«A Complete Unknown»: لغز الموسيقا الشعبية يزداد تعقيدًا 🎵

زائد: صناعة الموسيقا التصويرية للأفلام.

فلم «A Complete Unknown» وشخصية بوب ديلان / تصميم: أحمد عيد
فلم «A Complete Unknown» وشخصية بوب ديلان / تصميم: أحمد عيد

«A Complete Unknown»: لغز الموسيقا الشعبية يزداد تعقيدًا

عبدالله الأسمري

يُعدّ بوب ديلان واحدًا من أكثر الموسيقيين غموضًا في التاريخ الحديث، ما جعله محلّ اهتمامٍ دائمٍ لصُنّاع الأفلام، الذين يسعون إلى التقاط لمحة عن عالمه المعقّد والمثير، ليعيدوا سردها من زوايا مختلفة، سواءً عبر أفلام روائية مثل «I'm Not There» لتود هينز، الذي قدّم ستة ممثلين مختلفين لتجسيد ديلان في مراحل حياته المختلفة، أو عبر وثائقيات مثل «Rolling Thunder Revue» لمارتن سكورسيزي، الذي تناول جولته الموسيقية الأسطورية في منتصف السبعينيات بأسلوب يجمع بين الحقيقة والخيال.

وآخر هذه الأعمال هو فِلمنا لهذا اليوم «A Complete Unknown»، الذي وصل متأخرًا إلى صالات السينما السعودية بعد عرضه العالمي. وهو رؤية جديدة للمخرج جيمس مانقولد، الذي يبرع في تقديم أفلام السيرة الذاتية بأسلوبٍ متوازن، يجمع بين الدراما العاطفية والإيقاع المشوّق، بجانب قدرته على إبراز الجانب الإنساني لشخصياته، كما فعل في «Walk the Line»، حيث قدّم رحلة نفسية تعكس الصراعات العاطفية والتطور الشخصي لنجم الموسيقا الآخر جوني كاش.

وحتى بعيدًا عن عالم الموسيقا، تبرز قدرته في نقل التوتّر والصراعات الداخلية دون أن تطغى على متعة وتشويق مشاهد حلبة سباق السيارات في فِلم «Ford v Ferrari». وهذا ما يجعل أفلامه أكثر من مجرد توثيق لسير ذاتية، بل بقدر ما هي تجارب سينمائية غنية ومؤثرة.

زيمرمان وديلان

يبدأ الفِلم بتتبع «بوب ديلان» عام 1961، وتحديدًا في لحظة فارقة من حياته؛ عندما يدخل إلى غرفة في المشفى لزيارة أحد أهم رموز موسيقا الفولك، «وودي قارثي». لكنه يلتقي هناك أيضًا بـ«بيت سيقر» (إدوارد نورتن). ومن هذا اللقاء الثلاثي، تنطلق رحلة «ديلان» في نيويورك، بعد أن غادر مينيسوتا، ليجد نفسه في وسط المشهد الموسيقي الشعبي المتفجر.

ويركز مانقولد على هذه الفترة تحديدًا، كونها المرحلة التي صاغت هوية «ديلان»، بشعره العبثي، ونظارته السوداء القاتمة، وأسلوبه الجامح. وللتعمّق في هذا الظلام الذي يغطي عينيه، يعود بنا الفِلم إلى «زيمرمان»، الاسم الأصلي لـ«بوب»، الذي تخلّى عنه ليصبح «ديلان»، عبر مشاهد متفرقة وسريعة، فنشاهد تعاطيه مع أحداث كبرى مثل أزمة الصواريخ الكوبية ومناهضة العنصرية، وكأننا نشهد رمزًا ثقافيًّا في طور التشكّل، أو بالأحرى في طور الانفجار!

ومن هنا برزت براعة تيموثي شالاميه في العزف على أوتار روح «ديلان»، حيث جسّدها بمهارة دون السعي إلى تقليد حركاته أو صوته، محافظًا على مساحة من الإبداع والتخيّل. كما أن مانقولد أراد ألّا يكون الفِلم مجرد محاكاة جامدة لشخصية ديلان، بل إعادة خلق لها في سياق سينمائي جديد.

ولكن، في المقابل، لا يتعامل الفِلم مع هذا الرمز كشخصية يمكن تفكيكها بسهولة، بل يتركه في حالة من الفوضى الإبداعية، التي تحاول أن تعكس طبيعة حياته بسطحية ودون رؤية واضحة. وظل يركز في هذه الفترة على سؤال تكرّر كثيرًا من أشخاص مختلفين حتى أصبح مملًّا: من أين يستمد هذا الشاب ذو العشرين عامًا إلهامه؟

حتى إن وصولنا إلى الحدث الأهم، في عام 1963، حين غنّى «ديلان» في مهرجان نيوبورت الشعبي لأول مرة، بدا وكأنه اعتراف رسمي بأنه ضمن الأفضل.

1965: مجهول على مسرح نيوبورت

مع نظرة الفخر والإعجاب من «بيت سيقر»، ينهي «ديلان» فقرته في نيوبورت بعد «جوني كاش» مباشرة، ليحظى بالحفاوة نفسها التي حظي بها «جوني». وبذلك ينتهي النصف الأول من الفِلم. ونبدأ بالاقتراب أكثر من شخصية «ديلان» التي نعرفها جيّدًا؛ ذلك الشاب البوهيمي ذو العلاقات المتعددة، والموسيقي الجامح الذي لم يعد ينصاع لرغبة الجمهور في سماع «Blowin' in the Wind»، وأصبح روحًا هائمة داخل خمسة وأربعين كيلوقرامًا، كما وصف نفسه ساخرًا في مشهد لقائه مع «بوب نيوورث».

هذا اللقاء شكّل نقطة تحوّل فارقة، حيث قاد إلى تشكيل فرقة قلبت قواعد موسيقا الفولك التقليدية. ومن خلال هذه المرحلة المفصلية من حياته، نشهد تخلّصه تدريجيًّا من إرث الفولك التقليدي، الذي كان يحدُّ من إمكانياته أو من قدرته على خلق هويته الموسيقية الخاصة، التي لخّصها عند سؤاله عن نوع الموسيقا التي يعزفها، ليجيب بكل بساطة: «كل شيء».

ومن هذه الروح المتمردة، خرج بأهم ألبوماته على الإطلاق «Highway 61 Revisited»، حيث يعزف في هذا الألبوم على قيتارٍ كهربائي وصافرة بسيطة ابتاعها من الشارع. ولكن قبل إصدار الألبوم رسميًّا في الأسواق، يأتي الحدث المفصلي الآخر، مهرجان نيوبورت السادس، الذي وصفه «بيت سيقر» بطريقة شاعرية، قائلًا: «كان الموسيقيون يسعون لجعل الموسيقا التقليدية أكثر انتشارًا بين الجماهير، لكن بخطوات بطيئة ومتأنية، حتى جاء ديلان كالعاصفة، فخطف الأنظار بسرعة وأعاد تشكيل المشهد بالكامل».

ولكن الذي لم يتوقعه «سيقر»، أن العاصفة التي سيُحدثها «ديلان» هذه المرة لن تكون مجرد وسيلة لجذب الجماهير، بل ستتوجه نحو التقاليد التي كان «سيقر» نفسه ملتزمًا بها. حيث اعتلى «ديلان» المسرح وسط ضربات فؤوس قوية تمهّد لنا عملًا مشابهًا لها، ولكن بقيتار كهربائي يضرب على المزاج العام، ليبدأ ديلان ضربته الأولى بأغنية «Maggie's Farm»، وسط سخط كبير من الجمهور، ثم اختتمها بـ «Like a Rolling Stone»، التي يحكي فيها قصة درامية عن رجل ثري متغطرس سقط من برجه العاجي ليواجه معاناة لم يعتدها. وكأنه يُسقِط تلك القصة على نفسه، حيث صعد المسرح وسط مطالبات حثيثة، وغادره وسط فوضى صنعها بنفسه، محوّلًا إياها إلى ثورة موسيقية ولون جديد، هو الفولك - روك.

ختامًا

يُظهر جيمس مانقولد اهتمامًا كبيرًا بسرد قصص الموسيقيين، كما فعل سابقًا مع جوني كاش، وهذه المرة مع بوب ديلان. لكن الفارق هنا أن ديلان أكثر غموضًا وتعقيدًا، ما جعل مانقولد يتعامل معه بحذر، دون أن يحاول تفكيك أسراره، بل تركه رمزًا عصيًّا على التفسير، مفضّلًا رسم خطوط عريضة لحياته بدلًا من الغوص في تفاصيلها.

فمن بعيد، يبدو الفِلم ممتعًا ومتماسكًا، لكن عند الاقتراب منه أكثر، يظهر افتقاره إلى بصمة خاصة ورؤية مميزة لهذا النجم الذي «يدنو من الأرض»، كما وصفه سكورسيزي في وثائقيه الذي تناول فيه قصة ديلان.


فلم «The Greatest Showman»
فلم «The Greatest Showman»

  • يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما السعودية فِلم «Samia»، من إخراج ياسمين شمديريلي. يتناول الفِلم، المقتبس من حكاية حقيقية، قصة العدّاءة الصومالية سامية يوسف عمر، التي نشأت وسط الحرب والفقر والإرهاب في مقديشو، وحلمت أن تصبح بطلة أولمبية. ورغم التحديات الكبيرة، شاركت في أولمبياد بكين 2008.

  • كما يُعرض في اليوم نفسه فِلم الأكشن والكوميديا «Old Guy»، من بطولة كريستوفر فالتز. يتتبّع الفِلم قصة قاتل مأجور يواجه نهاية مسيرته، لكنه يشعر بالحماس عندما تعيده «الشركة» إلى الميدان بغرض تدريب وافد جديد، ذو شخصية متمردة، ينتمي للجيل «زد».

  • أصدرت وورنر بروذرز العرض الترويجي الأول لفِلم الرعب «Final Destination: Bloodlines»، وهو أحدث جزء في سلسلة «الوجهة النهائية» الشهيرة. من المقرّر طرح الفِلم في دور السينما يوم 16 مايو، معيدًا إلى الجمهور أجواء الموت المحتوم والتشويق المميّز الذي عُرفت به السلسلة.

  • أُصدر العرض الترويجي لفِلم «Sinners»، المُقرّر طرحه في دور السينما في 18 أبريل. تدور أحداث الفِلم حول توأمين يحاولان ترك حياتهما المضطربة خلفهما والعودة إلى مسقط رأسهما لبدء حياة جديدة، لكنهما يكتشفان أنّ شرًا أعظم في انتظارهما للترحيب بهما. الفِلم من بطولة مايكل بي جوردان وهيلي ستاينفيلد.

  • تجاوزت العائدات العالمية لفِلم «Mufasa: The Lion King» الـ650 مليون دولار، محقّقًا نجاحًا كبيرًا مقارنةً بميزانيته، التي بلغت 200 مليون دولار.

  • يواجه الممثل المتحوّل كارلا صوفيا غاسكون، المرشح لأوسكار أفضل ممثلة، عن فِلم «Emilia Perez»، أزمة متصاعدة مع تجدّد الانتقادات ضده بسبب آرائه السابقة حول قضايا التنوّع والأديان. وسط هذا الجدل، أوقفت نتفلكس تواصلها معه، ورفضت تغطية نفقات سفره خلال موسم الجوائز.

  • أطلقت مارفل العرض التشويقي الأول لفِلمها المنتظر «The Fantastic Four: First Steps»، مقدِّمة لمحة أولى عن عودة الفريق الأيقوني إلى الشاشة. الفِلم قادم إلى دور السينما في 25 يوليو.


تتنوع رؤى المخرجين حول دور الموسيقا التصويرية في السينما؛ فبعضهم يرى أنها أداةُ تعزيزٍ للأثر العاطفي في المشهد، بينما يفضل آخرون، لا سيما الواقعيون مثل عباس كيارستمي وأصغر فرهادي، استخدام الموسيقا وسيلةً لفصل المُشاهد عن اللحظة الدرامية وانتشاله من تأثيرها العاطفي. لهذا السبب، غالبًا ما يوظفونها في نهاية أفلامهم، لتخلق مسافة بين المشاهد والتجربة التي عاشها، فتمنحه فرصةً للتأمل بدلًا من الاستغراق العاطفي. 

استخدم كريستوفر نولان في فِلم «Interstellar» الموسيقا بطريقة غير تقليدية؛ إذ لم يجعلها مجرد خلفيةٍ تعزّز المشهد، بل وظّفها عنصرًا دراميًّا يتشابك مع السرد البصري والزمني للفِلم.

بدأ هذا النهج منذ لحظة تكليف الملحن هانز زيمر بالموسيقا، حيث لم يخبره نولان بالقصة، بل أعطاه مجرد فكرة فلسفية عن علاقة الأب بابنته، وطلب منه تأليف مقطوعة تعبّر عن هذه المشاعر. تضمّنت الصفحة التي أُعطيت لزيمر حوارًا بسيطًا بين الأب وطفلته: «سأعود» و«متى؟» لم يكن زيمر يعلم أن الفِلم يدور حول استكشاف الفضاء والفيزياء الزمنية، فكتب لحنًا يعكس الحنين والعاطفة، ليصبح لاحقًا الموضوع الرئيس للموسيقا التصويرية.

وفيما يلي بعض الحقائق المثيرة حول كيفية صناعة الموسيقا التصويرية للفِلم، التي تكشف عن تفاصيل غير تقليدية في عملية تكوينها: 

الأورقن هو الآلة الأساسية

اعتمد زيمر اعتمادًا كبيرًا على آلة الأورقن (Organ) لتطوير الموسيقا، وهي آلة تقليدية تُستخدم في الكنائس. هذا الاختيار أضاف إلى الموسيقا طابعًا روحانيًّا وملحميًّا، يتناسب تمامًا مع أجواء الفِلم، حيث يعكس الإحساس بالعظمة والتأمل في الكون الواسع.

سُجّلت الموسيقا في كنيسة تاريخية

لتعزيز الأبعاد الصوتية، سُجّلت الموسيقا في كنيسة تمبل (Temple Church) في لندن، مما أضاف عمقًا صوتيًّا استثنائيًّا للأورقن. ساهم هذا الموقع مساهمةً كبيرة في إعطاء الموسيقا بعدًا إضافيًّا من العظمة والرهبة، لتخرج متناغمة مع مشاهد الفِلم التي تعرض الكون الشاسع والمجهول.

الموسيقا عزفتها أوركسترا حقيقية

على عكس ما قد يتوقعه البعض من استخدام موسيقا إلكترونية فقط، استعان زيمر بأوركسترا حية، مما منح الموسيقا حيوية وواقعية، ونوعًا من الطاقة الفريدة. استخدم العازفون أنماطًا غير مألوفة في بعض الأحيان، مما عزّز التجربة السمعية وخلق إحساسًا غامرًا للمشاهد.

المقاطع الموسيقية الشهيرة في الفِلم

من بين أبرز المقاطع الموسيقية في الفِلم:

  • Cornfield Chase

الذي يعكس البراءة والتفاؤل.

  • Mountains

وقد احتوى على إيقاع يشبه دقات الساعة، مما زاد من التوتر في مشهد كوكب ميلر.

  • No Time for Caution

استُخدم في مشهد التحام السفينة الدرامي، وأصبح من أكثر المقاطع شهرة.

تقنية الدوبلر في الموسيقا

جرى توظيف تأثير دوبلر في مشهد كوكب ميلر، وهي ظاهرة فيزيائية تحدث عندما يتغيّر تردد الموجة الصوتية أو الضوئية نتيجة لحركة المصدر أو المستقبل. يُستخدم هذا التأثير عادة في التطبيقات العلمية، مثل رصد حركة النجوم أو قياس سرعة المركبات، لكنه في الفِلم استُخدم في الموسيقا وبطريقة مبتكرة.

الإيقاع الموسيقي ممثّلًا النظرية النسبية

ضُبط الإيقاع الموسيقي بحيث تعكس كل نبضة موسيقية (Tick) مرور يوم كامل على سطح الكوكب، بسبب فارق الزمن النسبي.

واستُخدم تأثير دوبلر لتعديل النبضات الموسيقية، ما خلق شعورًا بتسارع الزمن أو تباطؤه، تمامًا كما يتغير صوت سيارة إسعاف عندما تقترب منك ثم تبتعد. ووظّف نولان هذه الفكرة بشكل يتناغم مع موضوعات الفِلم حول الزمن والنسبية، مضيفًا بُعدًا دراميًا وتجريبيًّا للموسيقا التصويرية.


فِلم «Walk the Line»
فِلم «Walk the Line»

اليوم نقول أكشن في هذا المشهد من فِلم «Walk the Line»، الصادر عام 2005، الذي يروي سيرة مغني الكانتري الشهير جوني كاش. الفِلم من إخراج جيمس مانقولد، وبطولة خواكين فينيكس في دور «جوني كاش»، وريس ويذرسبون في دور «جون كارتر»، زوجة جوني كاش الثانية، التي لعبت دورًا محوريًّا في حياته.

يركّز الفِلم على صعود جوني كاش من نشأته المتواضعة في أركنساس، ومعاناته مع والده القاسي وصدمة فقدان أخيه الأكبر جاك، مرورًا برحلته الفنية المليئة بالتحديات، ووصولًا إلى شهرته العالمية. كما يستعرض صراعه مع الإدمان، والدور الحاسم الذي لعبته جون كارتر في إنقاذه من الانهيار.

في هذا المشهد، يجتمع «جوني» مع والديه وعائلة «جون كارتر» حول طاولة العشاء. يخيّم التوتر على الأجواء، خاصة بين «جوني» ووالده «راي كاش»، الذي لم يُخفِ يومًا ازدراءه لابنه. يبدأ المشهد بسؤال «جوني» عن رأي والده في منزله الجديد، إلا أن والده «راي» يتجاهله تمامًا، فيحاول والد زوجته تدارك الموقف بالثناء على المنزل بقوله: «إنه منزل كبير.» ليرد «راي» بتهكّم: «ليس كبيرًا مثل منزل جاك بينيز.»

تحاول والدة «جون» تغيير محور الحديث بالإشادة بموهبة «جوني» في الغناء، لكن «جوني»، الذي لم يرفع عينيه عن والده منذ بداية الحوار، يظلّ صامتًا حتى عندما تطرح عليه والدة «جون» سؤالًا مباشرًا. وبعد لحظة من الصمت المشحون، يشكر «جوني» الحاضرين على تلبيتهم الدعوة، ويستذكر أخاه «جاك»، قبل أن يوجّه لوالده جملة واحدة: «أين كنت؟»

هذا السؤال يفتح جرحًا قديمًا، إذ كانت تلك أول كلمة سمعها «جوني» من والده بعد العثور على أخيه الأكبر «جاك» مصابًا، وظلّت تتردد في ذهنه طوال حياته. والآن، بعد كل هذه السنوات، يعيد «جوني» طرح السؤال نفسه على أبيه. لكن «راي»، بطبيعته المتحجّرة والمتلاعبة، يتهرّب من الإجابة، مفضّلًا الاستمرار في التقليل من شأن ابنه، متهكمًا على إدمانه، وساخرًا من حياته المضطربة، قبل أن يختتم سخريته بتعليق حول حرّاثة «جوني» العالقة.

ينهار «جوني» بصمت تحت وطأة الإهانة، وكأن كلمات والده تثقل كاهله. فعلى مدى الزمن، كان «راي» يشمئز من ابنه، وزرع في ذهنه فكرة أن «جاك» لو كان على قيد الحياة، لكان ابنًا أفضل.

ينهض «جوني» من طاولة الطعام، متجهًا إلى الحرّاثة محاولًا تحريكها، بينما يغادر والداه وعائلة «جون». تدرك والدة «جون» حجم ألم «جوني»، فتطلب من ابنتها الذهاب إليه لتهدئته. وبمجرد وصولها، تنزلق الحرّاثة إلى بركة مياه أثناء ما كان «جوني» يقودها، فتساعده «جون» على النهوض والخروج من الحرّاثة. حينها، قال «جوني» واحدة من أكثر الجمل تأثيرًا في الفِلم: «كان يجب عليكِ تركي»، في لحظةٍ تعكس استسلامه لفكرة والده بأنه ليس سوى عبء عليه وعلى من هم حوله.

اختار المخرج جيمس مانقولد في هذا المشهد حركة مدروسة في تحريك الكاميرا، دعمت التوتّر العاطفي بين الشخصيات. أبرزها لقطات من عدة زوايا تُظهر «جوني» وهو يحدق في والده «راي»، مثل لحظات الصمت، أو عند تصوير بقية الحضور على الطاولة، لتعزيز التواصل البصري بين «جوني» ووالده.

ومع تصاعد حدة الحوار، تتحوّل الكاميرا إلى لقطة فردية معزولة ومقرّبة من «جوني»، مشيرة إلى أن الجدال قد بلغ لحظته الأهم، عاكسةً الانفصال العاطفي بين الأب والابن. هذه الاختيارات البصرية تُبرز عمق الصراع الداخلي لدى «جوني»، وتُظهر أيضًا كيف أن المواجهة مع والده كانت لحظة مفصلية في رحلته النفسية.

يكشف المشهد جذور الصراع العاطفي الذي يحمله «جوني كاش»، والدوافع التي تحرّك شخصيته طوال الفِلم، إذ يعيش في ظلِّ صدمة فقدان شقيقه، ويسعى لإثبات نفسه أمام والده، سواءً بشراء منزل ضخم أو بتحريك حرّاثة عالقة. كما يبرز المشهد العلاقة العميقة التي تربطه بـ«جون كارتر»، التي باتت أكثر وعيًا بحجم الألم الذي يحمله.

خسارة خواكين فينيكس لأخيه الأكبر ريفر فينيكس، عام 1993، تركت أثرًا عميقًا على حياته وحتى على أدواره التمثيلية، خاصة في «Walk the Line». فوفاة ريفر أمام عينيه شكّلت جزءًا كبيرًا من معاناته العاطفية، ما مكّنه من تجسيد الألم الذي عايشه جوني كاش، خصوصًا في المشاهد التي تصوّر شعوره بالحزن والذنب المرتبطين بفقدان شقيقه جاك في الفِلم. انعكست هذه المشاعر أيضًا في لحظات انهياره بسبب الإدمان، حيث بدا أداؤه واقعيًّا، مستلهمًا من صراعاته الشخصية. 

بفضل الأداء العميق، وانغماسه التام في الشخصية، من خلال تدرّبه على العزف والغناء بأسلوب مشابه لجوني كاش، ترشّح خواكين لجائزة الأوسكار عن أفضل ممثل عام 2006.


فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن

فِلم «Sound of Metal»
فِلم «Sound of Metal»

حرصًا من صُنّاع الفِلم على تقديم صورة واقعية لمجتمع الصم، اختير العديد من الممثلين في فِلم «Sound of Metal» من فئة الصم والبكم. أما بول راشي، الذي قدّم دور «جو»، لم يكن أصم، لكن والديه كانا كذلك، مما جعله جزءًا من مجتمع الصم منذ طفولته. ولأنه ابنٌ لأصمّين، كان يتقن لغة الإشارة الأمريكية، وعمل مترجمًا معتمدًا لها، وكان أيضًا مدير مركزٍ لإعادة تأهيل الصم..

يُعد راشي، إلى جانب عمله، عضوًا في فرقة «Hands of Doom»، التي تقدم عروضًا موسيقية بلغة الإشارة، ما يعكس ارتباطه العميق بهذا المجتمع.

وبهذه المعلومة، نستهلّ فقرة «دريت ولا ما دريت» عن الفِلم الموسيقي الدرامي «Sound of Metal» الصادر عام 2019:

  • استوحيت حبكة الفِلم وشخصياته الرئيسة من فِلمٍ وثائقي غير مكتمل يُدعى «Metalhead»، الذي يحكي قصة عازف طبول في فرقة ميتال - روك، فقد سمعه واضطر إلى التكيف مع وضعه.

  • ظلّ المشروع في مرحلة ما بعد الإنتاج منذ 2009، وشارك في كادر التمثيل أعضاء فرقة «Jucifer». لاحقًا، تولى المخرج داريوس ماردر إعادة كتابة الفِلم بالكامل، ليصنع فِلم «Sound of Metal».

  • للاستعداد لدور «روبن» في الفِلم، أمضى الممثل ريز أحمد ستة أشهر في تعلم العزف على الطبول، وإتقان لغة الإشارة الأمريكية، كونه من المملكة المتحدة.

  • خلال المشاهد التي يجسّد فيها ريز أحمد فقدان السمع، ارتدى حواجز سمعية داخل قناة أذنه تطلق ما يسمى «الضوضاء البيضاء»، مما عزله تمامًا عن الأصوات المحيطة. لاحقًا، قرر الاستغناء عنها والانغماس في ثقافة الصم بالكامل، معتمدًا على التواصل بلغة الإشارة مع المخرج والممثلين الصمّ.

  • حرص المخرج ماردر على أن لا يُسمح لريز أحمد بمشاهدة اللقطات المصوّرة يوميًا، أو تحليل النصوص، وذلك لدفعه للاعتماد على مشاعره الفطرية أثناء الأداء.

  • أصرّ صُنّاع الفِلم على وضع ترجمة عند عرض الفِلم في المهرجانات وصالات السينما؛ لإشراك المشاهدين الأصحّاء في تجربة الصمّ وضعاف السمع، الذين يعتمدون على الترجمة في جميع الأعمال البصرية.

  • مُنتِجَ الفِلم مراعيًا التسلسل الزمني نفسه الذي صٌوّرت فيه المشاهد، ما أضاف عمقًا لأداء الممثلين. فمثلًا، أثناء تصوير الفصل الثاني من الفِلم، ابتعدت أوليفيا كوك -التي تؤدي دور «لو»- عن موقع التصوير لعدة أشهر. عزّز هذا الأسلوب الإحساس بالانفصال العاطفي بين شخصيتي «روبن» و«لو».

  • بُذل جهدٌ هائل في تصميم الصوت في الفِلم، حيث استغرق مزجه عشرة أسابيع، لينقل للمشاهد تجربة فقدان السمع والتأقلم معه، مع تسليط الضوء على واقع زراعة القوقعة السمعية كما يمرّ بها البطل.

  • حصل الفِلم على جائزة «بافتا» عن أفضل تصميم صوتي، بفضل تقنياته المبتكرة التي وضعت المشاهدين في تجربة فقدان السمع. كما فاز بجائزتيّ أفضل صوت وأفضل مونتاج في جوائز الأوسكار لعام 2021.

  • كشفت أوليفيا كوك، في مقابلة عام 2020، أن تبييض حاجبيها لشخصية «لو» كانت فكرة استوحتها من صورة عشوائية على موقع «Pinterest».

  • كان من المفترض أن يؤدي كلٌّ من داكوتا جونسون وماتياس شوينارتس دوريّ البطولة، إلا أن تضارب الجداول الزمنية أدى إلى استبدالهما بأوليفيا كوك وريز أحمد.


قليل من الفنانين يملكون القدرة على تحويل الألم إلى فن، وهي موهبة نادرة. وكانت إيمي واينهاوس واحدة من هؤلاء الفنانين؛ بصوتها العميق وأغانيها التي تنبض بالصدق، لم تكن مجرد مغنّية، بل كانت روحًا معذّبة تروي قصصها بأسلوبٍ فنيٍّ لا يُنسى. ولكن خلف هذه الموهبة الاستثنائية، فثمّة حياة مضطربة انتهت نهاية مأساوية، استدعت من المخرج آصف كاباديا أن يسلّط عليها الضوء في فِلم «Amy» الوثائقي، الذي يروي قصة صعود واينهاوس السريع إلى قمة الشهرة، ومن ثم سقوطها المدوي.

يستعرض الفِلم تفاصيل رحلة إيمي منذ مراهقتها، مرورًا بصعودها إلى قمة المشهد الموسيقي عام 2006، مع ألبومها الشهير الذي جعلها نجمة عالمية، «Back to Black». لكن رغم نجاحها الباهر، كانت الصراعات تعصف بحياتها الشخصية لدرجة انعكاسها على أغانيها. ولم يحمِها المال، ولم يقِها النجاح الفني الباهر والشهرة من النهاية المأساوية التي لقيتها بسبب التسمم الكحولي عام 2011.

من خلال اللقطات الأرشيفية النادرة والمقابلات مع المقرّبين منها، يكشف كاباديا عن صورة إنسانية أعمق، بعيدًا عن العناوين المثيرة؛ كاشفًا عن التحديات الشخصية التي رافقت نجاحها، حيث كانت تعيش في ظل ضغوط كبيرة.

تلتقط كاميرا الفِلم، بدقة، بشاعة عالم الشهرة، حينما كان مصورو الباباراتزي يلاحقونها في كل مكان، ملتقطين صورًا لها حتى في أكثر لحظاتها ضعفًا. يصف مدير أعمالها السابق، شيمنسكي، هذا التطفل الإعلامي بقوله: «كان يُسمح للباباراتزي بالاقتراب منها بوحشية… كان هناك هوس برؤية المشاهير في لحظاتهم الأكثر انهيارًا.» فقد كانت إيمي تنهار أمام أعين الجميع، ويصف شيمنسكي ذلك بـ«حمى الافتراس»، حيث استغلّ الإعلام كل لحظة في حياتها الخاصة والمهنية بلا رحمة.

يشير كاباديا إلى أن إيمي كانت تعاني مرضًا عقليًّا، ومع ذلك، كان الإعلام يسخر منها دون تفكير، وكأن الجميع قد انجرفوا في هذا الاستغلال. تسلّط هذه المشاهد الضوء على العدوانية التي يواجهها الفنانون من الإعلام والجمهور، وتكشف عن مسؤولية المجتمع في استغلال معاناتهم بدلًا من توفير الحماية والدعم لهم.

من خلال هذا الفلم، يأمل كاباديا أن يثير النقاش حول الطريقة التي يتعامل بها عالم الموسيقا مع الفنانين الشبّان المضطربين، وكيفية تأثير هذه الصناعة على حياتهم. ويُظهر الفِلم صراحةً أن المسؤولية عن وفاة واينهاوس تقع جزئيًّا على عاتق صناعة الموسيقا التي تلهث وراء الربح والشهرة، تاركة الفنانين يواجهون ضغوطًا هائلة قد تؤدي إلى تدميرهم.

فاز فِلم «Amy» بعدد من الجوائز، أبرزها: جائزة الأوسكار لعام 2016 في فئة أفضل فِلم وثائقي، وجائزة «BAFTA» لعام 2016 في فئة أفضل فيلم وثائقي، وجائزة إيمي لعام 2016 عن فئة أفضل فِلم وثائقي.

الأفلامالموسيقا
النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
أسبوعية، الخميس منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+50 متابع في آخر 7 أيام