«كلٍّ يَمدح بَقله»
فلمنا هذا مع كيم (Kim)، رسّام من كوريا مفتون بالهوية العربية وخص منها السعودية.
تقول لي أمي نورة -حفظها الله- خلال محاولات إقناعٍ كان مصيرها الفشل: «إقدع» من البقل (المضير أو الإقط) مع فنجال قهوة وتمرة. وتقول إنها تميّز الحسن والقبيح من البقل مستشهدة بقصتها مع بقل منيرة. منيرة امرأة اشتهرت بعمل بقل «يتهتّم» بالفم كما وصفَته. في مرة من المرات عرفت أمي أن هذا البقل «ما هو بقل منيرة» حتى قبل تذوقه. كيف؟
في ديوانية الدغيلبي يقدّمون د. سعد الصويان ويحصل فيها ثناء -والدكتور أهل له- وذكر لأعماله الخالدة من إنتاج وتسجيل وجمع، وطاري الدراسات والشهادات، وموقعه الإلكتروني والكنز فيه، ثم يعلق الدكتور مازحًا: «ما هو بس هالبحوث العلمية، علّمهم أنهم بيلقون موسيقا سلامة وخلف هذال وبشير شنان».
هذا التكامل العجيب بين روح الباحث وإنسان محلّه ودولته، كأنه يقول: «ببحث وبدرس عشرات السنين في أمريكا وبعوّد وبيطربني سلامة العبدالله»، وهو الدكتور نفسه الذي يقول: «جزيرة العرب جزيرة الفن والطرب».
«يوم تشوف الرشم مطبوع ومزيّن على مِبرد قهوة مقصوص من الأثل، ترا الرشم ما يزيده بروده ولا يساعد على تدفئته، لا. هذه نَفس العربي الفنانة؛ ما يقوى ما يجمّل حاجياته. القراقيش اللي على النياق، بتخليها أسرع؟ ولا تدر حليب أكثر؟ لا. هي نفْس النَفس اللي تبي تشوف كل شيء مجمّل. وإن قال أحد غير هذا الكلام قل له: ما سمعت عن محسن الهزاني وابن لعبون؟ اللي يقوله الدكتور، ما أقوله أنا.»
فلمنا هذا مع كيم (Kim)، رسّام من كوريا مفتون بالهوية العربية وخص منها السعودية. أول ما شاهد وانجذب له كان فلم لورنس العرب، ويا للأسف؛ «ودك أن كل شيء جميل يشوفونه الناس عنك يكون بتقديمك أنت، مخطوطة كان، أو صورة وأغنية وقصيدة وفلم وحتى موسيقا».
«ودي يسمعون موسيقا سلامة العبدالله. ثم بعدها شفها بعيونهم. كل انطباع يُخلق عنك ودك يكون أصيل، لا أن يأتي من غيرنا عنّا. إن جاء مثل ما هو طيب على طيب، لكن أظن الانطباعات الأولى صعب يخلقها أحد بشكلها الصحيح غير أهلها ولا؟ كان طيب ولا ماش. وبعدها؟ بعدها خل يعكسونها بتغريدة ولا بوست وإن حصل مقاطع تيكتوك مايخالف. الشاهد أن كيم جاء للخبر عام 85 ميلادي وشافنا زي ما حنا، وزاده ولع وفن. "ما بعد جاء الي يرسم مثل أسلوبي" يقوله وهذا نقل بتصرّف.»
«أذكر زرته قبل سنتين لحالي، أنا وكاميرتي بس. سألته السؤال الأول وكانت لغة التخاطب الإنقليزية، والسؤال الثاني كان متى جيت السعودية؟ تلخبط كيم ودخل يجيب ورقة مكتوب فيها تعريف عن نفسه هو من وين؟ ومتى ولد؟ وما فاكهته المفضلة؟ هنا حسيت أن ما حنا واصلين لمنطقة جيدة ومثل ما يقولون أصحابنا "بتحرق الفكرة" فإما تسويها صح ولا استرح ويسويها غيرك، وممكن بيكون صعب عليك وعلى الفلاني إعادة هذا التصوير. أتوقع بيكون مثل هذا كيم رسام من كوريا… وتقارير التلفزيون اللطيفة. حطيته بالدرج وقلت عسى الله يجيب لنا فتح من عنده أو ييسر له أحد غيري يتولاه.»
مرّت السنين ويسّر الله ثمانية، «هالمرة ثلاثة ما كنت لحالي، أنا وعبدالعزيز وجانق. جانق شاب في نهاية العشرين من عمره جاي من كوريا لإقامة فنّية في "مسك" تواصلنا معه على أن يكون محاور ومترجم بهذا الفلم، والله من فكرة! أعتقد كانت من أفضل الأفكار اللي فكرنا فيها في فلان.»
«هالمرة رحنا بكاميرتين ما هي وحدة. كانت في بالي فكرة أن تصوير هذا الفلم يكون فيه صوت وصورة كوريّة من البداية وحوار بين اثنين كوريين في الخبر، بمبانيها القديمة وشوارعها الضيقة والحيّة. شال جانق هذه المهمة وكانت بيده كاميرا VHS، اللون الرمادي والصورة الحميمية، ما يمكن يطلع هذيك الروح غير هذا النوع من الكاميرات. لكن هل بتكون أفضل؟ وهل يركب معاه ومعه كاميرته ويسولف، أو يسمع أسئلة من كيم؟»
«وش ممكن المحادثة تصير، ووين بتروح؟» هذا شيء يعلمك إياه العمل في الوثائقي، «تدري إن هناك فيه منطقة ومساحة بس وش شكلها بالضبط؟ وش ممكن يطلع منها؟ ما تقدر تجزم. إن ضبط مغزاك ولا ماضرّت الرجال. والصدق اللي صار أنك تشعر لوهلة أن كيم يبي يقدم كل شيء عنده، وده إن جانق يسأله عن كل شيء ووده أن جوابه يكون أفضل وأصدق جواب.» ما لمّع ولا ميّع، كان أصيلًا.
وكان -وهذا شعور داخلي- يشعر أنه «أبو أو واحد من أعمام هذا الولد الكوري اللي جايه من الرياض يبي يسولف لجانق ومسؤول عنه. كان يسألنا: عشّيتوه؟ تقهوى؟ كان أمداكم تمروّن به على ميناء العقير تراه بينبسط، يبي يروح يشوف البحرين ودّوه». هذه الحميمية «لا يمكن تطلع لو أن اللي بيننا لغة ثانوية أو إن الحوار يكون عندي والترجمة من جانق، لا، وهذه التفاصيل تفرق كثير بروح وهوية الفلم.»
يقولون إن «الانطباع» تأثر وتشبع، كأن تقول: انطباع عقل بأفكار بيئته.
وفي ظني الانطباع الذي يفترض أن يصلك مع كل لوحة لكيم هو انطباع باذخ الجمال والفن «طالع من السعودية بطبعة ريشة رجال عايش في الخُبر. هو أنت وأرضك وسماك. أشوف الفلم كذا، أخاف أني على غير يِمّه؟ ولكن هذا اللي وصلني»، انطباع كان صادقًا وحقيقيًا.
ويقولون أيضًا إن «طَبَع» تعني تركك لأثر، كأن تقول: طبَع الشيء، ترك عليه علامة وأثرًا.
«كيف أمي نورة عرفت إن هذا ما هو بقل منيرة؟ تقول: طبْعة اليدين على البقل ما هي يدين منيرة.»
«ودك إن كل شيء يؤخذ عنك يكون من طبعك، بقل كان ولا لوحة.»
وثائقيات «فلان» عن الإنسان المحلي وارتباطاته بالعالم من حوله.