ابنك لن يكون النسخة الجديدة من محمد صلاح ⚽
التعامل مع كرة القدم على أنها الأمل الوحيد لمستقبلٍ ناجح، يتضمن خطرًا لا يمكن إنكاره.
بالتأكيد مرَّ عليك مؤشر كتلة الجسم (BMI) ولو مرة واحدة على الأقل في حياتك، في زيارتك لأخصائي تغذية بعد قرارك إخفاض وزنك. هذا المؤشر الذي يعتمد على قياس الطول والوزن، وغالبًا تأتي نتيجته الصادمة أنك في فئة «السمنة المفرطة»، قد ينزاح قريبًا لصالح مؤشر جديد:
مؤشر دائرية الجسم (BRI)!
يعتمد المؤشر الجديد، من اسمه، على قياس طولك وخصرك فقط، بدون قياس وزنك، لأن قياس الخصر أهم من قياس الوزن في تحديد مدى إصابتك بالسمنة.
في كلا الحالتن، ومع كلا المؤشرين، لن تكون نتيجة المؤشر في الزيارة الأولى مبهجة🥲، لكن لا تنسَ، إنك مع المؤشرين، قدها وقدود 💪🏻💚.
ابنك لن يكون النسخة الجديدة من محمد صلاح
أتذكر جيدًا مباراة كرة قدم البراعم الوحيدة التي تابعتها حتى صافرة النهاية، كان السبب أن أحد هؤلاء البراعم يقطن في الشارع نفسه الذي ولدت فيه. لذا كنت سعيدًا للغاية طوال المباراة، فأحد أطفال شارعنا يلعب في النادي الذي أشجعه.
تزوجت وانتقلت إلى السكن في حي آخر، ولم أسمع عن هذا الطفل بعد ذلك أبدًا، رغم أنني متابع جيد لمجال كرة القدم بحكم العمل. دفعني هذا للسؤال عنه خلال إحدى الزيارات لمنزل الأسرة، لأكتشف أنه ترك كرة القدم وأدمن المخدرات!
تذكرت تلك القصة خلال الأيام الماضية، إثر انتشار ترند تك توك جديد في مصر ينشر خلاله أصحاب الحسابات صورهم أطفالًا وهم سعداء بإنجازاتهم الصغيرة، ثم مع تتابع الصور نكتشف كيف آلت الأمور إلى الأسوأ بمرور السنين. والعجيب أن معظم الفيديوهات حملت صورًا لأطفال تلعب كرة القدم في أكاديميات وأندية، ثم انتهى بهم الأمر يدخنون المخدرات أو يحملون أسلحة!
لا نملك أرقامًا دقيقة في مصر تتعلق بالناشئين. لكن في إنقلترا، على سبيل المثال، هناك ما يقدَّر بنحو 1.5 مليون ناشئ يلعبون كرة القدم في أكاديميات النوادي، إلا أن 180 منهم فقط يتمكنون من اللعب في الدوري الإنقليزي الممتاز، أما البقية فيُترَكون لمواجهة شبح فقدان الهوية.
وكتب ديفيد كون تقريرًا في صحيفة القارديان عن هذه الظاهرة، بعنوان «القضية الأكبر في كرة القدم: المعاناة التي يواجهها الفتيان المرفوضون من أكاديميات النوادي» (Football biggest issue: the struggle facing boys rejected by academies)، تضمَّن عدة دراسات.
من ضمن تلك الدراسات، دراسة أجراها الدكتور ديفيد بلاكلوك من جامعة «تيسايد»، تشير إلى أن 55% من اللاعبين عانوا اضطرابات نفسية بعد فشلهم في اللعب كمحترفين. ويفسر بلاكلوك الأمر بأنه قد جرى تضييق أفق هؤلاء الصغار ونزع هويتهم الشخصية وتعريفهم بهويتهم الرياضية، حيث يرون أنفسهم كلاعبي كرة قدم فقط. لذا عندما تُنتزَع منهم تلك الهوية الكروية، يعانون دون شك من فقدان الثقة واحترام الذات.
في إفريقيا الوضع كارثي تمامًا، حيث تنتشر الأكاديميات الوهمية التي تخدع اللاعبين الشباب بفرص الاحتراف الأوربي. إذ يدفع اللاعبون مدخرات عائلتهم، ثم يكتشفون أنهم أصبحوا مهاجرين غير شرعيين في بلاد لا علاقة لها بكرة القدم مثل الهند ونيبال. وفي عام 2015 استطاع الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين تحرير واحد وعشرين ناشئًا إفريقيًا من براثن أكاديمية وهمية في دولة لاوس، حيث اكتشف الناشئون بعد وصولهم عدم وجود مدرب، ولا طاقم طبي، بينما كان السكن مجرد غرفة وحيدة متداعية تمامًا.
أما في مصر، تبرز كرة القدم كونها الطريق الأقصر في تسلق السلم الاجتماعي من الهاوية إلى القمة، لذا يصبح احتراف اللعبة مشروعًا استثماريًا له الأولوية عند عدد لا بأس به من الأسر. وتعزَّزت هذه الفكرة بانتشار آلاف الأكاديميات التي تقدِّم وعودًا لكل الأطفال بأنهم سيتحولون إلى محمد صلاح جديد، حتى إذا افتقروا إلى موهبة صلاح!
والنتيجة: ضغوط هائلة تمارس على الأطفال، وإهمالٌ كامل للتعليم.
هذا ما يؤكده مايكل كالفن في كتابه «لا جوع في الجنَّة» (No Hunger in Paradise)، حيث يشرح كالفن أن بحث العائلات عن الثراء يدفعهم إلى إجبار أولادهم على اعتناق ثقافة «الاحتراف المبكر»، حيث يلتزم الأطفال بأنظمة الأكاديميات في سن التاسعة وأحيانًا أقل. وفي تلك الأكاديميات، تُغرَس فيهم فكرة أن كرة القدم أصبحت وظيفتك الآن، مما ينزع جزءًا من طفولتهم، فاللعبة التي يحبونها أصبحوا يمارسونها دون متعة.
هذا فيما يتعلق بجزئية الضغط الممارس على الأولاد. أما ما يتعلق بالتعليم، فوفقًا لاستبيان أجرته كريس بلاتس -دكتورة العلوم الرياضية في جامعة «شيستر»- وخضع له 303 من شباب أكاديميات النوادي في إنقلترا، فقد تمركزت المخاوف الرئيسة حول أن التعليم لم يؤخذ على محمل الجد لدى الكثير منهم. إذ اعتقد هؤلاء الشباب أنها مسألة وقت قبل أن يتحولوا إلى لاعبي كرة قدم محترفين، علمًا أن أربعة فقط من إجمالي الشباب الذين خضعوا للاستبيان تمكنوا من الحصول على عقود احترافية.
هذا لا يعني أن الفشل في احتراف كرة القدم طريقٌ نحو المخدرات والجريمة، لكن التعامل مع كرة القدم على أنها الأمل الوحيد لمستقبلٍ ناجح، يتضمن خطرًا لا يمكن إنكاره.
للأسف، عدا ترند تك توك، لم أجد أرقامًا وبحوثًا تتعلَّق بهذه الظاهرة محليًّا، التي بالتأكيد تتطلب دراسات مشابهة للتي أجريت في إنقلترا، لكن هذا لن يمنعني من مشاركتك الاستنتاج الآتي:
ابنك ليس فرصتك الثانية لتحقيق أحلامك، وكرة القدم مهما تحولت إلى صناعة مليارية فهي رمية نرد غير مضمونة العواقب. فإذا قررت المراهنة بأولادك من أجل كسب المال، فعليك معرفة أن الوجه الآخر للنرد قد يحمل لك عواقب وخيمة. وعلى الأرجح لن يكون ابنك النسخة الجديدة من محمد صلاح.
شبَّاك منوِّر 🖼️
🧶 المصدر
Verbal to Visual
لمحات من الويب
«أن يحبَّك أحدٌ من كل قلبه يمنحك القوة، أن تحبَّ أحدًا من كل قلبك يمنحك الشجاعة.» لاو تسو
كيف يعد السمك فطوره في مطبخه كل صباح.
أطياف الكراهية في اللغة العربية.
رحلتي من طبق يلمّ الغبار إلى عمل فنيّ.
قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀
صحيح أن متعة حضور المباريات أو مشاهدتها مع الآخرين لا تضاهى، ولكنها اليوم خيارٌ من بين خيارات أخرى ولم تعد فرضًا. 🏟️
تطمئننا كرة القدم بأنه لا تزال هناك فرصة للتمرد على أرقام الذكاء الاصطناعي. ⚽️
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.