توثيق صراعات لبنان عبر السينما 🇱🇧🎥
هذا العدد نخصصه لمشاركة خيارات من الأفلام التي تحدثت عن لبنان وتاريخ صراعاته.
تعيش لبنان اليوم تحت وطأة الهجوم الإسرائيلي، مثلما عاشت غزة تحت وطأة ذلك الهجوم لمدة سنة كاملة.
مع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، كنا قد قدمنا عددًا عن السينما الفلسطينية «كيف تكون سرديَّة السينما الفلسطينية تحت الحصار». وهذا العدد نخصصه لمشاركة خيارات من الأفلام التي تحدثت عن لبنان وتاريخ صراعاته الداخلية والخارجية، من الحرب الأهلية إلى المشاكل الاقتصادية، ومدى تداخل الأحداث وترابطها بين المصير الفلسطيني واللبناني على مدى هذا التاريخ.
هذه الأعداد ليست فقط من باب التضامن مع إخوتنا في فلسطين ولبنان، بل دعوة أيضًا إلى فهم الأحداث بشكل أعمق، ولطالما كانت السينما بابًا من أبواب فهم التاريخ من خلال قصص الناس.
نايف العصيمي
فاصل ⏸️
يُعرض اليوم في سينما فوكس السعودية فِلم «Hellboy: The Crooked Man». يحكي الفِلم الأحداث التي يمر بها «هيل بوي» ومعه عميل مبتدئ عندما يعلقان في منطقة ريفية في أبالاتشيا خلال خمسينيات القرن العشرين، حيث يكتشفان مجتمعًا صغيرًا تسكنه السحرة بقيادة شخص غامض يسمى «الرجل المعوّج».
كما يعرض في اليوم نفسه فِلم الدراما والجريمة الهندي «Vettaiyan»، من بطولة أميتاب باتشان. يروي الفِلم قصة ضابط شرطة متقاعد يخوض معركة ضد النظام، وضد ضعف القانون.
يطل علينا تيموثي شالامي في فِلمه الجديد «A Complete Unknown»، للمخرج جيمس مانقولد. حيث يمثل شالاميت دور المغني بوب ديلان. يُعرض الفِلم على صالات السينما بتاريخ 25 ديسمبر.
خيبة تصيب منتجي فِلم «Joker: Folie à Deux». فرغم التوقعات بتحقيقه أكثر من 70 مليون دولار في عطلة نهاية الأسبوع الافتتاحية، فقد حقّق 37.8 مليون دولار فقط، وهو أقل من نصف إيرادات الفِلم الأول.
وفقًا لما أوردته صحيفة «Deadline»، فمن المقرر عرض الفِلم الجديد للمخرج كريستوفر نولان في دور السينما في 17 يوليو 2026. ورغم عدم توفر تفاصيل حول القصة حتى الآن، فمن المتوقع أن يبدأ تصوير الفِلم في عام 2025، وتجري حاليًّا محادثات مع الممثل مات ديمون لتولي دور البطولة.
تدشين العرض الدعائي الجديد لفِلم الرعب والتشويق «HERITIC»، الذي تنتجه شركة «A24». وينضم إلى أدوار البطولة: هيو قرانت، صوفي تاتشر، وكلوي إيست. تدور أحداث الفِلم حول شابتين تطرقان بابًا عن طريق الخطأ، لستقبلهما رجل غريب وتعلقا في لعبته الخطِرة. من المقرر عرض الفِلم في صالات السينما في 8 نوفمبر.
تستعد منصة نتفليكس لإطلاق المسلسل المنتظر «One Hundred Years of Solitude» في 11 ديسمبر المقبل. المسلسل مقتبس من رواية الكاتب قابرييل قارسيا ماركيز الشهيرة «مئة عام من العزلة»، الرواية التي كرَّسته أديبًا وساهمت في حصوله على جائزة نوبل للآداب.
اليوم نقول أكشن في هذا المشهد من فِلم «كفرناحوم» (2018)، من إخراج نادين لبكي. يهرب «زين» من أهله ومن واقعه القاسي إلى شوارع بيروت، باحثًا عن لقمة العيش، فيلتقي بـ«رحيل» المهاجرة الإثيوبية غير الشرعية، التي تكافح هي الأخرى ظروفها الصعبة. ويقرر «زين» رعاية ابن «رحيل» الصغير - «يوناس» - أثناء ساعات عملها.
في هذا المشهد تعود «رحيل» إلى المنزل بعد يوم طويل، وتحضر معها كعكة احتفالية، فتوقظ «زين» و«يوناس» ليتناولوها معًا. تمثّل الكعكة في هذا المشهد رمزًا للحظة الفرح التي تمكّنت من الإفلات مؤقتًا من واقعٍ مرير. يأكل «زين» و«رحيل» الكعكة في مشهد مشبع بالإنسانية والتعاطف، يتمكنان فيها من خلق السعادة رغم الصعوبات التي تحيط بهما.
خلال هذه اللحظات، تتوجّه «رحيل» إلى «زين» بالأسئلة عن عمره، وعمَّ إذا كان لديه إخوة. فيجيب بأنه لا يعرف عمره، إجابة تدل على واقع افتقاره إلى أوراق قانونية ثبويتة أهمها شهادة ميلاد. تكمل «رحيل» تساؤلاتها، فتسأله عن أخته «سحر»، ويجيبها بأنها متزوجة. ويسرد بحماس تفاصيل زفافها، فيصف - بابتسامة عريضة نادرًا ما نراها عليه - الطبول التي دُقّت يومها، والورود التي نُثرت. لكن سرعان ما تتلاشى هذه الابتسامة، ليعود «زين» إلى التفكير في اللحظات المأساوية عندما أُخِذت «سحر» عروسًا قاصرًا بعمر الأحد عشر سنة إلى زوجها غصبًا.
في النهاية، يمسك «زين» بالشوكة، ويلتهم قطعة كبيرة من الكعكة، فيحشوها في فمه محاولًا استعادة بهجته وابتسامته.
تلك اللحظة ستكون من اللحظات النادرة التي نرى فيها «زين» مطمئنًا، إذ سرعان ما تأخذ القصة منحى أقسى.
أشاد النقّاد بإخراج نادين لبكي، التي اعتمدت السردية الواقعية الأشبه بالأفلام الوثائقية، لا سيما مع اختيارها الطفل السوري زين الرافعي لأداء دور «زين»، الذي كان لاجئًا سوريًّا حينها مع عائلته في بيروت، ولم ينل تعليمًا مدرسيًّا، ويعيش ظروفًا شبيهة بظروف الشخصية. هذا التقارب بين الشخصية والطفل ساهم في إنجاح السردية الواقعية، رغم العنصر التخيلي الدرامي في إمكانية مقاضاة طفل لوالديه في محاكم بيروت.
ترشح الفلم لجائزة الأوسكار عن «أفضل فلم أجنبي»، ونال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان عام 2018، بعدما نال خمس عشرة دقيقة من التصفيق...والفلم استحقها بكل جدارة.
تعرف أقسى وأصعب شرط مطلوب لإحلال السلم الأهلي بعد أي حرب أهلية في العالم: «النسيان»، والنسيان يتحقق في مراحل السلم الأولى بتفادي الحديث عن وقائع الحرب، وربط أي محاولة للحديث عنه بتهمة تهديد السلم الأهلي.
ولهذا إذا حاول فلم يتطرق إلى الحرب وحساسياتها بشكل مباشر، سيجذب اتهامات عديدة بإعادة إحياء النعرات والذكريات ومشاعر الغضب والانتقام والكراهية، حتى قبل عرضه في صالات السينما.
وهذا اللي صار مع الفلم اللبناني الفرنسي المرشح للأوسكار «القضية رقم 23» كما قرَّر المخرج زياد دويري عنونته عربيًّا، و«L'insulte» بمعنى «الإهانة» كما قرر المخرج عنونته فرنسيًّا وغربيًّا.
يبدأ الفلم مع خلاف بسيط بين شخصين حول تسرّب مياه من شرفة منزل على موقع بناء، وكلمة من صاحب البيت اللبناني الماروني وكلمة من المقاول الفلسطيني تشتعل القصة بين الرجلين، وتتحول المشادة العادية إلى صراع قانوني في المحكمة يعيد فتح الجراح العميقة للحرب الأهلية اللبنانية.
يسلّط الفلم الضوء على الانقسامات الطائفية والسياسية التي لا تزال تبسط وجودها على المجتمع اللبناني وبالذات علاقة أطراف منه بالمجتمع الفلسطيني. ويكشف الكراهية المدفونة في القلوب اللي تذكرنا بالمثل اللي ارتبط بشرارة الحرب الأهلية اللبنانية واللي يقول: «القصة مش رمانة القصة قلوب مليانة.» وفي الفلم تنفجر القلوب المليانة على ماسورة ماء.
الفلم بصفته تجربة سينمائية يستحق المشاهدة، الإخراج رائع وجريء، ويقدم حوار عميق وحاد وصريح للغاية. وأيضًا برع المخرج في تقديمه شخصيتي الفِلم الرئيستين: «طوني حَنّا» اللبناني المسيحي المتعصّب اللي أداه الممثل عادل كرم ونجح بكسر قالب أدواره الكوميدية، و«ياسر سلامة» اللاجئ الفلسطيني واللي أدى دوره بإبداع الممثل والمخرج المسرحي الفلسطيني كامل الباشا. الحبكة تخليك تتعاطف مع الشخصيتين دون انحياز مطلق، لأنَّ كل جانب يحمل معاناته، ويأتي من تاريخ مليء بالجراح والمآسي.
لكن مثله مثل كل الأفلام اللي تحاول تصوير مرحلة تاريخية معقدة وحديثة، لازم وأنت تشاهد تنظر للزاوية اللي يختارها صانع الفلم بانتباه شديد؛ مثلًا: ليه اختار الحديث عن هذه المجزرة بدل هذه المجزرة؟ وليه تكرار عرض خطابات بشير الجميّل في خلفية المشاهد اللي اعتبره البعض خيار استفزازي؟ وغيره الكثير من الخيارات، منها خيار الرقم «23» في العنوان، وهل فعلًا هو رمز لتاريخ انتخاب بشير الجميّل؟
هنا تجبرك السينما على البحث في الذاكرة والتاريخ من مختلف الزوايا، وتبدأ منه محاولة فهم التعقيدات السياسية في المجتمع اللبناني اللي لا تزال حتى اليوم تبسط أثرها عليه.
في عام 2004، حضر المخرج الكندي الفرنسي دينيس فيلنوف مسرحية «الحرائق» للكاتب المسرحي اللبناني وجدي معوض. تدور أحداث المسرحية عن لبنانيين هاجروا من لبنان هربًا من الحرب الأهليَّة.
تركت هذه المسرحية انطباعًا عميقًا لدى فيلنوف الذي لم يكن مشهورًا حينها، وقد أدرك لحظتها بأنه شاهد عملًا استثنائيًّا. فيما بعد، استلهم فيلنوف من نص هذه المسرحية قصة فِلم صار يُعَد من أهم أفلامه وأعلاها تقييمًا.
مع هذه المقدمة الملهمة نبدأ فقرة دريت ولّا ما دريت عن فلم «Incendies» الصادر عام 2010.🦵🏻😱
لم يأتِ الفلم على ذكر اسم البلد الذي تدور فيه القصة، وأثار ظهور كلمة «فلسطين» في أحد المشاهد التكهنات حول الموقع الحقيقي للأحداث. إلا أن مجريات القصة التي تحكي عن صراع بين مسيحيين ومسلمين كفيلة بأن نعرف أنها أحداث جرت في لبنان، مسقط رأس الكاتب وجدي معوض.
بينما شكَّلت المسرحية مصدر إلهام لفيلنوف، فقصة اللبنانية سهى بشارة كانت أيضًا مصدر إلهام قوي لشخصية نوال وللكثير من أحداث الفِلم وتفاصيله.
حاز الفِلم على جائزة أفضل فِلم روائي طويل من لجنة التحكيم في مهرجان أديلايد السينمائي، وترشّح لجائزة الأوسكار لأفضل فِلم أجنبي لعام 2011، مما ساهم في تسليط الضوء على موهبة فيلنوف. بعدها توجَّه لإخراج أفلام هوليودية شهيرة مثل «Arrival»، و«Blade Runner 2049»، إلى أن وصل أخيرًا إلى إخراج الجزئين الأول والثاني من ملحمة «Dune».
استعان فيلنوف بطواقم تصوير عراقية ولبنانية لتصوير المشاهد في الأردن. ورغم قلقه من تأثير إعادة إحياء ذكريات الحرب وصعوبتها عليهم، فقد أظهر الطاقم حماسة لنقل قصصهم إلى العالم.
على الرغم من بلوغ الممثلة لبنى عزبال سن الثلاثين في أثناء التصوير، كان فيلنوف مقتنعًا أنها - باستخدام مساحيق التجميل - قادرة على تجسيد شخصية نوال في مختلف مراحلها العمرية، وقد تنقّلت في المشاهد من عمر الثامنة عشرة إلى الستين عامًا.
يُترجَم عنوان الفِلم بالفرنسية إلى «الحرائق»، ويشير إلى الدمار الذي يسببه الصراع في حياة الشخصيات. ترمز النار في الفِلم إلى الحروب والأحداث المأساوية التي تؤثر في البطلة نوال وعائلتها. وترمز المسألة الرياضية، التي ظهرت «جين» وهي تحاول حلها، إلى محاولتها الدؤوبة لحل المعادلة الغامضة لماضي عائلتها.
استغرق فيلنوف خمس سنوات في العمل على سيناريو الفِلم. خلال هذه الفترة أخرج فِلمين روائيين، وفِلمين قصيرين قبل أن ينتهي من المشروع.
في حال كنت من القلة التي لم تشاهد الفلم، ننصحك ألا تبحث عنه زيادة حتى لا يظهر لك بوست منتشر عنه يحرق لك الفلم كله، مثل ما صار مع أحد أعضاء فريق النشرة. 😭🔥
يقول ويليام فوكنر: «الماضي لا يموت أبدًا، بل لم يمضِ حتى!»
ما يحدث اليوم في غزة ولبنان يتسق مع هذه المقولة، حيث لم تتغير أحوال البلدين ولا حتى الأحداث نفسها. فما يحدث اليوم يماثل ما حدث عندما قاد شارون - وزير الدفاع آنذاك - عملية غزو لبنان عام 1982، لمقاتلة منظمة التحرير الفلسطينية. وقد شهدت بيروت يومذاك أسوأ فتنة بين أبنائها... الحكاية ذاتها التي تتكرّر اليوم.
من بين الحكايات التي خلّدتها ذاكرة الحرب، اقتحام الصهاينة لمستشفى عكا، واغتيال الطاقم الطبي والمرضى. إلى جانب ظهور مجموعات إثنية، المجموعات التي يحلو لأمين معلوف وصفها بـ«وحوش الهويات الانتمائية». والمقصود هنا الفصائل الوحشية التي تتبنى أيديولوجيات عدائية وعنصرية، مثل حزب الكتائب اللبنانية، الذي يمثل اليمين المسيحي، المعروف بتنفيذه مجزرة صبرا وشاتيلا تحت غطاء إسرائيلي، التي راح فيها 3,500 ضحية.
هذه المجزرة سُلّط عليها الضوء في فِلم «Waltz with Bashir»، وهو فلم رسوم متحركة وثائقي، صدر عام 2008، من إخراج أري فولمان، يتناول فيه سيرته الذاتية.
يركز الفِلم بشكل كبير على المجزرة التي نفذتها الميليشيات المسيحية المتطرفة، الموالية لبشير الجميّل. وقد حاولت ذاكرة فولمان إنكارها بسبب قسوة الحرب، أو لنقل بسبب قيمة الإنسان المتدنية وقتها. فقد استُرخِصت قيمة الإنسان في تلك الحرب، كما لو أن الضحية حشرة سقطت على كوب شايٍ مهدور.
يعتمد الفِلم على الاعترافات التي استقاها فولمان من زملائه لاستعادة تلك الذكريات. ويقدم لنا عدة تساؤلات مثل: كيف يمكن للجلّاد نفسه أن يتحول إلى ضحية؟ وكيف تسحق الحرب إنسانية الإنسان، فتصيّره أداة تدمّر كل شيء؟
الفِلم لا يقتصر على استرجاع تاريخ فولمان، بل يعكس معاناته النفسية، وتأثير الحرب على وعيه الشخصي والجماعي، حيث يخوض رحلة في ذاكرته الانتقائية المشوهة بفعل الصدمات. وقد ساعدته الرسوم المتحركة في أن يصور بوضوح أحلامه المشوّشة، والمشاهد المتوارية. إذ اتبع أسلوبًا فنيًّا قدّم من خلاله المشاهد الكابوسية بإتقان، مستعرضًا بسريالية أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، واجتياح صيدا وبيروت في الثمانينيات، ومستحضرًا القصص والمواقف والمعارك التي رواها ضيوف الفِلم في هذا العمل التحقيقي.
أما ديفيد بولونسكي، الرسّام لهذا الفِلم، فهو عادةً يستخدم يده اليمنى بالرسم، لكنه لجأ إلى استخدام يده اليسرى في هذا العمل، لأنه شعر أن الرسومات أصبحت أكثر أصالة، وتعبر عن روح الفِلم «اليسارية»، كما لو أنه وجد وسيلة تعبيرية أكثر انسجامًا مع طبيعة الفِلم.
ترشح الفِلم لجائزة الأوسكار عن أفضل فِلم ناطق بلغة أجنبية في عام 2009، وحظي بإعجاب نقدي واسع بفضل أسلوبه الفريد ورسائله المؤثرة، لكنه لم يفز بالجائزة.
مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.