هل رحلة 404 قصة التوبة أم العقاب الإلهي؟ 🤲🏻

ثمة مساران قصصيَّان مختلفان تمامًا في فلم «رحلة 404»، ومشاهدتك أحدهما دون الآخر يعتمد على خيارك الواعي (أو غير الواعي) في تحديد المحفِّز على انطلاق أحداث رحلة «غادة سعيد». 

الفكرة أعلاه لا تنفك تشغل بالي حتى اللحظة وأنا جالسة في مقهى على البحر صباح اليوم التالي لمشاهدتي فلم «رحلة 404». كنت متحمسة لمشاهدته في السينما برفقة والدتي، لكنها شعرت بوعكة خفيفة وآثرت عدم الذهاب، لأجلس وحدي في قاعة شبه خاوية مع رجل وزوجته أمامي. وبما أني في إجازة من الوظيفة ومن التواصل الاجتماعي، وأمي لا تريد مني حرق الأحداث عليها، ومنذ زمن لم يحفزني فلم على الخوض في نقاش، سأحادثك أنت وأفترض أنك كنت الجالس إلى جانبي في المقعد المحجوز لوالدتي.

 (من هذه النقطة «ونازل» تتضمن التدوينة حرقًا للأحداث.🔥🚨)

المسار الأول يبدأ مع النقطة التي سنراها جميعًا المحفِّز إلى إطلاق سلسلة الأحداث: تعرُّض والدة «غادة» لحادثة سيارة وهي تلاحق ابنتها في الشارع تصيح يائسة «عاوزة فلوس». تعاطفنا تلك اللحظة ليس مع الأم المرمية في الشارع بل مع الابنة التائبة المحجبة التي أدركنا فورًا أنها وُضعت في موقف ستحتاج فيه إلى مبلغ كبير من المال لتغطية تكاليف عملية والدتها، لتنطلق في رحلة جمع المال من الشخوص في ماضيها، ومقاومة إغراء العودة إلى حياتها السابقة كبائعة هوى.

إذا واصلتَ مشاهدة الفلم على أساس هذه البداية فالمسار القصصي الذي اخترتَه هو «امتحان الرب للعبد التائب»، وهل تنجح «غادة» في هذا الابتلاء وتستحق الذهاب في رحلة الحج مع والدها بعد عدة أيام. لكن ثمة محفِّز آخر يُطلِق رحلة مختلفة تمامًا.

أول من تلجأ إليه «غادة» هي «شهيرة»، سيدة الماخور التي كانت تعمل تحت إمرتها، وفورًا تحرر «شهيرة» شيكًا بالمبلغ المطلوب بصفته دَيْنًا تسدده «غادة» من راتبها كموظفة في شركة عقارية على عدة دفعات. وبعد تسلُّم غادة الشيك تقول لها ما معناه إنها لن تنسى هذا المعروف وسترده إليها، لتقول «شهيرة» مازحة إنها ربما تحضر «حفلتها» المقبلة. توترت «غادة»، ولدى نهوضها تقول: «أدعي لك في الحج إنه ربنا يهديك»، مع لمحة خفية من السخرية واستبعاد هذه الهداية عن «شهيرة». هذه الجملة، برأيي، أطلقت المسار القصصي الثاني «رحلة العقاب الإلهي للعبد المتعالي أخلاقيًّا». 

إصرار «غادة» على فعل ما يلزم «لاستحقاق» ذهابها في رحلة الحج وهو ما تقوله لشخصية «ياسر غنيم» بعد إنقاذه من محاولة الانتحار، يؤكد المسار الثاني. ونرى ذلك أيضًا في استعلائها المبطَّن على كل من تلتقيهم من رفاق حياتها الماضية، ورؤيتهم من خلال عدسة الخطيئة التي ارتكبوها فحسب، ومِن ثَمّ رؤية نفسها فقط من خلال منظور الذنوب التي اقترفتها معهم. 

ويكرِّس مسار العقاب أنَّ «غادة» تنزلق مع كل اختبار إلى ماضيها؛ فتسرق الذهب من المرأة الغريبة، وتشارك في التلاعب ببيع أرض، وفي النهاية تخلع حجابها وتحضر حفلة من حفلات «شهيرة» بعدما يئست تمامًا من جمع المال الكافي. والعقاب الأخير، الذي جاء في صورة رحمة وتذكير، أنَّ المذنبين هم من ساعدوها على استعادة توبتها و«استحقاقها» الذهاب في رحلة الحج قبل الانتكاس الكليّ إلى خطيئة البِغاء. 

لا أدري إن كانت هذه القراءة للفلم نابعة مني أم من صدفة قراءتي خطاب رينيه جيرار لدى قبوله عضوًا في الأكاديمية الفرنسية صبيحة ذهابي إلى السينما. في هذا الخطاب يتحدث رينيه مليًّا عن سلفه الذي مات - «الأب أمبرويز-ماري كاريه» - ويركِّز في لحظة «التجلي» التي عاشها الأب أمبرويز في سن الرابعة عشرة، حيث غمرته مشاعر بحب الرب له وبيقين لا ذرة شك فيه باصطفائه على درب الرهبنة. 

وفي سن الحادية والعشرين كتَب الأب أمبرويز في مذكراته أنه سائر حتمًا على درب التكريس والقداسة. بعدها فورًا فقَد الأب هذا اليقين، وعلى مر عقود انتابته الشكوك الإيمانية وصارعها، ولم يعش حتى وفاته في سن الثامنة والتسعين لحظة تجلٍّ ويقينٍ مماثلة. 

هنا يقول رينيه جيرار: «دوامة الشكوك التي عاناها الأب أمبرويز لم تكن صنيعة الرب، بل صنيعة طموحه الأخلاقي والديني المفرط… هو لم يأخذ لحظة التجلي على ما هي عليه حقًّا: هبة إلهية تُعطى وتؤخذ.» وهذا بالضبط ما تقوله لنا «رحلة 404»: إنَّ التوبة ليست استحقاقًا بل اصطفاء رباني، وامتياز التمتُّع بالأخلاق ليس إنجازًا بشريًّا بل رحمة إلهية، وإنَّ «تعالينا الأخلاقي» على أشد الخطّائين ذنوبًا عاقِبتُه وخيمة.

فما رأيك؟ 

Bloomberg

Ready for an 800-volt jolt? carmakers are unveiling new fast-charging evs

The Wall Street Journal

how to build an emergency fund