النفط والثورة الكهربائية
في هذه الحلقة نتحدث عن اقتصاد النفط وأثره الحالي في الاقتصاد، وأبرز المغالطات عنه.
النفط والثورة الكهربائية
الحلقة متاحة حاليًّا لمشتركي ثمانية فقط، تحب تسمعها الآن؟
لو تحدثت مع أي سعودي، ستجد سؤالاً واحدًا يتساءله الجميع، ولكنهم يختلفون في إجابته: متى ستنتهي الحاجة إلى النفط؟
أصبحت الإجابات خلال آخر عشر سنوات أكثر عمقًا وتنوعًا، خصوصًا مع ثورة الطاقة المتجددة لكل شيء تقريبًا، ويأتي في مقدمتها ثورة السيارات الكهربائية. لماذا؟
تصدر السعودية وحدها نصف صادراتها النفطية إلى الصين، وتُعد الصين في الوقت ذاته، الأكثر نموًّا في التحول إلى السيارات الكهربائية.
فهل سيؤثر ذلك على طلب النفط من السعودية؟ وإذا كان كذلك، ما السيناريوهات المحتملة لهذا التحول؟ وكيف سيكون شكل الطلب المستقبلي على النفط في خضم هذا التحول الكبير إلى الطاقة الكهربائية في كل شيء؟
هذه الحلقة تحتوي على كمٍّ من الإحسان في توضيح مفاهيم تهمنا وتشبهنا. وهي كالعادة، من إبداع هادي فقيهي ومحمد آل جابر. أتمنى أن تستمتعوا بإحسان صنع هذه الحلقة.
دعوة للمساعدة 👋
ستسافر قريبًا؟ أو خطّطت لوجهتك السياحية القادمة؟
هذا الاستبيان القصير موجّه لك.
يحتاج إكماله أقل من 45 ثانية من وقتك.
مقارنة بين السعودية والنرويج في السيارات الكهربائية:
أصبحت السيارات الكهربائية حلًّا مهمًّا لتقليل التلوث وتحقيق الاستدامة البيئية، لكن فائدتها تعتمد على مصدر الكهرباء المستخدم في كل دولة. فلو قارنّا السعودية بالنرويج، ستظهر التحديات والفرص لكل واحدة:
في السعودية:
تقلّل السيارات الكهربائية في السعودية 40% فقط من انبعاثات الكربون، لأن المملكة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الوقود الأحفوري (مثل النفط والغاز) في إنتاج الكهرباء، وهذا يحد من الأثر الإيجابي للسيارات الكهربائية على البيئة.
توفّر السيارات الكهربائية حوالي 75% من تكاليف الوقود، وهذا ما يجعلها خيارًا اقتصاديًّا ممتازًا.
مع ذلك، فإن انتشار السيارات الكهربائية في السعودية ما زال محدودًا جدًا.
⭕️ حجم الدائرة الصغيرة بالصورة يوضح أن السوق ما زال في بداياته.
في النرويج:
تقلّل السيارات الكهربائية في النرويج 95% من انبعاثات الكربون، بفضل اعتمادها شبه الكامل على الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء، مثل الطاقة المائية.
التوفير في الوقود للسيارات الكهربائية يتجاوز 80%، وهذا ما يعزز انتشارها.
⭕️ حجم الدائرة في الصورة يوضح أن الانتشار واسع جدًّا، بفضل الحوافز الكبيرة مثل الإعفاءات الضريبية والبنية التحتية المتطورة للشحن.
الزبدة 🧈
السيارات الكهربائية ليست الحل الكامل بحد ذاتها، بل هي انعكاس للبنية التحتية والطاقة التي تغذيها. أثبتت النرويج أن التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة يجعل من السيارات الكهربائية أداة فعّالة لتغيير اللعبة. بينما في السعودية، يظهر أن التحدي الحقيقي ليس في تبني السيارات الكهربائية، بل في إعادة صياغة العلاقة بين إنتاج الطاقة واستهلاكها. النجاح في هذه الرحلة لا يعتمد على عدد السيارات الكهربائية في الشوارع، بل على مصدر الطاقة التي تشحنها.
بدأت رحلة «الثورة الكهربائية» مع الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر حين كانت الآلات تعمل بالفحم، وتطور الأمر مع اكتشاف الكهرباء التي أحدثت تغييرًا كبيرًا في مصادر الطاقة. وخلال القرن العشرين، ازداد الاعتماد على الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز، ما أدى إلى مشاكل بيئية عديدة مثل الاحتباس الحراري. ومع التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة أواخر القرن العشرين، ظهرت تقنيات جديدة مثل السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية وطواحين الرياح وأصبحت رموزًا لهذا التحول.
السعودية:
تواكب السعودية هذا التحول بخطط طموحة لتحقيق الحياد الصفري بحلول 2060، وخفض الانبعاثات بحلول 2030، من خلال توليد 50% من الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة، مدعومة بمبادرة السعودية الخضراء التي تركز على الاستثمار في الطاقة النظيفة، وتعزيز كفاءة الطاقة، وبرامج احتجاز الكربون وتخزينه.
فاصل ⏸️
ما علاقة «المرض الهولندي 🇳🇱» بتأخر انتشار السيارات الكهربائية في السعودية؟
تُعدّ السعودية واحدة من أكبر منتجي ومصدّري النفط في العالم، ونتيجة لاعتمادها الكبير على النفط مصدرًا رئيسًا للدخل، تأثرت عدة قطاعات اقتصادية، إما بنحوٍ مباشر أو غير مباشر. وأحد أوجه هذا التأثر هو تأخر انتشار السيارات الكهربائية في السعودية، وهو أمر يمكن تفسيره جزئيًّا بمفهوم يُعرف بـ«المرض الهولندي».
ما «المرض الهولندي »؟
ظهر المصطلح الاقتصادي «المرض الهولندي» أول مرة في الستينيات. فعندما اكتشفت هولندا الغاز الطبيعي، أدى هذا الاكتشاف إلى ارتفاع قيمة العملة الوطنية «القيلدر»، مما أضرّ بالصناعات الأخرى غير المرتبطة بالغاز، حيث فقدت تنافسيتها عالميًّا بسبب ارتفاع التكلفة.
بالنسبة للسعودية، أدى الاعتماد الكبير على عائدات النفط إلى تأثير مشابه. القطاعات الاقتصادية غير النفطية نمت ببطء، مما أضعف قدرتها على التنافس أو الاستثمار في التقنيات الجديدة مثل السيارات الكهربائية.
كيف أثّر «المرض الهولندي» في سوق السيارات الكهربائية في السعودية؟
انخفاض الحوافز الاقتصادية للتحول إلى السيارات الكهربائية:
كانت أسعار البنزين في السعودية -تاريخيًّا- منخفضة جدًّا بفضل الدعم الحكومي، مما جعل كلفة استخدام السيارات التقليدية أقل بكثير من كلفة استخدام السيارات الكهربائية، علاوة على أنها تحتاج إلى استثمار أولي أعلى.
ضعف البنية التحتية:
ما زالت شبكة شواحن السيارات الكهربائية في السعودية غير كافية. فتطوير بنية تحتية شاملة يتطلب استثمارات ضخمة. وتاريخيًّا، كانت الأولوية في الاستثمارات دائمًا موجهة نحو القطاعات المرتبطة بالنفط والغاز، مما جعل الاهتمام بالنقل الكهربائي أبطأ.
اعتماد الكهرباء على الوقود الأحفوري:
تُنتج معظم الكهرباء في السعودية من النفط والغاز، وهذا يقلّل من الأثر الإيجابي على البيئة في استخدام السيارات الكهربائية، مقارنة بدول تعتمد اعتمادًا كبيرًا على مصادر الطاقة المتجددة.
تأخر التقدم العالمي في السيارات الكهربائية:
لم تكن السيارات الكهربائية عالميًّا، وحتى وقتٍ قريب، متطورة بما يكفي، لا من حيث كفاءة البطاريات، ولا من حيث كلفة التصنيع. هذا التأخير العالمي كان له أثرًا مباشرًا على تبني التقنية في السعودية، خصوصًا في ظل الأولويات الاقتصادية التي كانت متركزة على النفط والغاز.
كيف تغير السعودية هذه المعادلة؟
ساهمت الرؤية في تمهيد الطريق للسيارات الكهربائية وتقليل الانبعاثات الكربونية.
هنا بعض الخطوات البارزة التي خدمت السيارات الكهربائية 🚗 ⚡️ :
الاستثمار في الطاقة المتجددة:
أطلقت السعودية مشاريع طموحة، مثل مشروع سكاكا للطاقة الشمسية، ومشروع دومة الجندل لطاقة الرياح. ويُعد مشروع دومة الجندل الذي بدأ تشغيله عام 2022 بسعة 400 ميقاوات، أحد أبرز المشاريع في هذا المجال، حيث يساهم في تشغيل 70,000 منزل، ويعزّز من تقليل الانبعاثات الكربونية، ويدعم تحقيق رؤية السعودية لمزيج طاقة متنوع بحلول 2030.
إطلاق مبادرات للنقل المستدام:
تركز مشاريع مثل نيوم وذا لاين على تبني أنظمة نقل ذكية ومستدامة. هذه المشاريع تتضمن البنية التحتية المخصصة للسيارات الكهربائية.
تعديل أسعار الوقود تدريجيًّا:
رفع أسعار البنزين بتدرّج جعل السيارات الكهربائية خيارًا أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية. السياسات الجديدة تسعى إلى توجيه المستهلكين نحو حلول نقل أكثر كفاءة وأقل تأثيرًا على البيئة.
تشجيع الصناعة المحلية:
دخلت السعودية بقوة في مجال السيارات الكهربائية مع شركتي سير ولوسيد. وسير هي أول علامة سعودية تصنع السيارات الكهربائية داخل السعودية، وتستخدم تقنيات مرخصة من «BMW». تهدف الشركة إلى تطوير قطاع السيارات، وتنويع الاقتصاد، وخلق حوالي 30 ألف وظيفة، مع مساهمة بـ 8 مليارات دولار في الناتج المحلي بحلول 2034. أما لوسيد، المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة، فتركز على تصنيع السيارات الكهربائية المتطورة، وتسهم في بناء نظام صناعي يشمل البطاريات والمكونات محلية الصنع.
ومع التغيّر السريع للمعادلة في السعودية قد يظهر مصطلح اقتصادي آخر يشير إلى الدول التي تتحول بسرعة فائقة، ربما سيسمى بـ «العدوى السعودية»🤷♂️..
سر كل الاقتصادات: الاقتصاد المعرفي 💡📈
لو أخذنا الآيفون مثالًا، وبدأنا من المواد الخام مثل الزجاج والمعادن والبلاستيك، فإن تكلفة هذه المواد مجتمعة لا تتجاوز 10 دولارات تقريبًا. لكنه يُباع في السوق بأكثر من 1,000 دولار!
الفرق هنا ليس في المواد نفسها، بل في القيمة التي أضافتها آبل من المعرفة والابتكار. استثمرت آبل في تصميم الجهاز ليكون مميزًا، وفي تطوير نظام تشغيل «IOS» الذي يوفر تجربة فريدة، وفي بناء علامة تجارية تجعل الناس يرون المنتج رمزًا للرفاهية والتميز.
آبل لا تبيعك ماك أو جوالًا فقط، بل تبيعك «حلولًا» و«أفكارًا» مبنية على الاقتصاد المعرفي. اقتصاد يركز على استغلال المعلومات والتكنولوجيا لخلق قيمة تتجاوز أضعاف التكلفة الفعلية. وهذا ما يجعلنا نفكر: الآيفون لا ينتهي دوره عند تصنيعه، بل يبدأ دوره مع التطبيقات والخدمات التي يعتمد عليها، مثل الآب ستور والسحابة وحتى تحديثات النظام. بمعنى أن آبل تستمر بتحقيق الأرباح حتى بعد بيع الجهاز.
لو حذفنا الاقتصاد المعرفي، وجعلنا الآيفون مجرد جهاز دون أنظمة ولا تصميم ولا تجربة مستخدم، سيصبح قطعة من بلاستيك تساوي 10 دولارات أو أقل.
ما السر الحقيقي؟
يكمن السر في الطريقة التي يحوّل بها الاقتصادُ المعرفي الموادَّ الخام إلى منتج يخدم حاجات نفسية وعاطفية واجتماعية، وليس فقط حاجات مادية.
خارج السياق: أول ما دخلت ثمانية في مقابلة الموارد البشرية، قالوا لي: «بدون جهاز ماك من آبل، ما ندري كيف نشتغل في ثمانية.»
خلال تسجيل الحلقة نستخدم أربع شاشات للبحث وتحليل الأرقام مباشرة.
هذه الطريقة تساعدنا على ضمان الإحسان في دقة المعلومات -خصوصًا الأرقام- ولتقديم محتوى يستاهل تسمعه كل أربعاء 🎙️✨.
كلّ أربعاء يقدم محمد آل جابر وهادي فقيهي تحليلات وإجابات مبسطة للأسئلة الاقتصادية المحيرة، ومع كل حلقة تصلك رسالة بريدية بمصادر ومعلومات ووجهات نظر مختلفة لم يتسع لها وقت الحلقة.