أبطال الروايات في ألعاب الفيديو 🎮📚
زائد: السفر لمعرفة النفس واكتشافها. 🗺️
أبطال الروايات في ألعاب الفيديو
يارا المصري
ثم همس بشيءٍ في أذنه، رغم أنَّنا لا نعرف أيّ أسرارٍ عجيبةٍ أسرَّ بها، لكن هذا الملك القرد، كان بوسعه فهم أشياء كثيرة بمعرفة أمرٍ واحد! وبعد أن تدرّب على التعاليم الشفهية، أتقن الاثنين والسبعين تحوّلًا!
وإن كانت هذه التحوّلات غامضة، فإنّ أحدها قد يصبح لعبة فيديو. سألتُ صديقًا من هواة ألعاب الفيديو عن اللعبة الجديدة التي أثارت ضجة كبيرة قبل وبعد صدورها: «الأسطورة السوداء: ووكونغ» (Black Myth: WuKong)، إن كان يعرف قصة اللعبة، أو مدى ارتباطها بالصين، أجاب أنه لا يعرف إلَّا أنها مقتبسة عن إحدى الروايات الصينية، وأنّ شخصية «الملك القرد» ظهرت في ألعاب أخرى مثل «League of legends».
هل يمكن أن نرى الأسطورة حيةً في لعبة فيديو كما هي في الكتب؟ أو كما يُعاد تمثيل وخلق الحكاية في عملٍ درامي؟
يقدم لنا الأدبُ عوالمَ لا نهائية، وهو مرآةٌ نرى فيها الآخر ونرى أنفسنا. نرى كيف يفكر الآخر، وكيف يتأثر بمحيطه وظروفه الاجتماعية والتاريخية. الأدب يَعبرُ بنا الزمانَ والمكان، نشاهد الماضي، ونرى كيف يكون المستقبل، وكيف نفهم الحاضر. يعطينا الحكاية ويجذبنا إلى التجربة. نعيش ثقافاتٍ مختلفة وتجارب متباينة، نكتشف عناصر إنسانيةً مشتركة، تحفّزُ العقل على تجاوز الحدود، وتفتح البصيرة على آفاقٍ رحبة.
وقد لا نرى رابطًا مباشرًا بين الأدب -كما هو مُدوّن في الكتب- وألعاب الفيديو، بوصفها منتجًا تكنولوجيًّا حديثًا. لكن الحقيقة، وبعيدًا عن المقارنة، أنَّ التفاعل الإنساني سيكون حاضرًا، مهما اختلف الشكل الذي نتلقى منه الحكاية. ففي ألعاب الفيديو، نصبح مشاركين تفاعليين ومندمجين في السرد، فنتحكَّمُ في الشخصيات ونحدّد مصيرها.
وإنْ كان الأدبُ المُدوّن مثيرًا وجاذبًا، فما المثيرُ في لعبة «الأسطورة السوداء: ووكونغ»، التي صدرت في أغسطس، 2024؟ ربما المثير فيها أنّها أول لعبة من فئة «AAA» تُطوّر في الصين، ما يجعلها علامة فارقة في تاريخ صناعة ألعاب الفيديو هناك. كما أنَّ قصة اللعبة مستوحاة من إحدى أهم الروايات الكلاسيكية الصينية «رحلة إلى الغرب».
تُعدُّ رواية «رحلة إلى الغرب» واحدة من أعظم أربع روايات كلاسيكية في الأدب الصيني، إلى جانب رواية «حلم المقصورة الحمراء» و«أبطال شاطئ البحيرة» و«رومانسية الممالك الثلاثة». تُنسب الرواية إلى الكاتب وو تشنغ إن، ونُشرت نسختها الأخيرة في القرن السادس عشر الميلادي، في عهد أسرة مينغ، وهو عصر شهد فيه المجتمع الصيني تغيراتٍ هائلة، إذ سَمح الاستقرار السياسي والاقتصادي بازدهار الأدب وتطوره، ولا سيما الأدب الشعبي، ما كان دافعًا إلى تطلّع الناس لمجتمعٍ مثالي.
يقول «الملك القرد»: «منذ أن عرفت الطريقة، أصبحَتْ لديّ القدرة على الاثنين والسبعين تحولًا. قدرتي على امتطاء السُّحب لا حدود لها، أتقنُ سحر استدعاء الريح والسُّحب والبرق، وسحر القبض على الشياطين والعفاريت. أستطيع الصعود إلى أعالي السماء، أو الدخول إلى باطن الأرض. أمرُّ أمام الشمس والقمر ولا يظهر ظلّي، أخترقُ الحجر والمعدن دون عائق. لا الماء يُغرقني ولا النار تحرقني. هل من مكان لا أستطيع الوصول إليه؟»
والرواية سردٌ خيالي لرحلة الراهب البوذي «تانغ سانتزانغ» إلى المناطق الغربية، وتحديدًا الهند، برفقة تلاميذه: القرد «سون ووكونغ»، والخنزير «تجو باجييه»، والراهب «شا ووجينغ»، والحصان «بايما»، بحثًا عن النصوص المقدسة. وخلال رحلتهم، يقهرون مجموعةً من الشياطين والوحوش، ويتغلبون على إحدى وثمانين محنة.
هذه الرواية ليست مجرّد عمل خيالي، بل عمل غني بفلسفةٍ عميقة، دمجت بين الأسطورة والحكايات الشعبية والتاريخ.
يوظّف المؤلفُ شخصياتٍ مثل «سون ووكونغ» والراهب «تانغ سانتزانغ» وسطاءَ لاكتشاف التناقض في الطبيعة البشرية: التناقض بين الخير والشر، الحكمة والسذاجة، الشجاعة والجبن. كما يكشف الاصطدام بالواقع أثناء السعي إلى المثالية.
وفي الوقت نفسه، يدمج العمل قِيمًا لها صدى وأثر عميق في الهوية الثقافية الصينية، مثل تعاليم وأفكار البوذية والطاوية والكونفوشية، مما يزيد من الثراء الثقافي للنص. كما أن النص يُعدّ نافذةً للآخر لفهم الثقافة الصينية.
«رحلة إلى الغرب» ليست مجرد عمل كلاسيكي وحجر زاويةٍ في الأدبِ الصيني، إنما هي جزءٌ من الثقافة الشعبية؛ فقد كان الأجداد يحكونها للأحفاد، وفي ذلك تعزيز للروابط بين الأجيال وحفظٌ للتقاليد عبر الحكاية.
كما أنّ تأثير «رحلة إلى الغرب» على الثقافة الصينية عميقٌ جدًّا، فهي تسلط الضوء على شخصيات أسطورية مثل «سون ووكونغ»، وتؤكد على تأثير قِيَمٍ تقليدية مثل الرحمة والعدل والشجاعة في تراث الثقافة الصينية.
ولأنّ الرواية مرتبطة بالثقافة الصينية التقليدية والثقافة الشعبية، كان لا بُدّ أن تؤثر في لغة وثقافة الشعب الصيني عبر الأجيال.
على سبيل المثال، يقتبس الصينيون عبارة «مملكة النساء» من الرواية لوصف أماكن العمل التي يغلب فيها النساء، مثل مصانع النسيج ورياض الأطفال. ويصف الصينيون المهمات صعبة الإنجاز في العمل بأنّها تتطلب «التغلّب على إحدى وثمانين محنة».
وُلد «الملك القرد» من حجرٍ سحري تشرَّبَ جوهر «الين واليانغ»، ويقع هذا الحجر على قمّة «هوا غوه شان» أو «جبل الزهور والفاكهة».
وإذا كان «الملكُ القرد» الشخصيةَ الرئيسةَ في الرواية، ورمزٌ للتمرد والحرية، فإنّه يؤدي الدور ذاته في لعبة «الأسطورة السوداء: ووكونغ». هذه القدرات التي يتمتع بها الملك، كما في الرواية، تظهر كذلك في لعبة الفيديو، حيث «تُبرِز هذه اللعبة السحرَ العميق والفريد للثقافة الصينية من خلال إعادة إنتاج الأساطير والقصص الصينية، بالإضافة إلى عناصر العمارة الصينية، والمناظر الطبيعية والموسيقى والفن والأدب وفن الخط والفنون القتالية وغيرها الكثير».
وكما في الرواية، نرى «الملك القرد» في لعبة الفيديو ملوِّحًا بهراوته الذهبية يمينًا ويسارًا في معظم معاركه ضد الشياطين والأعداء. وعن الهراوة يقول «الملك القرد»: «إنّ لها أن تتحوّل إلى أي شكلٍ أو هيئة، كبيرةً كانت أو صغيرة. وقد حوّلتُها للتو إلى إبرة تطريزٍ ضئيلة، وهي مخفيَّة بهذا الشكل في أذني. وحين أحتاج إليها، أسحبها.»
بوسعنا أن نفهم من رحلة الحصول على النصوص المقدسة أنها ليست رحلة اكتشافٍ فقط، بل رحلةٌ لتكتشف كل شخصية نفسها من خلال النُّضج والتغيّرات التي يمرّون بها. إذن، هي قصة عن السعي وراء الحقيقة، ومواجهة الصعوبات بشجاعة، والعمل الجماعي. وكل هذا مستمدٌّ من القيم الماثلة في حياة الإنسان.
كانت الرواية مصدرًا غنيًّا لإلهام أعمال أدبية لاحقة، وبوسعنا رؤية تجلي أثرها في الأوبرا الصينية التقليدية والأعمال السينمائية. وهذا ما أكدته إحدى المنصات الثقافية الصينية بقولها: «ولهذا السبب استطاع هذا العمل أن يصبح أسطورة تتجاوز الحدود الثقافية والزمنية، وسواء حين استرجاع الماضي أو التطلع إلى المستقبل، ستجد "رحلة إلى الغرب" مكانها دائمًا في كل عصر». ونجد مثيلًا لذلك في أشهر كتاب عربي تراثي «ألف ليلة وليلة»، إذ استوحى منه كتَّاب وموسيقيون ومخرجو دراما تلفزيونية الكثير من الأعمال التي تحظى بقيمة إبداعية عالية في عالمنا المعاصر.
هكذا، سنجدُ «الملك القرد» متجليًا برحلته إلى الغرب في الرواية الكلاسيكية الصينية الأصلية، وفي دراما تلفزيونية، وفي فِلم سينمائي، وفي أشكالٍ إبداعية مختلفة. وأخيراً، نراه متجليًا في لعبة فيديو «الأسطورة السوداء: ووكونغ»، محمولاً ليس فقط على القراءة والكتاب والمخيَّلة، بل أيضًا في حداثتِه على التكنولوجيا الرقمية التي تضفي أبعادًا ساحرة على عملٍ هو ساحرٌ في حدِّ ذاته.
فاصل ⏸️
رحلة ممتعة مع الفكر والأدب 📚☕️
مبادرة الشريك الأدبي تجمع القرّاء مع الأدباء والمفكرين، في جلسات حوارية، وورش ولقاءات مع كتّاب بارزين في تجربة غنية بالتفاعل والتفكير النقدي.
انضم لمجتمع الأدب، واكتشف الفعاليات القريبة منك عبر منصة جسر الثقافة.
مع نهاية كل سنة، نشعر برغبة في حزم الحقائب والسفر بعيدًا عن عالمنا المعتاد؛ أن نأخذ إجازة لنعيد ترتيب أنفسنا، ننظر بجزع إلى تلك الأحلام التي وضعناها بداية السنة. تمتلئ حقائبنا بالذكريات، بوجوه قابلناها، ومشاكل حللناها، وأخرى استعصت على الحل. تحمل حقائبُنا نجاحاتَنا وإخفاقاتنا، ولكن أهم ما تحمله: الدعوة إلى وضع حياتنا بين قوسين، وأخذ مسافة نحو عالم جديد وغريب عنا تمامًا، برفقة حقيبة.
«لن تجد رفيقًا يشاطرك مشاعرك كما تفعل الحقيبة»، كما كتب عزت القمحاوي في غرفة المسافرين.
حزم هشام مطر حقيبته بعد أن أتمّ كتابه «العودة»، الذي منحه لاحقًا جائزة البوليتزر، متجهًا إلى سيينا، المدينة الإيطالية التي حلم بها وعشق فنّها منذ أن كان في التاسعة عشرة من عمره، وهي السن التي فقد فيها والده الذي اختفى في ظل نظام القذافي.
كان التجوال في المدينة بمثابة العودة إلى نفسه واكتشافها من جديد، داعيًا القرّاء إلى مشاركته هذا الاكتشاف. وهذا ما نشعر به ونحن نقرأ كتابه المترجم حديثًا إلى اللغة العربية من دار الشروق «شهر في سيينا».
يحكي الكتاب عن رحلة، لكنها ليست مجرد رحلة جغرافية وحسب، بل رحلة تشافٍ وتأمل، يستحضر فيها هشام ذكرياته. يقول أندريه سواريز الشاعر الفرنسي والمولع أيضا بسيينا: «حين يحضر الماضي، يصبح كل شيء في سيينا ذكرى».
يجد هشام في سيينا مساحته المفقودة، حيث تتشابك مشاعره وأفكاره، بين الماضي الذي تحمله بلدان عدة، والحاضر الذي يسكن أزقّة سيينا وبناياتها وفنها. يتوقف الزمن هناك، مانحًا المدينة والمُتجوِّل وقتَهما من أجل نسج الحكاية بصمت وانتباه بالغين. يتداخل الحيّز المكاني والفني مع الحيّز النفسي والفكري لهشام، ويعزّز كلٌّ منهما الآخر.
يُعلّمنا هشام، من خلال الفن «السييني»، كيف نقف أمام العمل الفني، ونمنحه الفرصة ليكشف لنا كل أسراره. كما يعلمنا، وهو يقف بين شواهد مقبرتها، كيف نسمح لأنفسنا بالبكاء لنتحرّر من الثقل الذي نحمله، ونروّض ذكرياتنا ثم ننطلق من جديد.
يقدم هشام في نهاية الكتاب وصفةً بارعة من أجل عودة آمنة بعد الغياب، حيث يرى أن اللقاء يجب أن يكون رغبةً وفضولاً لمعرفة ما حدث مع الآخر، الآخر الذي نحبه ونعود إليه. هكذا يضمن اللقاء اعترافًا بوجودنا، وأنّنا رغم الغياب والبعد، وما حدث فينا من تغيّر، فلن يؤثّر ذلك أبدًا على علاقاتنا، بل على العكس تمامًا، يعزّزها.
يرى أحد الأصدقاء، من الذين قرؤوا كل ما كتبه هشام مطر، أنه في «شهر في سيينا» كتب رسالةَ حبٍّ إلى زوجته، يخبرها فيها عمّا رآه بعد سفرها، وما شعر به، وما انتظره. وكأنه بكلماته يرسم لوحة جديدة، طبقة تعتلي طبقة، ليصل إلى الإضاءة التي يريدها والأفق الذي يسعى إليه.
كل ما نحتاجه بعد العودة وتفريغ حقائب السفر هو التسلح بالقليل من الصبر والكثير من الحب.
كل جمال يولد من الفوضى
لا شك أنّ القائل فنانٌّ أو عاشقٌ للفنون. الفوضى هنا لا تعني الأشياء المرئية أو ما يقع تحت البصر فقط، بل حالة نابعة من كل شيء حولنا وفينا.
ذكرتني هذه المقولة بمفهوم شائع: أنّ كل ما هو منظّم مزيّف. الحقيقة دائمًا نجدها نجدها في البعثرة الكامنة في أبسط التفاصيل فينا. حين نفكر، يخرج السؤال من فوضى العقل، وتخرج الأفكار الإبداعية في فورة العمل. وبين ضجة الحشود، ندرك مشاعرَ تختلج بداخلنا تجاه الآخرين وتجاه الأشياء حولنا. قد لا يعني ذلك أن نجد الجمال دومًا في كل ما سبق. في البدء، قد يكون ألمًا، وربما خوفًا وصراعًا، ولكنه بالنهاية يستحيل جمالًا.
كتب دوستويفسكي في «الإخوة كارامازوف»: «أفظع ما في الجمال ليس أنه مخيف، بل إنه سرٌّ لا يُفهم، في الجمال يصطرع الرحمن مع الشيطان، وفي قلب الإنسان إنما تدور رحى هذا الصراع».
هي الفوضى الولاَّدة، كما يصفها نيتشه في كتابه «هكذا تكلم زرادشت»: «على المرء أن يكون حاملاً بعد لشيء من الفوضى كي يَلِدَ نَجمًا راقصًا.»
أمّا سارتر، فبدوره غازل هذه الفوضى في مسرحيته «الفوضى والعبقرية»، عندما قارن بين من يستنزف جهده وإبداعه مُحترِمًا القواعد، باحثًا عن تصفيق وإعجاب الآخرين، ومن لا يهتم، ومع ذلك نجده منبعًا للإبداع والجمال. أجاد سارتر وصف هذا المبدع قائلًا: «كأنك وحدك في الدنيا، أو كأنك صنعت الدنيا على مزاجك».
ولا يخفى علينا أن معظم المبدعين بالعالم، ولا سيما الرسامين والنحاتين، وُلدوا لخلق الجمال من الفوضى، بل كانت أعظم إنجازاتهم متوجةُ بالفوضى.
دعوة للمساعدة 👋
ستسافر قريبًا؟ أو خطّطت لوجهتك السياحية القادمة؟
هذا الاستبيان القصير موجّه لك.
يحتاج إكماله أقل من 45 ثانية من وقتك.
فقرة حصريّة
اشترك الآن
سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.