لماذا أراد العالم منع لغة الإشارة؟

كيف جاءت لغة الإشارة إذن؟ ومتى استخدمت للصم؟ وما علاقة ابن سينا في ذلك؟

اللغات هي تلك الظاهرة التي تجعل الأصوات العشوائية تنتظم في شكل معيّن، فتحمل معنًى عميقًا… ولطالما أثارت اهتمامي!

هل اللغة، هي فقط تلك الأصوات المنطوقة؟ أم هي المعاني المنقولة، أيًّا كانت وسيلة نقلها؟

راودني هذا التساؤل بعد أن رأيت أمامي اثنين من الصم يتواصلان بلغة ومشاعر مفهومة، دون أن يصدرا أي صوت! فأشعلت هذه اللحظة في ذهني ذكريات عن فئة حاضرة غائبة، حاضرة في زوايا الشاشات، وفي نشرات الأخبار والمؤتمرات، ولكنها غائبة عن أذهاننا وفهمنا.

فبدأتُ رحلة بحثٍ في العصور القديمة؛ من تكوّن المجتمعات ونشوء اللغات، إلى تطوّر الألسن، وتنوّع وسائل تواصل الناس. ولم يكن بحثي إلا محاولة للوصول إلى توثيق حياة فئة موجودة منذ بداية الخلق: كيف تواصلوا دون صوت؟ كيف نشأت هذه الحركات والإيماءات فيما بينهم؟ كيف اندمجوا مع مجتمع لا يفهمهم؟

فتوصّلتُ إلى نتائج مخيبة، إذ التجاهل والإهمال كانا نصيب الصم طوال التاريخ! ولكن الصمّ، كأيّ جماعة لغوية، اتفقوا على رموز وإشارات تحمل معاني بسيطة من بيئتهم، تسهّل عليهم تواصلهم مع أهلهم وجيرانهم.

وعند حلول القرن الخامس عشر في أوربا، بدأت أولى محاولات تعليم الصم. ومنها تغيّر كل شيء، وبدأت مجتمعات الصم تكبر، ولغتهم الصامتة تنضج، وبدأت تتحسّن حياتهم عندما أخذت إشاراتهم العشوائية بالانتظام. 

وككل قصة، لا بد لها من انعطافة مفاجئة، وانعطافة قصة الصم أتت مع مؤتمر ميلانو 1880 الذي غيّر كلّ شيء! فقد أوصى بشبه إجماع دولي: حظر التعليم بلغة الإشارة، واعتماد التعليم الشفهي بديلًا عنه! وقد أدّى ذلك إلى أن يعيش الصم 100 سنة كاملة محاولين التأقلم مع نظام لا يتواءم معهم ولغة لا تمثلهم.

في هذه الحلقة، نسلط الضوء على فئة الصم، ونحاول فهم تاريخهم ولغتهم، وكيف عادت لغة الإشارة بعد منع دام أكثر من 100 سنة.

سياق
سياق
منثمانيةثمانية

نتقاطع مع كثير من المفاهيم والظواهر يوميًّا؛ فتولّد أسئلة تحتاج إلى إجابة، وفي «سياق»، نضع هذه الأسئلة في سياقها الصحيح.