رواية تواسي أمَّ المتوحِّد 🫂
زائد: قراندين، التوحّد ليس نقصًا 👼🏻




رواية تواسي أمَّ المتوحِّد 🫂
هذا الكتاب لن ينقذك ولن يشفيك، ولكنه سيواسيك
مينه تران هوي
نحن كائنات مغرمة بفن القصص، شغوفون بسماع وقراءة حكايات أبطالٍ واجهوا تحديّات وانتصروا عليها. نسعى لأخذ دروس الحياة من أولئك الذين نجحوا بالفعل. ولكن، ماذا لو كانت القصة تخصُّ شخصًا لم يدوِّن حكايته ولن يقرأها أبدًا، قصة نعلم منذ البداية أنها فاشلة، عديمة الفائدة، ولن تقدم حلولًا لمشاكلنا أو تغيّر مصائرنا؟ ماذا لو كانت القصة تسرد وقائع معركة خاسرة؟
من بين كل الأسباب التي تشجع على الكتابة، ربما تكون مواجهة الصمت هي أشدّها قوة: السعي لبلوغ الكلمات الدقيقة لتصوير هذا الصمت، فضحه وتعريته، خاصّةً ردم الفراغ الذي «يُعدّ "الصمت" بمنزلة الجذور له».
الأدب يُظهر أحيانًا ما قد نسميه -تجاوزًا- «جماليّات المعاناة»، وهذا التوصيف للصمت والمعاناة هو ما اختارت الروائيّة والصحفية الفرنسية مينه تران هوي الكتابة عنه في روايتها «طفل بلا حكاية»، حكاية طفلٍ وُلد كي لا يتحدث.

تستهلّ الكاتبة روايتها بإهداء موجع إلى بول، ابنها الذي لن يطالع أبدًا ما كتبته والدته. ومع ذلك، لا أرى الرواية سيرةً تتحدث عن الطفل وحسب، بل سيرة أمٍّ وامرأة تحمل آمالًا وتطلّعات تماثل تلك التي تحملها معظم الأمهات والنساء: قصة امرأة من أصول فيتنامية، عانى أهلها في بلدهم الأصلي مأساةً دفعتهم قسرًا إلى الهجرة نحو فرنسا، وهناك بنوا حياة جديدة طموحة. ورثت الكاتبة عن أبويها هذا الطموح، ونجحت في أن تصبح كاتبةً معروفة بأعمالها العديدة، وتزوجت عن حب من باحث أكاديمي، يحمل هو الآخر تاريخًا عائليًّا مليئًا بالمآسي، وكأن المصائب تتحد في النهاية لتؤلف مأساةً جديدة، تتوارث من خلالها الأجيال الألمَ والمعاناة.
تبدأ المعاناة لحظةَ المخاض والولادة، التي تصفها الكاتبة بالمذبحة التي لم يُحذّرها منها أحد، فهي اللحظة المُغَيَّبَة ثقافيًّا من قاموس الألم في المجتمعات، باعتبار فعل الولادة أمرًا عاديًّا تعيشه كل النساء؛ فالألم متى شاع يصبح قابلًا للتطبيع، وعلى النساء أن يعشن هذا الألم من خلف ستار، ويعترفن به بينهن وبين أنفسهن فقط. متى تجرّأت إحداهن على الحديث، فغالبًا ستواجَه بعبارات تحبطها أكثر مما تفيدها.
يُقال إن قدوم طفل يَجُبُّ ما قبله -غالبًا- ويكفي الأم أن تتأمل جماله وتُذهَل من تفاصيل قدميه وقبضتيه كي تشعر بفرح غامر يبتلع أي قلق عابر حول جسدها وتغيراته الطارئة، وما يرافق ذلك من ليال بيضاء وآلام مستمرة.
ولكن بول لم يكن مثل أقرانه؛ فلم يتمكن من إدخال البهجة إلى قلب أمه كما أَمَلت، بل زاد من أحزانها وآلامها، وأثار في نفسها شعورًا بالذنب يتعاظم مع تأخر نموه.
يعاني بول من اضطراب طيف التوحّد –وتحديدًا نوعه الأشد حدة، والمعروف بالتوحّد الكلاسيكي، أو توحّد كانر.
تُواجه الكاتبة الفكرة السائدة التي تصور أن كل شخص مصاب بالتوحّد هو -بالضرورة- عبقري، وتميز بين حالة طفلها ومتلازمة أسبرجر التي تُمكِّن الأفراد من امتلاك قدرات معرفية متميزة. هذه القدرات هي ما جعلت المعالج النفسي أسبرجر يطلق على أطفال التوحّد المميزين لقب «أساتذته الصغار».
وقد كُشِف حديثًا أن أسبرجر، بسبب هذا التمييز، قد ساهم مع النازيين في سياسات تحسين النسل، أو ما يُعرف بـ«القتل الرحيم» ضد الأطفال الذين يعانون إعاقات مختلفة، بما في ذلك الأطفال الذين يشبهون بول.
في سياق التوحّد الكلاسيكي، يجد المصاب نفسه -وكذلك أفراد أسرته- أمام تحديات جمّة ومستمرة لتحقيق التواصل اللفظي، وأداء أبسط السلوكيات اليومية التي قد تصبح عسيرة أمام بعض الإعاقات الحسية العصبية.
استغرقت الكاتبة زمنًا للتصالح مع فكرة أن ابنها قد يظلّ صامتًا، وحافظت على الأمل في منحه حياة طبيعية. وبذلت، بمعيّة زوجها، جهودًا حثيثة للحفاظ على استقرار أسرتها وتماسكها في ظلِّ بيئة سياسيّة واجتماعيّة لم تنضج بعد في التعامل مع التوحّد، خاصة عند مقارنتها بدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
عانت الأسرة من جنوح فرنسا نحو آليات العلاج النفسي لبحث مشكلات التوحّد؛ حيث جزم بعض المعالجين أن أعراض بول نابعة من إصابة نفسية مُفترضة، مرتبطة بـ«اللاوعي» الأسري -خاصة من جهة الأم- وهو ما يتماهى مع فكرة متلازمة «االأم الباردة» أو «الأم الثلاجة»، التي طرحها كانر في أربعينيات القرن الماضي، لتفسير التوحّد بأنه نتيجة التبلّد العاطفي للأمهات، الناجم عن صدماتهن الشخصية السابقة.
تساءلت الكاتبة مطوّلًا عن طريقة تتحايل بها على صمت طفلها، واستقرّ رأيها أن الحل الأمثل يكمن في كتابة رواية عنه، واتخذت لها شكلًا تجريبيًّا فريدًا يجمع بين التوثيق والحكي.
بفضلها، أعارت لسانها لطفلها لكي يتسنّى له الكلام. ولكن كيف يمكن أن نؤلّف رواية عن طفل لا يملك حكاية، غارق في صمته الأبدي، لا يخلق الأحداث ويفتقر إلى الذكريات؟
لتحقيق ذلك، اختارت الكاتبة أن تقارن بين حياته ومسيرته وحكاية تمبل قراندين، العالمة البارزة في علم الحيوان، التي عَرفت بدورها مرض التوحّد، وعاشت مصاعبه. وقد كانت تمبل أول من تحدث علنًا عن مرض التوحّد، شارحةً عوالمه الغامضة والمجهولة، وفاضحةً تأخر المجتمعات عن مسايرته والتكيّف معه. كانت تمبل النسخة الهوليوودية الناجحة لمصابي التوحّد، في حين يمثل بول النسخة النقيضة.
انطلاقًا من هذه المقارنة، تمنح الكاتبة الأمل للأسر التي تجهل كيفية التعامل مع بدايات المرض، وفي الوقت ذاته تواسي الأسر الأخرى التي لم تحقق نجاحًا مماثلًا لنجاح تمبل.
ومن خلال المقارنة، توثق الكاتبة أيضًا مختلف المسارات الممكنة التي قد تواجه المصابين وأسرِهم، والتي -رغم تطوِّرها- لا تزال بدائيّة، ولا تأخذ بعين الاعتبار آثارها السلبيّة على الأسر مهنيًّا ونفسيًّا.
هذه الرواية بمثابة شهادة مؤلمة نابعة من قلب أمٍّ قبل أن تصدر عن عقل الكاتبة، تحاول منح طفلها حياة تتيح له التفاعل مع الآخرين؛ وإن لم يستطِع بلوغ المكانة ذاتها التي حققها أمثال تمبل، فهو باقٍ في ذاكرتنا، يرسم لنا ملامح عالمٍ لا نستطيع بلوغه إلا بالكلمات التي حُرم منها. وهنا تحديدًا تكمن قوة الأدب، الذي يعبِّر عمَّا لا يُقال، وعمّا يُغيَّب خلف الأمراض والمعاناة وإخفاقات الآخرين.
يزيح الأدب ما وصفته الكاتبة بـ«الحجاب الخجول»، الذي تنصبه المجتمعات لإخفاء الأشخاص المختلفين، الذين نعجز عن فهمهم، ومن ثم نُشيح بوجهنا عنهم، غير مبالين بالبحث عن حلول تكفل حقهم في الحياة.
أخيرًا، استطاعت الكاتبة أن تقبل منفاها الجديد بين أصحابها وأهلها: المنفى الذي يضم زوجها وبول وطفلها الثاني الذي أنجبته حديثًا. أدركَتْ أن التوحّد ليس عدوًّا يجب محاربته، بل جزء من طفلها ولا ينفصل عنه، ويشكل ذاته وهويته. وتعلمتْ كيف تتعايش مع وضعها، لأنها -في النهاية- لا تملك خيارًا آخر سوى القبول، ولسان حالها يردّد كلمات الكاتبة البرازيلية كلاريس لاسبكتور عندما وصفت إحدى شخصياتها بقولها:
«سواءً فازت أم خسرت، فإنها ستستمر في صراعها مع الحياة. ولن يكون ذلك مع حياتها وحدها، بل مع الحياة كلها. لقد أُطلق شيء ما بداخلها أخيرًا.»
وهذا الشيء هو حبّها العميق لطفلها، رغم اختلافه وافتقاره إلى «الحكاية».
فاصل ⏸️
رحلة ممتعة مع الفكر والأدب 📚☕️
مبادرة الشريك الأدبي تجمع القرّاء مع الأدباء والمفكرين، في جلسات حوارية، وورش ولقاءات مع كتّاب بارزين في تجربة غنية بالتفاعل والتفكير النقدي.
انضم لمجتمع الأدب، واكتشف الفعاليات القريبة منك عبر منصة جسر الثقافة.


قراندين، التوحّد ليس نقصًا 👼🏻
لو كان هذا الشارع ملكًا لي
لأعدت بناءه، وعبَّدته من جديد
ورصّعته بالأحجار الكريمة
كي يمشي عليه حبيبي
في هذا الشارع توجد غابة
غابة اسمها العزلة
تحتضن ملاكًا
الملاك الذي سرق قلبي.
تهويدة برازيليَّة
قبل حوالي عامين، اشتهرت الطفلة البرازيليّة فرناندا على منصّات التواصل الاجتماعي، بفضل أدائها الاستثنائي لإحدى أغاني الأطفال البرازيليّة. أبهرتْ الجميع بصوتها العذب، وقدرتها الفائقة على الانتقال بين الطبقات الصوتية العالية والمنخفضة بعفوية وسهولة.
حقّق الفيديو الذي نشرته والدتها، أليس أنجيلا، نجاحًا مبهرًا؛ حيث تجاوز ستة ملايين مشاهدة على تيك توك، وما يقارب المليون مشاهدة على إنستقرام. وأصبح مصدر إلهام، خاصّة كون فرناندا طفلة مصابة بطيف التوحّد. وقفت فرناندا أمام المرآة بثبات وثقة، متأملةً نفسَها، تبتسم تارة وتعبس تارة أخرى، مع أداء تمثيلي مؤثّر تصف كلماته قصتها، مما أسر قلوب الجمهور وكسب تعاطفهم، ولا تزال والدتها تشارك هذا الجمهور نشاط ابنتها ويومياتها.
الشخص المتوحد، مثل فرناندا، يرى العالم بمنظور فريد يختلف عن الآخرين. وتجاربه الحسيّة أكثر حدّة وعمقًا، مما يمنح حياته الاجتماعية والعاطفية طابعَها الخاص. فهو يملك نمط تفكير مختلفًا يركّز على التفاصيل التي قد تغيب عن إدراك الآخرين، وهذا ما منح بعضهم قدرات استثنائية في مجالات معينة مثل الرياضيات والفنون والابتكارات.
ومن بين هؤلاء الذين سرقت حكايتهم قلبي تمبل قراندين. ألهمتني قصّتها، وساعدتني في حياتي الشخصيّة والعمليّة، فكل ما عاشته وأنجزته يجعلنا نقف بذهول وإعجاب أمام قوة تفكيرها وصمودها، رغم المعاناة والعقبات التي عاشتها منذ طفولتها؛ إذ لم تخشَ المجاهرة باختلافها، بل أصبح علامة تميز سيرتها الذاتية، وهذا ما أكدته قائلة: «التوحّد جزء أصيل مني ولا أريد تغييره، لأنني أحب طريقة التفكير التي جعلتني بفضله مختلفة.»
شُخّصت تمبل وهي في الثانية من عمرها بـ«تلف الدماغ»، وبلغت الرابعة من عمرها دون أن تنطق أولى كلماتها كما هو معتاد بين أقرانها. ولم تُشخّص بالتوحّد إلا بعد بلوغها سن الرشد. ومع ذلك، تجاوزت تمبل كل التحديّات، بدايةً من عدم تقبل والدها لحالتها باعتبارها غير قابلة للشفاء، ووصولًا إلى الصعوبات التي واجهتها في الدراسة والتواصل مع الآخرين. وبفضل إصرارها، أصبحت أستاذة في جامعة ولاية كولورادو الأمريكية، وعضوًا سابقًا في مجلس إدارة جمعية التوحّد الأمريكية، كما حازت درجة الدكتوراه في علوم الحيوان من جامعة إلينوي، واختيرت عام 2010 ضمن قائمة مجلة تايم لأكثر مئة شخصية مؤثّرة في العالم.
تعرَّفتُ على تمبل صدفة قبل عشرة أعوام، عندما شاهدت الفِلم المقتبس عن حياتها «Temple Grandin»، من إخراج مايك جاكسون، وأدت دور تمبل الممثلة كلير دينيس. ولاقى الفِلم نجاحًا عالميًّا، وحصد سبع جوائز إيمي وجائزة من جوائز القولدن قلوب.
تأثّرتُ للغاية بما حققته تمبل من نجاحات، خاصة ابتكاراتها الرائدة التي ساهمت في وضع قواعد هامة للرفق بالحيوان، وأصبحت مرجعًا عالميًّا في عالم صناعة اللحوم. وعملتْ مستشارة لدى العديد من السلاسل العالمية للمطاعم، مثل ماكدونالدز وبرقر كينق، بل لا تزال أكثر من نصف الثورة الحيوانية الأمريكيًّة تمرّ عبر أنظمة وبنى تحتيَّة من تصميمها.
نشرت تمبل خلال مسيرتها عدة كتب، تصدَّر بعضها قوائم الكتب الأكثر مبيعًا، مثل كتاب «التفكير عبر الصور» (1996)، الذي كشف نمط تفكيرها؛ حيث تستخدم الرموز المرئية لتستوعب المفاهيم المجرّدة، وهي طريقة خاصة في معالجة المعلومات. فالصدق مثلًا مرتبط في تفكيرها بصورة شخص يضع يده على الكتاب المقدس أثناء تقديمه شهادته في محكمة. تقول تمبل:
«بالنسبة إليَّ، الكلمات بمنزلة لغة ثانية. أترجم جميع الكلمات -سواء التي تُقال أو تكتب- إلى أفلام ملوَّنة وصوتيَّة. إنها تمر في رأسي مثل أشرطة فيديو.»

وأشارت تمبل في كتابها «التفكير البصري: الهدايا الخفية للأشخاص الذين يفكرون بالصور والأنماط والتجريد»، الصادر عام 2022، إلى ثلاثة أنماط تفكير، مؤكِّدة على حاجة العالم إلى كل هذه الأنماط:
أصحاب التفكير البصري، وهو النمط الشائع لدى الفنانين وأصحاب الحرف اليدوية مثل الكهربائيين والميكانيكيين، وتنتمي إليهم تمبل، حيث يشيع هذا النمط لدى المصابين بالتوحّد. وهؤلاء يعالجون المعلومات عبر صور ذهنية تفصيلية، ويتفوقون في تخيل التصاميم والأشكال بدقة.
أصحاب التفكير النمطي، ويغلب لدى الرياضيين والموسيقين والمهندسين والفيزيائيين. ويركزون على الأنماط والعلاقات المنطقية، ويفكرون عبر القواعد والنماذج الرياضية.
أصحاب التفكير اللفظي، وهم الأساتذة والمحامون والكُتَّاب، وكل من يعتمد على اللغة والكلمات لمعالجة المعلومات. وهؤلاء، حسب تمبل، أساؤوا إلى التعليم، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حين تجاهلوا التعليم وفق التفكير البصري، مما قلّل من ظهور العباقرة.
تقول تمبل في كتابها: «كثير من الأشخاص الذين نعدهم عباقرة، مثل مايكل أنجلو وتوماس أديسون، كانوا مفكرين بصريين.»
بالتأكيد، تُعدّ تمبل ملاكًا ألهم أجيالًا من المصابين بالتوحّد، ولكن العديد منهم يرون أنها لا تمثلهم، وأنها تفترض مقياسًا جامعًا لكل أطياف التوحّد، خاصة حين تنتقد المصاب بالتوحّد، وتتهمه بالكسل في بيئة ترتفع فيها معدّلات البطالة أو تكون غير مؤهلة للتعامل مع الاختلافات الممكنة بين مصاب وآخر.
وكما غنَّت فرناندا، فإنَّ التوحّد يُشبه غابة يلفُّها الشعور بالعزلة والاغتراب، مما يثير الحاجة إلى التفاتة مجتمعية أعمق تجاه هذه الفئة المميّزة.
ومن خلال توفير الدعم اللاّزم، يمكننا تمهيد الطريق لدمجهم في المجتمع، وضمان حصول آبائهم وأمهاتهم على الأدوات التي تساعدهم في فهم عالم أبنائهم. وعلى الرغم من أنَّ أم فرناندا وتمبل قد نجحتا في هذا المسار، لا تزال شريحة عريضة من مرضى التوحّد تنتظر هذه الرعاية والاهتمام، لتجد مكانها الطبيعي بيننا.


إن الذين يحاولون تدريب الأطفال التوحّديين على قول كلمة «أحبك» لا يفعلون ذلك إلا لإرضاء غير التوحّديين، لأن التوحّدي في هذه المرحلة يتعلم فقط تكرار الصوت الذي لا يزال في نظره مجرّدًا من أي معنى. ولو درّبناه مثلًا على قول «زرافة»، فلن يفرّق بينها وبين كلمة «أحبك».
تعاونت بريجيت هاريسون -المختصة في التوحّد والمصابة به أيضًا- وليز سان شارل، المختصة بالتوحّد، مع كيم ثوي، والدة طفل مصاب التوحّد، من أجل تأليف كتاب «شرح التوحّد». ويهدف الكتاب إلى مساعدة غير التوحّديين على فهم العالم من منظور التوحّديين، وذلك عبر الإجابة عن خمسين سؤالًا شائعًا حول هذا الموضوع.
يوضح الكتاب أن التوحّديين يواجهون تحديات كبيرة في التفاعل الاجتماعي، ويجدون صعوبة في التعبير المباشر عن مشاعرهم وحبهم. وقد لا يدرك الآخرون، وخاصة الأمهات، أن أطفالهم يعبرون عن محبتهم بطرق غير لفظية. وهو أمر يتطلب تفهّمًا وصبرًا واحترامًا لمراحل تطور الشخصية التوحّدية، حتى يصل الطفل إلى مرحلة الوعي الكامل بمشاعره، ويتمكن من التعبير عنها لفظيًّا دون الحاجة إلى تلقين.
يجدر بالذكر أن الكتاب من ترجمة الدكتور محمد بن حسين الزهراني، وصادر عن دار جامعة الملك سعود للنشر.

«Autistics In Academia»

صدر حديثًا عن (Cambridge University Press) كتاب «Autistics In Academia»، للكاتبة والمحامية ساندرا توم جونز. يضم الكتاب سبعة وثلاثين صوتًا لأشخاص يعانون التوحّد، ويشاركون تجاربهم في الأوساط الأكاديمية، ويتحدثون عن معاناتهم في الاندماج بسبب الانطباعات الخاطئة حول مرض التوحّد.
اعتمادًا على هذه الشهادات، تقدّم الكاتبة دليلًا لشرح مختلف المفاهيم الخاطئة، محاوِلةً توعية الأوساط الأكاديمية بهذا المرض، وفي الوقت نفسه تسلّط الضوء على النجاحات والمساهمات الفعالة للتوحّديين، التي غالبًا ما تُهمَل بسبب سوء الفهم. كما تشجع على خلق جوٍّ أكاديمي يراعي مختلف المشاركين دون تمييز.

طيف سْبيبة
تأليف: لطيفة لبصير/ الناشر: المركز الثقافي للكتاب / عدد الصفحات: 144
الرواية المُتوّجة بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها التاسعة عشرة ضمن فرع أدب الطفل والناشئة، التي أُعلنت نتائجها أمس الثلاثاء 8 أبريل 2025. وهي رواية للكاتبة المغربية لطيفة لبصير وتنتمي إلى أدب اليافعين وتتطرق لاضطرابات طيف التوحّد.
رواية تلامس كل الأعمار، خاصة وقد ازدادت معاناة الأسر التي يعاني أحد أفرادها التوحّد، في مجتمعات ما زالت لا تميّز بين التوحّد والاضطرابات النفسية، أو تخلط بينه وبين التربية، وتلقي اللوم على الآباء المغلوب على أمرهم.
تُروى الحكاية على لسان «هبة»، الطفلة ذات الاثني عشر ربيعًا، التي تنظر -ببراءة مليئة بالأسئلة- إلى عالم أخيها «راجي» المصاب بطيف التوحّد.
«راجي» ليس مثل المراهقين، فهو ينتمي إلى عالمٍ تختلف فيه الأصوات والألوان والكلمات، عالم يسميه الناس «طيف التوحّد»، لكن «هبة» تسميه «عالم راجي»، وتحاول بدهشة طفولية فك شفرة هذا العالم.
تطمح الكاتبة إلى توعية الأطفال والمراهقين بأهمية تفهُّم الاختلاف بينهم وبين المصابين بطيف التوحّد بدل التنمر عليهم، مما يساعد في تقليل العزلة التي قد يعاني منها هؤلاء الأطفال، ويسرّع اندماجهم مع محيطهم.
هي رواية تذكّر الكبار والصغار أن التعاطف يبدأ بالمعرفة.
لهذا السبب أقفز

تأليف: ناووكي هيقاشيدا / ترجمة: أنطوان باسيل / الناشر: المطبوعات للتوزيع والنشر / عدد الصفحات: 156
«أنتم، أيها الطبيعيون، تتحدثون بسرعة لا تُعقل. لا يستغرق الوقت بين تفكيركم بأمر ما في رأسكم وبين قوله سوى جزء من الثانية! وهذا، بالنسبة إلينا، أشبه بالسحر.»
«لهذا السبب أقفز: المتوحّد الذي حوّل الصمت إلى صوت»، سيرة ذاتية للكاتب الياباني المصاب بالتوحّد، ناووكي هيقاشيدا.
كتب ناووكي هذه السيرة وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره. وهي أجوبة عن الأسئلة الشائعة التي تُوجّه عادة للمتوحد أو ذويه، مثل:
ما السبب الذي يجعلك تقفز؟
لماذا يصمُّ المتوحدون آذانهم براحات أيديهم معظم الوقت؟
لماذا تحرِّك ذراعيك وساقيك بهذه الطريقة الغريبة؟
لماذا تعجز عن البقاء ساكنًا؟
وغيرها من الأسئلة التي يطرحها محيط المتوحّد، وغالبًا ما تراود أذهان القراء كذلك، ويخجل بعضنا من طرحها.
وعبر الإجابة عنها، يحاول الكاتب شرح معظم تصرفات المتوحّد التي تبدو للمرء غريبة، بلغة بسيطة ومباشرة تناسب سن الكاتب زمن كتابة السيرة، ولكنها تحمل عمقًا وبراءة تلامس عاطفة القارئ.
تُرجم الكتاب لمعظم لغات العالم، واستطاعت السيرة التأكيد على أن طيف التوحّد ليس عجزًا، بل طريقة مختلفة لرؤية العالم. يطلب الكاتب من القارئ التحلي بالصبر والفهم من أجل بلوغ أفكار المتوحّد وعاطفته.
كتاب سيغير نظرتنا إلى التوحّد والمصابين به، ويفكك أسرار هذا العالم، ويمنح المتوحّد لسانًا يخاطبنا به.
إن عانقتك فلا تخف

تأليف: فولفيو إرفاس / ترجمة: عدنان علي / الناشر: مشروع كلمة / عدد الصفحات: 349
تحكي الروايةُ القصةَ الحقيقيَّة لرحلة قام بها فرانكو أنتونيلو وابنه أندريا، في صيف عام 2010، عبر الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية. قطع فيها الاثنان ما يزيد عن 38,000 كيلومتر، ودامت الرحلة 123 يومًا.
كان أندريا يبلغ حينها الثامنة عشرة، وشُخِّص بالتوحّد مذ كان عمره ثلاث سنوات.
وشارك فرانكو تفاصيل الرحلة مع الكاتب الإيطالي فولفيو إرفاس على مدار عام كامل، ثم حوّلها إرفاس إلى رواية زاخرة بالتفاصيل المؤثرة.
خلال الرحلة، يعكس الأب فرانكو مراحل مختلفة من حياة ابنه، ويفصِّل في استجابات أندريا الفريدة تجاه العالم من حوله، بما في ذلك الطبيعة والأشخاص الذين قابلوهم.
وكان الهدف الأساسي من الرحلة تعزيزَ التقارب بين الأب وابنه، والدخول إلى عالم الابن من أجل فهمه وتجنيبه شعور العزلة الذي يعاني منه.
على الرغم من التحديات التي واجهها فرانكو في التعامل مع تناقضات أندريا، كان فخورًا بقدرة ابنه على التأقلم مع المواقف بسرعة وإبداع.
نجحت الرحلة في تقوية العلاقة بين الأب وابنه، وألهمت تفاصيلها معظم الآباء والأمهات الذين وجدوا أنفسهم مع أطفال شُخّصوا بطيف التوحّد، دون خبرة مسبقة في التعامل معهم.
وقد طرح فرانكو سؤالًا ملحًّا ومؤلمًا في النهاية:
«ماذا سيحدث له حين نغادر -نحن أبويه- هذا العالم؟»
وهو السؤال الذي يوجهه فرانكو إلى المجتمع ليقوم بواجبه تجاه هذه الفئة، التي قد ينجح بعضها في التأقلم، وقد يحتاج بعضها الآخر إلى العناية الدائمة.


سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.