الرأسمالية والاستهلاك الهدري في رمضان 🛒
زائد: كيف نفسّر المودة والرحمة




الرأسمالية والاستهلاك الهدري في رمضان
كنت أتصفح أحد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية حين ظهر لي إعلان في إحدى منصات التسوق العالمية للعديد من المنتجات الرمضانية، ولا يمكنني أن أنكر انجذابي في البداية وتحريك أصبعي لمشاهدة باقي المنتجات، إلى أن ظهر أمامي «حامل التمرة». بدأت أمعن النظر لأفهم المنتج، فوجدته بالفعل حاملًا بلاستيكيًّا صغيرًا يتسع لتمرةٍ واحدة، بحيث توضع على السفرة، أمام كل شخص، تمرةٌ على كرسيها المخصص المزيَّن بعبارات مثل رمضان كريم.
تملكني لحظتها الحُنق؛ إذ لم أستطع أن أرى هذا الإعلان وما يعرضه سوى تسليعٍ واضح لرمضان، الذي أصبح التحضير له شديد الاستهلاكية التي تفرِّغ رمضان من معانيه. ولا أدَّعي المثالية أو التقشف أو الورع، إذ أتفهم تمامًا رغبة معظمنا في تزيين بيوتنا بأقمار وأَهِلّة وبعض الفوانيس، ولكني أبحث عن الخط الفاصل بين الاحتفاء وإظهار البهجة بقدوم رمضان وبين الوقوع في فخ الاستهلاك الهدري الذي حفرته لنا الرأسمالية.
مصطلح «الاستهلاك الهدري» أو «الاستهلاك غير الرشيد» مصطلحٌ ذكره د.عبيِّد عطيان آل مظف في بحث له عام 2007 بعنوان: «سوسيولوجيا الخطاب الإعلاني المُسْتخدِم للرمز الديني: تحليل المضمون لعينة من الإعلانات التجارية في المجتمع السعوديّ». انطلق د. عبيِّد آل مظف في هذا البحث من ملاحظة الحضورِ الكثيف للرموز والشعائر الدينية في الإعلانات التجارية، وأنها تُستعمل بطريقة تساوي بدايةً بين السلعة والشعيرة أو الرمز الديني، حتى تصبح العبادة مع الوقت مُضمَّنة في الاستهلاك.
وحاول الإجابة في بحثه عن سؤال: «هل أصبحت الشعائر والرموز الدينية وسائل لتسويق المنتجات الاستهلاكية؟». ومن خلال البحث وجد أن عديدًا من السلع والخدمات الاستهلاكية مثل العطور والاتصالات والإلكترونيات والملابس وغيرها استخدمت في إعلاناتها رموزًا دينيَّةً محسوسةً مثل الكعبة والجمرات، أو شعائر مثل الأذان أو الصلاة، أو حتى آيات قرآنية.
ومثال على ذلك ربْط أحد إعلانات البخور الصلاة وما يلزمها من تحضير باستعمال البخور، فكأن استعمال البخور -وفق البحث- أصبح جزءًا من لوازم الاستعداد للصلاة. ويزداد بالطبع هذا النوع من الإعلانات خلال مواسم الطاعات ابتداءً من رمضان إلى ذي الحجة.
لا تقتصر هذه الظاهرة على التسويق في السعودية بل تمتد إلى مختلف الدول العربية. كما أنها لا تقتصر أيضًا على الدين الإسلامي. فوفقًا للبحث ظهر مصطلح «سلْعنة الشعائر الدينية» ليصف ويفسر الاتجاهات الاستهلاكية التي تسعى للاستفادة من كل نواحي حياة الفرد حتى الدينية منها. ويُدلِّل البحث على ذلك بحال الأعياد الدينية في الغرب، مثل الكريسماس الذي تحوّل -في نظر الكثيرين- إلى عيد استهلاكيّ؛ فالشركات لا تدخر جهدًا في صناعة منتجات استهلاكية أصبحت جزءًا من تقاليد وطقوس ذلك العيد، حتى أصبح موعده واحدًا من أهم مواسم التسوق في المجتمعات الغربية.
أظن أن معرفتي بتحول الأعياد في الغرب إلى مواسم تسوق استهلاكيّة كانت أحد أهم أسباب حنقي عندما رأيت (حامل التمرة). فمواسم التسوق الغربية أصبحت إلى حد ما ثقافة عالمية بسبب الرأسمالية الكونية؛ وهي وفق البحث شكلُ الرأسمالية بدايةً من نهاية القرن العشرين، حيث أصبحت الشركات عابرة للقارات.
وليس هناك ما يمنع من تحول المواسم الدينية الإسلامية إلى مواسم تسوق مُفرَط إذا ما استمر النمط الاستهلاكي بذات الشكل، خاصةً أن الإحصاءات تذكر زيادة الإنفاق في رمضان بشكل كبير. فمنصة «سلة» مثلًا ذكرت زيادة في المبيعات على المنصة بقدر 105% في رمضان 2024 مقارنة بالشهور الأخرى في السنة ذاتها.
تحويل رمضان وغيره من مواسم الطاعات إلى مواسم تسوق أمر متّسق مع جوهر الرأسمالية، ولكن جوهر الصيام لا يتسق مع ما تفرضه الرأسمالية من استهلاك.
هذه ليست دعوة إلى الانصراف عن الشراء والتسوُّق في رمضان، حيث قال الله تعالى في سورة الحج: «ليشهدوا منافع لهم»، وقد فسر ابن عباس (منافع) بمنافع الدنيا؛ ومن منافع الدنيا التجارة. كذلك فإنَّ الإنسان ابن عصره، وأغلبنا لا يستطيع التنكر للحياة الحديثة وتبعاتها. ولكنّ الوعي بجوهر الأشياء يمكنه أن يحافظ على حقيقتها أمام أعيننا؛ فلا يُعاب على الرأسمالية اتّساقها مع جوهرها، ولكن لا يُنظر إليها بغير ما هي عليه.
ولعل هذا الوعي يرسم لنا الخط الفاصل بين سعينا المحمود للمنافع في مواسم الطاعات وبين الاستهلاك الهدريّ؛ فيمكننا الحفاظ على روح رمضان وغيره من مواسم العبادات التي تدعونا مرةً في العام إلى بعض الزهد.
الإثنين للاثنين 👩❤️👨
الحياة الزوجية ليست وردية، لكن لا داعي لأن تصبح سوداء.🌚

«وجعل بينكم مودّةً ورحمة»
لطالما شدتني الآية الكريمة من سورة الروم {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} ودعتني للتأمل. قرأت لها عدّة تفاسير، لعل أقربها إلى نفسي تفسير البغوي حيث قال: «جعل بين الزوجين المودة والرحمة فهما يتوادّان ويتراحمان، وما شيء أحبّ إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما».
يشير هذا التفسير إلى معنًى لطيف جدًّا؛ فالزوجان في الأصل غريبان لا رحم بينهما ولا صلة، ومع ذلك ففي لحظة يصبح الواحد منهما أحب إلى الآخر من جلّ منْ في حياته.
وتختلف طبيعة المحبة هذه عن كلّ ما اختبره الإنسان من قبل؛ فمبتدؤها هبة يزرعها الله في القلوب، ثم تزداد أو تنقص بالرعاية. وذلك عكس جلّ المشاعر في حياة الإنسان التي -غالبًا- تبدأ وتنمو بالمعاشرة والتعامل (إذا ما استثنينا محبة الأم وليدها).
كما أنَّ هذه المحبة مقرونة بالرحمة، ومفردة الرحمة في الآية مدعاةٌ للتفكّر. فهي أوّل ما يختبره الإنسان في حياته من مشاعر؛ إذ أوضحُ مشاعر الأمّ تجاه وليدها هي الرحمة التي تدفعها إلى تلبية احتياجاته رغم ما فيها من مشقة كبيرة عليها. ويشبّه ابن عاشور الرحمة المذكورة في الآية بتلك الرحمة، بقوله: «فيصبحان بعده متراحمين كرحمة الأبوة والأمومة».
وإذا تأملنا، فالأم هي التي تميل إلى الطفل رحمةً منها به لأنه لا ينجو إلا بعنايتها، ولكنّ الزوجين يسكن كل منهما إلى الآخر فيتراحمان ويتوادّان دون توقُّف حياة أحدهما على الآخر. بل يميل الواحد منهما لزوجه مودةً ورحمةً ليسكن قلبه ويهدأ، وهذه الرحمة هي التي تدفع كلا الشريكين للصبر وكف الأذى والتماس الأعذار والمبادرة بالعطاء.
تشير هذه الآية إلى أن اللبنة الأولى والأساسية للزواج هي هبةٌ من الله، هي تلك المشاعر المحدَثة التي يشعر بها كلا الزوجين بعد عقد القران فتدهشهما لجدَّتها. ولكن مع الوقت قد يغطّي غبار الاعتياد والتوقعات هذه المشاعر، كما قد تلقي بعض التصورات الشائعة عن الحب بظلالها عليها؛ فتضحى مهمة الزوجين نفضَ هذا الغبار عن تلك المشاعر كل حين بتأملها لاستعادتها واستدعائها.
بذلك يبني الزوجان بما يبذلانه من جهد فوق تلك اللبنة، وكلما اتَّسق ذلك الجهد مع معاني اللبنة الأولى، صار البناء أكثر استقامة.
إعداد🧶
مجد أبو دقة
اقتباس اليوم 💬
«لاحق شغفك بكل ما أوتيت من قوة، لكن لا تنسَ تدوين الملاحظات على مر الطريق.» تياقو فورتى
قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀
مع وصولك إلى المريخ كأول عربي مسلم، ستصادفك بعض التساؤلات التي ستستدعي تطور مبحث شرعي جديد هو «فقه الفضاء».
في حين يدرك المتخففون مدى تغلغل الاستهلاكية في كل تفاصيل حياتنا، تتوجه أصابع اللوم دائمًا لمن لا يستطيع مقاومة المد الاستهلاكي.


نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.