتر بين العبث والصدق التحدي الأكبر أمام صُنّاع فِلم «Man on the Moon» الصادر عام 1999، ولم يكن اختيار فرقة (.R.E.M) لتأليف موسيقا الفِلم قرارًا تجريبيًّا، بل خطوة واعية فنيًّا لتحويل هذا الغموض إلى نغمة مفهومة.
من أغنية فردية إلى موسيقا تصويرية كاملة
للمرة الأولى في مسيرتها، تولّت فرقة (.R.E.M) تأليف موسيقا تصويرية كاملة لفِلم سينمائي، متجاوزة دورها السابق بكونها مجرد مُلهمة بعنوان أغنيتها «Man on the Moon» الصادرة عام 1992. شارك أعضاء الفرقة في عملية التأليف منذ المراحل الأولى للإنتاج، حيث كانوا يشاهدون مشاهد الفِلم في أثناء تسجيلهم للموسيقا، وخلقوا موسيقا تتناغم مع تطور السرد الدرامي.
تنوّع موسيقي يعكس تعددية كوفمان
ضمّ ألبوم الموسيقا التصويرية مزيجًا من الأغاني الأصلية والمقطوعات الكلاسيكية وأعمالًا مستوحاة من ثقافة البوب تعكس التناقضات في شخصية كوفمان. ومن أبرز هذه الأعمال:
أغنية «The Great Beyond»
أُلفت خصيصًا للفِلم، وتُستخدم في المشاهد التي تكشف عن صراعات كوفمان الداخلية. وصلت الأغنية إلى المركز الثالث في قائمة الأغاني البريطانية، ورُشّحت لجائزة «قرامي» عن أفضل أغنية مكتوبة لفِلم أو وسيلة بصرية.
أغنية «This Friendly World»
تُبرز الجانب الإنساني لكوفمان من خلال لحن بسيط وكلمات طفولية تتناقض مع استفزازاته المعتادة.
أغنية «Man on the Moon»
تظهر في اللحظات الختامية من الفِلم، حيث تلخّص الرحلة وتترك المشاهد في حالة تأمل حول إرث كوفمان والشكوك حول حياته وموته.
إلى جانب هذه الأعمال، يحتوي الألبوم على مقطوعات كلاسيكية وأغانٍ من ثقافة البوب، مثل «Kiss You All Over» و«Angela»، التي أضافت على الفِلم طابعًا يعكس أجواء السبعينيات والثمانينيات.
عبد العزيز خالد

.gif)
اليوم نقول أكشن في هذا المشهد من فِلم «Me, Myself & Irene» الصادر عام 2000، من إخراج الأخوين بيتر وبوبي فاريلي.
يحكي الفِلم قصة «تشارلي»؛ شرطي الطرق الطيب والمهذّب الذي يعاني من اضطراب الهوية التفارقية، والتي تؤدي إلى بروز شخصية بديلة تُدعى «هانك»؛ شخصية عدوانية لا تكترث بأي أعراف.
بعد سنوات من الصبر والخذلان والاستغلال، سواء من زوجته أو من مجتمعه، يبدأ «تشارلي» في الانهيار، فيخرج «هانك» في لحظات مفاجئة، مضيفًا إلى المواقف اليومية طابعًا ساخرًا وفوضويًّا.
في هذا المشهد، يقف «تشارلي» في طابور السوبرماركت، حينها تتقدم امرأة وتطلب السماح لها بالمرور بحجة أنها على عجلة. يبتسم «تشارلي» ويوافق بلطف، لكن سرعان ما تظهر حقيقتها؛ إذ يأتي أطفالها الواحد تلو الآخر بعربات تسوّق ممتلئة.
هنا يبدأ الغليان داخل «تشارلي» وتتغير ملامحه فجأة؛ تبدأ عيناه بالارتعاش وتنقبض عضلات وجهه، ثم يتحول إلى «هانك». يحدّق «هانك» في عربة المرأة، ويسحب منها علبة مرهم، ويطلق تعليقًا ساخرًا يلمّح إلى معاناتها من مشكلة صحية شخصية، قبل أن يتوجه إلى مايكروفون المتجر ليعلن عن المنتج بصوتٍ عالٍ، ساخرًا من حالتها أمام الجميع.
طريقة التحول من «تشارلي» إلى «هانك» لم تكن مكتوبة بدقة في النص، بل كانت نتيجة تشجيع الأخوين فاريلي لجيم كاري على الارتجال والاعتماد على قدرته على التعبير بملامحه. وهنا تتجلّى عبقرية كاري؛ بلا مؤثرات رقمية (CGI) وبلا قطع في التحرير، قدّم أمام الكاميرا أداءً جسديًّا يُظهر تداخل شخصيتين في جسد واحد، باستخدام عضلات وجهه فقط.
يُعرف جيم كاري بلقب «وجه المطاط» (Rubber Face) نظرًا لقدرته الفريدة على تشويه ملامحه بطريقة مبهرة، ما يتيح له التعبير عن مجموعة واسعة من التعابير الكوميدية والمشاعر دون الحاجة إلى مؤثرات بصرية. تجلّت هذه المهارة هنا، حيث خلق وهمًا بأن ملامحه قد تغيرت فعلًا، في حين أن كل ما فعله ببساطة هو إرخاء عضلات وجهه.
ساعدت الموسيقا في هذا المشهد على تعميق أثر التحول؛ إذ وُظِّفت أغنية «Fire Like This» الصاخبة لفرقة «Hardknox»، لتعكس بإيقاعها الفوضوي فوران الغضب داخل «تشارلي» لحظة تحوّله إلى «هانك». جاءت هذه الموسيقا أيضًا لتضفي على المشهد طاقة فوضوية تتناغم مع تشوّه ملامح جيم كاري.
عبد العزيز خالد

فقرة حصريّة
اشترك الآن


روى جيم كاري في إحدى مقابلاته مع أوبرا وينفري عام 1997 تفاصيل تجربة عاشها قبل أن يعرفه الجمهور، أصبحت لاحقًا رمزًا لإيمانه بقوة التصور الذهني. إذ قال إنه كان يذهب بشكل متكرر إلى شارع مالهولاند درايف في لوس أنجلوس، ويجلس على أحد المرتفعات المطلة على المدينة، ويتخيل نفسه ممثلًا مشهورًا وأن المخرجين يثنون على عمله ويتمنّون التعاون معه.
قال كاري: «كنت أقول لنفسي مرارًا: لدي كل هذه الأشياء؛ مخرجون يريدون العمل معي، ومشاريع رائعة، والناس يقولون لي إنهم يحبون ما أقدمه.» وأضاف: «لم يكن لدي شيء في الواقع، لكن ذلك الشعور منحني الطمأنينة.»
وفي تلك الفترة، كتب لنفسه شيكًا بمبلغ عشرة ملايين دولار مقابل «خدمات تمثيلية»، مؤرَّخًا ليوم عيد الشكر عام 1995، ووضعه في محفظته. لم يكن الهدف من هذا الفعل التنبؤ بالمستقبل، بل ليستشعر شعور النجاح. المفارقة أن كاري تلقى بالفعل مبلغ عشرة ملايين دولار قبل عيد الشكر عام 1995، مقابل بطولته في فِلم «Dumb and Dumber».
وبهذه القصة، نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن الأسطورة الكوميدية جيم كاري:
لم تكن الكوميديا رفاهية في حياة جيم كاري، بل وسيلة للنجاة من واقع مرير. وُلد جيم في عائلة فقيرة؛ لأب كان عازفًا للساكسفون قبل أن يتحول إلى موظف بسيط، وأم تعاني من أمراض مزمنة جعلت من البيت مكانًا مليئًا بالتوتر. وعندما خسر والده وظيفته، انقلبت حياة العائلة رأسًا على عقب واضطروا للعيش داخل سيارة فان، ما دفع جيم للعمل عامل نظافة بعد المدرسة ليساهم في مصاريف العائلة وهو لا يزال مراهقًا.
في طفولته، كان يقضي جيم ساعات أمام المرآة، يُجرّب تقليد ملامح الممثلين والمغنين والشخصيات الكرتونية، يُحوّر وجهه كأنه مطاط، ويبتكر شخصيات من خياله. هذه العادة التي بدأت لعبة للهروب من المعاناة، جعلت منه واحدًا من أمهر الممثلين في الكوميديا الجسدية.
أول تجربة احترافية لجيم في الكوميديا كانت في عروض الكوميديا الارتجالية في سن الخامسة عشرة. ويتذكر جيم تلك الليلة على أنها كارثية، حيث قدّم فقرة اعتبرها هو نفسه «زائفة وركيكة» أمام جمهور وصفوه بالممل. ومع ذلك، لم ييأس جيم واستمرّ يقدم عروضه الارتجالية في النوادي. بحلول عام 1979، كان قد وصل إلى درجة يستطيع فيها أن يعتمد على كوميدياته للمعيشة، بل افتتح بضع حفلات لكبار الكوميديين في ذلك الزمن.
انتقل جيم إلى كاليفورنيا في سن التاسعة عشرة لمتابعة حلمه. بدأ جيم كاري بأدوار صغيرة في أفلام مثل «Introducing… Janet» و«Once Bitten»، الذي كان أول بطولة له. ثم شارك في أعمال كوميدية خفيفة خلال الثمانينيات. وفي عام 1991، قدّم عرضًا تلفزيونيًّا كوميديًّا خاصًّا نال إعجاب النقاد ومهّد لانضمامه إلى برنامج «In Living Color»، الذي استمر حتى 1994، وكان بوابة انطلاقته الحقيقية في الكوميديا الأمريكية.
ومع شهرته أيقونةً للكوميديا، إلا إن جيم كاري مصاب باضطرابات نفسية ويعاني من الاكتئاب منذ سنوات طويلة. وكان يصف الكوميديا بأنها مهرب من آلامه الداخلية. وفي إحدى مقابلاته التي تحدث فيها بصراحة عن معاناته، وصف الاكتئاب بأنه «حاجة الجسم إلى راحة عميقة» من الشخصية التي يحاول تمثيلها في الحياة اليومية.
في فِلم «How the Grinch Stole Christmas»، عانى جيم كاري من المكياج المعقّد الذي كان يتطلّب ساعات طويلة يوميًّا لتطبيقه. ولتجاوز هذا الضغط، استعان جيم بمدرّب من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) لتعلم تقنيات التحكم الذهني، كتشتيت الانتباه وإعادة برمجة الاستجابات العصبية.
أحد أكثر اللحظات التي عكست جديَّة وعمق جيم كاري كانت خلال تصويره فِلم «Man on the Moon» الصادر عام 1999، حيث جسّد فيه شخصية الكوميديان الراحل آندي كوفمان، المعروف بأسلوبه الغريب في الأداء وتقمّصه لشخصيات متعددة. لكن جيم لم يكتفِ بتمثيل آندي، بل قرر أن يصبح آندي طوال فترة التصوير؛ فكان يأتي إلى موقع التصوير وهو لا يزال يتحدث بصوته، ويتصرف بسلوكياته نفسها، ويرفض الخروج من الشخصية حتى خلف الكواليس. لم تكن هذه الحالة اجتهادًا تمثيليًّا، بل حالة من الذوبان الكامل في شخصية أخرى. وُثِّقت هذه التجربة في فِلم وثائقي بعنوان «Jim & Andy»، حيث يظهر الممثلون وفريق العمل وهم يعانون في التعامل مع جيم كأنه شبح آندي كوفمان. وجد بعضهم التجربة عبقرية، ورآها آخرون مرعبة. أما جيم، فكان يصفها بأنها لحظة تحرر من ذاته.
في عام 2015، واجه جيم كاري واحدة من أكثر المحطات ألمًا في حياته؛ حين انتحرت صديقته السابقة كاثريونا وايت. كانت العلاقة بينهما قد شهدت فترات من الانفصال والعودة، لكن وفاتها تركت أثرًا بالغًا في نفسه، خاصة بعد أن أظهرت رسائلها ومذكراتها مدى معاناتها النفسية. تعرّض جيم لاحقًا لقضية قضائية من عائلة كاثريونا، زعمت أنه زوّدها بأدوية موصوفة ساهمت في وفاتها، قبل أن تُسقط المحكمة القضية بعد سنوات من الجدل.
بعد تلك المرحلة تقريبًا، بدأ جيم كاري يبتعد تدريجيًّا عن هوليوود. اتجه للرسم وأصبح ينشر لوحاته التي يغلب عليها الطابع السياسي والوجداني، ويعبّر من خلالها عن غضبه من العالم وآرائه السياسة وألمه الداخلي.
عبد العزيز خالد


مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.