ما علاقة ابن خلدون بتصميم بيوت جدة القديمة

كيف أصبحنا نعرف المدينة من شكل مبانيها فقط؟

في سياق من ثمانية

تطورت علاقة الإنسان بالأشياء على مر السنين، أدرك احتياجاته قديمًا، فاستأنس الدواب، وسكن الكهوف، واكتشف الزراعة، فطوّر علاقته بالأرض. أبصر الطبيعة بصورها وتناغمها من حوله، وأدرك حاجته للجمال، فعبّر عن نفسه بالفن، ولما تداخل هذا الفن مع الهندسة نتجت واحدة من أكثر العلاقات المدهشة في العالم «العمارة».

كتب آلان دو بوتون عن العمارة وقدرتها على حفظ الذاكرة وحراسة الهوية قائلًا: «نحن نبني للسبب ذاته الذي يجعلنا نكتب، حتى نحفظ سجلًا بما هو مهمٌ عندنا»، وهي الجملة التي تكررت في عقلي طوال العمل على هذه السياقة. إن تتبع هذا البعد في تطور فهم البشر للعمارة هي رحلة ممتعة، لا سيما حينما اشتبكتُ أثناء البحث بالمدن وعوالمها.

فكل مبنى تقع أعيننا عليه ما هو إلا كتاب مفتوح بين أيدينا نقرأ منه أسلوب عيشنا، وحسّنا الجمالي، وحدود فهمنا لبيئتنا وذكاء أجدادنا في بنائهم لبيوتهم.

وكل هذا يفسر كيف نعرف أننا في مدينة ما، لمجرد النظر لعمائرها، بل إننا نتذكر هذه المدن للأبد، بينما تتلاشى عشرات المدن الأخرى من ذاكرتنا سريعًا ما إن نغادرها.

طيلة فترة تنزّهي بين المقالات والمراجع خلال بحثي عن الإجابات كانت جدة القديمة «البلد» بكل تاريخها ومساجدها وبيوتها ماثلة أمام ناظريّ ، ورغم تشابه نمط البناء الذي تتبعه بيوت «البلد» في جدة مع أنماط المدن الأخرى المنثورة على ساحل البحر الأحمر، فلا يزال هناك نمط خاص بجدة، وتستطيع تمييزه بالنظر لأيّ صورة لها، أيًا كانت الزاوية التي التُقطت منها.

ولهذا، عزمت الأمرَ على الكتابة عنها في هذه الحلقة، واكتشاف سياقاتها النابعة من احتياجات سكانها، ونمط حياتهم في السابق، الذي لا يزال إلى يومنا هذا يؤثر في طريقة فهمنا للمدن، بل إنه الحد الفاصل الذي يجعلها مدنًا لا تُنسى.

سياق
سياق
منثمانيةثمانية

نتقاطع مع كثير من المفاهيم والظواهر يوميًّا؛ فتولّد أسئلة تحتاج إلى إجابة، وفي «سياق»، نضع هذه الأسئلة في سياقها الصحيح.