ضريبة البلاستيك

قبل تسجيل حلقة «البلاستيك»، طلب مني هادي أن أكتب كل الأشياء التي تحتوي على «بلاستيك»، من أول ما أستيقظ إلى نهاية اليوم. كانت المفاجأة أن كل شيء تقريبًا كان بلاستيك، وتفاجأت في أشياء ما كنت أتوقع أن يكون فيها بلاستيك.

رغم استخدامنا الكبير للبلاستيك خلال القرن الماضي، إلا أننا اكتشفنا اليوم المشكلة الكبيرة في هذا النوع من المواد. أهم عيوبها أنها لا تتحلل بسرعة، حيث تتراوح فترات التحلل بين 20 إلى 1,000 سنة!

أجزاء من العالم تتأثر، فعلى الأرض تموت حيوانات، ويتأثر بشر من هذه المادة. وتحت أعماق البحر تموت الكثير من الكائنات الحية، لدرجة ظهور مصطلح «قارات البلاستيك»، لكثرة تواجد البلاستيك كالجزر في المحيطات.

هل العالم اليوم يتحرك؟ وكيف يتحرك؟ وما تفاوت وجهات النظر المختلفة حول مسألة البلاستيك؟

كل هذه الأسئلة تحكي جزءًا من مكوّن أساسي في حياتنا اليوم، مع هادي فقيهي ومحمد آل جابر. أتمنى أن تستمتعوا بالحلقة، وأعتقد أنها ستكون بذرة تغيير في نظرتكم حول البلاستيك.

أكبر منتجي البلاستيك

تعدّ آسيا أكبر منتج للبلاستيك في العالم، حيث شكلت الصين وحدها 32% من الإنتاج العالمي في 2022. بينما احتلت أمريكا الشمالية المرتبة الثانية عالميًّا بحصة بلغت 17% في السنة نفسها. ومن جهة أخرى، تُعد السعودية من كبار منتجي البلاستيك عالميًّا، حيث تنتج تقريبًا 12% من إجمالي الإنتاج العالمي، مما يسهم في تكوين 42 مليون طن سنويًّا.

حسب تقرير «OECD Global Plastic Outlook» الذي نُشر في 2022، فإنتاج نفايات البلاستيك في العالم زاد أكثر من 2.25 مرة خلال 2000 - 2019. ووصل إلى 353.3 مليون طن، وفقط 9% من هذه النفايات يُعاد تدويرها!

كيف غيّرت الحرب العالمية الثانية صناعة البلاستيك

في 8 مايو من كل عام يحتفل الناس بــ «يوم النصر في أوربا»، اليوم الذي أعلن فيه رئيس الوزراء البريطاني -وينستون تشرشل- عام 1945 انتهاء الحرب ضد النازية. بعد أكثر من خمس سنوات من الصراع، عادت العائلات إلى منازلها، وعمّ الشعور بالراحة في دول الحلفاء والعالم.

لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو دور الحرب العالمية الثانية في تسريع صناعة البلاستيك كما نراه اليوم، لتبدأ بعدها حرب عالمية أخرى للتخلص منه.

قبل الحرب العالمية، ساد تفاؤل كبير حول فوائد البلاستيك. وألَّف كيميائيان بريطانيان، فيكتور يارسلي وإدوارد كوزنز، كتاب «البلاستيك» عام 1941. في هذا الكتاب وصفا المستقبل الزاهر للعالم الذي سيأتي به البلاستيك.

لكن ماذا حدث خلال الحرب العالمية الثانية؟

أصبح استخدام المواد التقليدية مثل الفولاذ والمطّاط ضروريًّا للمجهود الحربي، وهذا ما جعل البلاستيك خيارًا ضروريًّا لسد الفجوة في نقص المعروض مقابل الطلب العالي.

البلاستيك وتطوير الصناعات العسكرية

• 💣 | القنبلة النووية:

في مشروع «مانهاتن» لتطوير القنبلة النووية، احتاج العلماء إلى بلاستيك لعزل المواد الحسّاسة، لأنه يتحمل الحرارة ولا يتفاعل كيميائيًّا بسهولة. العوازل البلاستيكية كانت تحمي أجزاء حيوية في المفاعلات، وهذا ما ساعدهم على إجراء تجاربهم من دون أن تتضرر المعدات أو تتأثر التفاعلات النووية.

• 🔬📡 | الرادار:

أما في مجال الرادار، فكان البلاستيك يستخدم للعزل الكهربائي، يمنع التشويش ويعزز دقة نقل الإشارات، الأمر الذي رفع كفاءة الرادارات وقدرتها على رصد تحركات العدو بدقة أكبر.

محتويات شنطة الجنود خلال الحرب العالمية الثانية بعد تغيير كل أدواتهم بهدف التحول إلى البلاستيك بدلًا من مادة المطّاط

زيادة الإنتاج والتوسع بعد الحرب

بسبب الطلب المتزايد على البلاستيك، بدأ الإنتاج ينمو نموًّا كبيرًا بعد الحرب. في الخمسينيات والستينيات أصبح البلاستيك جزءًا أساسيًّا من حياة الناس اليومية. اليوم، زادت كمية النفايات البلاستيكية زيادةً تضرُّ الوجود البشري، وهذا خلق تحديات جديدة، وزاد من عبء التخلص من آثار البلاستيك على الأجيال المستقبلية...

نسبة 0.5% من أدمغة البشر يوجد فيها بلاستيك !! 🧠

البلاستيك موجود في كل مكان تقريبًا، من قاع البحر الأحمر إلى السحب فوق جبال عسير. بل موجود حتى في الأكل الذي نأكله، والماء الذي نشربه، والهواء الذي نتنفسه. لا يزال العلماء يحققون في التأثير المحتمل للـ«ميكروبلاستيك»، وهي الجزيئات الصغيرة من البلاستيك التي أظهرت تأثيرات ضارة على خلايا الإنسان.

وجدت الدراسة الجديدة أنَّ الميكروبلاستيك موجود في الكبد والكلى والأدمغة البشرية، وكانت نسبة البلاستيك في أنسجة الدماغ أكثر بـ 20 مرة من الأعضاء الأخرى. والمعلومة الأكثر إزعاجًا أن أدمغة الأشخاص الذين يعانون الخَرَف كانت تحتوي على زيادة ملحوظة من نسبة البلاستيك قياسًا بدماغ الإنسان في الوضع الطبيعي. لا تزال النتائج في مرحلة المراجعة، وقد شاركتها مجلة «National Institutes of Health» العلمية.

ما يلفت في الدراسة أنها وجدت بلاستيك أكثر في عيّنات الأدمغة التي جُمعَت في 2024، مقارنةً بالعينات التي جُمعَت في 2016. كانت عينات 2024 تحتوي على 0.5% بلاستيك حسب الوزن.

العالم كامبين أحد المشاركين في البحث قال: «تستطيع أن ترسم خط نمو واضح — الوضع في ازدياد مع الوقت. وهذا يتوافق مع ما نراه في الآثار على البيئة».

توضّح الصورة الدماغ البشري، مع التركيز على تراكم الميكروبلاستيك في الأنسجة. وتبين التفاصيل الدقيقة في الصورة كيف أن جزيئات البلاستيك المجهرية تتجمع داخل خلايا الدماغ، وهذا يعكس النتائج المقلقة التي ذُكِرت في الدراسة حول تأثير الميكروبلاستيك على الصحة.

الهدف من الصورة تقديم تمثيل بصري يساعدنا لفهم ظاهرة تلوث الدماغ بالميكروبلاستيك، ويظهر الفروق في تراكمه مقارنة بأعضاء أخرى مثل الكبد والكلى. وهذا يثير تساؤلات حول التأثير المتراكم للميكروبلاستيك على وظائف أعضاء الجسم عمومًا.

فماذا يعني ذلك لمستقبلنا؟ كيف ستبدو الأرض التي سنتركها للجيل القادم؟

هذه نقطة خلاف بين محمد وهادي. هادي يرى أن تكلفة البلاستيك الاقتصادية وآثاره على البيئة معقولة اقتصاديًّا مقارنة بمواد أخرى، رغم مشاكله العديدة. بينما يرى محمد أن البلاستيك وإن ساعد الشركات على التقليل من تكاليفها، إلا أن التكلفة الاقتصادية للآثار التي سيتركها على البيئة ستكون أعلى على المدى البعيد.

تتفق مع محمد أم هادي؟

شاركنا النقاش بعد استماعك إلى الحلقة، وأعطنا رأيك في التعليقات على تطبيق راديو ثمانية.

كيف ساعدت الحفاضات البلاستيكية في زيادة عدد البشر؟

بعد الحرب العالمية الثانية، تطورت الصناعة تطوّرًا كبيرًا، وانتشرت الحفاضات البلاستيكية على نطاق واسع. هذه المنتجات الجديدة وفرت راحة كبيرة للأمهات، وأصبحت رعاية الأطفال أسهل وأقل مشقة، مما أدى إلى زيادة عدد البشر خلال السبعين سنة الماضية.

لدرجة أن صار هناك «مؤشر الحفاضات» يقيس أمورًا اقتصادية كثيرة!

فكرة «مؤشر الحفاضات» تدرس العلاقة بين إنتاج الحفاضات ومبيعاتها، وهذه الأرقام تعكس معلومات عن الاتجاهات السكانية والاقتصادية في أي بلد. بهذا المؤشر يمكن فهم تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية على قرارات الأسر بخصوص إنجاب الأطفال.

على سبيل المثال:

1. اليابان: انخفضت معدلات الولادة، وزاد الطلب على الحفاضات للبالغين بسبب شيخوخة السكان.

2. الولايات المتحدة: خلال أزمة 2008 انخفضت الولادة ومبيعات الحفاضات، لكن مع تحسن الاقتصاد زادت الولادات والمبيعات مرة أخرى.

📝✨ توصيات

1. حلقة من خواطر عام 2015 بعنوان: بلاستيك

من أجمل الحلقات التي تشرح معضلة البلاستيك في العالم.

2. The Story of Plastic

نظرة تفصيلية إلى الأضرار البيئية وانتهاكات حقوق الإنسان طوال دورة حياة البلاستيك.

3. A Plastic Ocean

فيلم وثائقي جرى تصويره في أكثر من 20 موقع من عام 2012 إلى عام 2016. يكشف المستكشفان كريق ليسون وتانيا ستريتر مع فريق من العلماء الدوليين أسباب «التلوث البلاستيكي» وعواقبه، ويشاركون الحلول.

ما وراء صُنع بحب في نشرة «جادي» 😅