ثقافة الطعام المغربي في رمضان 🌙🇲🇦

زائد: هل نحن بحاجة إلى القارئ النزق 😒


الطعام المغربي  / Imran Creative
الطعام المغربي / Imran Creative

ثقافة الطعام المغربي في رمضان 🌙🇲🇦

سفيان البرّاق

أصبح المطبخ المغربي مشهورًا ويضاهي المطابخ العالمية، وأضحت الأكلات المغربية تُقدّم على كل الموائد. وهذا التميّز يرافقه طوال السنة، وهو ما أسهم في نشر الثقافة المغربية المحلية؛ لأن الطعام ليس مجرد أكلٍ يُسكت الجوع أو يبث الفرح في الإنسان ويجعله نابضًا بالحياة، بل أعمق من ذلك، إنه ثقافة أيضًا، كما يذكر محمد حبيدة في كتابه القيم «المغرب النباتي».

 غير أنّ الملاحظ على الموائد في المغرب أنها تتزيّن في رمضان، وتتسم بالنضرة والتنوّع، من حساءٍ، مثل الحَرِيرة المغربية بأصنافها التي تتباين من منطقة إلى أخرى، وحلوياتٍ، في مقدمتها حلوى «الشّباكية»، التي اقترنت برمضان ولا تكاد تغيب عن أي مائدةٍ في ربوع المغرب، ومعجناتٍ تجمع بين الملوحة والحلاوة، تجعل الناظر إليها مبتهجًا ومتلهفًا إلى اللقم منها. أما إذا تذوقها، فإنه يستطيبها ولا يقدر على مقاومة عذوبتها. بيدَ أنّ هذا التفرّد قد عشناه نحن أبناء الأجيال المعاصرة، فهل اتّسمت المائدة المغربية قديمًا بالميزات نفسها؟

إن الخوض في موضوع الأكل في رمضان يحرّض الحنين إلى زمن مضى، حيث دأب الناس في قريتنا جنوب المغرب على أكل الخبز الأسود (المُعد من الدقيق الكامل). وما فتئت أمي تحدثني عن منافعه رغم أني لا أستطيبه. وكان التمر والشباكية يعتليان المائدة، إلى جانب الحريرة التي تكون بيضاء من الدقيق والدشيش (القمح أو الشعير) في الأيام التي يقلُّ فيها العائد المادي عند ذوينا، أو تكون «حامضةً» (الحموضة هنا دلالة على الدّسم والغِنى)، وتتكوّن من الدشيش والطماطم والقطنيات وفتات اللحم العالق بالعظام المكسورة.

زِد على ذلك أنّ السمن والعسل والرغائف والبيض المسلوق يحتلّون الصدارة. وما كان يؤثث المائدة أكثر هو حضور «السّْفُوفْ»، الذي يُصنع من الفواكه الجافة والتمر وبعض الأعشاب، فتعطي للصائم طاقةً تسعفه في تحمّل يومه.

لكن الأكل في المغرب في رمضان انقسم في الماضي إلى قسمين: أكلٌ بدوي يؤمّنُ بما يُنعت في الإثنولوجيا «بـالطبخ لأجل الداخل»، ويعتمدُ على النباتات و«الأخباز القطنية» والحبوب التي تُطهى بأبسط الوسائط، كالفرن والقِدر، أي أنها لا تُجهِد البدويين، المعتمدين أيضًا في أكلهم على الخبز الأسود المرتبط بالطبقة الفقيرة، التي تُعرف بأطباقها المحدودة. إذ يؤكد الكاتب، وفقًا للنصوص البيولوجية التي اعتمدها، أنّ هذا الخبز غنيٌّ بفوائد عديدة.

أما الأكل في الحواضر، فكان يعتمد على الخبز الأبيض، الذي يشير إلى الأعيان والمترفين، فضلًا عن أن أهل المدينة ينوّعون أطباقهم، ويبتكرون أطعمة جديدة تزاوج بين القديم والحديث. فكانت موائدهم تنفرد بالتنوّع والدسم والابتلال والحلاوة؛ الشيء الذي جعلهم أكثر تمتعًا بالبروتينات والفيتامينات، لأن أكلهم متسع ومتعدد. ومن ثَمّ نفهم أن الطعام لم يعد ثقافةً فحسب، بل تخطّى ذلك، وأصبح مؤشّرًا للتمايز الاجتماعي، كما ذكر مارك بلوك في كتابه «الطعام في فرنسا القديمة».

من المُلاحظ حاليًّا تغيّر الدلالة التي توحي بها نوعية الخبز في التمايز الاجتماعي، حيث أصبح الخبز الأبيض، وفقًا للرائج بين مختصي التغذية في سوق الأطعمة، أقل نفعًا وقيمة غذائية من الخبز الأسود. وهذا خلق ثقافة غذائية منتشرة، خاصة بين ميسوري الحال، تشجّع على تناول الخبز الأسود إلى جانب الأغذية الصحيّة باهظة الثمن، التي تُعرف بالأغذية العضوية، بينما غدا الخبز الأبيض الرخيص، الخالي من المنافع الصحية، هو الغالب على موائد الطبقة المعوزة.

لم يسلم المغرب تاريخيًّا من المجاعات والقحوط التي أربكته، ومن ثم أثّرت في نمط العيش في رمضان، حيث تباينت الأحوال بين أيام الرخاء وأيام الجفاف. ولم ينفكّ المغاربة عن الصيام رغم تفشي المجاعة، مثل مجاعة عامي 1661 - 1663، فكانوا يصومون النّهار، وفي الليل يأكلون «الرْبِيْعْ»، وهي الحشائش التي تظهر من الأرض، وتكون قصيرة جدًّا، وتنمو تلقائيًّا في مكانٍ يُصَبُّ فيه الماء باستمرار، ولا تقربه الأنعام. كما أكلوا «الخرُّوب»، وهو نبتةٌ بريةٌ حلوة المذاق، أسعفت المغاربة في التخفيف من وطأة الجوع في ليل رمضان، وأكلوا البُقول، وانكبّوا على تناول البلّوط، الذي يُصنفُ ضمن «الأطعمة القحطية» التي يتناولها الجائع ليخادع الجوع.

أمّا في أيام الرّخاء، فكان سلوكهم يضطربُ، ويخيّم عليهم الوجوم والانقباض، وهذه خاصيةٌ تَسِمُهم قديمًا وحديثًا. فخلال رمضان تكثرُ الشجارات، ويصير التلاسن عادةً. يفسّر محمد حبيدة هذه الظاهرة في كتابه «المغرب النباتي» بقوله: «مزاج الصّائمين يفسد خلال النّهار فلا يُطاق سلوكهم… خلال القرن الثامن حيث تكون البطون فارغة يتوترُ النَّاس، ويصيرُ سلوكهم صعبَ التحمُّل».

بعدما يُرفع أذان المغرب، يجنح عموم المغاربة قديمًا إلى أكل الكسكس، الطّبق العالمي الذي صار مقترنًا ببلد المغرب الأقصى، نظرًا إلى التميّز الذي حظيَ به في المطبخ المغربي. وتعود أصوله إلى الأمازيغ، الذين توّزعوا بين دول شمال إفريقيا. ذَكر حبيدة أنّ «الكسكس قد شكّل قاعدة غذائية لدى عامّة النّاس خلال هذا الشهر المقدّس، ويُصنع إمّا من القمح والشعير، أو الذرة، ويطبخ إمّا بالسمن أو الماء».

تعود شهرة الكسكس المغربي إلى دوره في التاريخ الاجتماعي، حيث كان غذاءً ورمزًا لم يتخلَّ عنه المغاربة في جميع الأحوال، علاوةً على اتصافه ببساطة الطهي؛ «غياب التكلف» و«يغذي كثيرًا». فلو اجتمع نفرٌ من الناس على قصعة واحدة منه، فإنهم يأكلون حتى الشبع. والخلاصة أن هذا الطبق يشكل «مرجعية ثقافية»، لأنّ الطعام ليس مجرد حاجة بيولوجية، بل «استجابة لعادة الإنسان البيئية ودوافعه السوسيو ثقافية».

أما في السحور فإن النسوة يستيقظن باكرًا لعجن الرّغائف وتقديمها إلى العائلة، مصحوبةً بالسّمن والعسل. والظاهر أن هذه الرغائف ما زالت تُسيطر لحد الآن على المائدة المغربية خلال شهر رمضان، فلا تخلو مائدة منها، سواء أصادف رمضان القيظَ أو الربيع أو الشتاء. بل الأعجب أنّ المغاربة أبدعوا فيها وصاروا يقدمون أشكالًا وأصنافًا جديدة لم يألفوها من قبل، غير مفرِّطين فيما خلّفه الأسلاف في الطبخ.

كلُّ من عايش رمضان في عزّ القيظ، إلا واستشعر عسر الصيام، خاصة أولئك الذي يكدّون تحت أشعة الشّمس في الأرياف التي ترتفعُ فيها درجة الحرارة، فضلًا عن أن النهار يكون طويلًا مقارنة مع فصل الشتاء، إذ إنّ الشمس تنشر أشعتها، وتدسّها في الأجساد في وقتٍ مبكرٍ من اليوم، وهو ما يزيد من صعوبة العمل.

يؤكّد حبيدة أنّ المغاربة في الصيف، وتحديدًا في القرن التاسع عشر، كانوا يفطرون ولا يكملون يومهم صائمين، نظرًا لتكالب الحرّ والعطش عليهم، وعدم فتورهم عن العمل، لأنّ الصيف يتزامن مع موسم الحصاد، ومن ثَمّ تتعاظم المعاناة.

إنّ الطعام في شهر رمضان قد تعدّى أن يكون مرادفًا للثقافة، أو يُشير إلى الهرميّة الاجتماعية، بل يحيل إلى دلالات وإيحاءات رمزية أكبر من ذلك. إذ إنّ المغربي في رمضان يصير نديَّ الكف، يزداد مقدار سخائه، ويرتفع منسوب الضيافة لديه، ويغدو مبادرًا إلى الخير، متعاطفًا مع المحتاج. وفي كل ذلك إشارة إلى مفهوم اجتماعي - ديني: «البَرَكة»، والبركة لا تتجلّى إلا في الالتفاف على المائدة أو القصعة، وتناول الفطور أو السحور جماعةً، ويكون ربّ الأسرة هو الآكل الأول، رغم أنّه لم يتدخّل في الطهي.

فالبركة، عند حبيدة، كناية عن «القرابة والصلة الحميمية والثقة بين الأفراد والجماعات»، ولا طعامَ يؤكل لدى المغاربة في رمضان إلّا بشكلٍ جماعي، والخروجُ عن هذه القاعدة، قديمًا، يعدُّ نشازًا صارخًا، لأنّ «خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي».


فاصل ⏸️

رحلة ممتعة مع الفكر والأدب 📚☕️

مبادرة الشريك الأدبي تجمع القرّاء مع الأدباء والمفكرين، في جلسات حوارية، وورش ولقاءات مع كتّاب بارزين في تجربة غنية بالتفاعل والتفكير النقدي.

انضم لمجتمع الأدب، واكتشف الفعاليات القريبة منك عبر منصة جسر الثقافة.


لو كان للناس كلهم عقول خربت الدنيا
— الحسن البصري

يشير الحسن البصري إلى أن استقرار المجتمعات يعتمد على توازن الأدوار. لو كان الجميع مفكرين وفلاسفة ومثقّفين (أي عقلاء)، لأُهملت الأعمال اليدوية الضرورية لبناء المجتمعات، مثل الزراعة والحرف والصناعة. وقيل قديمًا: «لو كان الناس كلهم عقلاء ما أكلنا رطبًا ولا شربنا عذبًا».

لا يعني هذا أن الدنيا لم تشهد عاقلًا انتفع منه الناس، هناك عقلاء اجتهدوا في صلاح الناس وأحوالهم، وسعوا في نشأة الأمم وحضارتها، ولكنهم قلّة مقارنة بمن حولهم. وربما لو أنهم زادوا، لكثرت منازعاتهم واختلفت تنظيراتهم، ولكان لكل منهم رأي يريد إثباته، وضاع العقل في الجدال. وقد عاش البصري في حقبة مضطربة، سادت فيها الصراعات بين العقول، وخبر ما تجرّه كثرة الآراء على المجتمعات من فوضى وهلاك.

ومن جهة أخرى، غالبًا ما يفضّل الناس مصاحبة الحمقى والمضحكين حتى تهنأ بعيشها، مفضّلين الجهل والمرح دفعًا للهموم وصروف الدنيا، ولسان حالهم يردّد ما أنشده أبو الطيب المتنبي: «ذو العقل يشقى في النعيم بعقله..وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم»


القارئ النزق / Imran Creative
القارئ النزق / Imran Creative

هل نحن بحاجة إلى القارئ النزق 😒

إيمان العزوزي

لا تزال إشكالية العلاقة بين القارئ والكاتب تفرض نفسها على المشهد الثقافي. ففي حديث صادفته على مواقع التواصل، تستنكر الكاتبة الكويتية بثينة العيسى حال القارئ المعجب بالكُتّاب، القارئ الذي يتهافت على التصوير مع كاتبه المفضّل. تقول بثينة: إنّ هذه الظاهرة دخيلة على الساحة الثقافية، وإن ما يحتاجه الكاتب هو القارئ النزق «اللي ما يعجبه العجب»، القارئ الذي يناقش الكُتّاب في أعمالهم، عوض الاهتمام بأخذ صورة معهم.

لا أرى ضيرًا في أن يجمع القارئ بين الأمرين؛ يطلب التوقيع والتصوير ويناقش، فهذا لا يؤثّر في ذاك. مع أني شخصيًّا لا أطلب توقيع كاتبٍ لا تربطني به صداقة، لأني أرى توقيع الكاتب باردًا وخاليًا من المعنى. وبالتأكيد، لا أتطفّل على الكُتّاب طالبةً التصوير معهم. وعوضًا عن ذلك، أحب توقيعات من يهديني كتابًا، سواء كان هو من ألّفه أو اقتناه وأهداه إليّ. التوقيع هنا يحمل دفئًا وأصالة، وهي الكتب التي وَضعت لها رفوفًا خاصة، تليق بأصحاب التوقيعات وعلاقتي بهم.

ذكرني حديث بثينة، بموقف عاشه الأديب المغربي عبدالله كنون، العالم والفقيه والمؤرّخ، الذي حكى في إحدى مقالاته المؤرَّخة في أبريل 1964، عن لقاءٍ جمعه بالدكتورة عائشة بنت الشاطئ، صيف 1957 في مكتب الأديب السوري عادل الغضبان، المستشار الثقافي لدى دار المعارف آنذاك. أهداه الغضبان نسخة من «رسالة الغفران» للمعرّي، بتحقيق الدكتورة عائشة بنت الشاطئ، وكان الكتاب قد صدر للتو في طبعته الثانية من الدار.

بعد التعارف، فكر كنون في الحصول على توقيع من الدكتورة، مستغلًّا وجودها. وقد وجد اللقاء مشجعًا على هذا الطلب، لكنه تردّد، إذ اعتقد بأنّ ليس من الكياسة طلب التوقيع في أول لقاء يجمعهما. ولكنه ذكر سببًا آخر وجدته غريبًا، حيث قال: إنه لا يجب أن يتجاهل أنها «سيدة في عصمة رجل من رجال العلم والأدب، يحظى باحترامٍ كبير»، ويقصد زوجها أمين الخوري.

وعاد وبرّر تردّده هذا بأنه رجل، مهما كتب في الأدب وتعلّق به، فلن ينسيه ذلك أنه فقيه تمرّس في السنة النبوية، وأخذ منها قواعده، ومشى على نهجها. واستحضر واقعةً تتضمّن سلوكًا يجب الاقتداء به من السيرة العطرة، ويقصد حديث النبي صلى الله عليه وسلم، عن عمر رضي الله عنه، فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: «بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضّأ إلى جانب قصر، فقلت لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر. فذكرت غيرته، فوليت مدبرًا، فبكى عمر، وقال عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار؟»

في النهاية، لم يطلب كنون من الدكتورة التوقيع، الذي عدّه تجاوزًا للحدود، لكنه تجاذب معها الحديث بوصفه معجبًا بأدبها وعلمها، وأنصت إليها وهي تروي تفاصيل اشتغالها وجهدها في تحقيق «رسالة الغفران». ولم تمنعه حدوده أن يسألها إن كان زوجها يساعدها في أعمالها الأدبية، فأجابته بأدب جم: «أن الأستاذ مشغول هو الآخر بأعماله الكثيرة ولا يفرغ إلى مثل هذه المعونة.»

يشرح كنون القصد من حكي هذه القصة، أن الإنسان متى ترك أمرًا بحسن نية وأدب جميل، فإن الله يعوضه خيرًا منه. وعوض أن يطلب توقيع كتاب واحد، تواترت إليه كتب الدكتورة موقعة باسمها مع إهداءات جميلة.

اللافت في هذه الحكاية، أن فكرة التوقيع والإهداء كانت شائعة منذ فترة طويلة، وليست غريبة على مجتمعاتنا. ولعل أي شخص يعود إلى مكتبة آبائه قد يجد أمثلة عن كتب موقّعة من الكتّاب، وقد يعثر على صور أيضًا. وأتذكر هنا كتابًا لهنري ميللر -أحد نجوم الكتابة المفضلين لديَّ- أهداني إياه صديق بمناسبة عيد ميلادي، مُوقَّع من طرف هنري ميللر بشحمه ولحمه. لم يؤذِ صديقي هذا التوقيع الثمين بكتابة إهداء على الكتاب، بل خصّني برسالة طويلة تثبت صحة التوقيع.

رسالةٌ تعادل جمال التوقيع في نظري، لأن الجهد الذي بُذل للحصول على الكتاب والتأكّد من أصالة التوقيع هو ما منح الهدية والتوقيع قيمتهما المعنوية. ما يهم هو البادرة واللفتة الجميلة.

الآن أتساءل: إذا لم يكن هناك قرّاءٌ معجبون زمن هنري ميللر، أمثال الزوجين «Bauer» اللذين أهداهما الكتاب، ربما لما حصلتُ أبدًا على هذا التوقيع. لأنه لو كان حيًّا في وقتنا الراهن، لأصغيت لنصيحة بثينة، وأصبحت نزقة مع ميللر، وأظن الأمر سيعجب ميللر، لكني أشك انه سيروق الكتاب العرب. جربت يومًا وكان مصيري الحظر.


فاصل ⏸️

رحلة ممتعة مع الفكر والأدب 📚☕️

مبادرة الشريك الأدبي تجمع القرّاء مع الأدباء والمفكرين، في جلسات حوارية، وورش ولقاءات مع كتّاب بارزين في تجربة غنية بالتفاعل والتفكير النقدي.

انضم لمجتمع الأدب، واكتشف الفعاليات القريبة منك عبر منصة جسر الثقافة.


من الأحجيات المعروفة لدى العرب، وكتب فيها الحريري، ما يُعرف بالمُعمّى، ومعناه قول نستخرج منه كلمة تغطّت وسُترت عن نظرنا. فما الكلمة المتوارية في هذا القول؟

يا أيها العطار أعرب لنا

عن اسم شيء قَل في سَوْمكا

تنظره بالعين في يقظة

كما ترى بالقلب في: نومكا


  1. مودَّة الغرباء: حكايات من السِّير الذاتية والمذكرات

تأليف: محمد عبد العزيز الهجين / الناشر: مدارات للأبحاث والنشر / عدد الصفحات: 359

كتاب «مودَّة الغرباء: حكايات من السِّير الذاتية والمذكرات»، وهو الجزء الأول من ثلاثية خصّها الهجين لسير أعلام العصر الحديث في السياسة والأدب والفكر، ومذكراتهم وأخبارهم، من العرب وغيرهم. سبقه كتاب «الأُنس بالراحلين: أمسيات مع السِّير الذاتية»، وصدر حديثًا جزؤه الثالث والأخير «هوى النفوس: سياحة في عالم السّير والمذكّرات».

درس الهجين التاريخ، ولكنه وجد في فن السيرة والمذكرات والتراجم اكتشافًا يوازي عالم التاريخ في القوة والمتعة. يعرض الهجين نماذج من كتب هذا الفن، ويشارك القارئ مراجعاته وانطباعاته، وشعوره وهو يطالع سير هؤلاء الأعلام الذين اختارهم بناءً على تأثيراتهم في أوساطهم، وتأثيرهم في تفكيره شخصيًّا.

ومن النماذج التي اختارها، يُثار فضول القارئ للعودة إلى تلك الأسماء والقراءة عنهم ولهم. يُعدّ الكتاب، مع أجزائه الأخرى، موسوعة في فنّ السير، تفتح أمام القارئ هذا العالم من أوسع أبوابه.

  1. تجلّيات السيرة النبوية عبر العصور

تأليف: طريف الخالدي / ترجمة: أزدشير سليمان / الناشر: الجمل / عدد الصفحات: 400


تعرفت على طريف الخالدي، وهو مؤرخ وأستاذ التاريخ الإسلامي والدراسات العربية في الجامعة الأمريكية ببيروت، بعد أن قرأت كتابه «فكرة التاريخ عند العرب: من الكتاب إلى المقدمة»، وهو الكتاب الذي ناقش فيه الخالدي فكرة كتابة التاريخ لدى العرب ومناهج المؤرخين. وقد كانت قراءة ماتعة. ثم قرأت كتابه القصير «أنا والكتب»، الذي سرد فيه رحلته الفكرية، وتحدث عن الكتب التي أثرت فيه. كما أنه ابن عنبرة سلام الخالدي، المترجمة والأديبة التي اعتنت بترجمة «الإلياذة» و«الأوديسا».

لذا، سارعتُ إلى اقتناء كتابه الجديد، أو بالأحرى الترجمة العربية لكتابه «تجلّيات السيرة النبوية عبر العصور: السيرة في التراث العربي الإسلامي»، الذي صدر في أصله الإنقليزي عام 2009. ولهذا الكتاب قصة، حيث طلب منه ناشر غربي كتابة سيرة للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لكن الخالدي تهيَّب الأمر، واقترح أن يكتب فيما يعرف، تاريخ كتابة السيرة، ليجيب من خلاله على السؤال الآتي: كيف روى المسلمون سيرة الرسول.

يكشف الخالدي أن السيرة تطوّرت بتطور الأزمان وكتّابها. وعليه، فهو ناقش كل فترة من هذه الفترات، بدءًا بصورة النبي في القرآن، ومرورًا بالحديث والأدب، ثم العصور الحديثة، لينتهي بالسيرة في الزمن المعاصر. ولم يكتفِ بالمسلمين، بل أشار أيضًا إلى كتابات المستشرقين.

يظهر من البداية أن الكتاب موجّه إلى القارئ الغربي بالأساس، لكن هذا لا يمنع من الاطلاع عليه، للاقتراب من وجهة نظر الخالدي ومناقشتها، بل ونقدها إذا لزم الأمر. ويبقى الكتاب مرجعًا لمختلف الكتابات التي تناولت السيرة العطرة.

  1. في صحبة عائشة

تأليف: أحمد ضيوف / الناشر: كتوبيا / عدد الصفحات: 114

يسرد كتاب «في صحبة عائشة» سيرة سيدة من سيدات الأدب والعلم في العالم العربي، عائشة عبدالرحمن، المعروفة بـ «بنت الشاطئ». كانت عائشة أوّل امرأة تحاضر بالأزهر الشريف، وفي مقدمة النساء اللواتي اشتغلن بالصحافة في مصر، وهي أول امرأة عربية تنال جائزة الملك فيصل في الآداب والدراسات الإسلامية.

ينطلق العمل من طفولتها، وأولى مظاهر الشغف بالعلم والتعلم، وقد ساعدها جدّها في تجاوز كل العقبات التي فُرضت على بنات جيلها. واستطاعت، بصبرٍ وإرادة، أن تكمل دراستها وتتفوّق وتحصّل على شهادة الدكتوراة، التي ناقشها فيها عميد الأدب طه حسين. كما تحكي السيرة تفاصيل زواجها بالدكتور أمين الخولي، الذي شاركته حياتها وأفكارها، وساهم في ترسيخ جرأتها في طرح أفكارها.

تكشف السيرة ملامح بنت الشاطئ الفكرية والإنسانية، حيث انشغلت بقضايا مجتمعها، وأفردت له نقدًا اجتماعيًّا حظي بالتقدير، مركّزة على قضايا النساء والفلّاح المصري. كما يسرد تفاصيل سجالاتها الطويلة مع أعلام عصرها، مثل العقاد وطه حسين، وجرأتها في فرض أفكارها وثبات حجّتها.

سيرة تنبض بحياة امرأة تركت للمكتبة العربية أعمالًا نصبتها أيقونة في الفكر العربي، وذكرتني بسيرتها الجميلة التي كتبتها بعد وفاة زوجها «على الجسر».

القراءةالكتب
نشرة إلخ
نشرة إلخ
أسبوعية، الأربعاء منثمانيةثمانية

سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.

+30 متابع في آخر 7 أيام