كيف هرب جاكي شان من ظل بروس لي؟
زائد: جاكي شان يحوّل الفوضى إلى فنّ.


في عام 2016، فاز جاكي شان بجائزة الأوسكار الفخرية. وقال حينها: «كنت أرى تماثيل الأوسكار في منازل أصدقائي الممثلين، وكنت أتمنى الحصول على واحدة، لكنني أصنع أفلام أكشن، وأفلامي لا تفوز بالأوسكار.»
رغم يقيني أن فئة كبيرة من الجمهور يعرفون جاكي، لكنهم لا يعرفون أفلامًا أو ممثلين حققوا جوائز الأوسكار.
المفارقة هنا، أني أفهم تمامًا لماذا لا يفوز جاكي شان أبدًا بجائزة أوسكار، بل سأتعجب لو فاز. ولكن مع ذلك، لا أتخيل سينما لا وجود لأفلام جاكي شان فيها. وهذا حال تصنيف الأكشن عمومًا؛ تلك الأفلام الترفيهية التي لن تحقق الجوائز، لكن لا غنى عنها، ولا عن لذة متابعتها.
نايف العصيمي




اليوم نقول أكشن في هذا المشهد من فِلم «Shanghai Knights»، الصادر عام 2003.
بعد نجاح «Shanghai Noon» عام 2000، يعود جاكي شان وأوين ويلسون في مغامرة جديدة تنقل شخصيتي «تشون وانغ» و«روي أوبانون» إلى لندن، حيث يسعيان إلى الانتقام لمقتل والد «تشون»، ولاستعادة ختم إمبراطوري مسروق منه.
لكن رحلتهما لا تقتصر على كشف الجريمة، بل تقودهما إلى مؤامرة تهدد العائلة المالكة البريطانية، وسط مطاردات وقتالات تمزج الحماس بالفكاهة.
في هذا المشهد، يشتبك الثنائي في معركة داخل سوق مزدحمة أثناء محاولتهما إنقاذ طفل من قبضة مجموعة من المتعسفين. ويحول جاكي شان المكان، بأسلوبه الفريد، إلى ساحة لعب، مستغلًّا كل ما حوله بذكاء، من المظلات والسلالم إلى العربات والبضائع. فيستخدم المظلة سلاحًا بطريقة مستوحاة من رقصة جين كيلي في «Singin’ in the Rain»، ويتنقل برشاقة بين العربات، بل حتى يعصر الليمون في أعين خصومه لإرباكهم.
في المقابل، يحاول «روي» مجاراة الموقف بأسلوبه العشوائي، فينهمك في ملاحقة الطفل متعثرًا في مواقف غير متوقعة؛ ما يجعل مهمته أكثر تعقيدًا وأقل تنظيمًا. ويخلق هذا التباين بين الأسلوبين لحظات كوميدية تدمج الفوضى بالأكشن، وتُحوّل تفاصيل السوق إلى أدوات قتالية في يد جاكي شان.
يُمثّل هذا المشهد امتدادًا للكيمياء التي برزت بين الثنائي في «Shanghai Noon»، وانعكاسًا لعلاقتهما خلف الكواليس. فبينما جاكي شان قادم من خلفية سينما الأكشن والفنون القتالية؛ حيث اعتاد الدقة والانضباط في تصميم القتال، ينتمي أوين ويلسون إلى الكوميديا المرتجلَة، ما خلق تحديًا بين أسلوبيهما.
وذكر جاكي في إحدى المقابلات، أن أسلوب أوين العفوي لا يختلف كثيرًا عن شخصية «روي»، كما أشار إلى أنه كان خائفًا من أداء بعض المشاهد الخطِرة.
كان تنفيذ هذا المشهد تحديًا مرهِقًا لفريق العمل، خاصة مع إصرار جاكي شان -المعروف بسعيه الدائم إلى المثالية- على إعادة المشاهد مرارًا حتى يصل إلى الأداء الذي يُرضيه.
وقد ذكر جاكي في كتابه «I Am Jackie Chan: My Life in Action» أن سعيه إلى الكمال في المشاهد القتالية كثيرًا ما يجعل التصوير يستغرق وقتًا أطول من المخطط له، خاصة عند العمل مع ممثلين غير معتادين على أسلوبه الدقيق. وقد أدى ذلك أيضًا إلى حدوث إصابات طفيفة، مثل المقطع الذي ظهر في كواليس التصوير، عندما واجه الفريق صعوبة في تنسيق الحركات، حيث تعثر جاكي عدة مرات، وسقط بعض العناصر بنحوٍ غير متوقع، ما أجبرهم على إعادة اللقطات.
وبالتعاون مع جاكي شان، صمّم المخرج ديفيد دوبكين مشهدًا قتاليًّا مليئًا بالتفاصيل المدروسة، معتمدًا على لقطات تُبرز براعة القتال بوضوح، بعيدًا عن القَطْع السريع الذي قد يشتّت الانتباه. كما ساهمت ألوان السوق النابضة بالحياة في تعزيز الأجواء المرحة والطاقة التي تميّز الفِلم.
ورغم أن «Shanghai Knights» لم يحظَ بجوائز بارزة، فقد نال الفِلم إشادة بفضل الكيمياء القوية بين بطليه، وبفضل القتال الذكي الذي حافظ على روح الجزء الأول، وأضاف إليه بُعدًا زمانيًّا ومكانيًّا مختلفًا. فالجمهور الذي أحب «مغامرة الغرب الأمريكي» في الجزء الأول، وجد في هذا الجزء تجربة جديدة تحمل السحر نفسه.

فقرة حصريّة
اشترك الآن


لم يكن جاكي شان هادئًا منذ طفولته، فطاقته المفرطة وحبه للحركة جعلا والديه يقرران إلحاقه بمدرسة «الأوبرا الصينية» في بكين، وهو في السابعة من عمره، حيث عاش في تلك المدرسة إلى فترة مراهقته، بعيدًا عن والديه اللذين قررا اللجوء إلى أستراليا.
خضع جاكي شان في المدرسة لتدريبات شاقة يوميًّا، في الفنون القتالية والحركات البهلوانية والتمثيل والغناء، وهي المهارات التي أصبحت فيما بعد حجر الأساس لمسيرته الفنّية.
وبعد قضائه عشر سنوات في «الأوبرا الصينية»، التحق جاكي شان بأكاديمية الدراما الصينية، حيث ازدادت التدريبات قسوةً وانضباطًا، إذ كان يقضي ساعات طويلة من أيامه في التمارين الشاقة، حتى أصبح الوقوف على يديه لفترات طويلة أمرًا طبيعيًّا. في تلك البيئة القاسية، اكتسب جاكي شان قوة التحمل والانضباط، حتى اعتاد العمل بلا توقف.
وبهذه القصة نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن الأيقونة جاكي شان:
بدأ جاكي شان مشواره في السينما ممثلًا إضافيًّا أو مؤدّيًا للمشاهد الخطرة فقط. بل شارك قبل شهرته في أفلام مصنفة للكبار فقط. وكانت من أوائل تجاربه السينمائية ظهوره في فِلم «Enter the Dragon»، من بطولة بروس لي، الصادر عام 1973، حيث ظهر ضمن الأشرار الذين يواجهون بروس لي في مشهد قتالي. وفي أثناء التصوير، ضربه بروس لي عن طريق الخطأ، فتوقف التصوير فورًا ليعتذر له ويطمئن عليه، وهو ما ترك أثرًا في جاكي شان. ومنذ ذلك الحادث صار شان يتعمد البقاء قرب بروس لي خلال التصوير ليحظى بمزيد من الحديث معه.
استفاد جاكي شان من تجربة تمثيله مع بروس لي لتطوير أسلوبه الخاص في الفنون القتالية، فابتعد عن أسلوب بروس لي الجاد، ليبتكر أسلوب الأكشن الكوميدي الذي أصبح بصمته المميزة. كما تأثر بشدة بأفلام الصامتين مثل تشارلي تشابلن، فصار يستخدم الأشياء المحيطة به سلاحًا، مثل الكراسي والسلالم وحتى أدوات الطبخ.
يُعرف جاكي شان برفضه التعاون مع ممثلين بدلاء في تأدية المشاهد الخطرة، ما عرّضه لإصابات خطِرة خلال مسيرته. من أبرزها: كسر في الجمجمة كاد يودي بحياته أثناء تصوير «Armor of God»، الصادر عام 1986، وحروق في يديه بعد قفزه من طابق مرتفع، ممسكًا بعمود مضاء بالكهرباء في «Police Story»، الصادر عام 1985، وكسر في الكاحل أثناء تصوير «Rumble in the Bronx»، الصادر عام 1995، لكنه كان دائمًا يصرّ على استكمال التصوير رغم إصاباته.
خاض جاكي شان عدة تجارب فاشلة في هوليوود قبل أن يحقق نجاحه الكبير، حيث شارك في ثلاثة أفلام لم تلقَ قبولًا بسبب اختلاف أسلوبه في الأكشن عن المعتاد في السينما الأمريكية. لكن انطلاقته الحقيقية جاءت عام 1998، مع فِلم «Rush Hour»، الذي جمعه بكريس تاكر، وحقق نجاحًا ضخمًا في هوليوود. المفارقة، أن جاكي شان لم يكن راضيًا عن الفِلم؛ إذ شعر بالإحباط بسبب منعه من تنفيذ مشاهده الخطرة بأسلوبه الخاص. كما واجه صعوبة في التحدث بالإنقليزية وفهم حديث كريس تاكر.
يهتم جاكي شان بصورته عند جمهوره بشدة، حيث يحرص على تجنب العنف الصريح أو المشاهد الدموية في أفلامه لتكون مناسبة للعائلات. كما أنه يرفض أداء أدوار الشر احترامًا لصورة البطل التي صنعها له جمهوره.
جمع جاكي شان ثروة ضخمة، لكنه لم يهتم بالمظاهر الفاخرة، بل أنفق جزءًا كبيرًا من أمواله على الأعمال الخيرية، ودعم صناعة السينما، وتعليم الفنون القتالية. وأثار الجدل عندما أعلن عن عدم توريث ابنه، موضحًا أنه يجب أن يعتمد على نفسه في بناء مستقبله.
بالإضافة إلى مسيرة جاكي شان في السينما، فإن له ألبومات غنائية عديدة، حيث بدأ تسجيل الأغاني باحترافية في الثمانينيات، وأصدر أكثر من عشرين ألبومًا مسجّلًا بأكثر من خمس لغات، منها الكانتونية والماندرين واليابانية والإنقليزية. وكثيرًا ما كان يؤدي الأغاني المستخدمة في أفلامه.
يَذكُر جاكي شان أن الفقر الشديد الذي عانته عائلته كاد أن يُغيّر مصيره تمامًا، ففي لحظة يأس شديدة، فكر والداه بجدية في بيعه مقابل مبلغ مالي للتغلب على ظروفهما المادية الصعبة، لكنهما تراجعا في اللحظة الأخيرة عن هذا القرار.


مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.